أمريكا والعالم لن يتركوا العراق لإيران وحدها   

تداعيات ازمة العراق السياسية

منذ أكتوبر 2019 حيث أعلنت نتائج الانتخابات عن خارطة اختلفت في طبيعة التوجهات السياسية لما سمي ” بالبيت الشيعي ” وهو توصيف طائفي اضطرت وسائل الاعلام والكتاب والإعلاميين التعامل معه بالإجبار لكي يصل الى فهم عامة الناس . القوى الحزبية الشيعية انقسمت ليس على أساس فكري آديولوجي , لأن جميع أولئك الفرقاء ينتمون الى الإسلام السياسي الشيعي , لكن تجربة الحكم التي ستدخل بعد أشهر عامها العشرين جعلت من التدخل والنفوذ الإيراني في الشأن العراقي إضافة للمصالح النفعية لجميع تلك الأحزاب والجماعات سبباً رئيسياً للانقسام والتناحر فيما بعد .

عناوين عديدة لمفاهيم لم تعهدها التجارب الديمقراطية في العالم أُطلقت على ما سمي بحراك تنفيذ آليات الانتخابات , بعضها لم يحددها دستور العراق لعام 2005 الغامض في مواده الذي كان المرجع القانوني لجميع الخلافات والصراعات السياسية بين فرقاء قادة الأحزاب وسعيهم للحصول على مواقع ومكاسب سلطة الحكم . لذلك كانت واحدة من مؤسسات القضاء العليا في البلد وهي ” المحكمة الاتحادية ” الملاذ الأخير لتمرير أهداف التحكم وعدم ضياع سلطة القوى الشيعية والتي عُرفت فيما بعد ” بالولائية ” تعني الولاء للنظام الإيراني الذي أصبح صاحب النفوذ الأول في العراق . قامت هذه المحكمة بإلغاء نتائج انتخابات عام 2010 التي فازت فيها كتلة اياد علاوي القائمة العراقية بفارق صوتين لصالحها وأعطت رئاسة الوزارة لنوري المالكي .

كان المطلوب إيرانيا وبرضى أمريكي استبعاد كتلة اياد علاوي للخشية من تراجع ثم تعطيل المشروع الطائفي في العراق . فجاء قرار ما سمي ” بالكتلة الكبر داخل البرلمان المنتخب الجديد” واحدة من تمرير لعبة المحاصصة الطائفية في البلد .

بعد اثني عشر عاماً تتجدد لعبة استخدام المحكمة الاتحادية وهي في واجباتها تفسير المواد الدستورية بعدالة تامة , فدخلت في عام 2022 على خط نتائج الانتخابات للتعطيل بعد فوز مقتدى الصدر وتياره في المرتبة الأول 75 مقعدا تجاه منافسيه الآخرين ” من البيت الشيعي ” حيث تدنت أصواتهم لمقعدين مثلاً للزعيم الديني عمار الحكيم , وذات المقاعد لكتلة حيدر العبادي كذلك التراجع المدوّي لقائد منظمة بدر هادي العامري حيث حصل على 14 مقعدا بعد ان فاز ب 47 مقعدا في انتخابات عام 2018 الذي تحولت كتلته الى مظلّة للمليشيات الولائية .

أصبح الاستقطاب والتناحر والصراع حقيقة واقعية واضحة بعد ما سميت جهات التنافس ب ” الاطار التنسيقي ” الذي ضم كتل نوري المالكي وهادي العامري وميلشيا العصائب برئاسة قيس الخزعلي , مقابل تحالف ” انقاذ وطن ” الذي يضم الكتلة السنية ” السيادة ” والكتلة الكردية بزعامة الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيسه مسعود البرزاني .

يبدو إن المناكفات والسياسية والإعلامية لقيادة الاطار التنسيقي بزعامة نوري المالكي واستخدام المحكمة الاتحادية للتشكيك بنتائج الانتخابات ثم قضية الكتلة الأكبر والمكون الكبر لم تفشل نتائج الانتخابات والفائزين بها . كذلك لم تحقق هذا الغرض ما أقدمت عليه كتل الاطار التنسيقي الى أن تتحول بما سمي بالثلث المُعطّل في استيراد للتجربة اللبنانية التي جلبت الخراب على هذا البلد .

