أعراض الحمل وفوائد الرضاعة الطبيعيّة للأم والطفل

من بيروت – رنا خير الدين

تُعتبر مرحلة الحمل من التجارب الفريدة في حياة المرأة؛ إذ تحدث فيها الكثير من التغيُّرات لا على الجسم فقط، بل تتعدّاه إلى مزاج المرأة ومشاعرها، تحدث هذه التغيّرات نتيجةً للعديد من الهرمونات التي يفرزها الجسم استعداداً لاستقبال الجنين في الرحم، ومُساعدته على النموّ والتطوّر.

هذه التغيرات التي تطرأ على الحالة الجسمية للمرأة والنفسية خصوصاً في المولود الأول ما يؤدي إلى أخطاء شائعة لا بدّ من تصحيحها خلال فترة ما قبل وبعد الحمل.

»الحصاد« اتجهت إلى أخصائية التغذية والرضاعة النسائية الدكتورة »أماني الشيخ«، التي اعتدنا على نصائحها حول التغذية عموماً وعلاقة الصحة العقلية والبدنية بذلك، واخترنا لهذا العدد الاهتمام بالنساء الحوامل أو النساء اللواتي تفكّرن بالحمل والإنجاب.

الأعراض المُبكّرة للحمل

من أهمّ هرمونات الحمل هرمونا الاستروجين والبروجستيرون، وهما الهرمونان المسؤولان عن أغلب التغيّرات التي تطرأ على الحامل، ويزداد تركيزهما كلّما تقدّم الحمل، بحسب د. أماني الشيخ.

ففي الأسبوع الأول من الحمل لا تشعر المرأة بأية عوارض أو علامات تدل على الحمل، فقط بعد أسبوعين يحدث التبويض، يليه الإخصاب، الذي ينتج عنه الجنين، لذلك فلن تحسّ بعلامات الحمل في الأسبوع الأول، لكن علامات الحمل الأولى تبدأ بالظهور في الفترة الأولى من الحمل بطبيعة الحال.

عند حدوث الحمل تظهر بعض الأعراض المُبكرة التي تُشير إلى حدوث الحمل، إلا أنَّه من الواجب الانتباه إلى أنَّ بعض هذه الأعراض قد تكون ناتجةً عن بعض المشاكل الصحيَّة، لذا، يجب التأكّد من حدوث الحمل بإجراء فحص الحمل.

تقول د. الشيخ: قد تصاب الحامل في أول فترات حملها بتشنّجات ونزول دمّ خفيف؛ فعندما تنزرع البويضة في بطانة الرّحم يُمكن أن يُؤدّي ذلك إلى ظهور قطرات دمّ خفيفة، وهذا ما يحدث عادةً بعد حوالي 6-12 يوماً بعد تخصيب البويضة. إضافةً إلى الشعور بثِقَل وانتفاخ في الثديين، وتغيُّر لون المنطقة المُحيطة بالحلمات نتيجة تغيُّر مستوى الهرمونات في الجسم. يرافق المرأة الحامل خلال فترة الحمل الأولى الشعور بالتّعب بسبب ارتفاع مستوى هرمون البروجسترون، وقد يكون التعب أيضاً بسبب انخفاض ضغط الدم، أو بسبب انخفاض مُستوى السكر في الدم والإحساس بالغثيان في أيّ وقت من أوقات النهار، غير أنّ غالبيّة النّساء تعاني منها في ساعات الصّباح الباكر، وتحدث هذه الحالة بسبب هرمونات الحمل، إلا أنّ هناك القليل من النّساء لا يشعرن بها، ناهيك عن تغيُّر في شهيّة الحامل ونفورها من بعض الأطعمة التي كانت مُفضّلةً لديها بسبب التغيّرات الهرمونيّة.

كما ترتفع درجة حرارة الجسم الأساسيّة خلال هذه الفترة، ويصبح التبوّل عادة مُتكرّرة لدى النساء الحواملٍ، وذلك بسبب التغيّرات الهرمونيّة التي تزيد من حجم الدم وتدفّقه إلى الكلى، ممّا يُؤدّي إلى امتلاء المثانة بسرعة والحاجة إلى تفريغها باستمرار. تزداد الحاجة إلى التبوّل مع تقدم الحمل بسبب ضغط الجنين على المثانة.

