حول صفقة القرن وتداعياتها

هل يجوز لنا… أن نطلب من عدونا الرأفة بنا..؟ وأي مقابل ندفعه!
الفلسطينيون بتوحدهم هم الأساس للمقاومة العربيه

أمين الغفاري

أعلنت صفقة القرن، وتكشفت كل مثالبها.بالتأكيد لابد ان يروع من يقرأ أو يستمع إلى تفاصيلها، من كم الأستحواذ، والأستيلاء على أراض، ومساحات فلسطينية، ومؤسسات لها مكانة ورصيد في الوجدان الديني سواء الاسلامي أو المسيحي، ودون أي وزن أو اعتبار للمشاعر الوطنية أو المصالح العامة أو الخاصة للفلسطينيين.لكن في المقابل ماذا كنا ننتظر؟بعض الرحمة مثلا أو الرأفة من المغتصب! أو أن يكون اللص أكثر أدبا وأخلاقا فلا ينجز على كل حقوقنا بل وثرواتنا الروحية والفكرية، أو أن يكون القاتل أكثر رقة وانسانية! فيقوم بخنقنا بدلا من ذبحنا!.لابد ان نتساءل هل كانت تلك الصفقة ممن صمموها واعدوها جديدة بالنسبة لخبراتنا عبر عقود طويلة من الزمن، سواء في خطوطها العامة أو في تفاصيلها الدقيقة؟ربما كانت هذه المرة، بالفعل أكثر جورا وظلما أو فلنقل صراحة أعمق فجرا وعهرا من سابق المشروعات أو المبادرات الغربية التي عرفها العرب عامة والفلسطينيون خاصة، وعبر التاريخ الطويل من حركة الصراع العربي الإسرائيلي. لكنها بالتأكيد مع قليل من التفكير أو التمعن في الأمر لا ينبغي أن تكون مفاجأة غير متوقعة، لسبب شديد البساطة، وهو ان المسرح السياسي الآن، سواء الأقليمي أو

ياسر عرفات
الرمز الشامخ للكفاح الفلسطيني

الدولي جاهز بفعل الواقع الحزين والبائس والمر الذي تعيشه الأمة العربية، خصوصا بعد ما يسمى بالربيع العربي، وما يشار اليه بالاسلام السياسي ودوره المخرب، لقد أرتد بالأمة إلى الوراء عبر الهدم والتدمير والتخريب، حالة من الضعف والهوان، بحيث يسمح، لكي يستعرض القوي قوته، ولينال الضعيف الضرب بلا هوادة على قمة رأسه، ان لم يكن بتقطيع أوصاله.
ما هي اسرائيل في الأول وفي الآخر؟
اسرائيل – كما لابد ان نعرف- مشروع استعماري غربي، قبل أن يكون طموح يهودي صهيوني، ولم يكن في قدرة هذا الطموح الصهيوني واستطاعته أن ينجح، مالم يسانده ويدعمه المشروع الاستعماري الغربي، ويذلل امامه كل العقبات عن طريق الاحتلال والتسليح واعداد المهجرين، ومساندته بكل الطرق. اذا كان هذا هو الحال فكيف لنا ان ننسى او نتناسى أن بريطانيا وهي صاحبة وعد بلفور، والأنتداب على فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى وتعيين »هربرت صمويل« اليهودي الصهيوني مندوبا ساميا على فلسطين بما مكنه من سن القوانين اللازمة لتمكين المهاجرين اليهود الذين توافدوا على فلسطين، من الأراضي الفلسطينية، وباستخدام السلاح على نحو مروع كما حدث في (دير ياسين) وغيرها من القرى السكنية للفلسطينين، وغض الطرف نهائيا عن كل نزق اسرائيلي أو جرائم قتل، كما حدث حين قتلت العصابات

 

