الفنان التشكيلي هاني بعيون أفرد بالحجر فأبدع، ورسومات تطفو على مهد الانسانية

بيروت ذ رنا خير الدين

1479976885
اضاف للحجر روحاً

ينساب إبداعه على ملء الأعين، أصيل الأداء فريد الموهبة، دائم التطور منبثق من الواقعية، عن من نتحدث؟ نتحدث عن حكاية فنان تشكيلي بدأ الرسم منذ الصغر وجهد على موهبته حتى صار اليوم فنانا لبنانياً عاصر واقعه وتجاربه ووصل للعالمية. فنّه تخطّى الأحلام وسبق الخيال، واكب عصره وقدّمه لوحةً تحكي كل منها قصة، في زمن ومكان معيّنين. ابن بيروت الفنان التشكيلي والرسام هاني بعيون لم يتوان يوماً عن الإخلاص لعروبته وقوميته ووفائه لهويته. ففي ظل الحروب والفساد يؤمن بالأمل يدعو للسلام، ويطفو على وجه الانسانية، ويرجع إلى قطع المحبة والأخلاق فيه، وهذا ما يظهر بأعماله طفرةً، وهي بمعنى آخر انعكاس سلامه الداخلي وإيجابيته مع الأحداث. عاش الفنان والأكاديمي هاني بعيون في بيروت، وكانت نشأته خلال الحرب اللبنانية، التي سمحت له رغم صعوبة ظروفها وآلامها أن يرسم، عبر تفرّده أكثر وقتاً للرسم، ما سمح له بتنمية موهبته، على خطى والده الخطاط محمود بعيون، حيث قام الأخير بتوجيه ولده عن كثب.

شارك بعيون أثناء الحرب اللبنانية بمعرض رسومات خاص بأثر الحرب على الفنانين، حينها رسم بعيون لوحة لفتاة صغيرة جالسة تحمل لعبتها بيدها، ثوبها ممزق، علامات الخوف في عيونها إلى جانب سحر جمالهما، رسم بعيون هذه اللوحة بأقلام الرصاص، ويمكن تميز هذه اللوحة بدقتها، ما جعل الزوار يعتقدون أنها صورة فوتوغرافية، لذا حصدت على إعجاب الجميع ومنهم الصحافي الراحل غسان التويني الذي ذكّرته بابنته المتوفية. باختصار لا تكفي الأوراق لاختصار تجارب الفنان هاني بعيون، لما لها – ككل فنان ذ من مر وحلو، ونجاحات تارةً فشلات تارةً أخرى، إلى أن وصل الأمر به إلى التوجّه نحو الصفاء والنقاء الروحي الانساني الذي يضفي على رسوماته طعماً فريداً. وتجدر الإشارة إلى أن بعيون أستاذ أكاديمي في جامعة بيروت العربية  كلية الإعلام، يدرس قواعد السيناريو والإخراج في الأفلام الوثائقية.

الرسم على الأحجار آخر تطورات بعيون مع الفن، وهو ما يميزه عن الآخرين، وما جعل من شخصيته حكاية، يتشوق الفرد للغوص في مضامنها، وفي تفاصيلها العجب، نعرضها لكم فيما يلي.

»الحصاد«: أخبرنا عن مشوارك مع الرسم.

»هاني بعيون«: في الحقيقة، والدي كان رساماً وخطاّطاً معروفاً لذا تأثرت منذ الصغر بفنه وأعماله، وقد كان يشجّعني وأخي دائماً على تنمية موهبة الرسم لدينا، بدايةً كانت مع مجلات الكرتون الخاصة بالأطفال التي كنا نملأها برسوماتنا ويقوم والدي بتصحيحها لنا، وتأثرت كثيراً بلوحاته الخاصة بالانتخابات، كنت أراقبه وأحاول الرسم بعده على الأوراق نفسها، ومن هنا بدأت حكايتي والرسم، وتوجهّت في طريقي نحوه بشغف، لذا بعد الثانوية أحببت الدخول في مجال خاص الديكور، وفعلاً دخلت هندسة ديكور، وسنة أولى ربحت بمسابقة للطلاب غيّرت مسار حياتي وشوقتني للذهاب لروما لمتابعة دراستي بنصيحة من إحد الدكاترة آنذاك. وهناك، درست ما يسمى بالتواصل عبر الفن، وهو له علاقة بالاتصال مع الجمهور والمشاهدين والتفاعل بينهم وهو ما نجده في الإعلانات على حد سواء، عند عودتي من إيطاليا شاركت بعدة معارض رسم، وشاركت بعدة ندوات إلى جانب مختصين من كافة أنحاء العالم.

