»مش من زمان «حكايات المسرح الأول لنضال الأشقر

دارين حوماني

العدد 87 –كانون أول 2018

ضمن فعاليات الدورة الأولى من »مهرجان المسرح الأوروبي في لبنان« المستمر في مسرح المدينة لغاية 30 تشرين الأول قدّمت الفنانة المسرحية نضال الأشقر عرض »مش من زمان«، وهو إستعادة لعرضين سابقين في العامين 2016 و2017. »مش من زمان« هي سيرة ذاتية لسيدة المسرح نضال الأشقر، تروي حكايتها مع مسرحها الأول والشخصيات التي سكنت طفولتها والتي اختفت عن الخشبة بالهجرة أو بالموت، هي حكايات النضال الوطني والنضال القومي في زمن الإستعمار الفرنسي وزمن الإضطهاد القومي، سردتها لنا نضال الأشقر بشغف وبحب بالغ لهذا الزمن الماضي البعيد القريب على شكل مغناة ممسرحة ورافقها خالد العبدالله عودا وغناء وفي سرد الحكايات، محمد عقيل )عود وغناء(، ابراهيم عقيل )ناي(، ونبيل الأحمر )إيقاع(.

تبدأ أولى حكاياتها من أربعينيات القرن الماضي حين كان لبنان يرزح تحت الإنتداب الفرنسي، في هذه الأجواء عاشت نضال طفولتها حيث كان بيتهم الجبلي في ديك المحكي يجمع »رجال متخفيين وهربانين من الفرنسيين« هؤلاء الرجال المناضلين الذين جسّدوا فيها الشاعرية

الفنانة نضال الاشقر مع خالد عبدالله في مش من زمان

والقساوة اليومية والتوق الى الحرية المطلقة.

بعد الفرنسيين تحكي نضال عن الكلمة التي كبرت عليها »كبسة« حين كان رجال الأمن اللبناني يأتون الى منزلهم للتفتيش عن والدها وآخرين كانوا يتخفّون معه، تتحدث عن والدها الذي استأذن الدرك ليأخذ حماما وإذ بالحمام يطول وعندما ينتبه الدرك لذلك يكون والدها قد هرب. وهكذا تنتقل نضال من حكاية الى حكاية، حكايات الهروب والتخفي والسجن وكانت الصغيرة نضال تقول »هيئتو البابا بحب الليل« لأنه لم يكن يأتيهم إلا ليلا وبالخفية. ثم تحكي عن أمها وذهابها الى والدها في السجن على دراجة نارية لصديق العائلة وكان أصدقاؤه يسمونها »البريد«، وعن زياراتها لوالدها في الأماكن السرية التي يتخفّى بها، وكيف أنه كان لوالدها »واسطة كبيرة عند ربو«، كيف استيقظ على منام أنهم هاجموه فغيّر المكان وبعد عشر دقائق جاء الدرك الى المكان الذي كان ينام فيه. هذه هي الطفولة غير العادية لنضال الأشقر والتي صنعت منها هذه الإنسانة المبدعة.

بعدها تحكي نضال الأشقر عن هروبها من مراسم العمادة، عن الراقصة الغجرية في بولونيا التي ترقص بحريّة »غرت منا شو هيّ حرة شو مش فارقة معا حدا«، عن كذبها خلال الإعتراف في الكنيسة، عن سيرة الأب الياس الذي كان يخفي المناضلين، عن المردكوش الذي طلبت منها أمها شراؤه فظنت أن كلمة »مردكوش« هي شيفرة، عن محمود الذي هرب من سجن المزة واختبأ في منزلهم والذي لم يكن إسمه محمود، وعن جورج خوري الذي أيضا »لا كان جورج ولا كان خوري كان بطل قومي« الذي قتله بياع المكانس »للي ما كان بالحقيقة بياع مكانس«، كما تحكي نضال عن زواجها الذي تم بدون كاهن في المنزل لأنه بين شيعي ومسيحية، وآخر حكاياتها عن يوم إعدام المفكر أنطون سعاده »الكارثة مرسومة على كل الوجوه، ولهلّأ كل يوم ب 8 تموز بتنتلي الدني دموع«.

بين كل حكاية وأخرى تغني نضال بكل ما فيها من إبداع وحدها دون أن تزيح عن الإيقاع، تجعلنا نشعر أننا أمام حضور إبداعي متكامل، ثم تغني سوية مع خالد العبدالله، مع محمد عقيل، دخل عيونك حاكينا، بلا أميركا بلا أوروبا، مرمر زماني، تفتا هندي، سلمى يا سلامة، سمرة يا سمرا، يا جميل عن حبك ما في بديل، أه يا زين العابدين، حاكينا يا بنت الناس، تندم وحياة عيوني بتندم، شاب الأسمر جنني، حوّل يا غنام، أهلا بهل الطلّة، ومردكوش، وغيرها من أغاني ذلك الزمن الجميل..

نضال الأشقر عميدة المسرح اللبناني لعبت دورا أساسيا في تحريك الفن المسرحي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وفي إعادة الحياة الى بيروت والى شارع الحمرا عبر افتتاح مسرح المدينة في العام 1996 وكرست حياتها له، أكثر من خمسين عاما من العطاء المسرحي

الفنانة نضال الاشقر في مش من زمان

والآن في هذا الـ »مش من زمان« تكتب نضال الأشقر فصولا من حياتها وهي لو تعلم أنها بدون كتابة هذه الفصول هي إمرأة خالدة لن تموت وبيروت ستحفظها دوما عن ظهر قلب..