قادة العالم يجتمعون في دبي لمناقشة التقدم في خفض الانبعاثات
* مسؤولون من 197 دولة سيمضون أسبوعين خلف الأبواب المغلقة في دبي
*غوتيريش: الانهيار المناخي بدأ
* قرار سوناك إرجاء العديد من الاجراءات الرئيسية لسياسة المناخ أثار انتقادات واسعة
على بعد أيام من الآن، يجتمع قادة العالم في دبي للمشاركة في المحادثات السنوية حول تغير المناخ بين 30 نوفمبر (تشرين الثاني) و12 ديسمبر (كانون الأول).
جدول أعمال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ بنسخته الثامنة والعشرين (كوب 28)، غني بالعناوين المرتبطة بمكافحة تغير المناخ، من
آليات خفض الانبعاثات الدفيئة والكربون، ومناقشات التقدم المحرز (اذا وجد) في تمويل الدول الأكثر تضرراً والتي أهمها دول القارة الأفريقية.
ويعني صافي الانبعاثات الصفري خفض انبعاثات غازات الدفيئة إلى أقرب مستوى ممكن من الصفر، مع إعادة امتصاص أي انبعاثات متبقية من الغلاف الجوي، عن طريق المحيطات والغابات على سبيل المثال.
يُظهر العلم أنه من أجل تجنب أسوأ آثار تغير المناخ والحفاظ على كوكب صالح للعيش، يجب أن تقتصر زيادة درجة الحرارة العالمية على 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة. لكن حالياً، أصبحت الأرض أكثر دفئًا بنحو 1.1 درجة مئوية مما كانت عليه في أواخر القرن التاسع عشر، مع استمرار الانبعاثات في الارتفاع. وبالتالي، فإنه لإبقاء الاحترار العالمي لا يزيد عن 1.5 درجة مئوية – على النحو المطلوب في اتفاق باريس – يجب خفض الانبعاثات بنسبة 45 في المئة بحلول عام 2030 والوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2050.
وتم وصف اتفاق باريس عام 2015 بالتاريخي، لأن كل الدول وافقت للمرة الأولى على ضمان أن يبقى الارتفاع في درجات الحرارة أدنى من درجتين مئويتين عن معدلات ما قبل الثورة الصناعية، وحددت هدفاً طموحاً بضمان ألا يتجاوز ارتفاع درجات الحرارة 1.5 درجة مئوية. وتحقيق هذا الهدف يعني ضرورة خفض الانبعاثات إلى صافٍ صفري بحلول منتصف القرن الجاري.
منذ “كوب 27” الذي عقد في شرم الشيخ المصرية في العام الماضي، وحتى اليوم، سجل العالم كوارث طبيعية كبيرة نتيجة تغير المناخ وسط استمرار تلكؤ في ايجاد معالجات توقف هذا المارد الذي سيغير وجهة العالم اذا ما استمر في تمرده الطبيعي.
لقد كان فصل الصيف في نصف الكرة الشمالي الأكثر حراً على الإطلاق على مستوى العالم، في وقت رجّح مرصد “كوبرنيكوس” الأوروبي، مطلع سبتمبر (أيلول)، أن يكون عام 2023 الأكثر حرارة في التاريخ، مشيراً إلى أن معدل الحرارة العالمية في الأشهر الثلاثة الأخيرة سجل أعلى مستوى له حتى الآن.
فيما “جرفت” عاصفة “دانيال” آلاف الضحايا في ليبيا، في مقابل حرائق التهمت غابات شاسعة في بلدان عدة من أنحاء العالم.
لكن رغم الفيضانات في ليبيا التي أظهرت الحاجة الملحة لمعالجة أزمة المناخ، إلا أن الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2023 كانت هادئة بشأن تغير المناخ. إذ كانت قمة العمل المناخي التي عقدها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورغم خطابه الناري في شأن مخاطر التغير المناخي، أكثر بروزا للغائبين من الالتزامات الرائدة.
في أسبوع المناخ هذا، أطلق غوتيريش صفارة الخطر حين قال إن “الانهيار المناخي قد بدأ”، مشيراً إلى أن “المناخ ينفجر بوتيرة أسرع من قدرتنا على المواجهة مع ظواهر جوية قصوى تضرب كل أصقاع الأرض”.
من جانبهم، رؤساء 17 دولة، بما في ذلك فرنسا وإسبانيا والدنمارك وكينيا، قالوا خلال الأسبوع هذا إن الاستثمار في تقنيات مثل احتجاز الكربون وتخزينه ليس له سوى دور “ضئيل” في إزالة الكربون من أنظمة الطاقة.
وبنظر هؤلاء القادرة، “يجب أن تكون استعادة وحماية أحواض الكربون أولوية قصوى. يجب أن نضع ونحقق أهدافا عالمية طموحة للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة ، كجزء من انتقال عادل ومنصف يوفر الوصول العالمي إلى الطاقة النظيفة”.
وفي الأسبوع نفسه، حذرت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين من أن موجات الحر القياسية وحرائق الغابات غير المسبوقة تهدد بأن تكون عبئاً اقتصادياً كبيراً. ورأت أن تغير المناخ يمثل فرصة استثمارية للشركات الأميركية، مشيرة إلى الأبحاث التي تقدر الحاجة إلى أكثر من 3 مليارات دولار لخفض الانبعاثات كل عام من الآن وحتى عام 2050، بما في ذلك في الولايات المتحدة.
