ارتدادات “للزلزال” السوري على لبنان فرصة للحل ام تحديات وتوترات جديدة؟

   بينما كان لبنان يلملم آثار العدوان الاسرائيلي الواسع على معظم مناطقه، ويباشر إجراءات تنفيذ إتفاق وقف اطلاق النار في جبهة الجنوب ونشر الجيش اللبناني في القرى الجنوبية التي ينسحب منها جيش الاحتلال الاسرائيلي، ويتحضر ايضاً عبر حراك نيابي واسع لملاقاة دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري لعقد جلسة لإنتخاب رئيس الجمهورية في 9 كانون الثاني – يناير الحالي، انقلبت صورة المنطقة بما وصف “الزلزال السوري” الذي اطاح حكم الرئيس بشار الاسد، بعد انهيار وحدات جيشه امام اندفاعة واسعة لقوات المعارضة المسلحة من مدينة الى اخرى، حتى سقطت دمشق بيدها يوم 9 كانون الاول – ديسمبرالماضي. ما اثار الكثيرمن الاسئلة والمخاوف في لبنان من تأثيرات هذا الزلزال

ابي رميا طائف سوري

وارتداداته الغامضة غير المعلومة.

لا شك أن ما جرى في سوريا، عامل مهم في التأثير على كل مجريات الأوضاع اللبنانية، ومنها تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي تملصت منه اسرائيل بخروقاتها واعتداءاتها اليومية على القرى وقتل المدنيين وتفجير المنازل، وكذلك على انتخاب رئيس للجمهورية، حيث بدأ الحديث بعد  الزلزال السوري عن سقوط ما يُسمّى “مرشح التحدي”. ذلك أن ما جرى من تطورات دراماتيكية، يؤشّر إلى خلط أوراق، وانقلابات في المعادلات لن يكون لبنان بعيداً عن، بل قد يكون أكثر الدول تأثراً بها.

   طرح انهيار النظام السوري بهذه السرعة وخلال عشرة ايام تقريباً امام اكتساح قوى المعارضة المسلحة المدعومة من الخارج، اسئلة كثيرة حول مصير سوريا مستقبلاً، وانعكاس هذا الزلزال السوري وارتداداته على لبنان وعلى منطقة الشرق الاوسط، لا سيما في ضؤ المعطيات التي اشارت الى “استغناء” الدول الحليفة للنظام عنه كروسيا وايران ودول اخرى عربية واجنبية، بعد الانفتاح الذي ابدته خلال السنوات الاخيرة الماضية، وتركته يواجه مصيره مع شعبه، وهومؤشر على ان خريطة الشرق الاوسط الجيو- سياسية ستتغير فعلاً نحو تقسيمات جديدة، ولكن على ما يبدو وفق السيناريو الاميركي – الاسرائيلي، الذي بشّر به رئيس حكومة كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو قبل اكثرمن شهرين، ووفق الخريطة التي اعدها لسوريا بول بريمر الحاكم العسكري الأميركي للعراق بعد احتلاله، والتي بذرت بذور الطائفية في البلد وقسمته الى أقاليم في اطار صيغة الفيدرالية، واسست لحكم ذاتي كردي بصلاحيات رئاسية توفر كل أسس وركائز الاستقلال والانفصال لاحقا. او وفق مخطط البريطاني برنارد لويس الموضوع منذ العام 2018.

اي نظام سوري بديل؟

  وبغّض النظرعن تفاصيل اليوميات السورية الاخيرة واسباب وظروف انهيار النظام، فإن السؤال الاساسي الذي يُطرح، اي بديل سيكون للنظام، واي ديموقراطية ستحكم سوريا، في ظل تعدد الجهات السورية وتنوع ارتباطاتها الخارجية وفق الانتماء الطائفي والقومي والمناطقي قبل السياسي، نظراً لتعدد القوميات والارتباطات؟. والسؤال الأهم اي مستقبل للبنان في ظل خريطة الشرق الاوسط الجديدة التي تُرسم برضى اقليمي ودولي لا يستطيع احد تعديلها إلابمواجهات دامية ليس أوانها الآن ولا احد بعد قادرعلى خوضها على الاقل في المدى المنظور؟

ولعل نتنياهو سارع الى التقاط اللحظة الحاسمة بعد تهاوي وحدات الجيش السوري وانسحابها من جبل الشيخ والقنيطرة في الجولان، فأزال الشريط الحدودي الشائك وألغى منطقة فصل القوات واتفاق وقف اطلاق النار مع سوريا الساري منذ العام 1974، واجتاج جيشه المنطقة وصولا الى ريف دمشق غربا نحو حدود منطقة راشيا الفخار اللبنانية، والى تخوم دمشق حتى قطنة وغيرها من الارياف الجنوبية، بمسافة تزيد عن 15 كلم، فهدد بذلك العاصمة السورية وحدود لبنان الشرقية – الجنوبية. واعلن في تفصيل جديد للخريطة التي يريدها “أن القسم الذي تحتله وضمته من هضبة الجولان السورية سيظل إسرائيليا إلى الأبد”، خلافاً للكلام الاسرائيلي السابق بأن دخول الاراضي السورية مؤقت لضمان امن اسرائيل.

