وان بايدن يحاول تعزيز مكانته وانقاذ اسرائيل من حماقات نتنياهو
صدر قرار مجلس الأمن بوقف اطلاق النار،بناء على المشروع الأمريكي،وقد وافقت عليه اربعة عشر دوله ،وامتنعت واحده وهي روسيا،عن التصويت،وعلى ذلك اصبح القرارملزما ،بصرف النظر عن الاجتهادات التي سوف تطرح في تفسيره،وهل هو وقف دائم،أم وقف مرحلي ،ومازلنا نذكر الخلافات التي تمت في تفسير القرار 242 علم 1967 ،وهل النص كان على انسحاب من الأراضي المحتله أم من أراض محتله، واسرائيل
غنية عن التعريف او التوصيف لمدلول الكلمات ومراميها. على اي حال لابد من ايقاف اطلاق النار،وكل بالتأكيد سوف يتباري في لملة جراحه ،والأستعداد لنمط اّخر من المعارك السياسيه التي يمكن ان تتخللها معارك عسكريه، أوعقوبات اقتصاديه من قبيل الضغط وفرض الاذعان . لكن ذلك لا ينبغي ان ينسينا ،اننا عاصرنا معارك ،وشهدنا تحولات،وامتلأت عيوننا بالفخر ببطولات ،وجسارة في المواجهة،وطول نفس في الصمود ،والانتصار على النفس،قبل الانتصار على االغير. كم هي الروح عزيزة بالقطع واليقين ،ولكنها ليست بأي حال من الأحوال اعز من الوطن، ومن الأرض. هكذا تصرف الفلسطينيون، وأداروا حياتهم ومعاركهم صمود وتضحيات لا أول لها،ولا اّخر، وكان تأثيرهم بالغ في العقول والقلوب في اّن واحد .
طوفان الأقصي
دخلت عملية طوفان الأقصي التاريخ من اوسع ابوابه ،ليس لطول أمدها فحسب،فهي اول حرب تمتد الى بضعة شهور،وقد تعودت اسرائيل على الحرب الخاطفه،والمتناظره بين جيوش باستثناء حربها مع المقاومة اللبنانيه،ولكن لأنها ساهمت بشكل قاطع، في وضوح القاعده الأساسيه التي تحكم العلاقة بين قوى المقاومة،والقوى الدخيله.ان الحركات الوطنيه ،مهما تباعدت نسب القوة واحجامها بينها، و بين قوى الاحتلال أو الأستيطان،أو حتى النظم المستبده ،فانها قادره على الدوام على صنع الزلازل في تاريخ الاوطان،التي تحرك عجلة التاريخ من جديد ،بما يحقق الطموحات المشروعه للقوى الوطنيه ،ورفع رايات الحرية والاستقلال. هذه الحرب ايضا تحدد الفواصل بين الولايات المتحده الأمريكيه ،واسرائيل. وبشكل قاطع. كثيرون يتصورون ان امريكا هي اسرائيل،واسرائيل هي امريكا. هذا غير صحيح بالقطع واليقين. امريكا دوله عظمى لها سياساتها ومصالحها،واسرائيل
كيان مصنوع لخدمة السياسه الأستعماريه بشكل عام، ولكنه ايضا كيان له مشروعه الخاص.كانت بريطانيا صاحبة السبق في اعطاء وعدها المشؤوم،ثم جري التحالف مع فرنسا،واليوم الولايات المتحده هي الراعيه الأساسيه، وهي كذلك زعيمة الكتله الغربيه،وعلى ذلك فاسرائيل (وسيله) وليست(غايه). وهنا لابد من الاشارة السريعه( للتذكير)الى مؤتمر (بانرمان) عام 1907 ونتائجه( لابد من زرع جسم بشري يفصل مشرق المنطقه عن غربها،ويكون قوة صديقه للغرب،معاديه للعرب)من اجل الحفاظ على مصالح الاستعمار في المنطقه،وهو مااعتبر زواجا كاثوليكيا لا طلاق فيه بين القوى الاستعماريه،و الصهيونيه.لكن علينا ان نتذكر تماما ان اسرائيل لها مشروعها الصهيوني الخاص ،ويسعي اليه المتطرفون من الأجنحه الأسرائيليه،وما يطلق عليهم اليمينيون، بكل ايدولوجياتهم الدينية أو الفكريه.
