الشرع رئيسا لسوريا: المسار وآفاقه

احتضان ومواكبة للتحوّلات وقلق على مستقبل البلد

انتقلت سوريا على نحو سريع من حالة سياسية إلى أخرى. جرى هذا التحوّل بسلاسة، على الرغم من اضطرابات متفرقة بقيت تحت سقف منضبط. وكان لافتا أن مواكبة عربية وإقليمية ودولية رافقت هذا التحوّل، ما جعله متّسقا مع مطالب وشروط واضحة للتعامل مع الوضع الجديد، كانت صدرت عن العالم العربي، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، بشأن القواعد الذي يجب أن يتّبعها الحاكمون الجدد في دمشق من أجل العمل على رفع

كيف تحوّل الجولاني إلى رئيس لسوريا

العقوبات الدولية على سوريا، والذهاب إلى اعتراف دولي وأممي تدريجي بمنظومة الحكم التي ورثت المنظومة السابقة برئاسة بشّار الأسد. والواضح أن حاجة سورية، وربما عربية دولية ملحّة وعاجلة، أملت اختصار كثير من المراحل التقليدية، والذهاب إلى تعيين قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، رئيسا للجمهورية في المرحلة الانتقالية.

البحث عن شرعية

توقف المراقبون عند التطوّر المفاجئ الذي أدى إلى تعيين الشرع رئيسا للجمهورية في سوريا واتخاذ مجموعة من القرارات التي تحسم ملفات إنهاء مرحلة سابقة والإعداد لمرحلة جديدة. وسلّط المراقبون الضوء على الظروف التي استدعت التعجيل باتخاذ هذه القرارات وعدم انتظار مخرجات مؤتمر وطني جامع. ففي 29 كانون الثاني (يناير) 2025، أعلنت إدارة العمليات العسكرية في سوريا، انتصار الثورة السورية، وتنصيب أحمد الشرع رئيساً للبلاد في المرحلة الانتقالية، وتكليفه بتمثيل الجمهورية العربية السورية في المحافل الدولية، وتشكيل مجلس تشريعي مؤقت.

وقد جاء الإعلان في “بيان إعلان انتصار الثورة السورية”، وذلك عقب إلقاء الشرع “خطاب النصر” في قصر الشعب بدمشق، أمام لقاء موسّع لفصائل المعارضة، من ضمنها “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا، و”جيش سوريا الحرة”

السعودية واكبت التحوّل السوري منذ لحظة سقوط الأسد

المدعوم من التحالف الدولي، إلى جانب فصائل من درعا والسويداء. وأُعلن في هذا الاجتماع عن تكليف الشرع بتشكيل “مجلس تشريعي مؤقت” للمرحلة الانتقائية، “يتولى مهامه إلى حين إقرار دستور دائم للبلاد ودخوله حيز التنفيذي”. كما أعلن عن حلّ جميع الفصائل العسكرية، بما في ذلك “هيئة تحرير الشام” التي كان يرأسها الشرع ودمجها بمؤسسات الدولة.

أعلنت هذه القرارات عن إلغاء العمل بدستور سوريا سنة 2012، وإيقاف العمل بجميع القوانين الاستثنائية، وحل مجلس الشعب، المشّكل في عهد نظام بشار الأسد، واللجان المنبثقة عنه، وحلّ الجيش وإعادة بنائه على أسس وطنية، وحلّ جميع الأجهزة الأمنية، بفروعها وتسمياتها المختلفة، وجميع الميليشيات التي أنشأها، وتشكيل مؤسسة أمنية جديدة تحفظ أمن المواطنين. كما أُعلن عن حلّ حزب “البعث العربي الاشتراكي”، وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وما يتبع لها من منظمات ومؤسسات ولجان، كما يُحظر إعادة تشكيلها تحت أي اسم آخر، وذلك على أن تعود جميع أصولها إلى الدولة السورية.