الصهيونية وسيط الأمم المتحدة في فلسطين (الكونت فولك برنادوت)، وذهب دمه هباء وبلا حساب يذكر.وكيف ننسى أو نتناسى أن فرنسا هي التي أمدتها بكل أنواع السلاح، واستخدمتها مع بريطانيا كأداة لتنفيذ مؤامرة »سيفر« عام 1956 في العدوان الثلاثي على مصر، ناهيك عن الولايات المتحدة ودورها الأسود في دعم اسرائيل، ولعلنا مازلنا نذكر دورها عام 67، باعتبارها صاحبة العدوان الأساسي وكانت أداته وواجهته اسرائيل، ثم كانت مبادراتها المتعاقبة من
مبادرة وليام روجرز وزير الخارجية (أبان حرب الأستنزاف المصرية ضد اسرائيل) عام 1970، ثم مشروع بريجنسكي مستشار الرئيس كارتر عام 1977 وصولا إلى اتفاقيات كامب ديفيد التي وقعها الرئيس انور السادات مع مناحم بيجين عام 1978، ثم مشروع الرئيس رونالد ريجان (مبادرة سلام أمريكية لشعوب الشرق الاوسط عام 1982، وبعدها أثر حرب الكويت جاء اعلان الرئيس بوش (الأب) الذي ألقاه أمام الكونجرس في مارس 1991وقد ذكر فيه(لابد أن يقوم السلام على قاعدة قراري مجلس الأمن رقم 242، و338 ومبدأ الأرض مقابل السلام)ويلاحظ انه بلا أي اقتراحات للحل، وعقد مؤتمر مدريد للسلام، ثم لا شيء. أعقب ذلك صدور خريطة الطريق في عهد الرئيس بوش(الأبن) 2002- 2003، وصولا إلى مسار السلام في عهد الرئيس باراك أوباما، ومحاولات وزير خارجيته جون كيري الذي تسلم الملف لأعادة اطلاق عملية السلام ، ثم طبخة القرن على يد ترامب، وخلال كل ذلك كان الدعم السياسي والمعنوي المطلق عبر كافة المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها مجلس الأمن، واستخدام الفيتو بشكل دوري، ومع كل قرار يمس ربيبة بريطانيا وفرنسا وأمريكا، على مر كل تلك العقود المنصرمة، وحتى يرى المشروع الأمريكي الإسرائيلي النور في نهاية الأمر. فهل يمكن ان تكون كل تلك الدول أطرافا محايدة بين اسرائيل (الأبن اللقيط للمعسكر الغربي) وبين فلسطين (الأبنة الشرعية للعرب)!!؟؟
هل الحرب وسيلة لأسترداد فلسطين؟
النضال من اجل تحرير فلسطين، ليس فقط نضالا من أجل شعب شقيق، ولكنه نضال كذلك من اجل سلام الأم العربية، وبالتالي مستقبل أجيالها، والذين يتباكون على عدم قبولنا لقرار التقسيم عام 47 واهمون، فلم يكن التقسيم سوى مرحلة لمعاودة الألتهام للارض من جديد لتحقيق الحلم الأوسع لإسرائيل الكبرى، كما أن الحرب التي خضناها عام 1948، ولم تسفر عن تحقيق أمانينا في تحرير فلسطين لم تكن سوى درسا بالغ الأهمية، وهو ان الصراع العربي الإسرائيلي، ليس سوى صورة مصغرة من صراعنا الحقيقي، وهو صراعنا مع الهيمنة الأستعمارية الغربية، وكان عبدالناصر صاحب فراسة ورؤية سياسية نافذة حين قال (ان اسرائيل تمثل رأس جسر للأستعمار العالمي). كان بن جوريون مؤسس دولة اسرائيل يستشيط غضبا من تلك العبارة، وقال ذات مرة (ان عبدالناصرسود اسم اسرائيل في العالم بتصويرها رأس جسر للأستعمار العالمي) فهل يمكن بعد ذلك ان نرضى ونستبشر بوجود الرعاة المؤسسون لاسرائيل كوسيط حاكم او راعي لأي مفاوضات أم أننا نعيش وهما نصدقه، بل ونرفض حتى ان نتشكك فيه، باعتباره يوفر لنا دفع ضريبة الدم الواجبة للتحرير!

اسماعيل هنية
الأنقسام كارثة للكفاح الفلسطيني

الحرب مع اسرائيل
ان اي حرب مع اسرائيل محسومة نهايتها قبل ان تبدأ، فالذين أسسوها، أقاموها لكي تبقى، ولذلك فان كانت الجيوش العربية قوية، فانتصاراتها مرصودة، فالضامن لأمن اسرائيل هو نفسه بائع السلاح لنا ويزودنا به وسيبقى ذلك المعيار يحكمه أن لانتفوق عليها بالسلاح، وان حدث وهددت، فسيتدخل الغرب لفرض وقف النار، وخلال ذلك سيزودها بما يلزم لردع العرب، وذلك ما حدث تفصيلا في حرب عام 48، حين فرضت الهدنة الأولى لأعادة تسليح إسرائيل، بصرف النظرعن عوامل أخرى ساعدت، ولذلك يمكن ان تكون الجيوش العربية بقوتها رادعة، لأعتداءات اسرائيل، أو نزواتها، فقط ولكن ليس لتحرير فلسطين واستعادة الأرض.على ذلك مادامت الحرب النظامية محسومة بهذا القدر فما هو البديل أمامنا لأسترداد الأوطان، أمام القوة الغاشمة؟ان الأجابة واضحة، وليست في حاجة لبرهان، وهي دفع ضريبة التحرير اللازمة،

