يامن صعب يرسم بالكلمات

يرسم يامن صعب واقع الحال بالكلمات… يزيّن مشاهداتِه بالحروف، هو رسامٌ وخطاطُ حَرفٍ وصوت، يلوِّن أمانيه على ورق الذاكرة، ويُشعل حنينه، ثورة عبارات… جُمَلُه مباشِرة، تحمل تمردّاً على الحال والأحوال… يقيناً بأنه سيصلح العالم، وكم من يامن أراد إصلاح العالم بشغفه وأفكاره.

يا يامن.. ليس الشعرُ ماذا تقول، بل كيف تقولُ ماذا؟ الكلمة فعلٌ حازم، تأثيرٌ وَالِهٌ، إرادةٌ صادقة… الكلمةُ هي الله، فما عليك إلاّ أن تلفظها أو ترسمها أو تنحتها، أو تخرجها، أو تحرّكها، لتصير منطقاً وافياً غير محقق الشروط، وها قد فعلتَ في أكثر الأوقات…

لكن الحلاج يقول: إن كلَّ قولٍ لا يتركُ تأثيراً، لا يدخل حيّز الكلام، وقد أضفت أنا الصغير عبارة على المنصوري الحلاجي عبارة تقول: وكلُ كلامٍ لا يفترق عن معناه، لا يصبحُ شعراً…

إذاً، أنت في واقع حالك قلت كلمتك، دون أن تُقيم انزياحك اللغوي المؤسس لذاكرة المعنى… فبقيَتْ كلمتُك في واقع الحال، دون استجلاب آلهاتٍ للإله، أو استحضار معانٍ ترشدُنا عمّا هوْ.. كيف هوْ.. لماذا هوْ.. أين هوْ؟؟؟

يا يامن.. لقد منَنْتَ علينا برحيق نبضك، وهو نبضٌ ثوري يُعارك الحياة، لكن في روحك شيءٌ من ملحِ الله، وسُكّرِ المعنى، فاذهبْ بها الى حروفٍ تأخذنا الى أبعد من واقع الحال… الى ضمير الكوكب، الى سؤال المجهول، الى أجوبة غير مرسومةٍ بعلم، أو مطروحةٍ بسياسة، أو فكر، وإنما بغيبٍ لا نراه، بفكرٍ لا نُدركه، بصوتٍ يسرق المدى ويعيد الصدى الى رؤاه، لا تكن مسيح خطبة جبل الزيتون، وإنما، كُنْ مسيح الحق الذي يشفي الأبرص، ويسير على الماء، ويقيم الجسدَ من الموت…

الشعر سحرٌ يحفر في ضمير الوجود ازميلَه ليُحيل الصدى تراباً، والماء خمراً، والهواء رعشة المعنى…

لهذا، لم يزل هناك قولٌ كثيرٌ لكلامٍ قليل، وهناك كلامٌ أقل لشعرٍ أكثر… هكذا ينضح بنا المعنى لنصل الى جمال الوجود…

اليوم، نحن أمام حضرة فنان، فهو خليطُ حرف وكلمة وفن ولون، وهنا إضافة المثقف أن يكون معطاءً مُحِبّاً محترماً… والثلاثة في يامن مدعاة ثقافة جدية…

سأقول عنه فناناً لأنه لا يُستأجر، ولا يكذب، ولا ينافق كسياسيي هذا البلد، ميزته أنه قرأ حالَه وكتب عمّا حواليه، لم يغشّ ولم يتسوّل النفاق، كي يدجّل على الآخرين… خذها منّي يا يامن… قلتها ولم أزل أُصِرُّ عليها: أنت فنانٌ موهوب، وإن عطيّة السماء لهي أسمى العطيّات، وتأكد أن مثقفاً واحداً بمقدوره أن يصنعَ ألفَ سياسي وليس بمقدور ألفُ سياسي أن يصنعوا مثقفاً أو شاعراً أو رساماً واحداً…

أحيّيك، وأطلبُ إليك أن تكتب في المرة المقبلة عن نفسك بجرأة لتحرّك مكامن الإنسان فينا، ولتجاربك الأخرى بعض كلام ينتظرنا في المشاهدة في الصالة العليا… لنُفرِحَ أعيُنَنَا.. وشكراً لك لأنك أعطيت وشكراً لكم لأنكم استمعتم…