الذكرى 54 لثورة أكتوبر، والذكرى 55 لثورة سبتمبر

الثورتان التوأم

معن بشور

تهنئة مزدوجة وممتزجة بطعم الألم وطيب الأمل لكل اليمنيين بالذكرى 44 لثورة أكتوبر التحريرية في جنوب اليمن، كما التهنئة موصولة لكل يمني بالذكرى 45 لثورة سبتمبر في شمال اليمن.

ففي أكتوبر 1963 شارك يمنيون من الجنوب والشمال في صناعة ثورة الاستقلال عن الاستعمار البريطاني، وفي ثورة سبتمبر 1962 شارك يمنيون من الشمال والجنوب في إخراج بلادهم من دياجير الظلام إلى رحاب الحرية… والجمهورية…

كنا في الجامعة في بيروت نعيش تلك الأيام المجيدة في صنعاء وعدن، ولم نكن نميز بين رفاقنا اليمنيين من هو الشمالي ومن هو الجنوبي، وخصوصاً أن بعضهم كان من أمهر لاعبي كرة القدم…

في سبتمبر 1962 قلنا ثأر اليمن من انفصال إقليمي الجمهورية العربية المتحدة قبل عام…

في نوفمبر 1967 قلنا لهم بطردكم الاستعمار البريطاني من بلادكم كنتم تثأرون من نكسة حزيران 1967… وبتوحيدكم للمشيخات المتنازعة في دولة واحدة كنتم تسلكون طريق الوحدة اليمنية والوحدة العربية…

من يونيو إلى سبتمبر 1982 جئتم كتيبتين من صنعاء وعدن إلى بيروت  لتساهموا في الدفاع عن عروس عواصم الأمّة بوجه الغزو الصهيوني فتوحدتم على أرضها بدمائكم وتضحياتكم…

عاشت ثورتا سبتمبر وتوأمها أكتوبر…

وعاشت وحدة اليمن صخرة بوجه كل الطامعين…

الفجوة تتزايد بين النيّات والقدرات

خطاب ترامب لا يكشف تناقض الرئيس الأمريكي مع نفسه وتراجعه عن »عاصفته« بعد هدوء فحسب، بقدر ما كشف أيضاً الفجوة المتزايدة بين النيّات العدوانية للإدارة الأمريكية وبين قدراتها… فما كل ما تتمناه واشنطن تدركه… إذ تجري رياح الكون بما لا تشتهه سفن البيت الأبيض…

أما تهديد ترامب للمقاومة اللبنانية، وتحديداً حزب الله، يجعلنا نسأل متى توقف العدوان الأمريكي والصهيوني وأدواتهما في المنطقة عن استهداف المقاومة اللبنانية، وتحديداً حزب الله، منذ عشرات السنين، حتى نعتبر أن ما ورد في كلام ترامب جديداً؟!!!…

بلطجة

بالإضافة إلى العديد من التحليلات التي تعطى لتفسير مواقف ترامب من الاتفاق، هو أن الرئيس الأمريكي، الذي لا يرى حلاً لأزمة بلاده الاقتصادية إلا بفرض الخوات على الدول النفطية، ليس مستعداً لأن يعيد لإيران أموالها المجمدة في المصارف الأمريكية من زمن الشاه قبل 38 عاماً ونيف والتي نص الاتفاق مع طهران على إعادتها…

فلا هو قادر على الخروج من الاتفاق ولا هو راغب في تطبيق كل بنوده… هنا تتقاطع أسباب عدة لتفسر هذا الموقف.

عربة بجوادين

تحققت إرادة الشعب الفلسطيني بالمصالحة التي تصون المشروع الفلسطيني الذي اعتبرناه دوماً عربة يقودها جوادان، أولهما الوحدة. وثانيهما المقاومة. الأولى تحمي الثانية، والثاني تحصن الأولى…

مشهد وحدوي في يوم الوحدة

لم يكن مشهداً عادياً ذاك الذي احتضنته عاصمة الوفاء للزمن الجميل، بيروت، حين احتشد في الشوارع المحيطة بمسرح أريسكو ذ بالاس في محلة الصنائع، وفي قاعاته وممراته الفسيحة الآلاف من أبناء المناطق اللبنانية كافة، وقد أتوا يرددون الشعار ذاته، بل القسم نفسه الذي ردده قبل 52 عاماً قائد كبير كجمال عبد الناصر يوم أعلن ولادة الجمهورية العربية المتحدة…

لم يكن المشهد عادياً حين يجتمع على منبر واحد قادة عروبيون من مشارب ناصرية وبعثية وقومية متعددة، كما اجتمع أسلافهم قبل نصف قرن يوم الوحدة الرائدة، متلاقين في خطاب واحد رغم تعدد مفرداته وعباراته، بعد أن ظن كثيرون أن لا تلاقي بينهم، فقد كان المشهد جواباً على سؤال كان يلح منذ عقود على الناصريين والبعثيين والقوميين: كيف تنادون بالوحدة وأنتم عاجزون عن توحيد صفوفكم، كيف تسعون للارتقاء بالأمة وأنتم غارقون في التشرذم والتمزق وتغليب الأداة على الهدف، والوسيلة على الغاية، والثانوي من الخلافات على الرئيسي من المشتركات.

