التخطيط الإستراتيجي ودراسات المستقبلات

أ. د. مازن الرمضاني*

بعد عقود على الأخذ بالتفكير العلمي في المستقبل وتطبيقاته العملية تجد التسمية التي يتم استخدامها للدلالة على هذه التطبيقات أي دراسات المستقبلات وكذلك معناها انتشارا عالميا واسعا. ومع ذلك يُصار إلى إدراكها بدالة مفاهيم أخرى تلتقي وهذه الدراسات وظيفيا وتختلف عنها مضمونا. ومن بين هذه مفهوم التخطيط الإستراتيجيٌ. في ادناه سنتناول أولا مضمون هذا المفهوم المهم من جوانبه المتعددة وأن بشيء من الاختصار وثانيا أوجة العلاقة بينه ودراسات المستقبلات.

لا يختلف مفهوم التخطيط الاستراتيجي في العموم عن ذلك المفهوم الشائع للتخطيط. فهذا يُقصد به حصيلة التفكير العقلاني المسبق بثمة فعل وكيفية ترجمة إلى واقع ملموس. والتفكير المسبق بفعل محدد يعني بالضرورة تحديد اهدافه وكذلك الوعي بنتائجه بصورة مسبقة من ناحية فضلا عن التوظيف النظامي لتلك الاستراتيجية التي يراد بها الحيلولة دون ان تتحكم ظروف البيئة المحيطة بهذا الفعل اثناء عملية التنفيذ ومنٌ ثٌم أفشاله. وعليه يقوم التخطيط وبضمنه الإستراتيجي على ركيزتين متفاعلتين: فهو يثبت الهدف المنشود ويُحٌدد الاداة المثلى لتحقيقه بأقل الاكلاف المقبولة. والتخطيط وأن يبدأ من زمان الحاضر إلا أنه يتوجه إلى المستقبل لاغراض تطويعه لصالح الهدف المنشود.

 ولان التخطيط يتحرك داخل بيئة داخلية و/أو خارجية تتميز بدرجة عالية من اللايقين والتعقيد ويُراد به اضفاء سمة الفاعلية على أحد أنماط السلوك الهادف والمؤثر فانه يتطلب تبني العقلانية في تعريف الهدف المنشود وتشخيص وتحديد المتغيرات المؤثرة سلبا أو ايجابا في عملية ترجمته إلى واقع ملموس. ومن هنا تقوم بين التخطيط والعقلانية علاقة طردية موجبة. ويؤكد خبيرالتخطيط الالماني هانز بوخهايم  »أن العقلانية تؤدي إلى دعم وظيفة التخطيط. فهي تساعد عندما تتوافر فرص الاختيار أو عندما تتقلص على تحديد ذلك البديل الاكثر ملائمة وصلاحية لتحقيق الهدف المنشود«.

وتتميز عموم عمليات التخطيط عن سواها بخصائص محددة. فمن ناحية تنصب اهتماماتها ليس حول تحديد نوعية السلوك المستقبلي فحسب وانما أيضا تثبيت خطوط عريضة لحركة هذا السلوك. وأما من الناحية الثانية لا تُعبر هذه العمليات عن نشاط بطيء وانما ايضا عن نشاط سريع وفوري سبيلا للتعامل مع مواقف مفاجئة تتطلب مثل هذا النشاط كالازمات. واما من الناحية الثالثة تتميز مخرجات الوظائف التي تقوم بها الهيئات أو المجالس ذات العلاقة بالتخطيط بطبيعتها الإستشارية وغير الملزمة لصانع أو صناع القرار إلا في حالة موافقته عليها.