 

والتي بدونها لا تتحرر الأوطان. أنها دم الشهداء، وليس ذلك اكتشافا، وانما حقيقة مارسناها كما مارسها آخرون قبلنا وبعدنا.
ضريبة التحريرعبر التاريخ
كانت الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي منذ عام 1830، وكانت تعد امتدادا للأرض الفرنسية، وتعاقبت عليها حركات التحرير، والثورة الجزائرية تعرف في تاريخها المعاصر باسم ثورة المليون شهيد، وان كان الرئيس الجزائري الحالي (عبد المجيد تبون) قد ذكر في حديث للرئيس التركي أن عدد الشهداء يبلغ خمسة ملايين شهيد، وكذلك كانت حركة تحرير فيتنام فقد قدمت الشهداء، وضريبة الدم، والشعب الفلسطيني لم يبخل عبر تاريخه في مقاومة الحركة الصهيونية منذ أن بدأت في عهد الدولة العثمانية ثم في انتفاضاته وثوراته ضد الأستعمار المزدوج البريطاني والصهيوني، وأشهرها ثورة عام 1935. ظهرت منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 لكي تكون المسؤولة عن الكفاح الفلسطيني وممثلته والصوت الرسمي الوحيد للشعب الفلسطيني، وذلك قبل أن تظهر حركة (فتح) أول يناير عام 1965 وجناحها العسكري(العاصفة) التي كانت أيضا حلقة شديدة الأهمية في تاريخ النضال الفلسطيني. وقد استطاعت منظمة (فتح) أن تقدم انجازات لافتة منذ بداياتها لاسيما بعد نكسة 1967، وخوضها معركة (الكرامه)، وقد وصفها عبدالناصر (أن حركة المقاومة هي انبل الظواهر بعد النكسة، وأن المقاومة وجدت لتبقى)، تعددت منظمات المقاومة الفلسطينية، فظهرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وبرزت معها حركة خطف الطائرات وبصرف النظر عن تقييمها وعطائها، والجبهة الديموقراطية، وغيرها، ثم ظهرت حركة(حماس) عام 1987، التي قام بتأسيسها الشيخ أحمد ياسين.لايمكن لأحد أن ينكر حجم عدد الشهداء الذين قدمتهم حركة(حماس) سواء من قادتها أو من أعضائها، أو في حجم التضحيات التي بذلتها، ولكن علينا أيضا أن نسأل عن حجم المردود النضالي الذي أفرزته على أرض الواقع الفلسطيني، بالمقارنة مع حجم الخسائرالذي لحق بالقضية الفلسطينية نتيجة الأنقسام الذي قامت به وحملت لواءه، سواء على الجانب السياسي أو الجانب النضالي؟
التحديات المواجهة لحركة الكفاح الفلسطينيه

الرئيس الأمريكي ترامب
لم يدرك بعد مدى صلابة الفلسطينيين

1-ان كفاح شعب فلسطين يتفرد عن كل احتلال صادف شعبا أو أمة، فخصمه ليس دولة واحدة يتصدى لمطامعها، أو قوى واحدة، يعمل على تفكيك عناصر قوتها، ولكن خصمه حركة عنصرية لها جنودهها وأصواتها المنتشرة، وقواها الأقتصادية والعسكرية، ونفوذها الموزع على أكثر من دولة في العالم. خصمه قوى عالمية، خططت عبر قرون عديدة لزرع هذا الحاجز البشري، ولازالت هي راعيته وحارسه.تتولى تسليحه بالأقوى والأمضى بالأسلحة، وتتولى دعمه بالمال، والكوادر الفنية، والمشروعات الأقتصادية، وتتولى حمايته في المؤسسات الدولية بالتصويت أو بالفيتو المانع لأي عقوبات، وبالأعلام المضلل والمخادع لنشر الأكاذيب والأدعاءات على الدوام.
2- أن الشعب الفلسطيني ينتمي إلى الأمة العربية، وهي أمة موزعة على أكثر من عشرين دولة، ولكل دولة سياستها تبعا لمشاكلها، وقضاياها الخاصة، وطموحات حكامها ورؤاهم، ولهم أيضا خلافاتهم المشروعة والغيرمشروعة، وقد كان أبو عمار رحمة الله عليه يعظم في دولة ويمكن أن ينكر في دولة أخرى، حسب سياساته ومواقفه، ودرجة الرضا من هذا الحاكم أو ذاك، وان كان تعددنا يمكن ان يشكل قوة في زمن تتقارب وتنسق فيه سياساته، فانه يمثل ضعفا في زمن لاحق، يفتقد فيه معنى التوافق.
3 – عامل الوحدة هو اهم واخطر العوامل لحركة التحرر، ولكن مع خصوصية الحالة الفلسطينية التي تستدعي الحزام الأوثق للترابط والوحدة، نجد بديلة الأنقسام إلى مايشبه الدولتان الخصمان منظمة التحرير الفلسطينية وفي القلب منها السلطة الفلسطينية في رام الله ودولة حماس في غزة!! هي مأساة مروعة، ان يتحول الصراع العربي الفلسطيني إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ثم يصل في ترديه إلى الصراع الفلسطيني – الفلسطيني.أنها كارثة كارثة كارثة!!! فمتى ترتدع النوازع والطموحات الخاصة، وترى أن سلامة الشعب والأرض هي الأولى