ومن الضروري أن تعلم المرأة الحامل أنه قد يحدث انتفاخ خفيف في مُحيط الخصر، يعود سببه إلى التغيّرات الهرمونيّة وليس لزيادة حجم الرحم، بحسب د. أماني الشيخ.

يتغيّر مزاج المرأة الحامل بشكل متفاوت خلال النهار، فقد تشعر بعضهنّ بالاكتئاب وحِدّة الطّبع، في المقابل قد يعاني البعض الآخر من مشاعر الغِبطة، ويرجع ذلك للتغيّرات الهرمونيَّة.

وتقول: الإمساك من العوارض الشائعة خلال الحمل حيث ينتج بسبب ضغط الرحم على المُستقيم، وتباطؤ حركة الجهاز الهضميّ بسبب هرمونات الحمل، ومن الممكن أن يُؤدّي الإمساك الشّديد إلى الإصابة بالبواسير. وغالباً ما تشعر الحوامل بالحكّة الأمر الذي قد يسبّب اضطراب النّوم لديهن.

وتضيف: تعاني المرأة الحامل من تشنّجات الساق، وهي تقلُّصات لا إراديّة تُصيب عضلات السّاق غالباً أثناء اللّيل، وذلك بسبب تراكم الأحماض فيها، إضافةً إلى تورُّم الساقين، وظهور الدّوالي بسبب ضغط الرّحم على الأوردة، وزيادة حجم الدم. كما تعاني من آلام الظّهر النّاتجة عن ارتخاء أربطة الرحم، إضافةً إلى تقلّصات البطن والرّحم على شكل آلام الدّورة الشهريّة. وتزداد خلال فترة الحمل الأولى الإفرازات المهبليّة الطبيعيّة ذات اللّون الأبيض الشّفاف والتي لا توجد لها رائحة ولا تُسبّب حكّةً. وأخيراً، قد تعاني الحامل من الحَرَقة التي تحدث نتيجة زيادة إفراز هرمون البروجسترون الذي يعمل على ارتخاء العضلة التي تفصل بين المريء والمعدة، ممّا يُؤدّي إلى وصول أحماض المعدة إلى المريء والشّعور بالحرقة.

الأعراض الخطيرة للحمل

تصنّف أعراض الحمل بين الأعراض الطبيعية والأعراض الخطيرة، حيث تقول د. أماني الشيخ إن من أخطر هذه الأعراض هو النزيف، ما يستدعي مراجعة الدكتور قبل تطوّر الأمر، أو أي آلام جديدة في البطن.

وتضيف: يعتبر الصّداع الحاد، أو الصّداع المصحوب بخَدَر اللّسان، وعدم وضوح الرّؤية من العوارض التي تستدعي مراجعة الطبيب، إضافةً إلى أي تورُّم في الوجه وحول العينين، أو تورُّم مُفاجئ في الكاحلين أو القدمين. كما على المرأة الحامل الانتباه إلى القيء الشديد، أو القيء الذي يُصاحبه ألم أو حمّى.

 في جميع الحالات التي ذُكرت تشدّد د. أماني الشيخ على مراجعة الطبيب بشكلٍ عاجل قبل تفاقم المشكلة.

متى يُستخدم اختبار الحمل؟

يُجرى اختبار فحص الحمل في ساعاتٍ مُبكّرةٍ من اليوم، ويُفضّل عند الاستيقاظ من النّوم؛ لأنّ تركيز هرمون الحمل يكون في هذا الوقت مرتفعاً جدّاً، ويُجرى الاختبار منذ اليوم الأول لانقطاع الدّورة؛ حيث يكون إيجابيّاً تقريباً بعد أسبوعين من حدوث الحمل، وهو نفسه موعد الدّورة الشهريّة، إذا لم تظهر نتيجة إيجابيّة عند إجراء الفحص يمكن إعادة الفحص مرّةً أخرى بعد أسبوع، ولمزيد من الدقّة يمكن الكشف عن الحمل عن طريق إجراء فحص الدم بدلاً من فحص البول.

