أمريكا تحت إدارة بايدن وملفات الشرق الأوسط الساخنة

د. ماجد السامرائي

الاقتحام الشعبوي لمبنى الكونغرس الأمريكي في السادس من يناير حدث هز العالم وليست أمريكا فقط لما يشكله من رمز عالمي للديمقراطية , يشابهه في الصدمة تاريخياً تدمير الجنود البريطانيين لهذا المبنى عام 1814 في الغزو البريطاني للأراضي الأمريكية .

 سيبقى هذا الحدث بصمة سوداء في تاريخ الولايات المتحدة لكنه بذات الوقت درساً مهماً ليس للدول المتقدمة مثل أوربا إنما لشعوب العالم الثالث التي تتدرب على الدرس الديمقراطي ولا تمانع بل تنفذ عملياً استثمار الحرية الديمقراطية لتمرير منتجات العقل المليشياوي الغوغائي في استخدام أدوات السلاح للقتل والاختطاف أو الإرهاب لفرض آديولوجيات لا صلة بحياة الشعوب الحديثة .

كان هذا  الحدث الفوضوي آخر ما قدمه الرئيس السابق دونالد ترامب من مواقف مثيرة للسخرية , سبقتها مواقف كثيرة على صعيد السياسة الخارجية تحت الشعار الذي رفعه قبل انتخابه عام 2016 ” أمريكا أولاً ” في نظرته التجارية للعالم  في التخلي عن الاتفاقات الدولية التي يعتقد أنها تمنح أمريكا صفقة غير عادلة معتقداً بأنه عالم أحادي مُربك قائم على المعاملات التجارية. هو أيضاً عالم شخصي غير منتظم تحدده مشاعره الغريزية وعلاقاته بالقادة ويحركه بما يراه على موقع تويتر.رحل ترامب في أسوأ مصير واجهه أربع وأربعون رئيس أمريكي  قبله  .

مجيئ جو بايدن يحمل تغييرات في السياسة الخارجية قد لا تحصل بصورة دراماتيكية في دولة المؤسسات لا شك لبصمات كل رئيس تأثيراتها الواضحة عليها .

لن يحدث تغيير ملموس في السياسة الخارجية قبل مرور المائة يوم المعروفة بما يسمى  فحص السياسات , ذلك إن الانشغال بالوضع الداخلي الذي تركته أحداث مقر البنتاغون ووباء كورونا التحدي الأكبر الذي ستنشغل به إدارة جو بايدن .

مع ذلك لا بد من فحص واستطلاع معالم السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ( العراق , إيران , السعودية , سوريا , القضية الفلسطينية )

قبل ذلك الملاحظ إن بايدن اختار معاونيه بسهولة اعتماداً على شغلهم السابق الى جانبه في إدارة الرئيس أوباما لما امتلكوه من خبرة لا يحتاج فيها الى مرحلة التجريب والاختبار في مقدمتهم وزير الخارجية  أنتوني بلينكن سيشكل من خلال منصبه عودة إلى نهج العمل متعدد الأطراف خلافًا لسياسة دونالد ترامب وهو أحد مستشاري بايدن الرئيسيين في مجال السياسة الخارجية وكان المسؤول الثاني في وزارة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما عندما كان بايدن يشغل في ذلك الوقت منصب نائب الرئيس، كما شغل منصب مساعد مستشار الأمن القومي لأوباما، وشغل بعدها منصب المساعد الأول لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري. شغل بلينكن في التسعينيات عدة مناصب رفيعة المستوى في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، وكذلك في عهد جورج بوش الابن، وفي 2002 عمل في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، واستمر فيها حتى 2008، وبعد ذلك كان ضمن الفريق الانتقالي للرئيس باراك أوباما ونائبه بايدن في وقتها.

بايدن عين أيضًا جيك سوليفان أحد أقرب معاونيه مستشارًا للأمن القومي، وخدم سوليفان في أعلى المستويات بمؤسسة السياسة الديمقراطية، كان يعمل في السابق لدى هيلاري كلينتون عندما كانت وزيرة للخارجية ثم مستشارًا للسياسة الخارجية في حملتها الرئاسية لعام 2016، ثم انتقل إلى البيت الأبيض للعمل مع الرئيس باراك أوباما.

