المسرحيون يلتحقون بالانتفاضة والثوار

الثقافة اللبنانية تفقد امتيازاتها لصالح صحوة الناس

بيروت ـ عبيدو باشا

فقدت الثقافة اللبنانية كل امتيازاتها منذ أواخر العام 2019، حين فقدت سقفها التاريخي دفعة واحدة، مع إنهيارالوضع الإقتصادي والوضع الإجتماعي وتوتر الأوضاع على الأرض، بين صراعات سال فيها الدم وصراعات إنتهى أمرها بين التدافع مع القوى الأمنية أو احتلال بعض المصارف وبعض المؤسسات.
تصدر الحراك المشهد على الأرض وفي أروقة المحافل السياسية، بحيث تصدر الشباب شاشات المدينة، بعيداً وفي قلب الإشتباك مع طبقة من الإنكشارية السياسية، ما أثر على أنشطتهم وبنيتهم الإجتماعية / الإقتصادية. هكذا مالت المدينة إلى التعاون وتمثيل ذاتها في ردود أفعال الناس ضد الإضطهادات والإقتطاعات السياسية والمالية للسلطة الحاكمة البلاد منذ أكثر من ثلاثين سنة، بدون أن تقدر على توسيع حضور قواعد النخب، بحيث تتقاسم السيادة بينها وبينهم ما يقيم نوعاً من الإعتدال ويخفف التوتر والإحتقان بين السلطة والناس. أصيب رأس حربة المدينة بالعطب. رأس الحربة: الثقافة. خرج كل شيء من الحيز السلطوي إلى القوانين الجديدة. قوانين على أهبة التشكل. تأثرت الثقافة كما تأثرت المهن الأخرى.
هكذا، تم تأجيل موعد مهرجان المسرح الوطني في دورته الثانية على خشبة مسرح المدينة من آواخر شهر تشرين الثاني 2019 إلى منتصف شهر شباط 2020 المقبل كموعد دوار بين الحركة الشعبية وبين ممثليها وبين سلطة لم تتوقف عن بيع لحم الناس، بدل أن تعمل على إنتاج

مسارح الانتفاضة تعرض لأوجاع الناس

الحبوب والمزروعات الأخرى. باتت الثقافة في معمل دباغة المدينة.
مهرجان المسرح الوطني، القائم على الشراكة بين الهيئة العربية للمسرح في إمارة الشارقة وبين وزارة الثقافة في لبنان عبر بروتوكول موقع من الطرفين في العام 2019، تأجل المهرجان، لأن أشراف المسرح رفضوا أن يلعبوا على خشبات المدينة، حين راحت المدينة تواجه الإلتزامات الجديدة. لا رغبة عند المسرحيين بأن تلعب مسرحياتهم بحيث يبان اللعب بالضواحي، حين أن الناس يحتلون الساحات من أجل الخروج من الإنغلاقات والأوضاع المغلقة على ضبط الطبقة السياسية الأوضاع على الهدر والفساد والعجز الإقتصادي. رفض المسرحيون اللعب على المنصات، لمَّا إعتبروا أن المدينة منصة لا رغبة لناسها إلا بتمثيل الجماعات في مطالبهم المحقة على صعيد تأمين فرص العمل والطبابة وضمان الشيخوخة. لم يرغب المسرحيون في ضرب الروح الجماعية لبشر الساحات، إذ إنخرطوا في الأنشطة على الأرض بمواقف لا ضمنية على غير العادة. مواقف علنية، ضد الآداءات الإفتراضية. أبلغ المسرحيون أعضاء الهيئة العليا للمهرجان أنهم جزء من الحراك وأنهم لن يقتطعوا جزءاً من حضورهم بالحراك بحراك على هامش الحراك.

عروض لساحات الانتفاضة

اعتذرت عايدة صبرا عن تقديم مسرحيتها الجديدة »طقس«، حين بدا أن غاية المسرحيين الآخرين من غابي يمين إلى فؤاد يمين ويحيى جابر وفرقة زقاق وفرقة كهربا وباقي من إختارت لجنة إختيار العروض مسرحياتهم، أنهم لن يساهموا باللعب على جنبات قلاع الحراك، ما قد يساهم بضرب الروح الجماعية. حالت العوامل الموضوعية دون لعب بعض العروض المقررة سلفاً على خشبات المدينة. كعرض »هاملت« لجيرار أفيدسيان ورفعة طربيه وعرض »قطع وصل« لرفيق علي أحمد. عرض تم تحديثه، لكي يقدم على خشبة مسرح المركز الثقافي الروسي. ثم العرس لكارولين حاتم. لم يعد المسرح سيد المدينة ببناه، بعد أن قفز فوق كل الأنساب الزائفة. هاجر المسرحيون من المهنة إلى المهنة، بعد أن صمموا عروضاً للعب في ساحة رياض الصلح وساحة الشهداء وفي البناء البيضاوي عند نزلة النار والنور المؤدية إلى ساحة الشهداء في وسط بيروت. تحول المسرحيون إلى عتالين وسط الجماعات المنفتحة على كل الثقافات والأشكال. وسعوا حضورهم بين المحتجين بمجموعة من العروض الإرتجالية والعروض المصممة على قياس سكناهم الجديد في الساحات ومساحات التجمع، ساحات باتت تمتلك قرارتها الهامة. قرارات تخص المدينة. وإذا خصت المدينة، خصت لبنان. هكذا، وسَّع المسرحيون حضورهم بين البشر، حين إلتحقوا بالإنتفاضة أو الحراك أو الثورة أو الحركة الشعبية.