تغذية الأم والجنين أثناء الحمل

تزداد حاجة المرأة أثناء الحمل إلى الموادّ المُغذّية، كما تحتاج إلى 300 سعرة حراريّة إضافيّة. والمبدأ الأساسيّ للتّغذية هو تناول وجبات مُنتظِمة وتنويع فئات الطّعام، ومن المُستحسَن، بحسب د. أماني الشيخ، أن تحصل الزّيادة في السّعرات الحراريّة من فئات الغذاء المُفيدة للجسم؛ وهي الكربوهيدرات، والبروتينات، والدُهنيّات، والخضار، والفواكه. يتراوح مُعدّل الزّيادة في الوزن خلال الحمل بين 11-16 كغم.

الفيتامينات والمعادن الضرورية للحامل

من أهمّ الفيتامينات والمعادن التي تحتاجها المرأة الحامل، هي:

ـ فيتامين B12: وهو فيتامين يُساهم في بناء الجهاز العصبيّ لدى الجنين. مصادر هذا الفيتامين حيوانيّةً فقط، منها مُنتجات اللّحوم، والسّمك، والحليب، والبيض. من المُستحسَن للنّساء النّباتيات فحص كميّة الفيتامين في الدّم، واستشارة الطبيب بذلك الخصوص.

ـ حمض الفوليك: تكمن مُعظم أهميّته في إنتاج الدم والبروتينات، كما أنَّ تناوُّل حمض الفوليك قبل الحمل وخلال الأشهر الأولى منه يُقلّل من خطر حدوث العيوب الخلقيّة في قناة العمود الفقريّ لدى الجنين. يُفضّل تناول المصادر الغنيّة بحمض الفوليك، مثل البروكلي، والفاصولياء، والبازلاء، والمُكسّرات، والفواكه الصّفراء الدّاكنة مثل البرتقال والجريب فروت، والخضار الورقيّة الخضراء مثل السبانخ.

ـ الحديد: تكمن أهميّة دوره في إنتاج كريات الدّم الحمراء لدى الأم والجنين. وتُوصَى المرأة الحامل بتناول أطعمة غنيّة بالحديد، ومنها اللحوم الحمراء، والخبز المُعدّ من الحبوب الكاملة المدعّمة بالحديد، والسبانخ.

ـ الكالسيوم: معدن ضروريّ لبناء عظام الجنين وأسنانه، ولعمل الأعصاب، وانقباض العضلات. من أهمّ مصادر الكالسيوم الحليب ومشتقّاته، والسّردين أو السّلمون مع العظام، والعصائر والمشروبات والأطعمة المُدعمّة بالكالسيوم، والتّوفو، والبروكلي.

ـ فيتامين:C إنّ الخضار والفواكه التي تحتوي على فيتامين C ضروريّة لصحّة العظام، والأسنان، واللثة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ فيتامين C يُسهّل عمليّة امتصاص الحديد. من الأمثلة على فواكه وخضار تحتوي على فيتامين C الحمضيّات، والبندورة، والقرنبيط.

ـ فيتامين:D يُساعد فيتامين D الجسم على امتصاص الكالسيوم ويدعم صحة العظام والأسنان. يتواجد في الخبز، والحبوب، ومُنتجات الألبان.

ـ فيتامين A: ضروريّ لصحّة العظام، والعيون، والجلد. يوجد فيتامين A في الجزر، والبطاطا، والخضار ذات الأوراق الداكنة.

وتشدد د. أماني الشيخ على ضرورة شرب الماء أثناء الحمل، حيث تقول إن شُرب الماء والسّوائل أثناء الحمل يلعب دوراً مُهمّاً في تعزيز نمو الجنين، وحماية الأم والطفل من الجفاف، كما أنه يقي من الإمساك، والوزن الزائد أثناء الحمل تحتاج النّساء خلال فترة الحمل إلى 8 أكواب من الماء على الأقل، وزيادة الكميّة إذا كان الجوّ حاراً. كما تجب زيادة كمية الماء في الثلث الأخير من الحمل.