 وعدا ذلك، اجتاحت الطائرات الحربية سماء سوريا بطولها وعرضها وقصفت نحو 450 هدفا عسكريا للجيش السوري من اسلحة البر والبحر والجو ومنشأت حيوية اخرى، بحيث تم استذكار ما فعلته القوات الاميركية عندما اجتاحت العراق ودمرت جيشه بالكامل وتركت البلاد للفوضى المسلحة.

وفي الصورة الجلية التي ارتسمت تفاصيلها خلال الشهر الماضي، فإن ما حصل في سوريا هو بداية الانقلاب الأميركي المدعوم من قوى إقليمية على كل الوضع القائم منذ سنوات في الشرق الأوسط، والذي لم يناسب الإدارة الاميركية الراحلة ولا يناسب إدارة الرئيس دونالد ترامب المقبلة، وطبعاً لا يناسب الدولة الأميركية العميقة، فكان لا بد من قلب الصفحة عبر إعادة نشر الفوضى في المنطقة ليسهل وضع اليد عليها وفرض الحلول، في ظل إنكفاء روسيا وإيران المنشغلتين بأوضاعهما الداخلية، وغيرهما من دول كانت ترفض السياسات الأميركية والغربية.

ويُخشى أن يكون ما يُرتقب للبنان، الضعيف والمتهالك والمنقسم على ذاته أصلاً، جزء من إدخاله في هذه الفوضى المدمرة، بحيث يُعاد بناء الدولة ومؤسساتها على أنقاض ما تهدّم، وبهندسة اميركية ـ إسرائيلية، قد تؤدي مستقبلاً الى عدم استقرار نتيجة الانقسامات واختلاف التوجهات الداخلية.

ارتياح وقلق لبناني

  لا شك ان نسبة كبيرة من اللبنانيين وقواهم السياسية المعارضة للنظام السوري وحلفائه في بيروت، ابدت ارتياحها لسقوطه المريع والسريع، واعتبرت انه برحيله ضعف الخصوم السياسيين لا سيما بعد الموقف الايراني المفاجيء بالتخلي عن النظام وجيشه، نتيجة خلافات تراكمت بينها وبين الرئيس بشار الاسد حول ادارة البلاد وحول وضع المنطقة ككل. ولعل الموقف الايراني اسهم في تعزيز موقف خصوم حزب الله واعتباره من اكبر الخاسرين، نظرا لسقوط حليف قوي له ونظراً لما اعتبروه إقفال مسارب وطرقات نقل السلاح الى الحزب من ايران الى العراق فسوريا فلبنان.

ولكن بالمقابل بدأ لبنان يتحسس رأسه. وبدأ سيل الاسئلة: هل هوموضوع على خريطة تشريح المنطقة ام أن له اسباباً مخففة نظراً لطبيعته السياسية وتركيبته الطائفية التي يحاذر الغرب المس بها خوفاً على مصير المسيحيين فيه؟ وهل تتمدد الفصائل المسلحة السورية نحو المناطق اللبنانية واغلبها كان للبنان معها تجربة مريرة في “حرب الجرود” البقاعية مع “جبهة لنصرة واخواتها”؟ وهل يشكل وجود المعارضة السورية المسلحة عند حدوده الشرقية والشمالية نوعاً من الضغط السياسي عليه للقبول بما لم يكن يقبل به، لجهة ترتيب وضعه الداخلي بعد وقف الحرب الاسرائيلية عليه، والبدء بتنفيذ وقف اطلاق النار الهش حتى الآن والمخروق من قبل اسرائيل يومياً برضى اميركي وغربي فاضح؟ ولجهة فرض رئيس للجمهورية يتماشى مع المرحلة الجديدة التي سيتولى فيها الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب مهامه في 20 كانون الثاني من العام المقبل، ويكون الشرق الاوسط قد استراح من الحروب والتوترات كما سبق واعلن ترامب قبل وبعد انتخابه؟

وكان ترك الكيان الاسرائيلي “على راحته” في خرق اتفاق وقف إطلاق النار، وقصف المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا، ونسف المنازل في قرى الجنوب الحدودية، إضافة إلى المماطلة في انطلاق عمل لجنة الإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار نحو أسبوعين، بمثابة مؤشر على أن الآتي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بما جرى التخطيط له لترتيب وضع المنطقة ومن ضمنها وضع الحدود الجنوبية بما يلائم مصالح إسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية، لجهة إضعاف المقاومة، إن لم يكن محاولة القضاء على أي إحتمال لإستعادة قواها.