نصائح الخارج

جاءت قرارات “إعلان النصر” بعد مرور 52 يوما على سقوط نظام بشّار الأسد في 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024، لتحسم عددا من الملفات، أهمها الدستور القديم، ووضع الجيش والأجهزة، ومصير البرلمان، وحزب البعث، كما توفّر هيكلا للدولة ووجها ممثلّا لها لدى المحافل الدولية.

وتَعِدُ القرارات بهيئة تشريعية مؤقتة. وتمّ الاستعاضة عن مخرجات المؤتمر الوطني الذي أُعلن عن تأجيله لصالح قرارت يحسمها اجتماع الفصائل لتطوير هياكل الفترة الانتقالية. ويُعتقد أن نقاشا داخليا مدعّما بتجربة التواصل مع العواصم الإقليمية والدولية دفع إلى التعجيل بتقديم شكل من أشكال الشرعية الممثلة للدولة السورية، بإمكانها اتخاذ وضع

تركيا تعمل على حماية التحوّل السوري

قانوني للتعامل مع المجتمع الدولي ومنظماته، وأن أمر هذه الضرورة جاء بناء على نصائح خارجية.

وقد اتّخذت هذه القرارت بعد يومين على قرار الاتحاد الأوروبي رفعا لبعض العقوبات عن سوريا، وبعد ساعات على وصول وفد أوروبي إلى دمشق، وعشية زيارة أمير قطر، الشيخ تميم  بن حمد، للعاصمة السورية كأول زعيم دولة يزور سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وقبل أيام من زيارة للشرع إلى السعودية التي تمت في 1 فبراير 2025.

ولاحظ باحثون أن كافة البيانات العربية والدولية طالبت دمشق بحكومة تمثل كافة مكوّنات الشعب السوري للتعامل مع الواقع الجديد وضمان رفع العقوبات. ولم تأت هذه البيانات على ذكر كلمة “ديمقراطية”، بما أوحى بترك الأمر للسوريين في تقرير ذلك، ما يعني أنه كان على الشرع الوعد بالذهاب إلى “تعيين” حكومة وهيئة تشريعية تلبي هذا المطلب من خلال أجسام تشمل أسماء متنوعة المكوّنات، خصوصا أنه سبق أن قدّر أن لا انتخابات قبل 4 سنوات.

وتؤهّل القرارات الجديدة سوريا لاستعادة كافة مقاعدها التمثيلية داخل المنظمات الإقليمية والدولية والأممية، وتتيح للشرع حضور القمم العربية والإسلامية و اجتماعات الهيئات الدولية والأممية الأخرى، علما أن ذلك قد يحتاج لدى بعض العواصم الدولية إلى رفع اسم الشرع عن لوائح الإرهاب.

وقد قام الشرع بعد تعيينه رئيسا بتدعيم شرعيته الإقليمية من خلال زيارته للسعورية ولقائه بوليّ العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان. ثم قيامه بعد ذلكم مباشرة بزيارة إلى تركيا، في 4 شباط (فبراير) 2025. وكان من شأن هذه الزيارات أن تفتح للرئيس السوري الجديد أبواب احتضان إضافية للسوريا داخل الدائرتين العربية والإسلامية، كما تعزيز أوراق الحكم الجديد لدى العواصم الكبرى، لا سيما واشنطن تحت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بالنظر إلى ما

مبادرة فرنسية ألمانية لرفع العقوبات الأوروبية

تملكه الرياض وأنقرة من علاقات مع الولايات المتحدة ومغ الرئيس ترامب شخصيا.

هدوء دمشق

تعرّض قرار تعيين الشرع رئيسا للجمهورية إلى هجمات عبر وسائل الإعلام الاجتماعي من قبل أنصار النظام السابق ومجموعات مدنية علمانية، وانتقادات من قبل بعض منابر المعارضة السورية، وتحفّظات، نقلتها الفضائيات العربية لوجوه داعمة للشرع متخوفة من الانزلاق نحو ديكتاتورية جديدة على حدّ وصفها.