كما تؤكّد على ضرورة الانتباه في استخدام الأعشاب الطبيّة أثناء الحمل، حيث أن بالرّغم من عدم وجود تحذيرات واضحة، إلا أنّه يجب على السّيدات تجنّب تناول الأعشاب والمُستحضرات العشبيّة أثناء الحمل (خاصةً خلال الشّهور الثلاثة الأولى)، وأثناء الرّضاعة الطبيعيّة، حيث تشير إلى أنّ الحمل ليس حالة مرَضِّيّة، لذا لا يستدعي تناول المُكمّلات العشبيّة كعلاج.

الامتناع عن العادات السيئة

تقول د. أماني الشيخ: من المهم الحفاظ على نظام صحي مناسب للحمل، يتضمّن تدريبات اللياقة البدنية وكذلك النظام الغذائي السليم والإكثار من شرب السوائل.

ينبغي الامتناع، بطبيعة الحال، عن التدخين، تناول الكحول والمخدّرات، والاستمرار في التقليل من استهلاك الكافيين بالنسبة للمكمّلات الغذائية، يوصى بالاستمرار في تناول حمض الفوليك والحديد، ولكن يجب أيضاً إضافة البروتين والكالسيوم لإثراء غذاء الجنين وتقويته.

هرمونات الحمل والحالة النفسية

يمكن للهرمونات المتزايدة في جسم الحامل أن تؤثّر على حالتها النفسية، لذلك يجب أن تعدّ نفسها للأشهر المقبلة التي سوف تشهد فيها تقلّبات مزاجية حادة.

إذا كانت الحامل تشعر بالاكتئاب أو الحزن الشديد، عليها أن تشاور طبيبها حول هذا الموضوع، لأن مشكلة الاكتئاب أثناء الحمل هو أمر شائع جداً، وله علاجات جيدة. كما يجب أن تأخذ المرأة الحامل بعين الاعتبار، أيضاً، أن إحداث التغيرات الصغيرة والبسيطة في النظام الغذائي أو في اللياقة البدنية يساعد في الحدّ من الاكتئاب.

فوائد الرضاعة الطبيعية للأم والطفل

تتجّه العديد من النساء اليوم إلى الحليب الصناعي على اعتباره طريقة سهلة وسريعة، لكن مضاره على الطفل ليست عادية، إلا أن معظم الأطباء ينصحون بالرضاعة الطبيعية لما لها من فوائد على الطفل والأم سوياً.

من هنا، عرّفتنا د. أماني الشيخ على فوائد الرضاعة الطبيعية، حيث تقول: الرضاعة الطبيعية تخفف من معدل الاكتئاب لدى الأم، وتسترجع عافيتها بشكل أسرع بعد الإنجاب، كما من شأنها أن تخفّف من تأثير الدورة الشهرية وتزيد الروابط العاطفية بين الأم ورضيعها.

كما أن للرضاعة الطبيعية فوائد كثيرة على صحة الطفل ونموه، حيث تحمي الرضاعة الطبيعية الطفل من خطر الإصابة بعدوى والنزلات المعوية والالتهابات التنفسية والتهاب الأذن، وتساعده في نمو بكتيريا القولون المكوّنة من الفيتامينات والخمائر الهضمية التي تأتيه من حليب الأم، وتساعد على اكتمال نمو المخ لديه، ونمو جهازه المناعيّ والعصبيّ المركزيّ وأعضاء الجسم. كما تقي الرضاعة الطبيعية من الكساح وفقر الدم، وتقلل خطر الإصابة بالسكري والسرطان، وتقلّل مشاكل الفكّ والأسنان، ويتجاوب جسم الطفل مع التطعيم بشكل أفضل. وأخيراً، من شأنها أن تعزّز الصفات الوراثية عبر نقلها من العائلة إلى الطفل بشكل مميّز في المظهر الخارجيّ.

العدد 91 – نيسان 2019