وكانت يلين منذ جلسة تثبيتها في منصبه الجديد في يناير (كانون الثاني) من العام 2021، أعلنت أن تغير المناخ كان “تهديدا وجوديا”، وبصفتها وزيرة للخزانة ، فإنها ستجعله محور عملها.
ومنذ توليها منصبها، حذرت يلين من الخطر على الاقتصاد والنظام المالي. وحضت الكونغرس والحكومات الأجنبية في العالم الغني على بذل المزيد من الجهد لمساعدة البلدان الفقيرة على التكيف مع ظاهرة الاحتباس الحراري، وألقت وزارة الخزانة وراء تنفيذ مشروع قانون المناخ الذي وقع عليه الرئيس الأميركي جو بايدن ، في محاولة للضغط أكثر من القانون الجديد المترامي الأطراف.
مفاجأة سوناك
وعلى بعد أيام من أسبوع المناخ، كان الحدث في لندن، بإعلان رئيس الوزراء البريطاني ريتشي سوناك الذي تغيب عن حضور أسبوع المناخ في نيويورك، إرجاء العديد من الاجراءات الرئيسية لسياسة المناخ في المملكة المتحدة، في قرار اعتبرت دوافعه انتخابية وانتقدته الأوساط الاقتصادية وحتى أصوات من الحزب الحاكم.
والاعلان الأكثر إثارة للجدل يتعلق بتأجيل الحظر المفروض على بيع السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين والديزل خمس سنوات بعد المهلة المحددة بداية في عام 2030.
وبهذا الإجراء، فإن المملكة المتحدة تجعل “نهجها ينسجم” مع الجدول الزمني الذي وضعه الاتحاد الأوروبي أو بلدان أخرى، بحسب سوناك الذي أثار قراره احتجاجات في قطاع السيارات.
وقال سوناك “أنا واثق من أننا قادرون على اتباع نهج أكثر واقعية وأكثر تناسباً لبلوغ حيادية الكربون، مما يخفف العبء على العمال”.
ويظهر تقرير فجوة الانبعاثات لعام 2022 لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، أن أكبر سبع دول مصدرة للانبعاثات (الصين، والولايات المتحدة، والهند، والاتحاد الأوروبي، وإندونيسيا، والاتحاد الروسي، والبرازيل)، شكلت حوالي نصف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية في عام 2020.
كما ان مجموعة العشرين (الأرجنتين وأستراليا والبرازيل وكندا والصين وفرنسا وألمانيا والهند وإندونيسيا وإيطاليا واليابان وجمهورية كوريا والمكسيك وروسيا والمملكة العربية السعودية وجنوب إفريقيا وتركيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) مسؤولة عن حوالي 75 في المائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية.
ولكن، هل نحن على الطريق الصحيح للوصول إلى صافي صفري بحلول عام 2050؟ سؤال طرحته الأمم المتحدة لتجيب عنه قائلةً: “لا، الالتزامات التي تعهدت بها الحكومات حتى الآن أقل بكثير مما هو مطلوب. ستؤدي الخطط المناخية الوطنية الحالية – لـ 193 طرفًا في اتفاقية باريس مجتمعة – إلى زيادة كبيرة بنسبة 11في المئة تقريبًا في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات عام 2010. يتطلب الوصول إلى صافي الصفر من جميع الحكومات – أولاً وقبل كل شيء أكبر المسببات للانبعاثات – تعزيز مساهماتها المحددة وطنياً بشكل كبير واتخاذ خطوات جريئة وفورية نحو الحد من الانبعاثات الآن. دعا ميثاق غلاسكو للمناخ جميع البلدان إلى إعادة النظر في أهداف 2030 وتعزيزها في المساهمات المحددة وطنيًا بحلول نهاية عام 2022 ولكن تم تقديم 24 خطة مناخية جديدة أو محدثة فقط بحلول سبتمبر 2022”.
ما المتوقع من “كوب 28″؟
سيمضي مسؤولون من 197 دولة أسبوعين خلف الأبواب المغلقة للانخراط في مناقشة تفاصيل الاتفاقات المفترض أن توجه العمل على التصدي لتغير المناخ. غالباً ما يرافق المفاوضين وزراء، وفي بعض الأحيان، رؤساء وزعماء الدول الذين يمكنهم المساعدة على التوصل إلى اتفاق.
وسيشهد العام الجاري المرة الأولى التي تقيّم فيها الدول مدى التقدم الذي أحرزته في التصدي لمواجهة المناخ منذ اتفاق باريس المُوقع في 2015.
تقول “بلومبرغ” إن “كوب 28” في الإمارات سيضطلع أيضاً بدور حاسم في تمويل العمل المناخي، حيث أن الدول الغنية لم تتمكن قط من الوفاء بتعهداتها توفير 100 مليار دولار سنوياً لمساعدة الدول الفقيرة على التعامل مع أسوأ آثار تغير المناخ. وفي العام المقبل، سيسعى المفاوضون إلى التوصل إلى اتفاق على هدف جماعي جديد لتمويل العمل المناخي بعد عام 2025.
وعلى أمل ألا تخفق قمة المناخ التي يرأسها وزير الصناعة الإماراتي الدكتور سلطان الجابر في الاتفاق على إحراز أي تقدم بنهاية أسبوعين من المفاوضات الشاقة كما حصل في مدريد عام 2019، حين انتهى مؤتمر “كوب 25” بالفشل عندما لم يتمكن الأطراف من التوصل إلى توافق على البيان الختامي في مجالات مختلفة.