دبابات اسرائيل على حدود دمشق ولبنان

  وتحققت مخاوف لبنان مع توارد معلومات تفيد عن توغل جيش الاحتلال الاسرائيلي من الجولان وجبل الشيخ نحو مزيد من الاراضي السورية وصولا الى ريف دمشق الغربي وبات قريباً من حدود لبنان الشرقية – الجنوبية  لجهة راشيا الوادي. كما افيد “ان مجموعة من هيئة تحرير الشام حاولت التسلل الى الأراضي اللبنانية في منطقة دير العشاير على الحدود اللبنانية السورية، حيث قامت بإطلاق النار بإتجاه الجيش اللبناني و حصل اشتباك قصير و من ثم انسحبت”. لكن مصادرالجيش افادت “الحصاد” انه في جرود كفرقوق – راشيا الوادي، أقدم مسلحون مجهولون قادمون من الأراضي السورية، على تجاوز الحدود والاقتراب من أحد المراكز الحدودية للجيش، وإطلاق النار في الهواء، وذلك أثناء استيلائهم على تجهيزات من داخل  مركز للجيش السوري بعدما تم اخلاؤه. وقد أطلق عناصر الجيش نيراناً تحذيرية، ما أجبر المسلحين على العودة إلى داخل الأراضي السورية.

فرصة للبنان ام تحدٍ جديد؟

 ثمة أسابيع قليلة مفصلية تتظهر فيها صورة المنطقة وخريطتها وموقع لبنان ودوره وما المطلوب منه فيها، ولا بد من ترقّب نتائج عمل لجنة الاشراف على تطبيق اتفاق وقف اطلاق النار، وترقب نتائج مساعي التوافق لإنتخاب رئيس للجمهورية في جلسة 9 كانون الثاني الحالي، لمعرفة ما سيُفرض على لبنان بعد الذي جرى في سوريا واقفال المعابر امام تدفق السلاح اليه، وكيف سيتصرف حزب الله؟ إذ أن الغموض يحيط بالوضع المقبل وبنوايا الاطراف المحليين والخارجيين.

  وعلى هذا، يبدو أن انتخاب رئيس للجمهورية، إذا حصل في 9 كانون الثاني، سيراعي كل هذه المتغيرات، وإذا لم يحصل الانتخاب فهذا يعني أن ظروف وضع لبنان على خريطة الإدارة الأميركية السياسية الجديدة لم تنضج بعد، وربما لن تنضج ما لم يتم إشعال مزيد من النار تحت الصفيح اللبناني.

وبدا من خلال الحراك الداخلي للكتل النيابية ولسفراء اللجنة الخماسية العربية – الدولية، ان التوجه لإنتخاب رئيس توافقي بات جدّياً، من خلال كلام السفير المصري علاء موسى، الذي ابدت اوساطه لـ” الحصاد” ارتياحاً لمسار الحراك الداخلي المكثف بإتجاه التوافق، مع بعض الحذر المفهوم والذي ينتظر تبلور اسس التوافق على شخص الرئيس الحيادي. “ولوتم التوافق لكانت الجلسة قد عقدت مطلع شهركانون الاول”، كما قال الرئيس بري.

وقالت مصادر اللجنة الخماسية لـ “الحصاد”: انها متفائلة لأن الرئيس نبيه بري اكد امام السفراء التزامه بتعهداته بعقد جلسات انتخاب بدورات متتالية واستمرار التشاور للتوصل الى مرشح توافقي او مرشحين، وكلما قلّ عدد المرشحين كان ذلك افضل لتسهيل الاختيار. كما ان لجنة السفراء لم تدخل في اسماء المرشحين وتركت الامر”كحق حصري” للبرلمان، على ان يشمل التوافق قبل جلسة لانتخاب وخلالها ايضاً موضوع تشكيل الحكومة رئاسة واعضاء لإنجاح الرئيس والحكومة.

ابي رميا: لـ “طائف سوري”

 وبرأي عضو “اللقاء النيابي التشاوري المستقل” والمحايد وخارج المحاور سيمون ابي رميا، “فإن التركيبة القائمة في سوريا وبعض دول المنطقة منذ عشرات السنين قد انقلبت ودخلنا مرحلة جديدة، ويبدو ان سوريا بحاجة الى  اتفاق طائف سوري – عربي ودولي لتشكيل نظام جديد يجمع كل الاطراف ويحفظ وحدة البلاد ومكوناتها واستقلالها كما حصل في لبنان.

وقال ابي رميا لـ”الحصاد”: اشك في نجاح مشروع بول بريمر في تقسيم سوريا فالظروف والمعطيات التي كانت قائمة وقتها تغيرت، والمسعى الاميركي الجديد هو “تصفير” مشكلات الشرق الاوسط لازيادة توتراتها.

 واضاف: ولا بد ان يواكب لبنان هذه التطورات بالبحث الجدي بين اطرافه السياسية وكل اطيافه في تطوير نظامه السياسي، حتى لا يتم فرض نظام جديد عليه لا يتوافق مع تركيبته وظروفه واوضاعه ومصالحه، سواء بالفدرلة او الكونفدرالية او التقسيم المقنّع.