»الحصاد«: كيف كانت تجربتك مع الرسام ريتشارد ويليامز؟

»هاني بعيون«: عام 1999 سافرت إلى لندن ودرست على يد المخرج الفنان العالمي ريتشارد ويليامز، التجربة التي كانت فريدة من نوعها، درست الرسوم المتحركة، ودخلت نحو السيناريو والسينما أكثر والذي يرتبط بالطبع بالرسم. تطورت كثيراً أثناء العمل معه، وتعلمت كل ما يخص الرسوم المتحركة.

»الحصاد«: لماذا اخترت الرسم على الأحجار؟

»هاني بعيون«: الأحجار من الطبيعة، كل حجر يحكي قصته، مرّت عليه القرون، كل الحجر يتميز بفرادته، كل حجر فريد بحكايته وجماليته وطبعاً هو فريد عن سواه، هذا ما دفعني نحو الرسم على الأحجار، ما استقطب إعجاب الناس وأثار دهشتهم. فالطبيعة نحتت الأحجار ورسمت هندستها إلى أن وصلت على ما هي عليه وصارت عندي لذا تستحق هذه المادة أن نصنع منها ما هو جميل وخلاب يسمح بالاحتفاظ عليه مع إضقاء الحياة إليه.

»الحصاد«: ما العنصر الأبرز في اللوحة، أهو اللون، أم الفكرة؟

»هاني بعيون«: اللوحة هي عناصر مجتمعة وممزوجة فيما بينها، أي عناصر جمالية اللوحة مع بعضها البعض، تبدأ من الفكرة أي ما أريد أن أقوله في اللوحة والرسالة منها، بعدها توزيع الفكرة على المادة التي أستعملها ورقاً كانت أم حجراً إلى ما هنالك بطريقة تشد المشاهد وتلفت انتباهه، ثم اختيار الألوان المستعملة، كل هذه العناصر اذاً تحكي قصة اللوحة ومضامينها، لذا لا يمكن عزل عنصر من عناصرها، أو ابراز عنصر على حساب الآخر لأن أي تقصير بحق عنصر ما، يخفف من وطأة هدف الرسالة من اللوحة.

خلال رسم صورة الببغاء والتاجر التي طلبت إلى تركيا
خلال رسم صورة الببغاء والتاجر التي طلبت إلى تركيا

»الحصاد«: كيف للوحة أن تسرد حكاية للمشاهد؟

»هاني بعيون«: طُلبَ مني في إحدى المرات رسمة عن قصة، وفي تفاصيلها سردت هذه اللوحة قصة التاجر والببغاء؛ وتقول الحكاية، أوصى الببغاء صاحبه التاجر أثناء ذهابه إلى الهند أن يسلّم على أصدقائه وأن يسألهم كيف يتركونه وحيداً، راح هذا التاجر للهند وعمل بما أوصاه الببغاء، فقام أصدقاء بحيلة على التاجر بأنهم وقعوا أرضاً وماتوا، فرجع التاجر عند الببغاء وأوصل له الرسالة أن أصدقاءه في الهند قد ماتوا، فمات الببغاء حيلةً، فراح التاجر ليدفنه وما كان من الببغاء أن طار عند أصدقائه. لذا كما ذكرت أن اللوحة تسرد قصة ولكل منها مقومات خاصة بها وفرادة تصل للمشاهد بطريقة معينة، لذلك الرسم هو فن من فنون التواصل.

»الحصاد«: لأي مدرسة فنية تنتمي؟

»هاني بعيون«: الكلاسيكية، لا أتجه نحو التجريدية، لأنني أعتبر أن الفن من الواقع وابن الواقع، أقترب كثيراً للواقع، منذ فترة وأن أدخل في لوحاتي الخط العربي وذلك لأعطي هذه اللوحات هوية وانتماء والأصالة العربية.بالتالي الفن الذي لا يحاكي الواقع فهو ليس بفن، يصبح تجارة.