وتتأسس عملية التخطيط علىأربعة عمليات فرعية متفاعلة وكالاتي:

اولا تثبيت الهدف

عادة تبدأ عملية التخطيط بتحديد الهدف المنشود أي تثبيت ما ينبغي انجازه في زمان لاحق ومحدد، وذلك خدمة للمصالح العليا للدولة أو المؤسسة. ولان خدمة هذه المصالح هي الغاية الاولى والنهائية تُعدٌ بمثابة المؤشر العام لكافة انماط السلوك الهادفة والمؤثرة. بيد أن صعوبة انجاز أو حماية أو تطوير كل ما تنطوي عليه هذه المصالح في ان يصار عادة الى تجزئتها إلى اهداف متعددة، ومنٌ ثٌم ترجمتها تدريجيا إلى واقع ملموس ولان هذه الاهداف تختلف فيما بينها من حيث الاهمية، والمدى الزماني وما تفضي إليه من اثار في بيئة التنفيذ تبدا مرحلة التخطيط الاولى باختيار بعض الاهداف. وتتمتع هذه المرحلة باهميتها هذا لانها تعتبر بمثابة المؤشر لجميع النشاطات التالية لهذه المرحلة الاولى.

وعلى الرغم من ان الهدف المنشود هو الذي يحدد مجمل مسيرة عملية التخطيط إلا ان هذا لا يعني عدم امكانية تعديله بل وحتى تغييره خصوصا عندما تستدعي الضرورة ذلك فضلا عن الحاجة لتحقيق الانسجام بين الهدف المنشود وبيئة الواقع الذي يتم تحقيق هذا الهدف في داخل اطاره.

ثانيا تحليل معطيات بيئة الواقع

تنطوي بيئة الواقع الذي يتم تحقيق الهدف المنشود داخل اطاره على تأثيرات مختلفة قد تحدٌ من القدرة الذاتية على تحقيق هذا الهدف. لذا يُعدٌ تحديث المعرفة بمعطياتها ضروريا. فكمية ونوعية المعرفة المتاحة لا تؤثر في كيفية ادراك الفرص التي تتيحها هذه المعطيات وكذلك الكوابح التي تفرزها فحسب وانما هي ايضا أحد أبرز المتغيرات المؤدية اما إلى نجاح عملية التخطيط أو إلى فشلها. وعادة تتوزع هذه البيئة الى خارجية قد تكون معادية أو صديقة أو محايدة. لذا لنوعية ردود افعالها على الفعل الهادف الذي يشكل موضوع عملية التخطيط تأثير قد يكون سالبا أو موجبا. وكذلك تتوزع هذه البيئة الى داخلية تمد صانع أو صناع القرار بالدعم والاسناد في السعي نحو تحقيق الهدف المنشود.

إن الدعوة إلى ادراك معطيات بيئة الواقع على نحو سليم لا تلغي جدوى اعادة النظر في مخرجات هذا الادراك بصورة مستمرة لاحتواء التناقض المحتمل بين هذه المخرجات وبين التغيرات المستمرة الحاصلة في معطيات هذه البيئة خصوصا عندما تتميز عملية التحليل بامتدادها على وقت طويل.

ثالثا عملية الإستشراف

لقد سبق القول ان التخطيط اي كان نوعه يرمي الى تطويع المستقبل خدمة لهدف منشود. وتطويع المستقبل يتطلب ضرورة العمل على عدم ترك معطيات بيئة الواقع تؤثرسلبا في انماط السلوك الرامية إلى تحقيق هذا الهدف. وهذا لا يحدث إلا من خلال اللجوء إلى استشراف ما قد يكون ممكنا أو محتملا لوقائع قابلة للحدوث في المستقبل. ولهذا يكون الإستشراف بمثابة الجسر الذي يربط التخطيط بالمستقبل وبعلاقة ثنائية متداخلة. فالنزوع إلى تحقيق ثٌمة يتحول إلى تخطيط. والتخطيط عندما تتم ترجمته الى واقع يتحول إلى فعل هادف ومؤثر.

وعلى الرغم من الوظيفة التي يؤديها الإستشراف إلا أن مدى دقة مخرجاته تتحدد على وفق العديد من الشروط ومن بين أبرزها نوعية المقاربة المستخدمة ومدى كفاءة توظيفها. ولان بعض المقاربات المستخدمة تعجز عن بيان العلاقة بين الفعل المستقبلي وتأثيراته الممكنة و/أو المحتملة بالدقة المطلوبة يشير هذا الخلل إلى بعض القيود التي تصاحب عملية الإستشراف. لذا يدعوالمستقبلي الالماني، يواخيم هويسلر إلى عدم الوقوف عند مخرجات هذه العملية وانما الأخذ بأكثر من مقاربة للوصول إلى استشرافات نوعية بديلة هذا لتجنب الفشل.

