من بيروت – رنا خير الدين
وسط زحمة المشاغل والتوترات يعيش الفرد، ويحاول أن يحظى بالحد الأدنى من راحة البال، ينشغل بالعمل وتأمين لقمة العيش والأوضاع المحيطة، ويبقى طيلة حياته يركض ليجد السعادة دون أن يعلم أن هذه السعادة تبدأ من عنده، من بوابته الفكرية والعقلية والروحية، تتساءلون كيف؟ نرد، عبر ممارسة اليوغا بانتظام، أقله مرتين في الأسبوع. لذا توقفنا عند هذا الموضوع، وكان »للحصاد« حديث مع مدرب اليوغا بشير رع الذي أكد أن اليوغا ليست دينا أو نمط حياة بل هي فن العيش، وكل ما حولنا يبدأ منها ويرجع إليها، ويشير المدرب رع أن الجميع
بحاجة إلى ما يمنحهم السلام الداخلي في عصر السرعة والتوتر هذا، واليوغا والتأمل من أفضل ما يمكنه المساعدة على هذا الصعيد. ويرجو رع أن أن تصبح هذه الممارسة في صلب نشاطات المدارس، لأن توعية الأجيال الجديدة على أهمية الهدوء والسيطرة على الذات تساعد في بناء مجتمع مسالم وصحي وحضاري.
ولكم تفاصيل اللقاء:
»الحصاد«: ما هو سبب تعلقك برياضة اليوغا؟
»بشير رع«: لأن اليوغا عبارة عن حزمة كاملة للراحة الجسدية، المادية، العقلية، الاجتماعية والروحية، لذلك عندما أمارسها للمحافظة على جسدي بشكل صحي وجيد، وأضمن إلى جانبها غذاء صحيا أيضا، الأمر الذي يؤدي إلى عقلية هادئة الإيجابية التي يمكن أن تؤدي وتعلم في نفس الوقت، ما يدخل الطاقة الإيجابية للأفراد وينعش البال.
»الحصاد«: ما الذي يشجع الناس على ممارسة اليوغا؟ وهل ممارسة اليوغا هوية أم اسلوب حياة، ولماذا؟
»بشير رع«: اليوغا هي فن العيش، كل شيء يبدأ وينتهي باليوغا، ويبدأ من أعلى الرأس من التفكير الإيجابي ويستمر في الجسم من خلال التعرض لوضعيات ومواقف ينتهي مع موقفك الذي يقوم على اللطف والكرم والمسؤولية. فعندما يبدأ الشخص بملاحظة فوائدها من شكل الجسم الجيد، التفكير بإيجابية، إضفاء السعادة لديه، وملاحظة القوة الجسدية والعقلية وراحة البال والقلب 24/7، لذا من المؤكد أنه سوف يميل لها بقوة، فاليوغا ليست هواية أو أسلوب حياة، أو دينا.
»الحصاد«: قمتَ بتدريب فئة خاصة من المسجونين في سجن روميه، أخبرنا عن هذه التجربة؟
»بشير رع«: كانت تجربة فريدة من نوعها، كانت هذه الفئة تعاني من مشاكل عصبية وقلة الثقة ببعضها البعض، كان تدريبهم صعبا نسبيا، ومع الوقت ازدادت نسبة ثقتهم ببعض قليلا، وبدأنا العمل كفريق إلى ما هناك، تعلموا قيمة الصمت والهدوء، وخفت حدة الطباع لديهم، ونسبيا حصلوا من التدريب على السلام الداخلي، ثم انتقلت إلى مبنى آخر دربت فيه من لديهم أمراض نفسية ونقص المناعة، كانت تجربة فريدة وصعبة وأصريت على مساعدتهم، وكان تدريبهم خطيرا لجهة إمكانية العدوى، لم يحبذوا في البدء فكرة التأمل لكنهم فيما بعد رغبوا بها؛ بنيتهم الجسدية تحسنت ما انعكس إيجابيا على صحتهم النفسية والمعنوية، حققت هذه التجربة نفعا مع هذه الفئة بات لديهم أمل بالحياة وبنوا الأحلام حول ماذا سيفعلون بعد انتهاء مدة سجنهم، ومنهم من أكمل دراسته في السجن، ومنهم من توجه نحو الموسيقى أو دراسة الكمبيوتر.
»الحصاد«: كيف تساعد اليوغا مسلوبي الحرية في زيادة ثقتهم بنفسهم؟
»بشير رع«: السجن ليس أربعة جدران، الحرية بالعقل والتصرف الذي يرجع عن الإدراك والتفكير، أحاول مساعدة الذين خرجوا من السجن قدر المستطاع، واليوغا تساعدهم من خلال إضفاء السلام الداخلي وزيادة القدرة على التأمل والهدوء والتفكير العميق لذا هي من أبرز الطرق لزيادة الايجابية والطاقة على حياتهم، ما يعطيهم دفعة نحو مستقبل سليم.
»الحصاد«: ما هي الطريقة الأمثل لتدريب من لديهم اكتئاب؟
»بشير رع«: طريقة تمرين التنفس وتسمىpanayama، ويساعد هذا النوع من التدريب على تخفيض دقات القلب، والسيطرة على النفس، وكيفية السيطرة على الغضب، فالغضب عبارة عن دقات قلب عالية، خلال هذا التدريب يتم التحكم بكافة أعضاء الجسد والعقل، وثمة تدريبات عبر تنظيف الجيوب ما يسمح دخول الأوكسجين أكثر، وعند دخول كمية أوكسجين إلى الدماغ يخف الغضب، بالإضافة إلى عدة تدربيات خاصة تخفف الاكتئاب والغضب.