كما اختار الرئيس المنتخب أليخاندرو كايوركاس وزيرًا للأمن الداخلي، وهو أول أمريكي مهاجر من أصول لاتينية (إسباني) وُلد في كوبا ووصل وهو طفل إلى الولايات المتحدة، شغل منصب المسؤول الثاني في وزارة الأمن الداخلي خلال الولاية الثانية للرئيس باراك أوباما، عندما كان مهندسًا رئيسيًا لبرنامج تأجيل العمل للقادمين إلى الطفولة (DACA) الذي يحمي مئات آلاف المهاجرين الشباب من الترحيل المحتمل.

الملاحظ في فريق جو بايدن الرئاسي ثقل النساء ذوات الخبرة الديبلوماسية والاستخبارية . فقد  رشح ليندا توماس جرينفيلد كسفيرة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وبذلك يمنح بايدن ضابطة سابقة في الخدمة الخارجية وامرأة أمريكية من أصل إفريقي واحدًا من أبرز المناصب الدبلوماسية في الحكومة . كما أسند بايدن إدارة الاستخبارات الوطنية لامرأة وذلك للمرة الأولى في تاريخ البلاد وهو الجهاز الذي يتولى التنسيق بين مختلف الوكالات الفدرالية في هذا المجال.ومن المرجح أيضًا أن يُعين الرئيسة السابقة للاحتياطي الفيدرالي جانيت يلين وزيرة للخزانة . ويلين التي كانت أول امرأة تتولى رئاسة البنك المركزي الأمريكي بين 2014 و2018 هي أيضًا خبيرة اقتصادية مرموقة، وستصبح أول امرأة في تاريخ الولايات المتحدة تتولى وزارة الخزانة وهو منصب لا يقل أهمية عن وزارة الخارجية.

من جهة أخرى عين الرئيس جو بايدن سيدتين في فريق الشؤون التشريعية في البيت الأبيض هما ريما دودين، من أصول أردنية فلسطينية وشوانزا غولف ستشغلان منصبي نائب رئيس الشؤون التشريعية وبذلك يكون قد بدأ بتنفيذ وعوده بتشكيل إدارة تعبر عن تنوع المجتمع الأمريكي.

معالم السياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط

.ملفات منطقة الشرق الأوسط متشابكة , لن تتمكن واشنطن في اللعب بواحد منها دون الآخر كإيران مثلاً دون ربطه بملفات العراق وسوريا والسعودية واليمن والقضية الفلسطينية .  الملفان الأكثر سخونة وأهمية هما ( العراق وايران ) . فالسياسات الأمريكية منذ غزو العراق عام 2003 كانت تتعامل مع الملف العراقي بالتعاون مع طهران  التي صعّدت من نشاطاتها النووية التي أخذت تقلق العالم وأهل المنطقة .

على مدار حكم الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما شهدت المنطقة استقطابا إقليميا حادا بين السعودية وإيران بينما كانت الرياض تتحدث دوما عن انحياز أوباما لصالح طهران بعد أن توصل معها إلى اتفاق نووي برعاية دولية ليقوم الرئيس الجمهوري فيما بعد دونالد ترامب بإلغائه وتصعيد العقوبات التجارية على طهران خلال عامي 2019 و 2020 وهو ما أثار غبطة السعوديين وعدة دول خليجية. ويخشى كثيرون في السعودية حاليا من عودة الأمور لما كانت عليه إبان فترة حكم الرئيس الأمريكي الديمقراطي الأسبق باراك أوباما.

كثير من المراقبين يتوقعون عودة أمريكية سريعة للاتفاق النووي وهذا ما تتوقعه طهران اعتماداً على الإرث الأوبامي المتصالح مع طهران . لكن لا بوادر تشير الى استدارة عاجلة لطهران التي منذ اللحظات الأولى لفوز بايدن أخذت تتعنت في مواقفها وتعلن عن عدم تخليها عن ذلك الاتفاق , بل صعدّت من تخصيبها لليورانيوم الى درجة 90% مما يشير الى خطورة الوصول الى مستوى صنع القنبلة النووية وهذا ما لا تسمح به واشنطن بايدن ولا المجتمع الأوربي حيث أضيف ملف الصواريخ البلاستية وتدخل إيران الفوضوي في منطقة الخليج لأية مفاوضات مقبلة وهذا ما ترفضه طهران حالياً .

