الإعلامية والمذيعة رؤى حمدان: نحن في حرب طاقة عالمية لا قيود لها أو حدود

رؤى حمدان إعلامية ومحاورة سياسية اختصرت مراحل تجربتها بعدما عبرت دروب المهنة بكل احترافية ومهنية، تخرّجت من كلية الآداب قسم اللغة العربية وأكملت دراسة دبلوم دراسات عليا، ودرست في كلية الإعلام جامعة دمشق.

الصحافة حلم طفولتها، كانت تكتب بطريقة إنشائية ممتازة في المراحل العمرية الصغيرة وتحصل على إشادات من معلماتها، الأمر الذي عزز ثقتها بنفسها وبقلمها. بعد التخرّج بدأت بالعمل الجاد في مجال الصحافة المكتوبة، بداية عملها التلفزيونيّ كانت من خلال تقديم البرامج في القناة الرسمية السورية. ثم عملت ضمن إذاعة نينار المحليّة في سورية في إعداد وتقديم برامج في مجالات مختلفة (خدمي، صباحي منوّع، فني، رياضي) وإعداد وتقديم نشرات ومواجيز أخبار سياسيّة، بعدها انتقلت إلى العراق للعمل في قناة آي نيوز الفضائية العراقية في بغداد.

تعود للتاريخ عند قراءة قضايا اليوم.

برنامجها “من جهة غربية” الذي يُعرض حالياً على آي نيوز تستعرض خلاله أبرز العناوين الواردة في الصحف والمواقع الغربيّة وتناقشها مع ضيوفها، وعليه كان لنا لقاء خاص معها أخبرتنا خلاله عن تجربتها الحافلة بالإعلام ونظرتها كمحاورة ومطّلعة على مجال السياسة الغربية في الدور الذي تلعبه الدول في خلط الأوراق في المنطقة وتأثيراته على حرب غزة.

  • “الحصاد”: مسيرتك بالإعلام حافلة بالتجارب. أخبرينا عن البدايات.
  • البدايات امتزجت بعدة مشاعر، لبداية السير في طريق حلم الطفولة والحزن عند الاصطدام بالواقع الذي يبدو للوهلة الأولى بعيداً عمّا رسمناه في مخيّلتنا، الابتسامات والدموع، الرضا وجلد الذات، كلّها ساهمت في بناء بداية متينة لعملي الذي بدأته بالصحافة المكتوبة في عدة مواقع إلكترونية متنقلة بين الأخبار والمقالات والتدوين والكتابة الأدبية التي تميّزت بها منذ الطفولة، ثم الانتقال للعمل التلفزيوني وكان ظهوري الأول كمقدمة برامج منوّعة اجتماعية عبر شاشة التلفزيون الرسمي (الفضائية السورية) ثم العمل في إحدى الإذاعات المحلية الخاصة لما يقارب الخمس سنوات. البداية كانت في التدقيق اللغوي والتحرير في بعض الأحيان، ثم الإعداد والتقديم للبرامج الإذاعية وإعداد وتقديم المواجيز والأخبار السياسية. بعدها عملت في إعداد وتقديم البرامج في إحدى الفضائيات الإقليميّة والآن مذيعة أخبار ومقدمة برامج سياسية في قناة آي نيوز الفضائية العراقية في بغداد.

  • “الحصاد”: كيف ترك اختصاصك باللغة العربية أثراً على مهنتك الإعلامية؟
  • ترك تأثيراً إيجابياً بارزاً من ناحية الأداء وفرص العمل، حيث لا يُخفى على أحد أهمية اللغة العربية في الإعلام نحواً وصرفاً خاصةً من يعمل في المجال السياسي الذي لا يحتمل الخطأ. فصاحة اللسان ومخارج الحروف ساعدتني في تطوير الصوت أيضاً بالإضافة لناحية أهم وأبرز وهي حاجة مقدم البرامج الحوارية لمخزون لغويّ يُسعفه في التعبير عن أفكاره أثناء حواره، فاللغة العربية بحر مليء بالمصطلحات لكن الفكرة ليست فقط في الدراسة الجامعية لتخصّص اللغة العربية إنما بالقراءة والاطلاع على مختلف صنوف الكتب بين الأدب والرواية والمؤلفات السياسية والتاريخية التي تحتاج لفهم عميق للغة والمعنى والأمر ذاته في عملي الإعلامي حيث لا يحتاج الأمر لوقت طويل لفهم الفكرة عند قراءة ومطالعة الأخبار في وكالات الأنباء العالمية غير الناطقة بالعربية، فالترجمة الحرفية قد لا توصل المعنى بشكل جيد.