لحد كتابة هذه السطور ما زالت الحالة السياسية في البلد بما تسمى حالة  ” الانسداد السياسي ” كواحدة من التعابير والمصطلحات التي تسود في المسرح السياسي العراقي حالياً .رغم المشكلات الكبيرة التي تنتج عن توقف آليات تشكيل الحكومة الجديدة بعد أن أصبحت منذ اعلان الانتخابات المبكرة ونتائجها بأن حكومة مصطفى الكاظمي هي حكومة ” تصريف أعمال ”  بمعنى لا يحق لها بشكل رئيس إقرار والتصرف بميزانية تموّل مصروفات البلاد.

خلال هذه الفترة وبسبب نعمة حرب أوكرانيا على بلدان انتاج وتصدير النفط حيث وصل الى 120 دولار للبرميل الواحد , هذا يعني ازدياد موارد العراق المالية بما يقترب من خمسين مليار دولار لنهاية عام 2022 كان لا بد من وضع ترتيبات استثنائية للصرف يعيداً عن الميزانية الغائبة , فتبنت الكتلة الصدرية المهيمنة على البرلمان الجديد مشروع قانون ” الأمن الغذائي ” لإجازة صرف مبالغ معينة ( 24 ) مليار دولار  لسد النفقات المطلوبة في توفير الغذاء الذي أصبح حاجة أساسية للعراقيين بعد الطفرة في أسعاره عالمياً .لم تتمكن قوى الاطار التنسيقي من تطيل مشروع القانون واضطرت على الموافقة عليه وصدوره في الثامن من شهر يونيو 2022 .

الأزمة السياسية ما زالت مستعرة رغم دخول ما سمي بالمستقلين وهم مجموعة النواب الذين فازوا على وقع ثورة ” أكتوبر ” 2019 لكنهم لا يمثلونها . لم يعد عنوان ” المستقلون ” يرمز الى دلالاته السياسية , لأن قرابة الأربعين نائباً تحول غالبيتهم  الى تابعين لقيادة الأطار ورئيسها نوري المالكي وتم الحديث كثيراً عن رشى مادية ووعود بالمناصب إذا ما اصبحوا جزءاً من كتلة الاطار لكي تفوز على منافستها كتلة ” انقاذ وطن ” . يبدو إن الأزمة ستستمر في عدم عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية ” الكردي ” التي تكون مقدمة عملية لانتخاب رئيس الوزراء ” الشيعي ” الى ما بعد ثلاثين يوماً من تاريخ الثامن من يونيو بسبب العطلة التشريعية للبرلمان العراقي .

قانون منع التطبيع مع إسرائيل

تاريخيا وسياسيا لا أحد من شعوب العرب وسياسييه غير الفلسطينيين أكثر من شعب العراق تمسكاً بعروبتهم وبقضية فلسطين . منذ تاريخ نكبة فلسطين خلال وبعد الحرب الخاسرة عام 1948 شهدت أرض فلسطين قيم  التضحية والاستشهاد التي عبّر عنها المقاتلون العراقيون من أجل استعادة الأرض الفلسطينية المحتلة من المغتصب الصهيوني لكن الإرادة الاستعمارية ومهادنة وتخاذل الأنظمة العربية منعت ذلك . نصب مقبرة شهداء معركة فلسطين في جنين يحوي جثامين 44 شهيدا عراقياً شاهد على ذلك.

شارك العراق في حرب 1967 التي أدت الى النكسة والهزيمة مرة ثانية أمام إسرائيل المدعومة من أمريكا وأوربا والعالم , مقبرة شهداء الجيش العراقي في مدينة المفرق الأردنية شاهدة كذلك على التضحية والفداء . اندفاع الجيش العراقي الى الأراضي السورية لحماية دمشق من السقوط الحتمي بيد الجيش الإسرائيلي عام 1973 وقصة انتقال الدبابات العراقية بوقت قياسي على ” السرفة ” أي عجلات الدبابات معروفة .

وصِف النظام العراقي 1968- 2003 بأنه بالغ في التمسك بحق شعب فلسطين في تحرير أرضه , قدم للأنظمة العربية مشاريع للصمود والمواجهة بعد عزل نظام التطبيع الأول في مصر السادات نهاية عام 1977 . وصل الاعتزاز بشهداء فلسطين من قبل نظام ما قبل 2003 درجة كبيرة حيث خصص راتب تقاعدي من حكومة العراق لعائلة كل مقاتل شهيد فلسطيني . لهذا ناصبت إسرائيل العراق العداء ودمرت مفاعله النووي في بغداد عام 1981 .