رابعا اختيار البديل

تدور هذه العملية الفرعية حول اختيار البديل الملائم لتحقيق الهدف المنشود جراء عملية التخطيط. وتتوزع المقاربات المستخدمة لهذا الغرض ثلاثيا إلى عقلانية وادارية وعقيدية.

فاما عن المقاربة العقلانية فهي تتأسس على افتراض مؤداه ان اختيارالبديل يُعدً حصيلة لعملية رشيدة سابقة عليه. وتؤكد آراء ان هذا الافتراض يجعل الرجل المخطط كالرجل الاقتصادي. وابرز ما يتميز به الرجل الاقتصادي هو البحث في ضوء معلومات بالغة الدقة عن ذلك البديل الذي يُعظم الارباح المتوقعة من بين مجموعة البدائل المتاحة. وفي ضوء ذلك تنطوي المقاربة العقلانية على ثلاث خطوات متكاملة هي: أولا تحديد جميع البدائل المتاحة وتقدير منافعها وعيوبها. وثانيا عقد مقارنة تحليلية بين هذه البدائل تحديدا للمنفعة المتوقعة. وثالثا اختيار البديل الافضل الذي تتفوق قيمته على سواه سبيلا لتحقيق الهدف المنشود.

واما عن المقاربة الإدارية فهي تفترض ان البحث عن البديل الامثل يتم على وفق الصيغة التي ينطلق منها الرجل الاداري الذي تركز على انماط سلوكه دراسات علم الادارة. ويتميز الرجل الاداري بالعديد من الخصائص وابرزها خاصية الحركة المبرمجة. وبها يُقصد تلك الاجراءات الروتينية ذات الثبات النسبي والمكتسبة بالتجربة. وتفيد هذه الاجراءات بصيغة تُحدد كيفية اختيار البديل. فعلى خلاف المقاربة العقلانية لا تذهب المقاربة الادارية إلى اختيار البديل الذي يحقق أقصى منفعة ممكنة وانما البديل الذي يحقق الهدف المنشود ولا غير.

واما عن المقاربة العقيدية فهي تنطلق من افتراض مؤداه أن صانع القرار يعمد إلى اسقاط مكونات نظامه العقيدي (بمعنى مجموعة العقائد الفلسفية والادائية التي يستهدي بها في عمليات اتخاذ القرار وتحديد انماط السلوك) على كيفية حصره للبدائل واختياره لواحد منها. وتبعا لذلك ينصرف السعي إلى عدم البحث عن كافة البدائل المحتملة وانما عن بعضها فقط ولا سيما تلك التي تنسجم مع نظامه العقيدي والتي أكدت تجاربه السابقة جدواها.

وفي ضوء مضامين هذه المقاربات تختلف الآراء في شأن المقاربة التي يتم الانطلاق منها لتحديد البديل. فبينما يؤكد البعض على هذه مقاربة محددة يؤكد البعض الآخر على سواها. ونرى ان هذه الآراء نصف صحيحة هذا لانها تنطلق من مواقف محددة وتذهب إلى تعميمها على مواقف اخرى لا تتماثل مع الأولى. ولنتذكر ان التعامل مع المواقف الروتينية هو غير التعامل مع مواقف الأزمة. ولأن المواقف متنوعة نرى ان طبيعة كل منها هي التي تحدد المقاربة التي يُصار إلى الاستعانة بها لاختيار البديل.

خامسا ما بعد اختيار البديل

والسؤال هل تنتهي عملية التخطيط عند لحظة اختيار البديل واتخاذ القرار؟ والجواب هو ليس دائما. فالفعل الذي يعمد إلى ترجمة الهدف المنشود إلى واقع ملموس يفضي عادة جراء نوعية تأثيره في مصالح الاطراف الاخرى في البيئة الخارجية لعملية التخطيط إلى ردود افعال قد تكون داعمة أو رافضة أو محايدة. ولان ردود الافعال هذه ولاسيما الرافضة قد تفضي إلى إحداث تغيير في معطيات بيئة الواقع الذي تتم ترجمة البديل المختار الى واقع ملموس ضمن اطارها فان هذا التغيير قد يفرض الأخذ بعملية تخطيط اخرى كمحاولة جديدة لتحقيق الهدف المنشود.