    تراعي اختلافات الجمهور وثقافته قبل إعداد أي حلقة
  • “الحصاد”: وهل برأيك يتطلّب نجاح الإعلامي أن يحمل إجازة بالإعلام؟
  • أنا دائماً أفضل التخصّص بكل شيء في الحياة، لكن عن تجربتي الشخصية بدأت بالعمل الصحافي والإعلامي بعد تخرّجي من كلية الآداب قسم اللغة العربية ودبلوم الدراسات العليا، قبل أن أعود لدراسة فرع جامعي جديد في كلية الإعلام جامعة دمشق. لا غنى عن دراسة الإعلام أكاديمياً لكن هذا وحده لا يكفي، إنما العمل يحتاج لموهبة وهي البذرة الأساس ثم الاجتهاد والسعي لتطوير أدوات العمل من لغة وصوت وأداء وحضور قبل كل شيء الإرادة القويّة للاستمرار في طريق ليس سهلاً مع التطوّر التكنولوجيّ ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت منبراً للجميع من يستحق ومن لا يستحق، ويعد الشهرة هدفه الأساس متناسياً الرسالة الإعلامية الأسمى في عملنا. وهنا يأتي دور الدراسة الأكاديمية في تقويم العمل وتقييمه.
  • “الحصاد”: عملت في قطاعات الإعلام المكتوبة، المرئية والمسموعة. أيها الأقرب لك ولماذا؟
  • كل مجال كان له قيمة مضافة في عملي وعزّز خبرتي. فالكلمة المكتوبة هي أساس العمل، مجال الصوت وتأثيره في المتلقي ليس سهلاً، والوقوف أمام الكاميرا والتفكير أنك كمذيعة تلفزيون تدخلين عبر الشاشة لمئات البيوت بمختلف ثقافاتها وانتماءاتها، هذا عندما نتحدّث بالعقل. أما العاطفة فهي للإذاعة والصوت والوسائل المسموعة.
  • “الحصاد”: قبل الشروع بإعداد أيّ حلقة. ماذا تضعين في حسبانك؟
  • أفكر بالمواضيع الأكثر أهميّة وغالباً أبحث عن مواضيع لم يتمّ تسليط الضوء عليها كثيراً في وسائل الإعلام، اضافة لأهمية الموضوع في الوقت الحالي ورواجه (أقصد هنا بالرواج القضايا التي تحتاج إلى نقاش وحلول بعيداً عن مصطلح ترند) وأعمد لتقديمه بطريقة تناسب الجمهور المتلقي وثقافته وتوجهاته.

  • “الحصاد”: كيف ترين الإنتاج الإعلامي العربي في تعاطيه مع قضايا الساعة وأحداثها؟
  • قضايا الساعة مصطلح حمّال أوجه في الوقت الحالي للأسف، الكثير من الوسائل الإعلامية تبحث عن الأكثر رواجاً ( Trend ) وتحقيق المشاهدات في التواصل الاجتماعي واستخدام العناوين الصفراء الفارغة من الحقائق أو تسليط الضوء على القضايا ومحاولة تقديم طرق
    الإعلامية والمحاورة السياسية رؤى حمدان.

    التفكير في الحل، لأن مهمة الإعلام ليست إيجاد الحلول إنما تسليط الضوء على أفكار تساعد الجمهور في التفكير خارج الصندوق، وهذا الأمر يحدث بشكل خاص في القضايا الاجتماعية والأخبار الفنية وقد يكون أصعب في عملنا في المجال السياسيّ، لأن الجمهور هنا يتابع الأخبار وفق توجّهاته ورؤاه وتحزّباته. وهنا يكمن دور الذكاء في الحوار وتحرير الخبر لجذب الجمهور وكسب رضاه للبدء بعمليّة إيصال الأفكار بين السطور مع عدم الابتعاد عن المهنية والمصداقية.

  • “الحصاد”: ما هي قراءتك للأحداث الراهنة؟
  • قراءة الوضع الراهن وفهمه بذكاء يعتمدان على قراءة التاريخ ومتابعة الأحداث تاريخياً حتى نصل للواقع الحالي. فالأحداث السياسية والميدانية والاقتصادية تسير على خط واحد منذ آلاف السنين مع مراعاة تغيّر الفكر والمصالح والتحالفات عبر الزمن. نعيش في عالم يحكمه رأس المال العالمي يتحكّم في اختيار القادة وافتعال الحروب والمشاركة فيها ودعم أطراف مسيطر عليها لإضعاف أطراف أخرى تمتلك مواقع استراتيجية على خطوط التجارة العالمية أو ثروات باطنية. ويظهر هذا الأمر جليّاً في العامين الفائتين حتى الآن منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية وقطع إمدادات الغاز عن أوروبا وصعوبة استبدال الوقود بالطاقة النظيفة بسرعة وإيجاد حلول إسعافية بالتوازي مع اكتشاف مصادر للطاقة والثروات في أفريقيا واتجاه أنظار القوى العالميّة نحو تلك المناطق وزرع قواعد عسكرية فيها بحجة ضبط الأمن. باختصار نحن في حرب طاقة عالمية.