الثقافة تنتظر المشروع الوطني

الحضور بالشوارع، لم ينته عند التأثير في ملكية المسرح، حين تعداه إلى طرح السؤال على أكثر من الملل الثقافية. أعيان النادي الثقافي العربي وجدوا أن إقتطاع جزء من أجزاء المدينة من أجل معرض الكتاب العربي، المعرض السنوي المنتظر عند اللبنانيين والعرب سواء بسواء، وجدوا أن الإقتطاع إقتطاع معجز إذا ما حصل. لذا وجد التواقة إلى حضور المعرض، أن قيام المعرض لم يعد يعبر عن المصوغات الحقوقية والإبداعية والإقتصادية القديمة. وصحيح أن تأجيل دورة المعرض إلى آخر العام الجاري لا علاقة له بتخفيف الضغوط الإقتصادية على الناس، إلا أن المعرض وجد نفسه بلا قيادة سياسية ما يحتم إما تأخيره أو تعثره أو عدم الحصول على مبتغاه.
لا فضاء إجتماعي بعد لأي نشاط، تنسج الأوضاع الجديدة شبكات من العلاقات الجديدة والولاءات الجديدة، حيث لن يقوم مشروع ثقافي إلا بتوفر مشروع وطني، يحمل البنى الإجتماعية والثقافية والإقتصادية إلى داخل الصراع المديني على صورة المدينة بالدولة وصورة الدولة بالمدينة. لا نقص بالأدوات الثقافية. ثمة نقص بالسيولة. ارتفاع بالأسعار ونقصان بالمواد الأولية. شوكة الإنتفاضة، أسقطت الحواشي والمسرح والموسيقى والإعلام بعيداً من الإسناد المنهجي القديم لها. لا حريات، لا تطرح الجماعات البشرية الحرية، تطرح التحرر. التحرر شيء

عبيدو باشا

أعنف من الحرية، التحرر أصدق من الحرية. لا ولاة جدد حتى الآن. لا أطر جديدة. كل شيء يعزله الناس يضحي معزولاً عن الناس. الثقافة باب من الأبواب المعزولة، بعد أن عزلها الناس. لن يرد إعتبارها إلا بالخروج على المصوغات القديمة. فالمسرحي مثلا امتلك غاياته في قوته على مغادرة مفاهيم توزع السلطة بإعلاء مفهوم المبادرة الفردية، كرد على ضبط حركة الإنتاج بنوع من أنواع الدمج الإقليمي، حيث لا مسرح إلا بالمسارح الوطنية والقومية. كل توجه ثقافي، دولة بالدولة. لا ترويج للنظام السائد، البلاد اليوم خارج التسويات القديمة. لم يعد بوسع الأشكال الثقافية الإستمرار إلا بتجسير العلاقة بينها وبين مستقبل الناس والبلاد. لم يعد أي حراك ثقافي ممكناً إلا باللجوء إلى التصاعد المعرفي الجديد، بعد أن أجمع الناس على عدم تقوى حكامهم. لا حكام تقاة بعد. لا ثقافة دعاة وتناحر طائفي. هذا زمن الإنكشاف المتعاظم بعصر الواي فاي ومواقع التواصل الإجتماعي وسقوط الإستراتيجيات الدينية. الإختلاط بالشوارع يخص الثقافة الجديدة المنتظرة، ثقافة تخفيف القوانين الجائرة وإلغائها بالمرحلة المقبلة. صحوة الناس وراء التظاهرات، أمل بالإنتصار. هكذا، توقفت مشاريع الإنتاج التلفزيوني والمشاريع السينمائية، بحيث راح المنتجون اللبنانيون يعرضون ما أنتجوه على شركات إنتاج عربية، بعد تنفيذهم لأجزاء من مشاريعهم ومراوحتها أمام المقالات الجديدة. لم يعد المنتج صاحب موقع لا يمس. من ترك بأذهان الناس أنه وحده القادر على التوسط بين القطاعات. سقط كل شيء في إنتظار الهيئة الجديدة. هيئة بحاجة إلى الكثير من منابر النقاش.

 

العدد 101 –شباط 2020