صناعة محتوى الدعاية والأفلام… بين التشويه والإساءة واستغلال المشاهد

عند الحديث عن الإنتاج والدعاية السينمائية والدرامية لا بدّ من التطرق إلى المراحل التي مرّ بها هذا المجال من النواحي الاجتماعية، المادية، الاقتصادية، الغرافيكس، التكنولوجيا والاستخدمات المتعددة للتقنيات التي تتطورت خلالها هذه المراحل حتى وصل المحتوى الدعائي للدراما إلى ما هو عليه اليوم.

حالياً، يشهد هذا القطاع ضخامة إنتاجية إلى حدّ الخيال، اذ يعتمد القائمون عليه إلى زيادة عملية التأثير والتأثر من خلال الربط بين حياة الجمهور

كيف تشارك دعايات الأفلام في صناعة القرار

اليومية والغرض من الدعاية، على سبيل المثال، تقوم العملية الدعائية لأي فيلم – حسب إمكاناته المادية والتقنية – على بناء صلة قريبة مع الجمهور من خلال “الترندات” التي تحوز على اهتمام المراهقين والشباب مهما كانت اختلافاتهم. هذه الصلة تتطور إلى مفهوم “الضرورة” وهذه الضرورة هي حالة تخلقها الدعاية لتحفيز الجمهور لمشاهدة الفيلم لا بل وأكثر من ذلك، حيث تتعامل الشركة المنتجة مع شركات وعلامات تجارية لإطلاق منتج خاص بالفيلم.

كل هذا وأكثر يقدّم للجمهور على أنه حاجة لا بدّ منها على اعتبار أن مواكبة العصر هو احتياج إنساني واجتماعي، في عصر السرعة والترند! عصر الترند يضع على كاهل المشاهد ضغوطاً قد ينجم عنها في بعض الأحيان حوادث او مشاكل خصيصاً لجيل المراهقين والصغار الذين يتأثرون أكثر من غيرهم بهذه الموجة التي اختلطت فيها المفاهيم والعبر بين الخطأ والصواب.

في هذا التقرير، سنتعرّف إلى أبرز الطرق الحديثة في مجال التسويق والإنتاج السينمائي والتلفزيوني والمراحل التي يمرّ بها وأبرز نتائجها ومحتوى الإنتاج الدرامي وكيفية مواجهة أي إساءة تنجم عن الدراما لأي مجتمع.

دعائم إعلانات الأفلام

تعدّ الدعاية أو الترويج لأي إنتاج درامي فيلماً كان أم مسلسلاً العامل الأبرز والأهم للتشجيع على مشاهدة الفيلم. والترويج هو المرحلة السابقة للعرض، ويتكوّن من عدّة أساسيات لتحقيق المبتغى وهو الربح، ومنها عوامل تأثيرية نفسية تقوم على زيادة الجذب والطلب ومنها يقوم على الإقناع. ومن هذه الأساسيات:

  • التكرار: هو التكرار المستمر لفكرة عادة ما تكون في صورة شعار بسيط أو لفظ جذاب وبالتكرار تتحوّل إلى ما يمكن اعتباره جزء من الحقيقة.
  • شخصيات لامعة ومؤثرة في المجتمع: هو أسلوب شائع في استخدام فنانين ومشاهير متحمّسين لمشاهدة الفيلم أو شراء منتج خاص به.
  • التكنولوجيا الحديثة واستثمارها في هذا االمجال: من أكثر العوامل جذباً اليوم، إذ أن عملية التسويق لأي فيلم يمكن تحديدها على مدى استخدام وسائل تكنولوجية جاذبة. وعنصر التكنولوجيا الرقمية أثبتت نجاحها في عالم التسويق والدعاية، وقد غيّر مفهومه، كما شهدنا مؤخراً مع فيلم “باربي”.
  • التصميم: ويُقصد به المحتوى الذي يتضمّن التعريف عن الفيلم بكادر حديث مختصر جاذب ومؤثر. من خلال الموسيقى والمؤثرات الصوتية، الألوان، والتقنية.
  • لوحات إعلانية: وهي من أقدم الوسائل الدعائية للأفلام وما زالت موجودة حتى اليوم، لكنها تطورت تدريجياً اذ بات تُستخدم فيها تقنيات D3 لتلبية احتياجات السوق.
  • الميزانية المالية: وعلى أساسها يتحدّد مسار المراحل الأخرى وكلما اتسعت قابليته، زادت إمكانية الانتشار أكثر.
  • المحتوى الدعائي: هو أهم ركن من أركان العمل الترويجي، من حيث إن في بعض الأحيان يتعارض المحتوى مع قيم مجتمعات معينة، أو يتضمّن المحتوى إساءة ضمنية تمسّ بالعرق، اللون، الجنس، التاريخ، الحضارة والدين.