السيناريو الأقرب الى التطبيق من جانب واشنطن هو الترحيب بالعودة للمفاوضات مع طهران وفق شروط جديدة يرغبها الأوربيون ايضاَ . وهذا ما يقود الى تساؤلات جدّية من السعودية ودول الخليج التي دفعت للرئيس السابق ترامب عشرات المليارات من الدولارات دخلت في الخزينة الامريكية وعززت اقتصادها .

الملف العراقي

كانت واشنطن تتعاون مع طهران في تعيين الهيكل السياسي الحاكم في العراق من أحزاب تدين بالولاء لنظام ولي الفقيه الإيراني في عهدي حكم الحزبين الجمهوري او الديمقراطي . فبوش الجمهوري هو الذي أمر باحتلال العراق وعيّن الحاكم بريمر الذي أختار رؤساء الحكومات والطواقم الحكومية من القيادات الشيعية منذ إبراهيم الجعفري مروراً بنوري المالكي ثم حيدر العبادي ولم تتوقف صفقات الاتفاق ما بين  طهران وواشنطن على تسمية رئيس الوزراء لحد تعيين آخر رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي الذي استقبله دونالد ترامب بحفاوة في البيت الأبيض قبل شهرين .

الملف العراقي الأكثر اهتماماً من قبل الرئيس جو بايدن . فلقد سبق له أن تولاه حين كان نائباً للرئيس أوباما عام 2008 وعرف عنه صلته بالكثير من القادة السياسيين العراقيين خاصة القيادات الكردية التي تربطها به صداقات شخصية . سبق لبايدن أن زار العراق 14 مرة خلال توليه الملف العراقي , دعّم خلالها حكم الأحزاب الإسلامية الشيعية , وثبتّ مواقعها في السلطة في إهمال متعمدّ للمكون السني الذي واجه الظلم والاستبداد والقتل والتغيير الديموغرافي بمصادقة أمريكية .

جو بايدن حين كان رئيساً للجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس خلال الأعوام2004 ? 2007 شجع وعمل على إصدار  مشروع تقسيم العراق فدرالياً الذي روّج له باحثون يمينيون امريكان وهو المشروع الذي حظي بمصادقة الكونغرس الأمريكي عام 2007 وما زال قائماً , رغم محاولات تخفيف وطئته من قبل بعض القادة الكرد حالياً لأنهم مستبشرون بمجيئ بايدن كما بعض القادة الشيعة التقليديين الذي لديهم صداقات شخصية به أيضاً .

 التساؤل المشروع هل سيعود ملف الاستفتاء على استقلال كردستان الى الواجهة في ظل الدعم الأمريكي أم سيكون ورقة ضغط على السياسيين الشيعة في بغداد لإذعانهم للمطالب الكردية ؟

لن يكون الملف السوري ذي اهتمام من إدارة بايدن وستظل قصة المصالحة السورية باشراف الأمم المتحدة مدعومة امريكياً بالتعاون مع موسكو ذات النفوذين العسكري والسياسي في دمشق .

أما ملف القضية الفلسطينية الذي دخل في منحنيات خطيرة بسبب دعم واشنطن غير المحدود لإسرائيل وفي أجواء المصالحات العربية الإسرائيلية الذي يعتبر ترامب نفسه إنه صاحب الفضل على إسرائيل في تحقيقها . الرئيس الجديد أكثر انحيازاً لإسرائيل من ترامب , فقد صرّح خلال حملته الانتخابية الأخيرة إنه ” ليس يهودياً لكنه صهيونياً ” تعبيراً عن ولائه لإسرائيل .

بايدن رغم ولائه واخلاصه لرئيسه السابق أوباما الذي قاد حملة ترشيحه الجديد ولحزبه الذي منحه هذه الثقة لن يكون نسخة طبق الأصل لسياسات أوباما , فالظروف تبدلت والعالم بكل مظاهره السياسية والعسكرية والاقتصادية تبدلت , كما إن كورونا فرض تحديّات جديدة على العالم , يبدو إن مرحلة الأزمات والتوترات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط والعالم أصبحت في الخلف.

العدد 113 / شباط 2021