تعدد المشروعات في المنطقه
المنطقه العربيه من حيث الموقع الجغرافي،و ثرواتها الطبيعيه تمثل مغنما تتطلع اليه الكثير من القوى الاستعماريه،وتاريخنا حافل بالحروب والمعارك التى تصدي فيها اّباؤنا بالمقاومه لتلك المطامع على مر التاريخ، وحتى الأن مازالت الطموحات الدوليه تتزاحم على المنطقه عبر مشاريع متعددة :
- المشروع الغربي،ودون الدخول في اضابير التاريخ،وهي عامره بالمؤامرات والحروب كما اسلفنا، نتذكرفقط في تاريخنا الحديث معارك الأحلاف وربط المنطقه بعجلة الغرب ابتداء من (النقطه الرابعه،وحلف بغداد ومشروع ايزنهاورثم الحلف الاسلامي ،وكلها لم تنجح في مواجهة المشروع القومي العربي اّنذاك.
- المشروع الصهيوني ،وقد بدأه هرتزل عام 1897في مؤتمر بازل ،وقد طرح مشروع (الوطن القومي) لليهود في فلسطين، وحين سئل لماذا لم تذكر (دولة اسرائيل) رد قائلا ( كتبت الوطن القومي، ولكن يهود العالم سيقرؤنها على انها دولة اسرائيل ).
- المشروع القومي العربي ،والفكر القومي عموما فكر حديث بدأت ملامحه تظهر،وتكشف عن مكنوناته في الوحده الأيطاليه 1861 والوحده الألمانيه 1871،ومن ثم جرى سريان المفهوم ،بناء على توفر عناصر الوحده في المنطقه العربيه ،وقد جرى نموالفكره عبر حركات واحزاب ومؤسسات خصوصا في فترة الأربعينات من القرن الماضي؛ حيث ظهر جيل من المفكرين العرب عملوا على دراسة هذا المفهوم،وقاموا بجهد ملموس في ترويجه ونشره ،وكما يقول احد قادة الوحده الايطاليه (ماتزيني) ان الاحساس بالوحده في المفهوم القومي للأمة هو بمثابة الروح في الجسد، فالأحساس بالوحده يشعل بقية العناصر من اللغة والتاريخ والمصير،ويجعلها تنبض بالحركة والتفاعل لتحقيق هذا الهدف. كانت فترة الخمسينات والستينات قمة التوهج لمفهوم الوحده العربيه،وكان المد القومي عارما.ولذلك كانت حركة التحرر تتصاعد في العالم العربي والافريقي ، والى ان سلمنا اقدارنا الى الولايات المتحده باعتبار انها تملك 99% من اوراق حل ازماتنا،وكانت تلك هي قمة ازماتنا التي قادتنا الى حالنا الراهن .
- المشروع الاسلامي : وهو الذي تنادي به بعض التيارات الاسلاميه وخصوصا جماعة الاخوان المسلمين ،وهو يرتكز على عودة (نظام الخلافه) كنظام للحكم يجمع الدول الاسلامية تحت مظله واحده،وبصرف النظر عن وجهات النظر المتعددة في هذا الشأن،ومناقشة ذلك المشروع تفصيلا و لسنا هنا في مجال مناقشة هذا الأمر الآن ،الا ان الوحده بين الدول ،لابد ان يكون اساسها الجوار،وطبيعة القضايا الداخليه،وخصوصيات كل دوله ،وقد كانت الوحده المصريه السوريه تجربة لابد من دراستها ،للتغلب على ماصادفته من ازمات، وكل هذا لا يمس نبل الهدف الذي يسعي الى الوحده،باعتبارها رمز يؤدى الى التنمية الأوسع،والقوة الأمنع ،والمستقبل الآمن.
المشروعان الأمريكي والصهيوني
يتلخص المشروع الأمريكي في الحفاظ على الازدهار الراسمالي،ومناطق الأستثمار،والسوق الموسع ،ورخص العماله،ولتأمين ذلك لابد ان ترعاه
قوة مؤثرة عسكريه وعلميه وتكنولوجيه وكان التحالف مع الصهيونية باعتبارها القاعده العسكرية في منطقة بالغة الحساسيه في العالم من حيث الموقع الجغرافي والثروات الجوفيه وفي مقدمتها الثروة النفطية.راجع مقررات مؤتمر
( كامبل بانرمان 1905- 1907).ان المنطقه باختصار هي (الأرض المنتجه والانسان المستهلك)
المشروع الصهيوني،مشروع توسعي،ولعلنا نذكر بالشعار(من الفرات الى النيل أرضك الموعوده
يا اسرائيل)،فهم في قناعاتهم (شعب الله المختار)،وقد تعددت مشاريعهم لأختراق العالم العربي ،
ونتذكر ( شيمون بيريز) ومشروع الشرق الأوسط الجديد ،للترويج للدور الأسرائيلي وتفوقه
التكنولوجي ،ومايمكن ان يضيفه للعالم العربي .المشروع الصهيوني يتجاوز الدور الذي يحدده
المخطط الأمريكي ،ونتذكر انه 1956 قامت اسرائيل باصدار قرار بواسطة الكنيست الاسرائيلي
بضم شبه جزيرة سيناء المصريه للأراضي الأسرائيليه الى ان تم توجيه الأمر من (ايزنهاور)
بالجلاء عن سيناء،فقامت بالتنفيذ فورا. ذلك ان امريكا كانت تريد الدخول للمنطقه من خلال
مشروع ايزنهاور ( نظرية الفراغ) وان كان لم ينجح ،فقد رفضته حركة القومية العربيه حينها .