 

والأهم!!!.
5 – جاء ما يسمى بالربيع العربي، وظهر من خلاله ما يسمى الاسلام السياسي، ليقوم بعمليات التخويف والترويع، وبث الفتنة والخراب في اكثر من دولة، وقام بفضل ما اوتي من غشاوة الأيمان وظلام الفكر، وعمى البصيرة بتوجيه كل طاقة لدية – بفعل عمليات الأعداد والتمويل والتسليح من أجهزة المخابرات الدولية والأقليمية -، ضد أطهر ما لدي الأمة من ابنائها وهم طليعتها في صفوف الجيوش وأجهزة الأمن، وهم عدة أي دولة لحماية شعبها وأمنه، كما قام بفضل أجهزة الأعلام الملوثة بادارة عمليات التحريض والتشويه لكل عناصر القوة لدينا.أصبح الواقع الأقليمي شديد التراجع معبأ بالمرارة، وللأسف لابد أن يكون لكل ذلك مردوده على الواقع العربي، وفي مقدمة ذلك قضية فلسطين وشعب فلسطين.
6 – من المسلمات التي ينبغي أن نضعها أمام أعيننا أن الصراع العربي الإسرائيلي قد تغيرت أساليبه، بعد أن قام الرئيس الراحل أنور السادات بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد – لا يشك أحد أنه كانت هناك اتصالات عربية اسرائيلية قبل ان يقوم الرئيس السادات بتلك الزيارة لاسرائيل – كانت هناك بالفعل اتصالات حتى في غضون حرب عام 1948، ولكنها كانت على استحياء، وبشكل سري، ولكن بعد عام 1979 وتوقيع اتفاقات السلام المصرية ثم الأردنية، لابد أن نعي أن طبيعة الصراع قد اختلفت، وأصبحت قيادته في الأساس للشعوب، وليست الدول. أصبحت لقوى المجتمع المدني من الأحزاب والنقابات والهيئات والمثقفون، وليست فقط السلطة الرسمية، ولذلك فشلت عمليات التطبيع، حتى وان كان هناك تبادل للسفراء، وفشل أيضا قيام علاقات طبيعية، وظلت العلاقات الباردة، وعزز من كل ذلك المواقف الإسرائيلية المتصلبة، والمترصدة للقنص والاستلاب، أكثر من كونها داعية للسلام أو باحثة عنه.اسرائيل لاترغب في السلام لأن عقيدتها التوسع، وتحقيق الحلم الصهيوني، وليس مجرد الحياة، في اقليم يتسع للجميع.
7 – ان العالم العربي في حاجة إلى اعادة البناء والتعمير، وترتيب الأولويات لبناء القوة والقدرة على التصدي لمعاول الهدم، وهي كثيرة وان اختلفت الرايات، ولكي تعود قضية فلسطين إلى اولويات العالم العربي، لابد أن تكون الوحدة للصف الفلسطيني هي القاعدة الأصل لمعنى

نتنياهو
غرور وتعصب نهايتة محتومة

المقاومة، فهي المصدر الأساسي لقوته بصرف النظر عن المناهج الفكرية أو الأيدولوجية، وبعدها تكون المقاومة في انطلاقتها الصلبة هي القاطرة الأم التي تتدافع من حولها كل الجهود والمساهمات التي سيقدمها العالم العربي من دمه قبل عرقه، ومن حياته قبل خبزه.

العدد 102 –اذار 2020