»الحصاد«: تنصح النساء الحوامل بممارسة اليوغا؟ ولماذا؟
»بشير رع«: بالتأكيد، اليوغا والتأمل أيضا، تساعد الحوامل في السيطرة على الهرمونات، والآلام التي قد يشعرن بها، بالإضافة إلى انها تبقي الطفل بصحة سليمة، وأفضل وقت لذلك بعد الشهر الثالث من الحمل.
»الحصاد«: ما رأيك بيوغا الضحك التي اكتشفها الطبيب الهندي مادان كاثاريا عام 1995؟
»بشير رع«: أشجع الأفراد في استخدام هذا النوع لأنه يساعد على على فرز الاندورفين في الجسم الذي يخفف نسبة الألم في الجسد، وسيريتامين الذي يخفف نسبة الاكتئاب والغضب عند الانسان، فيبقى الانسان بحالة جدا إيجابية وطاقة. لذا أشجع هذا النوع كثيرا من التأمل لأنه فريد وجيد للحياة الصحية السليمة للفرد وخصوصا في لبنان والدول العربية بسسب الظروب والحروب.
»الحصاد«: كيف تخفف اليوغا الزيادة في الوزن؟
»بشير رع«: اذا كانت اليوغا تمارس بطريقة منتظمة أي ثلاث مرات في الأسبوع، أو مرتين، تحتاج لنظام غذائي أيضا، فالانتظام بممارسة اليوغا من خلال تمرين الجسد ساعة ونصف كل أسبوع من خلال تحريك عضلات الجسم وتمديده والضغط على الدهون، فتتنشط الدورة الدموية في الجسد ويتحسن حال النفس، ما يسبب التعرق وحرق عدد سعرات حرارية هائل، ما يؤدي إلى تخفيف الوزن وجسم سليم وبنية قوية وتزيل الدهون غير الضرورية منه.
»الحصاد«: ما تعليقك على الفوضى التي تسيطر على مجال اليوغا في لبنان؟
»بشير رع«: الفوضى موجودة في كل المجالات في لبنان ليس في مجال اليوغا فقط، وأفضل عدم التعليق على هذا الموضوع، فالفرد قادر على التمييز ما هو الأصح له. هناك الكثير من مدربي اليوغا في لبنان بحوزتهم شهادات مهمة في اليوغا، وأهم ما قد يوجد لدى مدرب اليوغا هو ممارستها على الأقل ثلاث مرات في الأسبوع.
»الحصاد«: من هو بشير رع؟
»بشير رع«: بدأت مشواري مع اليوغا عندما كنت طفلا بالكاد أبلغ السابعة من العمر. كان للعائلة يومذاك جارٌ من الهند اسمه سيري، هو معلم يوغا، راح يعلمني تقنيات التنفس والتأمل، لما شاهده بي وبروحي وجسدي من أرض خصبة لهذا المراس. مرت الأيام وخضت مجالات مهنية مختلفة، ولكن بقي هناك خيط خفي يربطني باليوغا والتأمل، وبقيت مواظبا على ممارستها في وقتي الخاص. الى أن جاء اليوم الذي قررت فيه قلب حياتي رأسا على عقب، وهو اليوم الذي أصفه بـ«يوم الإلهام«. استقلت من عملي، وجهزت حقيبة السفر وتوجهت الى الهند. هناك تابعت دروسي الأولية في الهاتا يوغا في إحدى أهم مدارس اليوغا في العالم، مدرسة »شيفاناندا« في كيرالا )وهي تُسمى في المناسبة »هارفارد« اليوغا(، وتتلمذت على أيدي معلمين ومعلمات لهم عمر طويل في هذا المجال، لكي أكتسب التقنيات والخبرات والمعلومات اللازمة لإفادة الآخرين، فلا يكون صف اليوغا محض ساعة ونصف لمط الجسم. عدت الى لبنان وأنا أضع نصب عيني استخدام اليوغا لمساعدة الناس الذين يتخبطون في مشكلات صعبة. هكذا رحت أعلم الأسرى في سجن روميه، بالتعاون مع جمعية »كاثارزيس« التي تديرها المخرجة زينة دكاش. علمت أيضا في مركز لتأهيل المدمنين على المخدرات، واستفدت من خبرتي في التأمل لمساعدة المصابين بالاكتئاب والصدمات وسواهم من المأزومين نفسيا وجسديا، وممن يحتاجون الى الشفاء من نوبات الغضب أو الخوف. لكن لم أكتف بما أنجزته، انطلاقا من قناعتي بأن هناك دوما المزيد الذي في وسعنا تعلمه واكتسابه. عدت الى الهند أكثر من مرة، وحصلت هناك على شهادات عليا مختلفة، مثل شهادة الخمسمئة ساعة في تدريب الأشتانغا، وهي شهادة باتت تتيح له تخريج أساتذة يوغا ومنحهم شهادات، فضلا عن شهادة في الـ Pranic Healing )العلاج بالطاقة الحيوية( والتدليك الأيروفيدي وسواها الكثير من التخصصات التي تتكامل في ما بينها بغية منح الطلاب تجربة شفائية متكاملة. لم أعلم في لبنان فحسب، بل نقلت خبراتي الى بلدان عدة في العالم، فكنت أول من أعطى جلسات يوغا للكتاب والفنانين المشاركين في مهرجان »هاي« الأدبي في كولومبيا. درست أيضا في إيطاليا وفرنسا واليونان والإمارات العربية المتحدة والهند وألمانيا وايرلندا.
»الحصاد«: هل من مشاريع مستقبلية؟
»بشير رع«: قريبا سأفتتح مدرسة بين لبنان والهند لتخريج معلمي يوغا، وثمة مشاريع أخرى لتايلاند ومالي أتحدث عنها عندما يحين الوقت.