ومع ذلك يُعتقد أن تقويما داخليا سوريا، بشأن إعادة تشكيل السلطة في سوريا، عجّل باتخاذ قرار تعيين الشرع رئيسا لسوريا مدعوما بسلسلة قرارات تنهي العمل بهياكل النظام السابق الدستورية والعسكرية والأمنية والحزبية. والأرجح أن قراءة داخلية وخارجية للوضع السوري السياسي والاقتصادي والأمني دفع باتجاه التعجيل بتوفير واجهات قانونية تمثل الدولة السورية في تعاملها مع العالم والمؤسسات والمنظمات الدولية وتُسهّل قرارات رفع أو تخفيف العقوبات.

وقد لوحظ أن المطالب العربية (بيان العقبة) والبيانات الصادرة عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن طالبت القيادة السورية بتمثيل كافة مكوّنات الشعب السوري من دون أن تفرض عليها انتهاج نظام ديمقراطي.

واستنتج مراقبون أن قرار تعيين أحمد الشرع رئيسا للبلاد احتاج إلى المرور بمواعيد متلاحقة، ومكثّفة، مع وفود عربية ودولية زارت دمشق، وأخرى سورية زارت بعض عواصم المنطقة. قرأت دمشق كافة البيانات والتصريحات والمواقف، وغاصت بين سطورها، وأصغت إلى كل همس وإشارة ونصح يدلها على خرائط الطريق. واحتاج أيضا إلى الانخراط

موقف غامض لترامب من سوريا

القيادة الجديدة في تماسٍّ مباشر مع معضلات سوريا وأزماتها في الأمن والوقاية من “ثورة مضادة”، لكن أيضا في الاقتصاد والتنمية والعيش اليومي الكريم. كما احتجات إلى مراقبة  ردود فعل اخصوم هذا التحوّ وأعدائه، وتأمل خوف الطوائف والمكوّنات، والاطلاع على حال المتحفّظين على الطابع الإسلاموي للإدارة المنتقدين لاحتماله على منظومة العيش في البلاد.

لكن من راقب صخب الاعتراض ورواج مواسم التشكيك، في الداخل ومن الخارج، لاحظ بالمقابل هدوءا واستيعابا يمارسه الشرع وفريقه. لا غضب ولا انفعال. لا ردّ لائم على عتب بيتي، ولا ردود متشنّجة على رسائل، ومنها شديد القسوة، من الخارج. بدا أن الشرع حصّن نفسه وإدارته بثقافة الحكمة والهدوء، وأجاد انتقاء الكلمات وحرفة التعبير الحسن. وفيما جاءه الإعلام الدولي ثم العربي حاملا أسئلة العواصم أكثر من أسئلة الصحافة، قدّم الشرع أجوبة محشوّة برسائل صحيحة خلت من الشوائب، وكأنها نصوص حاضرة مسبقا.

حرب الأولويات

بعد ورشة مكثّفة انخرط فيها الشرع داخل ملفات الأمن والسياسة والعلاقة مع العالم، وبعد الإلمام بدقّة  بواقع سوريا وحقائق معضلاتها، استنتج لائحة أولويات تسبق السجالات بشأن شكل الدولة ونصوص الدستور وهوية النظام الجديد. وبدا أن الرجل، مدعوما بمساحات احتضان عربي ودولي لا تخطئها عين، يمشي وفق مسار تفرضه العوامل التالية:

1-المشكلة الأولى والأهم هي اقتصادية شديدة الارتباط بموجودات الدولة من العملة الصعبة، وترهل مواردها، وشلل الدورة الإنتاجية، وهزال البنى التحتية، وارتفاع نسب البطالة من دون أي أفق لإنتاج فرص العمل.

2-البوابة الأولى للخروج من هذا النفق يكمن في إعادة الثقة، لا سيما من قبل مجتمع الأعمال، السوري والعربي والدولي، بالاقتصاد السوري وتوفير قوانين مشجعة لأنشطة الإنتاح وحركة رؤوس الأموال، وإعادة بناء بنى تحتية

العالم داعم لإنهاء النفوذ الإيراني في سوريا

مناسبة، وتأهيل القوى العاملة لمواكبة عصرنة اقتصاد كانت تتحكم به عقلية المافيا وأدواتها.