  • “الحصاد”: كيف غيّرت الحرب على غزة مجريات المنطقة وتوزيع الأوراق؟
  • علّمونا في المدارس منذ الطفولة أن فلسطين موقعها موقع القلب بالنسبة للوطن العربي، بالنسبة لي أرفض القول إن الحرب فقط على قطاع غزة بل هذا استمرار لجرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني منذ الأزل، استمرار لجرائم التطهير العرقي بحجة ما يسمّونه (أرض الميعاد). أذكر هذه العبارات عطفاً على ما قلته في سؤالك السابق لي وإيجابتي أننا أمام حرب طاقة واقتصاد عالميّ. اختلف المفسّرون على مصطلح أرض الميعاد فقالوا إنها من الفرات إلى العريش ثم فسّروه على أنّها بيت المقدس بدأوا بحجج دينيّة لتحقيق أهداف صهيونية. الهدف ليس فلسطين وحدها إنما أرض الشام والعراق ومصر. ولعلّ بعض الدول استفاقت لهذا الأمر مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي وحماس الشباب العربيّ والغربيّ أيضاً وبحثه عن الحقائق وانتفاضته هنا كان واجباً على القادة أن يدرسوا علاقاتهم مع الكيان المحتلّ بشكل مختلف.

البداية من فلسطين والقضية لم تمُت إنما تصاعدت الأحداث في الحرب على غزة بشكل أكبر عالميّاً بالتوازي مع الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها العالم ككل. أخصّ بالذكر دول أوروبا وأميركا المتأثر الأول بعد الحرب الروسية الأوكرانيّة وما تقدّمه هذه الدول من دعم للكيان المحتل

ثابرت، اجتهدت وما زالت تسعى في مجال الكلمة الصادقة

بالسلاح والمال والسياسة. الشعوب الغربيّة تفكر في قوت يومها والضرائب والاستقرار المعيشي. وعندما بدأ هذا الدعم يؤثر على احتياجات الشعوب الغربية بشكل مباشر انتفضت بوجه قادتها. لا ننسى عدد العرب المقيمين والمهاجرين واللاجئين في تلك الدول ونقل ثقافات الشعب العربي لتلك الدول وتغيير الصورة النمطيّة عن العرب. عندما افتعلت القوى الغربية الحروب في منطقتنا العربية وفتحت باب اللجوء لجذب العمالة العربية الشابة لتسيير اقتصاداتها لكون الشعب الغربي كهل. لكن انقلب السحر على الساحر فالكثير من اللاجئين يعتمدون على المساعدات من المنظمات الدولية، وكما ذكرت نقل الثقافات والاندماج مع الغرب. وهنا بدأ إيضاح الحقائق حول جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني وأصبحت قضية رأي عام دوليّة، وهنا الحكّام لا بد من تغيير سياساتهم واعتماد سياسة التهدئة، واستمالة الرأي العام، فالشعوب ساهمت في تحويل السياسة والقادة، ويبقى المتضرّر الأول من كل هذا الشعب الفلسطيني المضطهد الذي بذل الروح والدم.

“الحصاد”: ماذا تقولين لأهالي غزة؟

أصحاب الأرض هم أصحاب الحق. نخطئ (مجبرين) عند استخدام مصطلح الحرب. فالحرب بين دولتين أو صراع على حق تحت القانون الدولي الإنساني. أما الكيان المحتلّ فهو مغتصِب لأرض ليس له فيها أدنى حق أو ذرة تراب مجرّدين من كل إنسانية غير ملتزمين بأي قانون. الأرض أرضكم أنتم أصحاب الحق والوجود. كل نداءاتنا الإنسانية وكل نشرات الأخبار لا تشكّل واحداً بالمئة مما قدّمتموه من دماء وأرواح ومعاناة.

  • “الحصاد”: ما هي برأيك السياسات الدفاعية التي بمقدور الإعلامي مواجهة العدو الإسرائيلي بها؟
  • الحقيقة واضحة جليّة بعيداً عن عروبتنا وتوجهاتنا الإنسانية وحدها كفيلة بإظهار الواقع كما هو عليه. اليوم نحن في حرب إعلامية دفاعية مع إعلام العدو الذي يشوّه الحقائق لاستمالة الرأي العام وتشويه صورة الدفاع عن الحق وتحويرها إلى صورة الإرهاب المقيتة. لذا علينا تعميق
    تقدم وتعد برنامجها من جهة غربية الذي يطرح قضايا الساعة

    قراءتنا لتقديم تحليل منطقيّ موضوعيّ عبر شاشاتنا ووسائل الإعلام بشكل عام، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعيّ عبر حساباتنا الشخصية وإيصال الصورة للجمهور العالمي وليس العربي فقط.

  • “الحصاد”: أخيراً، ما هي النصيحة التي تقدمينها للجيل الجديد من الإعلاميين؟
  • الإعلام رسالة. القتل بالسلاح موت سريع أما الكلمة فيمكن أن تقتل جيلاً كاملاً عبر تقديم الخطأ على الصحّ أو تحييه من خلال تقديم الحقيقة والوقائع. الجمهور أمانة في أعناقنا. ابحثوا عن الحقائق وتأكدوا من المعلومة قبل تحويلها إلى خبر. اقرؤوا كثيراً في المجالات كافة وليس في تخصص واحد تحبّونه.