متسلقو الجبال بين الشغف بالطبيعة ومواجهة تحدياتها

لبناني يجتاز انتراكتيكا على زلاجتين وفلسطينيان يبلغان قمة ايفيريست لتمويل مستشفى ومدرسة!

مكسيم شعيا

بيروت- جاد الحاج

الإنسان يتحدى الطبيعة ويحبها. يجتاز البحار سباحة ويتسلق الجبال ويضيع أحياناً في الغابات الشاسعة وكله من باب الشغف والتحدي في آن واحد. لكن رياضة التسلق باتت احدى اهم التحديات وأكثرها صعوبة وخطراً في السنوات العشر الاخيرة، لأن مواكبة المتسلقين من أصعب المهمات وأكثرها خطورة وكلفة. أما المتسلقون انفسهم فيفترض ان يتمتعوا بالقوة اللازمة والقدرة على احتمال المشقات والتحولات المناخية خصوصاً الرياح القوية والثلوج. عليهم أن يتحلّوا بخفة الحركة ودقة التوازن وتحويل المواجهات المستحيلة الى حلول ممكنة قدر المستطاع.

بدأت رياضة التسلق منذ مئة عام على وجه التقريب. وسنة 1953 نجح النيوزلندي ادموند بيرسيفال وصديقه نورجاي ودليلهما هنري سيسيل جون هانت بالوصول الى قمة جبل إيفريست البالغ ارتفاعها 8848 متراً مما شكل سابقة تاريخية مسجلة لذلك الثلاثي الشجاع. يرتدي

المتسلقون المعاصرون ملابس خاصة مجهزة بإمكانيات الاحتمال المناخي والمتانة الصلبة والخفة المطلوبة، ويحمل كل منهم عادة حبلاً طويلاً وحاويات اوكسيجين وبوصلة ومطرقة خاصة لكسر الجليد بالاضافة الى صندوق اسعاف اولي وبندقية صغيرة دفاعية لمواجهة الثعابين والدببة. أما طعامهم فيتكون من مستحضرات مضغوطة تحتوي على كمية مكثفة من الفيتامينات الضروريةن يضاف إليها ما قد تجود به الطبيعة من لحوم وزحافات تؤكل. وتفيد مصادر رسمية نيبالية بأن 512 شخصاً أفلحوا في تسلق قمة إيفيرست الموسم المنصرم، وللمرة الاولى كانت بينهم سيدة من المملكة العربية السعودية وأخرى من باكستان وشقيقتان توأم من الهند ومواطن كندي من أصل نيبالي مبتور اليدين… وياباني في الثمانين من عمره.

ويعتبر اللبناني مكسيم شعيا المولود عام 1961 في بيروت أحد أهم رياضيي التسلق والمشي في الأصقاع المجلدة، فقد عبر قارة انتراكتيكا سيراً على مزلاجين مجتازاً 1130 كلم، وحده تماماً وحقق بذلك سابقة تاريخية لا شبيه لها. سنة 1975 ترك مكسيم لبنان المحترب آنذاك مع عائلته ليتابع دراسته في اليونان ثم فرنسا وكندا ثم نال شهادة بكالوريوس من كلية الاقتصاد في جامعة لندن. ويعود شغفه بالرياضة الى هواية ركوب الدراجات الهوائية التي مارسها برفقة والده قبل أن يحصل على جوائز عالمية في سباقات محلية وأجنبية كان آخرها سنة 2000 حين فاز بجائزة السباق الدولي للدراجات الهوائية في كينيا، حيث تعرف الى احد منظمي السباق ولبى دعوته للمشاركة في تسلق جبل كيليمنجارو. يقول مكسيم:  »يومها تعلمت ان تسلق القمم يعني في الدرجة الاولى ان ينافس المرء نفسه فينتصر على ضعفه وصغائره. عندما تسلقت كيليمنجارو لم تكن لدي فكرة أن تلك الرحلة ستوصلني الى قمة إيفيرست أو سقف العالم«.

في المرحلة التالية واجه مكسيم تسلق  »القمم السبع« بتمويل نادر من  »بنك عودة« اللبناني فتسلق جبل مكينلاي في الاسكا (6194 متراً) وجبل اكونكاغوا في الارجنتين (6960 متراً) وجبل إلبروس في روسيا (5642 متراً) وهرم كارستنز في أندونيسيا (4848 متراً) ثم قمة

جراح الحوامدة

فينسون في انتراكتيكا (4897 متراً) وسنة 2006 زرع رجل  »القمم السبع« بيرق وطنه على النقطة الأعلى في العالم، قمة إيفيرست الواقعة بين التيبت والنيبال. وقد أصبح واحداً من تسعين شخصاً في العالم نجحوا بتحقيق تلك المغامرة.