3-الطريق الأولى لتحرير اقتصاد البلد هو إعادة اتصاله بالدائرة الاقتصادية والمالية الدولية، ما يحتم منطقيا العمل على رفع كافة العقوبات الاقتصادية الدولية عن سوريا، وتبييض صفحة مصارفها ومؤسساتها النقدية والمالية وسمعة الترسانة القانونية المكافحة للفساد وشبكات تبييض الأموال.

4-المعبر الأول لرفع العقوبات هو تخليص البلد من سياسات حكمته لعقود، وإعادة تقديمه بالصورة والقواعد والمعايير التي تؤهله لعضوية فاعلة تحظى بحواضن، لا سيما من قبل تلك العربية والإسلامية، والتوقف عن ممارسة ابتزاز في تقديم البلد حاضنا لمصادر خطر على الدول، القريبة والبعيدة.

ماذا يريد العالم؟

بدا أن الشرع لم يكن وحيدا في هذا العالم. استفاد من لحظة تاريخية دولية أجمع فيها العالم، على نحو نادر منذ اندلاع الصراع عام 2011، على ضرورة إنهاء نظام بشّار الأسد. واستفاد من الاحتضان التركي-السعودي-القطري السريع والواسع للحصول على سقف إقليمي صلب له امتداداته صوب العواصم الكبرى شرقا وغرب. وحصل أيضا من ذلك السقف الراعي على وصايا ونصائح بالخطوات التي يجب أن يلتزم بها لعبور حقل ألغام هذا العالم والتفطّن إلى

الهواجس الأولى: الاقتصاد والأمن والاستقرار

أبجديات مصالحه. وقد أتت النصائح والوصايا والشروط على شكل بيانات ورسائل أو من خلال ما حمله الموفدون في زياراتهم الاستكشافية . وكان على الشرع والقيادة السورية إزلة القشور عن الشروط والتعامل مع أولوياتها وفق ما فُهم من أولويات العواصم التالية:

1-يريد العالم زوال الوجود الإيراني في سوريا نهائيا، وهو هدف تجتمع عليه كل العواصم القريبة والبعيدة، ويظهر في الخطاب الرسمي للتحوّل السوري، الذي يفتح ذراعيه لعواصم الدنيا غير مستعجل على فتح أبوابه أمام طهران.

2-يريد هذا العالم استقرارا أمنيا في سوريا لا يسمح بأن تكون ملاذا للإرهاب أو لأي جماعات مهدّدة للعالم القريب والبعيد، ولا تكون مصدرا للإجرام ومنتجا ومصدّرا للمخدرات ومزعزعا لاستقرار المنطقة. ومن أبجديات هذا الاستقرار مواكبة خارجية لقدرة النظام الجديد على ضبط الوضع الأمني، واحتواء أعمال التمرد، ومنع التسلّح وجعله بيد الدولة وحدها.

3-في ثالث الأولويات، وليس اولها، وهذه مفارقة تجدر ملاحظة ترتيبها، أن يقوم في سوريا حكم “مقبول” يقدم واجهة حكم تمثّل مكوّنات الشعب السوري. واللافت أن العالم لم يفرض شكلا حصريا لنظام الحكم، ولم يشترط “الديمقراطية” بالمعنى الغربي لها، بل منظومة حكم تمثل السوريين وتحترم معايير “مقبولة” يمكن احتضانها من قبل المجتمع الدولي الراهن.

وفق أولويات البلد الداهمة، وأولويات عربية ودولية تريدها من سوريا، فهم الشرع وفريقه أن ساعة قد دنت للانتقال إلى مرحلة انتقالية جديدة بات البلد والعالم الحاضن يحتاجانها. أصدرت دمشق قرارات تنهي هياكل ما هو سابق وتعد بأجسام، منها تشريعي متعدّد المكوّنات، وتدابير لما هو لاحق، وتدشّن مرحلة جديدة تحتاج سوريا أن يقودها الشرع رئيسا ويقود مساراتها. وإن يقبل العالم بقرارات دمشق ويتعايش معها وربما يرعاها فترسل العواصم برقيات التهنئة، فإنها لن تقفل نقاش السوريين بشأن “المدينة الفاضلة” التي يريدونها لنظام بلدهم، حتى لو أن في الأمر ما لا يتّسق مع موازين القوى ولا تعترف به “لعبة الأمم”.