وفي ضوء ما تقدم قد ينتهي التخطيط بالنجاح ولكنه قد ينتهي بالفشل ايضا. لذا نتساءل: ما هي شروط النجاح وما هي أسباب الفشل؟ تكمن شروط النجاح في توافر الآتي:

اولا رؤية مستقبلية

من اجل انٌ يستطيع التخطيط انجاز الهدف المنشود فلابد من رؤية مستقبلية ترسم له معالم الطريق. وتُعبر هذه الرؤية عن تلك الصورة الذهنية التي يتوافر عليها الإنسان ويستهدي بها كمنار لتحديد ثمه شيء مرغوب فية وكيفية تحقيقه في أحد أزمنة المستقبل ولا سيما المستقبل المتوسط، هذا لتميزها بثمة خصائص محددة كالوضوح والواقعية والمرون والشمولية والتماسك الداخلي. وكما أن السؤال: إلى أين نحن ذاهبون؟ يشكل المحورالاساس لهذه الرؤية كذلك يفترض أن تشكل الرؤية المستقبلية الأساس النظري لكل تخطيط هادف.

ثانيا ادراك دقيق لمعطيات الواقع

يرمي التخطيط في العموم إلى تحقيق اهداف ذات مديات زمانية مختلفة: قريبة أو متوسطة المدى في العموم. ولأن الافعال التي تترجم هذه الأهداف إلى واقع ملموس تفضي عادة إلى ردود افعال محددة عليها تدفع ردود الافعال هذه بصانع القرار إلى التعامل واياها في العموم. وتكمن أبرز شروط نجاح هذا التعامل في الأخذ بإدراك لا يتأسس على تناقض البيئة الحركية للموقف أي البيئة الناجمة عن حصيلة ردود الافعال تلك كما هي في الواقع وبيئته النفسية أي هذا الموقف كما يُفهم ذاتيا.

 وتجدر الإشارة إلى أن الأخذ بمثل هذا الادراك المتوازن ليس سهلا. فعلى خلاف إمكانية التعرف على البيئة الحركية للموقف بسهولة جراء خصائصها الموضوعية والقابلة للتشخيص يفضي تاثير مدخلات ذاتية مختلفة تتباين من إنسان إلى آخر إلى الحيلولة دون ادراك المواقف على نحوٍ يستوي وخصائصه الموضوعية. لذا أن تغليب الموضوعية على الذاتية هو السبيل للنجاح.

ثالثا توافر معلومات دقيقة وكافية

تُعدٌ المعلومات الدقيقة بمثابة الاداة التي يتم من خلالها تحويل البيئة الحركية إلى بيئة نفسية بخصائص موضوعية ومنٌ ثٌم إدراك المواقف على نحو سليم. وبدونها يصبح هذا الإدراك دون أساس سليم. وللأهمية المعطاة للمعلومات تعمل الحكومات والمؤسسات على الحصول عليها و/أو لسد النقص في المتوفر منها بشتى الطرق الرسمية وغير الرسمية. بيد أنٌ هذا الجهد تتوقف نتائجه على نوعية امكانات وكفاءة الأجهزة ذات العلاقة والتي بدورها ترتبط بنوعية القدرات المالية والتقنية المتاحة. ولأن هذه القدرات تختلف باختلاف الدول أو المؤسسات يتم النظر إلى التخطيط وكأنه احد مظاهر الثروة المتاحة. وانطلاقا من أن انتفاء أو ضألة الامكانات يعرقل عملية الحصول على المعلومات ومنٌ ثٌم قد يعطل من مسار عملية التخطيط يعتبر توافر المعلومات كما ونوعا، فضلا عن كفاءة عالية لتقيمها، من أهم الشروط الأساسية لنجاح هذه العملية.