 أولويات إسرائيل أمنها , قضية ليست للمزاح , لم تعد فكرة التطبيع مع مصر والهدنة الأبدية الرديفة للتطبيع مع سوريا كافية . لا تتردد إسرائيل بعد أن قوى عودها إثر هزيمة العرب عام 1967 وحرب التحريك 1973 في التخطيط مع القوة الامريكية الصاعدة في التفرّد في العالم لإزاحة أي نظام عربي إذا ما تبيّن لها جدّيته مع اشقائه العرب في بلورة مشروع سياسي يعيد الأرض الفلسطينية المحتلة بعد عام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية وفق القرار الدولي 242  وعاصمتها القدس الشرقية.

دخل نظام خميني 1979 في معادلة الوجود الاسرائيلي , كانت اللعبة عميقة ومتقنة .. مخادعة تم تمريرها وما زالت فاعلة في الذهنية الجمعية العربية المحُبطة من خلال التظاهر بمعاداة النظام الإيراني لإسرائيل , حتى إن هذا النظام لوّح بأن تحرير القدس لن يمر إلا عبر كربلاء بعد إسقاط نظام الحكم ” البعثي الكافر ” . الحقيقة قالت بأن إسرائيل ومعها الإدارة الامريكية حمت نظام خميني من السقوط خلال الحرب مع العراق على ايدي الإيرانيين . الشاهد فضيحة  ايران غيت .

نظام أحزاب الفساد والعمالة بعد عام 2003 وبتوجيه مباشر من النظام الإيراني ضايقوا على الفلسطينيين الذين عاشوا منذ النكبة الأولى عام 1948 في العراق ووزعت عليهم خاصة في بغداد البيوت التي تأوي عوائلهم , وتعايشوا مع العراقيين باحترام ومحبة .ثم صدرت القوانين العراقية بمساواة الفلسطينيين للعراقيين بجميع الحقوق ما عدا الاحتفاظ بالجنسية الفلسطينية.

الإجراءات قاسية في حملات تهجير الفلسطينيين من العراق من قبل قادة الأحزاب أنفسهم الذين دفعوا الآن لتشريع قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل . تذرعوا في طرد الفلسطينيين من العراق بحجج طائفية وسياسية كاذبة كتعاطف الفلسطينيين مع النظام السابق , هم لم يختلفوا عن حكام الكويت الذين طردوا الفلسطينيين المقيمين بذات الحجج الكاذبة . تحمّل الفلسطينيون صنوف العذاب والتشرّد نتيجة هذه القرارات الجائرة التي تكشف الخدعة الحالية بدعوى تجريم التطبيع مع إسرائيل .

أمريكا والأمم المتحدة .. ردود أفعال أزمة العراق 

رغم ما ساد من تكهنات وتوقعات للمراقبين والمحللين حول انحسار الدور الأمريكي في العراق , وهي حقيقة واقعية خاصة بعد مجيئ جو بايدن للبيت الأبيض يناير  2021 وما حمله من إرث الرئيس السابق باراك أوباما الموصوف بانه سلّم العراق لإيران على طبق من ذهب , تعززت فكرة الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب الذي دعا الى طي صفحة الحروب الامريكية في الخارج ومن بينها العراق وأفغانستان وتكاليفهما البشرية والمادية الكبيرة, والتوجه للداخل الأمريكي  , بايدن وجه الاهتمام الأمريكي الى شرق آسيا ( روسيا والصين ) ثم الدخول الفعلي في الحرب ضد روسيا عبر أوكرانيا في فبراير 2022 .

قد يكون مأزق الملف النووي ومباحثاته في فينا خاصة بين أمريكا وايران واحداً الى جانب  عوامل وتأثيرات وضغوطات حرب أوكرانيا سبباً لوجستياً في تطورات ذات نسغ سياسي ولوجستي في إعادة الاهتمام بالشأن العراقي كجزء حيوي من الاهتمام في الشرق الأوسط ومحاولات ادارة بايدن معالجة حالة التدهور في العلاقات الأمريكية مع الرياض وعواصم الخليج الأخرى خصوصاً دبي التي لم تصوت ضد العقوبات الأممية ضد روسيا .

تترافق مواقف أمريكية جديدة وأحداث في أيام متقاربة زمنياً تبدو في واجهتها ديبلوماسية أممية بشكل مكثف مقابل تداعي الأزمة السياسية العراقية في بغداد . أبرزها على المستوى الديبلوماسي الأممي والأمريكي التصريحات ذات النبرة المستاءة لما يحصل من تأخير لتشكيل الحكومة في بغداد .

نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون العراق وإيران جينيفر جافيتو قالت أن التأخير في تشكيل الحكومة العراقية خلق عقبة أمام تطوير العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق. وحذرت من أن “عدم وجود حكومة فاعلة سيؤدي إلى عدم الاستقرار في العراق” فضلاً عن “عدم ثقة المجتمع الدولي والشعب العراقي في العملية السياسية العراقية”.وعرّفت عن ما تريده واشنطن من العراق ” تريد أمريكا عراقاً قوياً وموحدًا ومرناً وذو سيادة، وسنكون في هذه المرحلة مع العراق لتقديم المشورة والمساعدة والدعم لهم، لأننا كنا دائماً أصدقاء للشعب العراقي”

تعيين سفيرة أمريكية جديدة في العراق ألينا رومانوسكي لديها خبرة معمقة في شؤون العراق والمنطقة، على مدى أربعين عاما من العمل في وكالة المخابرات الأميركية وفي وزارتي الدفاع والخارجية بصفتها خبيرة في الإرهاب، ومتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، تحديدا، إضافة إلى أنها درست في جامعة تل أبيب، وتعلمت اللغتين العبرية والعربية. أكدت بعد تقديم أوراقها واجتماعها مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي “أن الولايات المتحدة تجدد التزامها بـ”دعم عراق آمن ومستقر ومزدهر لكل المواطنين”.

التطور الأمريكي المهم والذي يحمل ابعاداً من الصعب التكهن بها في الحالة العراقية هو تجديد الرئيس بايدن لقانون الطوارئ الخاص بالعراق , إضافة الى فعالية قانون يجيز استخدام القوة العسكرية بإسم (  AUMF) وهو الذي استند إليه الرئيس الأسبق جورج بوش الابن في غزو العراق كما استخدمه الرئيس السابق دونالد ترامب لاغتيال قاسم سليماني ورفيقة أبو مهدي المهندس في مطار بغداد في يناير 2021 .

لندن تتحرك على ذات الإيقاع القلق من تأخر تشكيل حكومة بغداد . السفير البريطاني في العراق مارك برايسون ريتشاردسون حذر الكتل السياسية من تحديات طويلة الأمد تواجه العراق في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية .

مغزى التحوّل في موقف  بلاسخارت

اكتشفت بلاسخارت في وقت متأخر أن العراق ليس بحاجة إلى حكام مسلحين ينصبون أنفسهم زعماء. وأن دبلوماسية الصواريخ أفعال متهورة مع ما قد يترتب عليها من عواقب مدمرة محتملة. سبق للممثلة الأممية  بلاسخارت أن توقعتْ وأخطأتْ في حساباتها بأن القوى الولائية وأحزابها في العراق ستتعاطى مع فكرة الانتخابات المبكرة لتكون مخرجا سلميا للحل لكي تسوّق نجاحها في المهمة، لكنها فوجئت بوصف قادة الميليشيات للانتخابات المبكرة “بأنها مؤامرة أميركية”.

توهمت أن كلامها الدبلوماسي الناعم مع قادة الميليشيات ببغداد، أو ذهابها للنجف واللقاء بمرجعيتها، قد يترك آثاره ويفتح نافذة للتهدئة ثم الحوار مع الشعب الثائر، أو خضوعها لخدعة أحد قادة الحرس الثوري السفير أريج مسجدي بالذهاب إلى طهران واللقاء بمسؤول مكتب المرشد خامنئي، علي أكبر ولايتي، الذي صدمها برفضه طلبها تخفيف قبضة الميليشيات على الانتخابات وبتصريحه المتعجرف بعدم قبول تدخل أحد غيرهم في الشأن العراقي.

كان جديرا بها أن تجعل من ثورة أكتوبر 2019، بوصفها تعبيرا واقعيا لرفض النظام القائم، قاعدة معلومات توصلها بأمان إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي، وما صاحبها من جرائم قتل لأكثر من 800 شهيد وعشرات الألوف من الجرحى، وإجبار الثوار رئيس الحكومة عادل عبد المهدي الأكثر إباحية في التواطؤ مع القتلة على الاستقالة. كذلك سلسلة الاختراقات الصارخة للأمن الوطني كمحاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وغيرها من الانتهاكات. لم يطلب شعب العراق منها الانحياز أو أن تصبح شرطيا دوليا في العراق، بل ناقلا أمينا للحقائق.