حكاية العقوبات

مهما تدافعت الوعود الدولية، العربية خصوصا، بدعم التحوّل السوري، فإن ذلك سيبقى هامشيا، مقتصرا على المساعدات ذات الطابع الإنساني، طالما أن سوريا بقيت تحت سيف العقوبات الدولية المفروضة على سوريا. تشمل العقوبات شخصيات من النظام السابق والمنظومة الاقتصادية لسوريا التي كانت تموّل النظام ورجالاته. وعلى الرغم من أن لتلك العقوبات مفاعيل يدفع ثمنها أيضا الشعب السوري، إلا أن رفع هذه العقوبات يتطلّب تنفيذ شروط دولية ليست بعيدة عن شروط البيئة العربية.

ففي كانون الأول (ديسمبر) 1979، فُرضت العقوبات الأميركية على سوريا عندما صُنفت “دولة داعمة للإرهاب”. وأدت هذه العقوبات إلى فرض حظر على الصادرات والمبيعات الدفاعية، وبعض الضوابط على تصدير المنتجات ذات الاستخدام المزدوج المدني والعسكري على حد سواء، إضافة إلى قيود مالية مختلفة. وفي أيار (مايو) 2004 طُبقت قيود إضافية على الواردات والصادرات مع تنفيذ القانون الأميركي “قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية”.

وفرضت عقوبات بشكّل متدرّج، وتصاعد وقعها بعد اندلاع الصراع الداخلي عام 2011. وعلى الرغم من اتصالات غربية متفرقة مع النظام السابق، بقي الموقف الغربي الرسمي يشترط عملية انتقال سياسي وفق القرار الأممي 2254 الصادر عام 2015، قبل رفع العقوبات وتطبيع العلاقة مع دمشق. تشمل العقوبات حظرا تجاريا يمنع تصدير  سلع ذات الاستخدام المزدوج (أي التي يمكن أن تُستخدم في الأغراض العسكرية). وصادرات النفط، بما فيها، منع الشركات الدولية من شراء النفط السوري أو الاستثمار في قطاع الطاقة في سوريا.

كما فرضت العقوبات تجميدا لأصول البنوك السورية، بما في ذلك حسابات وزارة المالية السورية، بنك سوريا المركزي، وأصول المسؤولين الحكوميين والشخصيات المرتبطة بالنظام. كما تم منع المؤسسات المالية الدولية من التعامل مع البنك المركزي السوري، ما أدى إلى عزل النظام المالي السوري عن النظام المصرفي العالمي. وحظرت العقوبات سفر المسؤولين السوريين المتورطين في انتهاكات حقوقية، ما سبّب تداعيات سلبية على باقي المواطنين السوريين، منها اعتماد معايير مشددة لنيل تأشيرات دخول الكثير من الأراضي الغربية.

في 18 نيسان (أبريل) 2024، أجاز مجلس النواب في الكونغرس الأميركي،، قانون “الكبتاغون 2” الذي يفرض عقوبات إضافية على النظام السوري السابق على خلفية تصنيع وترويج وتهريب وتجارة المخدرات عبر العالم. أُقرّ هذا القانون ليأتي مكمّلا لقانون مكافحة الكبتاغون الأول نهاية عام 2022. وفي حزيران (يونيو) 2020، فرضت واشنطن قانون العقوبات المعروف باسم “قيصر”، وقررت بموجبه عقوبات مالية على مسؤولين سوريين ورجال أعمال وكل أجنبي يتعامل مع دمشق، ونص على تجميد مساعدات إعادة الإعمار. وبموجب قانون “قيصر”، تم إدراج اسم بشار الأسد على رأس المعاقبين بصورة مباشرة لارتكابه جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان. وإضافة إلى الأسد، شملت القائمة 39 من كبار المسؤولين والمؤسسات السورية، بما في ذلك أسرته وزوجته.