المشروع الأمريكي يعتمد اسرائيل كحارس لأهدافه ،تصريح بايدن في اعقاب طوفان الأقصي و
زيارته لأسرائيل ونشره للأسطول والبوارج الأمريكيه ( لو لم تكن هناك اسرائيل لصنعناها ) ثم
تهديده لأيران ان تحركت بعمل عسكري وقوله لرئيسها (لا تفعل ذلك).لكن نتياهو في نفس الوقت
له حساباته السياسيه ازاء اسرائيل وتحالفاته السياسيه وانتماؤه الحزبي لحزب الليكود المتطرف
مأزق بايدن وطموحات نتنياهو
القاعده الاساسيه التي تحكم علاقة الولايات المتحده باسرائيل هي ان الولايات المتحده على استعداد لحماية اسرائيل ان تهدد وجودها او امنها ،وهكذا كان الأمر في حرب 1973 ،فقد جرى تزويدها بكل ما يستدعي نجاتها اثر مباغتة الجيش المصري والسوري لها،ووقفت بجوارها 1967 رغم انها كانت البادئة بالعدوان على مصر وسوريا والاردن ،وصدر قرار مجلس الأمن بخلوه من القاعدة الرئيسيه المتعارف عليها،وهي عودة الجيوش المتحاربه الى قواعدها الرئيسيه قبل الحرب،لكن امريكا،في
نفس الوقت ليست مستعده للدفاع عن طموحات اسرائيل ،او تطلعات قادتها. لذلك فان بايدن حاول ان يلقن نتنياهو ضرورة وضع خطة عمل أو رؤيه لليوم التالي لوقف القتال ،لكن نتياهو تحت عمق الصدمة التي حدثت من (طوفان الأقصي) أخذ يرتكب المجازر تلو المجازر في مواجهة المدنيين العزل من كل سلاح،وسقوط عشرات الآلآف من الضحايا الفلسطينيين شيوخا واطفالا ونساء فضلا عن الشباب في مقتبل العمر،مما اثار حفيظة شعوب العالم ومنها الشعب الأمريكي ،وخصوصا الشباب في الجامعات الذين انتفضوا احتجاجا ورفضا للدعم الأمريكي لأسرائيل. وقال نتنياهو، الذي زار القوات الإسرائيلية في شمال غزة لنواب من حزب الليكود الذي يتزعمه إن الحرب أبعد ما تكون عن نهايتها، ورفض ما وصفها بأنها تكهنات إعلامية بأن حكومته قد تدعو إلى وقف القتال. وذكر أن إسرائيل لن تنجح في إطلاق سراح الرهائن المتبقين لدى حماس دون ممارسة
الضغط العسكري.لكن بعد كل تلك الشهور،وسقوط هذا العدد من الضحايا المدنيين، يتضح تماما مدى الفشل الذي لحق بحرب نتنياهو
في تحقيق أهدافه المعلنة المتعلقة بالقضاء على حماس، واستعادة الأسرى بالقوّة، وهذا ما أكّده قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، الذين اتّفقوا في اجتماع قبل أيام على أن الحرب في غزّة، وصلت إلى طريق مسدود، وأن إسرائيل فقدت ميزتين أساسيتين في هذه الحرب، وهما: الدعم الأميركي، ووحدة
الشارع الأسرائيلي ،ورغم استمرار نتنياهو في الحديث عن النصر الكامل، فإن النتائج على الأرض لم تسعفه على الإطلاق، وليس أدلّ على ذلك من اضطرار جيش الاحتلال إلى العودة لمناطق جباليا، وحي الزيتون – كان قد أعلن قبل ذلك أنه نجح في تفكيك كتائب حماس فيها – لكنه يواجه من جديد مقاومة أوقعت في صفوفه عشرات القتلى والجرحى. ونجد أنفسنا في حاجة هنا لتأكيد ما نقوله من خلال عدد من الشهادات الإسرائيلية التي تؤكد الهزيمة التي يواجهها جيش الاحتلال في حربه على غزّة…
شهادات اسرائيلية