في شهر آذار (مارس) المنصرم التقى عشرة شباب عرب من لبنان ومصر وسلطنة عمان والسعودية والأردن على موعد لبلوغ القمة نفسها، بينهم اللبنانية فاطمة دريان التي تقول انها قررت تسلق إيفيرست مذ كانت في الرابعة عشرة من عمرها وثابرت على تسلق الجبال العالية في اوروبا الى ان تدربت سنة 2018 على مواجهة سفوح إيفيرست المجلدة. تقول فاطمة:  »إن صعود الجبال يجعلني أشعر بأنني امرأة قوية وأنظر الى الحياة بطريقة أخرى. لقد تسلقت 16 جبلاً حتى الآن وكان ذلك بالنسبة إلي كافياً كتدريب لمواجهة إيفيرست«… وتضيف:  »الموت قدر الانسان بأي مكان في الجبل أو خارجه، المهم هو المغامرة والتدريب. صعود الجبال بالنسبة إلي مغامرة حياتي، مع ان صعود قمة إيفيرست يكلف حوالى 70 ألف دولار أو اكثر وتستغرق مدة بلوغ القمة حوالى شهرين«. أما الفلسطينية سوزان الهوبي فهي أول امرأة عربية

تصل الى قمة إيفيرست سنة 2011 وقد فعلت ذلك لجمع ما يكفي لإنشاء مستشفى علاجي للسرطان في فلسطين. تقول سوزان:  »لا بد من التفرقة بين الوصول الى القمة والرحلات المؤدية الى قاعدة الجبال حيث تقام المخيمات على ارتفاع 5400 متراً أما القمة فتقع على بعد اكثر من ثمانية آلاف متر«. وتشير الى ان عدد المتسلقين الذين يحتاجون الى خبرة كافية بدأ يقل عن الماضي بسبب الاندفاع الأعمى لتحقيق  »انتصار« صغير على الطبيعة. ولهذا نرى جثثاً هنا وهناك طمر بعضها الثلج منذ سنوات طويلة وبعضها الآخر من الموسم الفائت.

الى جانب السياحة والرياضة العادية بات تسلق الجبال ترفاً جذاباً نسبة الى كثيرين حول العالم مما دفع السلطات المحلية في الهند ونيبال الى تأسيس فرق الإرشاد والدعم والمراقبة لمرافقة المغامرين على اختلاف اعمارهم وخبراتهم. ويقول المتسلق الايطالي المحترف رينولد ميسنر: لم يعد من الضروري ان تكون متسلق جبال محترف كي تصل الى قمة إيفيرست اذا كان بمقدورك ان تدفع الثمن، فهناك من سيقوم بتمهيد الطريق امامك كي تتمكن من الصعود وتلك ليست رياضة تسلق بل سياحة جبلية لا يستطيع ممارستها إلا الصفوة بسبب صعوبة المهمة ومخاطرها. لكنها رياضة مفيدة للطرفين: القادر على دفع ثمن بلوغ القمة والمرافق الذي يمهد الطريق، وهو عادة من أبناء المنطقة إن في الهند أو في نيبال حيث يحصل الفرد المؤهل منهم على مبلغ يراوح بين 3 و5 آلاف دولار للرحلة.

يفضل المتسلقون الهواة موسم الربيع للقيام برحلتهم بسبب الدفء النسبي للجو ووضوح الرؤية واتساع بقعة الضوء النهاري. وقد اصبح تسلق القمة السياحي شعبياً خصوصاً بعد انشاء مطار محلي لزوار إيفيرست.

سوزان الهوبي

آخر المتسلقين العرب هذه السنة هو الفلسطسني الاردني جرّاح الحوامدة الذي نجح في تسلق قاعدة قمة جبل إيفريست بقدم واحدة. وتمنى الشاب أن يتمكن من جمع مبلغ مليون دولار لمدرسته السابقة في مخيم الجوفة -حيث يعيش- جنوب العاصمة الأردنية عمان، وذلك لتفادي احتمال إغلاقها بعد خفض التمويل الذي تتلقاه وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

 قالت رحمة الحياري منظمة الرحلة إن جرّاح قطع مسافة 17 ألفا وخمسمئة خطوة بقدم واحدة، لبلوغ قاعدة قمة الجبل، وإن الرحلة -التي بدأها في الثاني من أبريل/نيسان الجاري- استغرقت 18 يوما، وحقق هدفه بنجاح كامل. وأكدت الحياري أن جراح بصحة جيدة، وما زال يعمل على تحقيق هدف جمع مليون دولار للمدرسة التي تعلَّم على مقاعدها لعشرة أعوام، مشيرة إلى أن فترة جمع المبلغ ما زالت مستمرة حتى نهاية يونيو/حزيران الجاري، وهو التاريخ الذي حدده جراح لإنقاذ مدرسة الجوفة.

وقد سبق أن تمكن الشاب الفلسطيني من تسلق قمة كليمنجارو، وهي أعلى قمة بركانية في العالم بارتفاع 5100 متراً-،خلال خمسة أيام من السير المتواصل عام 2013.

يذكر أن جراح يعيش مع أهله في جبل الجوفة، وقد أُصيب بمرض سرطان العظم عندما كان في الخامسة عشرة من عمره، مما أدى إلى بتر ساقه اليمنى.

 

 

 

العدد 94 – تموز 2019

فاطمة دريان