التفاعل مع العالم

في 7 كانون الثاني (يناير) 2025، خفّفت الولايات المتحدة بعض القيود المفروضة على الحكومة الانتقالية في سوريا للسماح بدخول المساعدات الإنسانية. وأصدرت وزارة الخزانة الأميركية ترخيصا عاما، يستمر ستة أشهر، يجيز بعض المعاملات مع الحكومة السورية، ومن بينها بعض مبيعات الطاقة والمعاملات العرضية.

قبل ذلك في 2 من نفس الشهر، بدأ وزير الخارجية في الحكومة السورية الانتقالية، أسعد الشيباني، جوله عربية بدأها بالرياض قادته إلى الدوحة وأبوظبي وعمّان. وكرر خلال جولته المطالبة بحثّ العواصم المعنيّة على رفع العقوبات عن بلاده. وكان رئيس الإدارة الانتقالية آنذاك، أحمد الشرع، قد كرر في مقابلاته مع الصحافة، لا سيما الدولية منها، مطالبة المجتمع الدولي بإزالة العقوبات التي فرضت في مرحلة الأسد، واعتبر أنها فقدت مبررها بعد سقوط النظام.

وقد حصل أول تطوّر لافت في 12 كانون الثاني (يناير) حيث شهد اجتماع دولي في العاصمة السعودية الرياض‏، توافقا عربيا ودوليا على دعم سوريا‏ ورفع العقوبات المفروضة عليها، مع التشديد على ضمان وحدة الأراضي السورية، دون أن تكون سوريا مصدرا لتهديد الاستقرار في المنطقة. كما أعلن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في ختام الاجتماع، الترحيب بالخطوات التي اتخذتها الإدارة السورية الجديدة، مؤكدا الاستمرار في تقديم أوجه الدعم لسوريا، وأن وزراء الخارجية المشاركين في الاجتماع اتفقوا على دعم بناء مؤسسات الدولة السورية الجديدة، وعودة اللاجئين إلى ديارهم.

من جهتها أكدت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، خلال الاجتماع أيضا، أن تخفيف العقوبات يعتمد على تحركات دمشق في الاتجاه الصحيح، مع إعطاء الأولوية للعقوبات التي تعيق بناء الدولة والوصول إلى الخدمات المصرفية. من جانبها، دعت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، إلى نهج “ذكي” للعقوبات يوازن بين المساعدات الإنسانية وضمان الشفافية في الحكومة السورية.

وعلى الرغم من كثافة الاتصالات الأميركية والأوروبية والعربية مع القيادة الجديدة في دمشق، أجمعت كافة المطالب، بما فيها ما صدر عن لجنة الاتصال العربي بشأن سوريا في اجتماعها في العقبة في الأردن، في 14 كانون الثاني (يناير) 2025، على ضرورة قيام مرحلة انتقالية، وفق القرار 2254، تشمل كافة مكوّنات المجتمع السوري، والتأكد من عدم تحوّل سوريا إلى مصدر لأخطار على أمن العالم.

إن سوريا تحتاج لبرامج تعافي وإعادة أعمار تتطلب دعما ماليا دوليا وانخراط شركات أجنبية في مشاريع النمو والتطوّر. ولا يمكن للأمر أن يتمّ من دون إزالة معوقات حركة الرساميل والبضائع والخدمات، وإزالة المعوقات القانونية التي تمنع التعامل مع سوريا.

ووفق  ذلك، فإن البلد يحتاج إلى جهد عربي ودولي لرفع العقوبات التي كانت فرضت على البلاد في مرحلة حكم الأسد، الأب والإبن، وتفاقمت بعد بدء الصراع الداخلي عام 2011.