يقول الرئيس السابق لجهاز (الشاباك) يعقوب بيري في معاريف، (اليوم يبدو أن عدوّنا المرّ والقاسي يسيطر على الوضع على نحو أفضل بكثي، ونحن من نرقص على مزماره وليس العكس). وعن (يحيى السنوار) يقول انه يتحكّم بالأمور بطريقة أكثر موثوقيّة وأمان، ونحن نتبعه دون خيار، ويضيف كل شيء مقلوب، غريب، وقبل كل شيء غير مفهوم. وضع مُحبط وكئيب، وفوق كل شيء؛ بلا مخرج ولا أي حل، ثم تعليق اّخر للكاتب يواف ليمور في (جريدة يديعوت أحرنوت )يقول ان غزه لم تُهزم بعد ولن تهزم تمامًا، حتى لو هزمت الكتائب الأربع المتبقية في رفح، فإنه مشكوك في كل الأحوال أن تؤدي العملية المخطط لها في رفح إلى ذلك.ثم يقول اولمرت رئيس الوزراء السابق ان
الحرب على غزة انتهت فعليًا قبل 3 أشهر، ولا يوجد سبب للادّعاء باستمرارها، مؤكدًا أنه لا يمكن استعادة الأسرى الإسرائيليين إلا من خلال إنهاء الحرب، واصفًا من يتصور غير ذلك بأنه واهم. أما
الخلاف الآخر، والذي يرتبط أيضًا بالفشل الميداني، فهو خطة ما بعد الحرب، حيث رفضت حكومة نتنياهو بإصرار أيّ دور للسلطة الفلسطينية بغزة، وأصرت في المقابل على استخدام أشخاص غير مرتبطين بها، وحاولت استمالة عائلات، ولكنها فشلت في المسعيَين. ورغم أنّها وافقت على أدوار لدول عربية ولو مؤقتًا، فإنّ ذلك قُوبل بالرفض من مصر، والأردن، والإمارات، حيث ربطت هذه الدول أيّ دور لها بانسحاب قوّات الاحتلال من غزّة، وضمن إطار حلّ سياسي تكون السلطة الفلسطينية موجودةًفيه.ويحاول نتنياهو بهذا الموقف إرضاء شريكَيه المتطرفَين (بن غفيروسوسموتريتش) الأمر الذي يشعل الخلافَ مع بقية الشركاء الحكوميين، ومع الولايات المتحدة التي طالبت بسلطة فلسطينية مقبوله، وفي إطار طرح حلّ الدولتين الذي رفضته حكومة الاحتلال أيضًا.
بايدن يحاول الخرج من ازمته وينقذ اسرائيل من نتنياهو
كان على بايدن ان يتحرك،بعد ان حاصرته جموع الشباب في الجامعات ازاء المجازر التي تحدث في غزة، وعدم المبالاه التي ينتهجها نتنياهو في حكمه،وفي معالجاته السياسية للقضايا الملحة التي تجري على الساحة الأسرائليه ،والى حد ان حدث ذلك الشرخ في المجتمع الاسرائيلي،واصبح مجلس الحرب في حالة انشقاق ،مع تعدد المظاهرات في الشارع الاسرائيلي ،وانقسم الساسة الأسرائيليون،ثم يقدم الكنيست على التصويت بأغلبية لصالح قانون تجنيد اليهود الحريديم (المتدينين) مما يزيد من حدة الصراع ،ويؤجج المشاعر المعادية لأسرائيل ،ثم توالي الاعتراف بالدولة الفلسطينيه، في الوقت الذي يتعين فيه على بايدن ان يكون في موقع متميز ازاء العملية الأنتخابيه التي ستجرى قريبا في الولايات المتحده ،وعلى الأخص في مواحهة خصم شرس مثل (ترامب). كان على بايدن ان يتحرك بل ويسعي الى عقد صفقة امريكيه مع حماس للأفراج عن اسري يحملون الجنسية الأمريكيه ،بعيدا عن اي صفقة بين اسرائيل وحماس حول نفس المشكله ،وهي الافراج عن المحتجزين الأسرائيليين .كان عليه ان يقوم بالخطوة الأكبر وهي تقديم مشروع لمجلس الأمن يقضي بايقاف اطلاق النار . لقد تعددت المشاكل وتمت محاصرة نتنياهو بأحكام قضائيه دوليه،واستنكارشعبي عارم على مستوى العالم
وابحت اسرائيل في حاجة لأنقاذها من سياسي متطرف ،وحكومة يمينيه متطرفه ،وتخبط سياسي وعسكري، يكشف حقيقة الدوله التي زعموا انها لا تقهر. كان على امريكا الراعي والمسؤول ان تتصرف ، وهكذا كانت الولادة المتعثره للمبادرة الأمريكيه .