ولكي لا نغرق في التفاؤل، فما جرى بالأمس كان مجرد مهرجان دعت إليه اللجنة القومية لإحياء ذكرى الوحدة، تماماً مثلما كانت أنشطة المنتدى القومي العربي الجامعة الممتدة من طرابلس شمالاً حتى صور جنوباً، فهو إذن لم يكن إعلان جبهة أو تشكيل تحالف أو تأسيس تنظيم موحد، ولكنه كان رسالة مهمة وقوية في آن… رسالة موجهة أولاً وأخيراً لأبناء التيار العروبي الوحدوي في لبنان والوطن العربي بأن صدقيتكم تبقى أولاً وأخيراً في فعلكم الوحدوي، فإذا لم ننجح حتى الآن في وضع النظام الرسمي العربي على طريق التضامن والتكامل واستقلال الإرادة، فلنضع الحراك الشعبي العربي في هذا السياق… فالعروبة الجامعة هي صمام الأمان في وجه عصبيات بدائية، والاتحاد العربي هو طريقنا لندخل العصر، وحركة التحرر القومية هي حاضنة المقاومة العربية في كل ساحاتها الفلسطينية والعراقية واللبنانية.

ومهرجان الوحدة العربية بالأمس، ليس بعيداً، في روحه ومحركاته ومحركيه وفي مكوناته والمشاركين فيه، عن الملتقى العربي الدولي لدعم المقاومة الذي انعقد قبل أسابيع ليضم تيارات وقوى وشخصيات تبدو للوهلة الأولى متباعدة أو متنافرة، فتحتضنهم أيضاً بيروت التي قاومت المشاريع والأحلاف الاستعمارية منذ أواسط القرن الماضي، والتي انطلقت منها الرصاصات الأولى بوجه الغزو الصهيوني 1982، فجاء ردها على الاحتلال آنذاك، كرد بغداد على الاحتلال عام 2003 رداً فورياً حاسماً قاطعاً، لم يتوقف إلا مع التحرير على يد المقاومة الإسلامية والقومية عام 2000.

ولقد فرك الكثير من أبناء جبل الوحدة الرائدة المغدورة، جيل ناصر والبعث والقوميين العرب، عيونهم وهم يرون الآلاف من أحياء عاصمتهم ومناطق وطنهم يتقاطرون إلى مهرجان الوحدة، وقد قال بعضهم هل نحن في »حلم أو علم«، وتذكروا كيف كان أهل بيروت وكل لبنان يزحفون إلى دمشق في أواخر الخمسينات ليلتقوا قائد الوحدة على ضفاف بردى، وكيف زحفوا في 9 آذار 2003 إلى دمشق ليحيوا وقفة رئيس سورية الشاب الشجاع بشار الأسد في قمة شرم الشيخ رافضاً الحرب على العراق محذراً من مخاطرها على البلد العظيم، كما على الأمة كلها، بل محذراً من عواقبها على قوى الاحتلال نفسها.

صديق من ذلك الجيل قال معلّقاً على المشهد الحاشد المثير والمشع لبنانياً وعربياً: لا يعادل سعادتي بهذا اليوم، سوى قلقي على هذا المشهد الوحدوي من الاغتيال، فالمتضررون من تلاقي العروبيين كثر، والمدركون للمعاني الهامة التي ينطوي عليها مهرجان الوحدة العربية في إطار تعزيز نهج المقاومة والممانعة على مستوى لبنان والأمة، والمتخوفون منها، هم أيضاً كثر ويمتلكون من الوسائل الشيء الوفير.

قلت لصديقي: قد يكون لقلقك مبررات جديّة، ولكن الانتساب إلى مشهد وحدوي وفعل وحدوي، بات التعبير الأصدق والأقوى عن الانتماء إلى الأمة، والذين تلاقوا في هذا المهرجان، مع العديد غيرهم )ممن يستحق أن يكون له كلمة لولا ضيق الوقت والمجال( باتوا، بعد كل ما مرّ بهم وبالأمة من محن، أكثر إدراكاً بأن العروبة تنتصر لنا جميعاً حين ننتصر موحّدين لها وللوحدة الرائدة والمتجددة، بل أنهم جميعاً يدركون أنهم كلما تباعدوا عن بعض، )وعن شركائهم في الهم الوحدوي والنهضوي من إسلاميين ويساريين وليبراليين وطنيين( ابتعدت الوحدة عن الأنظار، وكلما تقاربوا أصبحت الوحدة في مرمى البصر.