تراكم الأحداث واضطهاد وقتل العراقيين والفشل والتورط المخزي في الفساد الذي يعود على واشنطن بالحرج، ثم وقوعها في السنوات الثلاث الأخيرة في دائرة الاستهداف العسكري الميداني من قبل الولائيين، وتصاعد مشاعر القلق من احتمالات حصول إزاحة جديّة لقادة النظام الفاسد على يد الشعب، وهي نتيجة لا تقبلها القوى والأطراف الدولية والإقليمية، كل ذلك أجبر مجلس الأمن الدولي في نيويورك على معرفة تفصيلات ميدانية لما يحصل من خلال ممثليته في بغداد، أضيفت إلى الكم الهائل من المعلومات الاستخبارية لأكبر سفارة أميركية في العالم.

تحولت حيرة بلاسخارت، بعد نتائج الانتخابات الأخيرة وما شهدته من تجاوزات على الديمقراطية والدستور وتعريض البلد إلى مخاطر جدية، إلى الاستجابة الذكية لضغط الأحداث ورغبة مسؤوليها في معرفة ما يحصل، وإلى مسار جديد عبر موسمَي الإحاطة في الرابع والعشرين من فبراير والسابع عشر من مايو 2022.

كانت المفاجأة التي أغضبت الولائيين، ولم يعطها أهمية أصحاب النكبة العراقيون، صراحة بلاسخارت في توصيف الوضع السياسي في العراق خلال المداخلة الأخيرة في السابع عشر من مايو 2022  التي فيها من الأبعاد السياسية ما يتجاوز الانطباعات الشخصية لأول مرة تحدثت بلغة سياسية ناقدة، فاضحة لمشروع نظام الحكم ببغداد، فاقتربت من التوصيف الموضوعي لنزع شرعيته. يبدو أنها استلمت الرسالة بأن تُفصح عن جزء من الأسباب السياسية لكارثة العراق، وهي أحزابه الفاسدة وميليشياتها القاتلة، واستماتتها للهيمنة على السلطة رغم هزيمتها الانتخابية.

الآن اكتشفت بلاسخارت “أن العراق ليس بحاجة إلى حكام مسلحين ينصبون أنفسهم زعماء. وأن دبلوماسية الصواريخ أفعال متهورة مع ما قد يترتب عليها من عواقب مدمرة محتملة، وأن الطبقة السياسية تبيح للجماعات المسلحة حرية إطلاق الصواريخ وتنجح في الإفلات من العقاب. ما الذي يتطلبه الأمر لإدراك أن هذا وضع من المتعذر الدفاع عنه على الإطلاق بينما يمكن للغضب الشعبي المتصاعد أن يندلع في أي لحظة”.

بيان غير معهود ومفاجئ للطبقة السياسية الحاكمة في العراق أطلقته بلاسخارت، وإعلان أممي  بإخفاق القادة السياسيين وحكمهم في إدارة البلد وتحول العراق إلى دولة فاشلة. هذا تطور مهم يفتح آفاقا سياسية جديدة أمام شعب العراق وقواه الوطنية.

المهم بالنسبة إلى العراقيين ليست صحوة بلاسخارت المتأخرة بجانبها الشخصي على أهميتها، فقد تنتهي وظيفتها في العراق ويأتي بديل آخر، إنما طلبهم وسؤالهم المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة ومن خلال مجلس الأمن، في ما إذا كانت مسيرة الثقة الدولية بهذا النظام الفاسد ستتوقف بعد الإعلان الأممي الجديد، لتصبح هذه الخطوة بمثابة سحب عملي لغطاء ألحق الأذى بشعب العراق لتسعة عشر عاما، وللدخول في بداية مشروع جاد لسحب تلك الثقة من زعمائه، ومعاونة الشعب العراقي ودعمه في مشروع خلاصه الجدّي من الاحتلال الإيراني وإزاحة عملائه من السلطة في بغداد.

يبدو إن واشنطن اكتشفت بأن تسليمها العراق بسهولة الى طهران كان خطأ استراتيجياً وسياسياً مؤذياً لشعب العراق والأهم لمصالح أمريكا في منطقة الشرق الأوسط . تطاول ايران واستهتارها بجميع مقاييس الأمن الإقليمي والدولي واضرارها المباشر بمصالح جميع شعوب المنطقة وبمصالحها حفز إدارة بايدن للتعاطي مجدداً لدرء المخاطر الإيرانية وتعطيل اختطافها للعراق , لا تعمل ذلك وفق سياستها الجديدة من اجل مصالح العراقيين انما خدمة لمصالحها في المنطقة .

العدد 130 / تموز 2022