والواضح أن العقوبات الدولية تكبل سوريا وتمنع انسيابية تعاملها مع المؤسسات المالية والمصرفية الدولية. كما أن العقوبات تطال قطاع النفط والتجارة والسفر ما يؤثّر على أنشطة الأفراد والمؤسسات. كما تمنع العقوبات الدول والمؤسسات من التعامل مع سوريا، ما يعرقل انسياب برامج الدعم المالي لخطط التعافي وإعادة الأعمار.

وتطالب الإدارة الجديدة بالإبقاء على العقوبات التي تطال الأسد وعائلته ورجالات نظامه، ورفع تلك التي تصيب الشعب السوري وتكبّل قدراته. وتعوّل الإدارة على احتضان عربي وتركي من أجل إقناع الحلفاء الغربيين برفع هذه العقوبات. بالمقابل يطالب المجتمع الدولي، والعربي، الإدارة الجديدة في سوريا بإقامة هيئة انتقالية وفق القرار الأممي رقم 2254 تشمل كافة مكوّنات الشعب السوري، وقرن القول بالفعل في تجفيف منابع أو ظواهر الإرهاب المحتملة في سوريا. ووسط ما هو مطلوب من الجانبين، فإن العالم يواكب على نحو لافت التحوّلات السورية لأسباب جيوستراتيجية تتعلق خصوصا بأمن المنطقة واستقرارها وتحضّر الشرق الأوسط لأجندات تزداد لبسا وغموضا.

لاحظ باحثون أن كافة البيانات العربية والدولية طالبت دمشق بحكومة تمثل كافة مكوّنات الشعب السوري للتعامل مع الواقع الجديد وضمان رفع العقوبات. ولم تأت هذه البيانات على ذكر كلمة ديمقراطية، بما أوحى بترك الأمر للسوريين في تقرير ذلك، ما يعني أن الشرع ذاهب إلى “تعيين” حكومة وهيئة تشريعية تلبي هذا المطلب من خلال أجسام تشمل أسماء متنوعة المكوّنات

تحتاج سوريا إلى برامج تعافي وإعادة أعمار تتطلب دعما ماليا دوليا وانخراط شركات أجنبية في مشاريع النمو والتطوّر. ولا يمكن للأمر أن يتمّ من دون إزالة معوقات حركة الرساميل والبضائع والخدمات، وإزالة المعوقات القانونية التي تمنع التعامل مع سوريا.

وفق أولويات البلد الداهمة، وأولويات عربية ودولية تريدها من سوريا، فهم الشرع وفريقه أن ساعة قد دنت للانتقال إلى مرحلة انتقالية جديدة بات البلد والعالم الحاضن يحتاجانها. أصدرت دمشق قرارات تنهي هياكل ما هو سابق وتعد بأجسام، منها تشريعي متعدّد المكوّنات، وتدابير لما هو لاحق، وتدشّن مرحلة جديدة تحتاج سوريا أن يقودها الشرع رئيسا ويقود مساراتها.

إن يقبل العالم بقرارات دمشق ويتعايش معها وربما يرعاها فترسل العواصم برقيات التهنئة، فإنها لن تقفل نقاش السوريين بشأن “المدينة الفاضلة” التي يريدونها لنظام بلدهم، حتى لو أن في الأمر ما لا يتّسق مع موازين القوى ولا تعترف به “لعبة الأمم”.

يريد العالم زوال الوجود الإيراني في سوريا نهائيا، وهو هدف تجتمع عليه كل العواصم القريبة والبعيدة، ويظهر في الخطاب الرسمي للتحوّل السوري، الذي يفتح ذراعيه لعواصم الدنيا غير مستعجل على فتح أبوابه أمام طهران.

يريد هذا العالم استقرارا أمنيا في سوريا لا يسمح بأن تكون ملاذا للإرهاب أو لأي جماعات مهدّدة للعالم القريب والبعيد، ولا تكون مصدرا للإجرام ومنتجا ومصدّرا للمخدرات ومزعزعا لاستقرار المنطقة. ومن أبجديات هذا الاستقرار مواكبة خارجية لقدرة النظام الجديد على ضبط الوضع الأمني، واحتواء أعمال التمرد، ومنع التسلّح وجعله بيد الدولة وحدها.