رابعا المدى الزماني

لقد أدت الثورة التقنية في وسائل الاتصال إلى سرعة انتقال المعلومات من مكان إلى آخر وبنتيجة اقترنت بجانب ايجابي وآخر سلبي. فاما عن الأول الايجابي فهو يتمثل في ربط القائم على عملية التخطيط و/أو اتخاذ القرار ربطا محكما بالاحداث الجارية في البيئتين الداخلية والخارجية. واما عن الجانب السلبي فهو يتجسد في التفاعل السريع مع بعض هذه الاحداث ولاسيما المؤثرة منها. ولان مثل هذا التفاعل كما هو الحال مثلا مع أوقات الازمات يحدث داخل اطار مفعم عادة بالضغوط ومنها ضغط الوقت فانه يرتب نتائج قوامها مثلا محدودية البدائل المتاحة تصاعد الضغط النفسي نقص المعلومات تضاؤل قدرة التحكم في مسار الازمة فضلا عن أتساع اطار عدم اليقين الهيكلي بمخرجاتها. ولهذه النتائج وسواها سلبيات قد تدفع إلى التصرف المتسرع الانفعالي أو إلى بطيء الحركة أو حتى إلى اللا فعل. لذا يكاد الرأي يتفق على ان توافر عملية التخطيط على فسحة كافية من الزمان يُعدٌ شرطا مهما لنجاحها.

وعلى الرغم من أن المقومات اعلاه تضفي نظريا خاصية النجاح على عملية التخطيط إلا أن هذا النجاح يتوقف عمليا على نوعية مخرجات الفعل الذي تتولى عملية التخطيط ترجمة الهدف المنشود إلى واقع ملموس. ومن أجل تحديد مدى نجاح أو فشل هذا الفعل لابد من عقد مقارنة بين ما كان منشودا وبين الذي تحقق فعلا. وكما ان هذه المقارنة قد تشير إلى النجاح إلا انها يمكن ان تشير أيضا الى الفشل الذي يعني فشل عملية التخطيط بحد ذاتها.

ووراء هذا الفشل تكمن العديد من المدخلات. ولعل ابرزها الآتي: أولا عدم نجاعة المقاربة المعتمدة في عملية التخطيط. وثانيا قلة المعلومات والاخطاء والصعوبات المصاحبة لعملية نقلها. ثالثا عدم المرونة. رابعا ضعف التنسيق بين هياكل عملية التخطيط.

وفي ضوء ما تقدم تقوم بين التخطيط وبضمنه الاستراتيجيٌ ودراسات المستقبلات علاقة تجمع بين التباين والالتقاء. فمن ناحية يختلف المفهومان على صعٌد عدة ولعل ابرزها الآتي: فأولا من حيث الغاية. فبينما تكتفي دراسات المستقبلات بتحديد المشاهد الممكنة أو المحتملة أو المرغوب فيها التي قد يقترن بها المستقبل في زمان محدد ولكن دون ان تكون معنية عمليا بكيفية ترجمة أحد هذه المشاهد إلى واقع ملموس، ينصرف بالمقابل التخطيط إلى تحديد ثمة هدف منشود وكيفية ترجمته لاحقا إلى واقع ملموس.

وكذلك يتباين المفهومان ثانيا عن بعض من حيث المدى الزماني. فعلى خلاف الافق الزماني لدراسات المستقبلات الذي يمتد على مساخة واسعة تبدأ من المستقبل المباشر(عام واحد) وتنتهي عند المستقبل غير المنظور(مائة عام) يمتد الافق الزماني للتخطيط إلى فترة تتماهى والمدة الزمانية المعتادة للخطط الخماسية والعشرية اي خمس أو عشر سنوات.

وعلى الرغم من هذا التباين إلا أن دراسات المستقبلات تستطيع في حالة الإستعانة بها كمرشد للحركة ان تكون مدخلا داعما لتحديد الغاية النهائية للتخطيط وهو الأمرالذي يجعل العلاقة بين المفهومين تستوي وعلاقة التفاعل الموجب بين المدخلات والمخرجات. فدراسات المستقبلات هي المدخل. اما التخطيط فهو المخرج، ومنٌ ثٌم يكون هو اللاحق لتلك الدراسات وليس السابق عليها.

*استاذ العلوم السياسية ودراسات المستقبلات