»الحصاد«: من أين تستوحي أفكارك؟

»هاني بعيون«: سأتكلم عن الرسم على الأحجار، في هذا الإطار كل حجرة تفرض فكرتها علي، مجرد ما أرها أشعر كأنها تقول لي فكرتها إن كانت مقولة أو آية أو رسمة، أي خصوصاً مع انعكاس التراكمات والخبرات والمدارك التي مررت بها في حياتي، أي أنني غير معزول بتاتاً عن أعمالي. وفي الفترة الأخيرة أركز على الناحية الانسانية في الأعمال والنقاء الروحي والصفاء الداخلي والصوفية، ما يبرز بشدة في رسوماتي اليوم.

»الحصاد«: لماذا تظهر الصوفية والدراوش بشدة في لوحاتك الأخيرة؟

»هاني بعيون«: صراحة بعد التجارب التي مررت بها، فني وأعمالي عبارة عن تراكم ثقافات وحضارات، لذا المراحل التي قطعتها كان لها دور كبير وكان لي عدة زيارات إلى اسطنبول تعرفت خلالها على مشايخ صوفيين من الدراويش تأثرت بهم كثيراً، لما لديهم من نقاء، وابتعادهم عن كل ما يهدم انسانية الفرد، لذا أحببت التعبير عن ذلك بطرقي الفنية الخاصة، وألفت نظر الناس أن ما بعد الحروب ليس من الضروري أن يكون آثاراً سلبية بل يمكن أن يكون أحياناً أخرى له آثار إيجابية، من صفاء نحو الخالق والعودة إلى باطن خير الانسان وانسانيته.

»الحصاد«: ما سبب استعمالك للون الأزرق غالباً؟

»هاني بعيون«: هو لوني المفضل منذ صغري، والسبب لصفاء هذا اللون ونقائه، يدخل الراحة والسلام للنفس، هو لون السماء والبحر، كما أنه يأتي في المرتبة الأولى، ثم ياتي اللون الأخضر الموجود في الطبيعة، هذه الألوان تريح النفس. في سياق منفصل، أختار الألوان التي تخدم فكرتي، كل لون مدروس مع العبارة والرسم مع معنى الرسمة ورسالتها لتتشكل في النهاية جمالية وفرادة اللوحة.

»الحصاد«: هل استغنيت عن الورق لصالح الأحجار؟

»هاني بعيون«: بالتأكيد لا، الورقة بداية كل خطوات الرسم لا بد أن أقطع مراحلها وبالتالي لا يمكن التخلي عنها. أبقى على الوفاء للورقة وقلم الرصاص.

»الحصاد«: ثمة إعجاب فائق لأعمالك على الأحجار، ما السر؟

»هاني بعيون«: لفرادتها، هو أمر جديد بالنسبة لهم، وكل جديد مبدع يلفت الأنظار بشكل مدهش، من هنا حصدت الرسومات على الأحجار هذا الإعجاب، لأن الناس يحتاجون دائما للتطور بالفن ومتابعة كل ما هو جديد، يعبر عن انسانية بطرق خلاّقة.

»الحصاد«: ما رأيك بوضع الفن التشكيلي، إقليمياً ودولياً؟

»هاني بعيون«: ثمة عدد كبير من مبدعين وأعمالهم لامعة وبراقة تستحق التقدير، هناك فنانون لديهم خط خاص لا يفهمه الكل، لكن بالاجمال لدينا إبداع وتميز بالفن العربي، من جميع الدول العربية، لكن المشكلة في قبول الناس على هذه الأعمال مرتبط دائماً بالأوضاع الأمنية والاقتصادية، فنرى الناس همها بمشاكلها الحياتية اليومية غير قادرة على الانجذاب للفنون والتفرغ لها كما يجب.

»الحصاد«: أين يلتقي عملك الأكاديمي مع فنك، وكيف توفّق بينهما؟

»هاني بعيون«: عملي الأكاديمي مختص بتعليم الأفلام الوثائقية والدراما، واذا أردنا تصنيف الوثائقي والدراما هو علم تواصل، يعدّ من التواصل عبر الفن، وهنا يلتقي بقوة مع الرسم، ينبعان من القاعدة نفسها، لذا يختصان بالتواصل والتفاعل مع الجمهور، لكن تختلف الطريقة. والسر فيه أن يعرف الفنان لمن يتوجّه.