كيف نرسم الحرية؟

إذا كانت الفكرة تقول: التربية تبني والثقافة تحمي، فهذا يعني؛ وطناً سليماً معافى من أدران الشهوات المريضة، والقلوب الجافة يولد، وقد أتت التربية أولاً لتبني مشروع الفرد بناءً سليماً وحقيقياً.. أما الثقافة فهي التي تحمي وتحصّن هذا البناء، لندرك في أي اتجاه نسير…

فيا صديقي منير بدوي، في جمعية صور تراث وإنماء، ما تقوم به من مهرجان الرسم الإبداعي والذي هو الثالث على التوالي، يعني أنك مستمر في رحلة الألف ميل نحو ثقافة جادة متطلعة، مصمّمة على الصعب من الأمور، لكن الصعب هو في متعة الأشياء وهو ما يجعلنا ندرك أن الرسم متعة، كما الشعر حرية تَنفُّس، فحين تُعنون معرضك »كيف نرسم الحرية« كأنك تقول كيف نرسم الله، لأن الله حُبّ وحرية وحياة، وبه نكتنز فرادتنا.. فالحب هبة كما الحرية كما الحياة، الواهب واحدٌ هو الله الكامل الذي لا يعلوه حُلم ولا يحققه علم.. ولا يعرفه أنس إلاّ بنسبة، وما الجمال الذي نحظى به سوى القليل من علم الله، فهو إن عزف أذهلنا.. وإذا رسم أبدعنا، وإذا تكلَّم أدهشنا، فهو خالق الرسم والشعر والموسيقى.. وبالفن نكتشفه.. بالفن وحده…

ها هو يعزف بأوتاره على عقول وقلوب الأطفال والناشئة رسماً ليضفي علينا بعضاً منه.. ودون معرفة مسبقة بأن الله فينا يدعونا الى الجمال والخير والحق.. نبدع ونخلق بإحساسنا وانفعالاتنا سماءً جديدة لكن نجومها على الأرض، لا في السماء، تسطع لتزيد الكون نوراً ومعرفة…

ويا مَن ترسمون لحظاتكم، إسطَعوا كما تلك النجوم العالية لتكتشفوا عمق السماء من نبض الأرض ؟…

وفيما أنت ترسمون عن الحرية في يوم الاستقلال، سأروي لكم ما قاله كلايتون لمعلمه سقراط حين كان مسجوناً معه، وقتها اتُهم بالتجديف فيما يقول من حكمة وفلسفة، وهناك صورة شهيرة للتلميذ كلايتون راكعاً في السجن أمام معلمه سقراط يقول له: أرجو منك يا معلم أن توفّر علينا أسباب الإعدام فتُعلن بأن ما تقوله هرطقة، ويذهب كل منا في شأنه، فهل يستحق كل هذا الموت لأجله، فقال له سقراط: كلا يا كلايتون الحياة نفسها لا شيء، أما حياة الحق والخير والعدل فهي كل شيء.. فردَّ كلايتون أنت لست حراً لتقول ما تقول: إما الإعدام وإما الخروج من بين القضبان الى الحرية… قال له سقراط: ومَن قال لك أني لست حراً، فإسبارطه خيَّرتني بين أن أُعْدَم أو أن أعترف بهرطقتي، سأقول لك أن هناك خيار ثالث ينبع من الذات، فالحرية تخرج من الذات لا من خارج القضبان، فتجرُّع كأس السّم الذي أخرجه من خاتمه وشربه قائلاً، أنا أبتكر حريتي، وليس هم.. وهكذا الاستقلال، فنحن نبتكر استقلالنا، فالاستقلال يُؤخذ ولا يُعطى…

ستكون وزارة الثقافة الى جانبكم، إذا كنتم أنتم مع أنفسكم، وبالتالي فإن ما تحققونه اليوم سيكون زاداً لكم للغد كي تبنوا وطناً من صنع أفكاركم لا من صنع الآخرين، كونوا أنتم يكون الفعل معكم… ولا تنسوا أيها الآباء والأمهات، أن تتعلموا من أبنائكم كي ينتصر بكم الغد، ومبارك للفائزين…