في شهر أبريل الماضي انطلقت الحملات الإعلانية لفيلم “باربي” بميزانية قدرها 100 مليون دولار أميركي، وتوجّهت الاستراتيجية التسويقية للفيلم من خلال خطوات عديدة، تشمل عرض أبطال الفيلم عبر بوسترات إعلانية جابت العالم، وشاركت بالتسويق شركات وعلامات تجارية حيث قام “Airbnb” بعمل قصر يسمى “Barbie’s Malibu Dream House” يمكن للمعجبين حجز إقامة به، كما فعّلت غوغل خاصية بمحرّك البحث الخاص بالفيلم وتحويل الشاشة إلى اللون الزهري عند البحث عن كلمة “باربي”، كما نسّقت العديد من الشركات ملابس مخصصة للفيلم، وللاندماج أكثر مع تجربة الفيلم “باربي” حدّثت مواقع فيلتراً خاصاً بها على سبيل المثال “سناب” و”تيكتوك”. ولم يتوقف الأمر عند ذلك هذا الحدّ بل أُطلق سلوجان الخاص بالإعلان الرسميّ عن الفيلم وهو “إذا كنت تحب باربي فهذا الفيلم لك.. إذا كنت تكره باربي، فهذا الفيلم يناسبك”، الأمر الذي يدلّ أن الفيلم لم يتوجّه لمحبي “باربي” فقط!

أمّا علامة نيكس “NYX” الجمالية فأصدرت مجموعة منتجات بمناسبة إطلاق فيلم باربي، تماماً مثل أحمر الشفاه اللامع الزهري. كذلك قامت شركة “برجر كنج” في البرازيل بإطلاق وجبة باللون الوردي.

بكلّ بساطة هذه اللعبة التسويقية من شركة “Warner Bros” نجحت باستثمارها في الفيلم قبل عرضه، ولم يكن الهدف فقط تحقيق أرباح هائلة، بل سعت الشركة إلى جذب الجمهور نحو هذه الدمية الشهيرة التي تتحول إلى شخصية حية تعيش مفارقات كوميدية.

إلى جانب ذلك، أحدث الإعلان لفيلم “باربي” في دبي ضجّة على مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام، حيث ظهرت الدمية العملاقة بتقنية D3.

الإساءة والرسائل الضمنيّة

بعيداً عن فيلم “باربي”، ثمة مشكلة تدق ناقوس الخطر وتجتاح المجتمع اليوم اذ يستسهل بعض القائمين على محتوى الأفلام والدعاية الإساءة إلى المجتمعات وضرب قيمهم وعاداتهم عرض الحائط وقد تأتي بأشكال ونماذج عديدة عبر رسائل ضمنية. ونموذج عن ذلك فيلم “ريش” الذي عُرض في مهرجان كان السينمائي إذ أثار الفيلم جدلاً كبيراً في مصر بعد انسحاب مجموعة من الفنانين أثناء عرض الفيلم في مهرجان الجونة السينمائي، اعتراضاً على رؤية الفيلم واتهاماً له أنه يضرّ بسمعة مصر ويظهر أهلها كمجموعة من الفقراء والمهمّشين. عدا عن ذلك نرى اليوم الكثير من الأفلام التي تسعى إلى التضليل الدرامي والإعلامي لمجتمع ما، كما شهدنا في فيلم “كيرالا”.

إلى ذلك، نشهد تحولاً واسعاً في صناعة الأفلام نحو التشجيع على العنف والقتل من خلال إنتاج أعمال يكون القتل والتعذيب محورها وجوهرها، لا بل بعضهم يظهر القاتل على أنه الضحية أحياناً، اذ يرى العديد من علماء النفس الاجتماعي اليوم أن الأفلام تأكل مشاعر التعاطف لدى الناس من خلال جعل العنف ومعاناة الآخرين مقبولة ومألوفة.

سياسة دفاعيّة

  • إنشاء جهة دولية تُعنى بتتبع محتوى إعلانات ومحتوى الأفلام وتحديد أخلاقيات المشاهدة وتقييمها، بحسب كلّ دولة بما يتناسب مع قيمها الداخلية.
  • إنشاء جهاز رقابيّ مسؤول عن الحدّ من انتشار مواد الإجرام والعنف والتحذير من عواقبها عبر سلسلة ندوات ونشاطات.
  • العمل على العناية بالدورات التي تنمّي وعي الأطفال للمحتوى الذي يتعرّضون له على شبكات التواصل الاجتماعي.
  • اعتماد سلسلة وقائية وصارمة تحدّ من خطر الإساءة لقيم المجتمع من خلال البدء من المحيط الضيّق (العائلة، المدرسة، الأصدقاء).
  • تحديد الإعدادات وضبطتها لكل محتوى مسيء أو فيه مضامين خطيرة.
  • تشكيل لجان مختصة لتقييم الإعلان الدرامي أو التلفزيوني محلياً وفق الإجراءات اللازمة لكل بلد.

ما هو دور المشاهد؟

مع توافد هذا الكمّ الهائل من صناعة المحتوى الدعائي الكثيف يصعب على المشاهد التحكم بما يشاهده وعائلته، لذا تقع على الآباء والأهل مسؤولية المتابعة ورصد كل ما يشاهده أطفالهم أو المراهقون والعمل على توظيف المبادئ في مكانها الصحيح!

ويبقى هنا السؤال الأبرز، إلى أين يتجه العالم بعد تدنّي مستويات أخلاقيات المهنة والتكتّم عن الإساءة للقيم؟

الصور

2 كيف تشارك دعايات الأفلام في صناعة القرار؟.

3 مبالغة وتضخيم للأحداث وإيحاء بالسعادة المزيفة.