بمناسبة اليوم الوطني السعودي (91)

بمناسبة اليوم الوطني السعودي (91)…

معارض تشكيلية وندوات فنية لـ”جسفت” بالشراكة مع “مكتبة الملك فهد الوطنية”

الرياض – رنا خير الدين

لطالما كانت العراقة والأصالة ينحدران من جزئية الوطن، الشعب والأرض، في مفهومها العام، لكن الحفاظ عليها وتوريثها للأجيال القادمة يُعتبر من المفاهيم الحديثة والمهمة، وتلك العودة إلى الجذور والتاريخ لا بد أن تتفرّع بالعديد من أنماط الحياة والمناسبات وأشكال من الفنون إلى التعبير، الثقافة والدراسات إلى الأيديولوجيات والابتكارات

لتشكيلي راشد بن دباس

والعلوم، فما اذا كانت تلك الحضارة في التأصيل تجمع بين تاريخ شعب وتطوره وانتمائه الروحي لأرضه وحبّه للوطن، ويمتزج ذلك بالتصور الفنّي والعلم والحداثة؟!

تحت شعار “هي لنا دار” احتفلت المملكة السعودية العربية بـ”اليوم الوطني 91″ وشهدت المملكة احتفالات في جميع مناطقها ومحافظاتها، على مدار أربعة أيام. ولأن تذوق الفنّ والتشكيل من أجمل الأساليب المعبّرة عن حضارات الشعوب وثقافتها، احتفلت الجمعية السعودية للفنّ التشكيلي “جسفت” التي ترأس مجلس إدارتها “د. منال الرويشد” على طريقتها الخاصة بالشراكة مع “مكتبة الملك فهد الوطنية” وتحت رعاية صاحب السمو الملكي د. فيصل بن محمد بن سعود بن عبد العزيز، حيث أقيم للمناسبة معرضاً تشكيلياً شارك فيه أكثر من 80 لوحة لفنانين سعوديين و11 مشارك بالرسم المباشر، عبّر كلّ منهم على طريقته وأسلوبه عن المناسبة. كما ضمّت الاحتفالية ندوات ومحاضرات ثقافية جمعت أبرز الفنانين في المملكة.

إلى جانب ذلك، تضمّن المعرض جناحاً خاصاً للفنان التشكيلي الراحل سعد العبيد ضمن مبادرة “ويستمر الوفاء” تقديراً لتاريخه الفني في إثراء ودعم الحركة التشكيلية وفنانيها. عُرض فيه عدداً من أعماله وآخر لوحة تشكيلية رسمها ولم تكتمل وكرسيّه وأدوات الرسم وبعض من ألوانه إضافة لمجموعة من الصور في عدة معارض له ودروع وتكريمات وكتب من مؤلفاته وأدلة بعض المعارض.

المحاكاة والوطن، اجتمعا في الحضور الفنّي التشكيلي في التصور والتنفيذ، بحيث اختار بعض الفنانين العودة إلى تاريخ المملكة بالإنتاج المنبثق من النقوش الجدارية التراثية، وفضّل البعض الآخر التشكيل في التطور الذي شهدته

الرسم بالخيوط تقنية اختارها راشد بن دباس.

المملكة، وآخرين ذهبوا إلى صياغة تأثير جائحة كورونا على العالم منذ عامين والتصدّي له، وتجدر الإشارة إلى أن الحضور النسائي في المشاركة كان بارزاً وفعّالاً في الاختيار والتنفيذ، كما أن “جسفت” أعطت مساحة للموهوبين ذو الاحتياجات الخاصة من التعبير عن حبهم للفنّ والوطن في صورة.

التشكيل في الممكلة!

شهد عالم الرسم والتشكيل تطوراً ملحوظاً في المملكة العربية السعودية، خصيصاً في الإنتاجات التي تعبّر عن الحضارة العربية النجدية، وكان لمتذوقي الفنون اهتماماً واسعاً في اقتناء الأعمال وعرضها في منازلهم، تعبيراً عن ثقافتهم واتجاهاتهم الفنية المختلفة، كما شهدت هذه الحركة التشكيلية في المملكة توسّعاً في الآفاق العملية للإنتاج الفني النسائي، حيث أن المرأة تشارك في غالبية الأعمال التي تحكي القوة، الجمال، الإرادة والسيطرة، ناهيك عن النظرة الفنية المختلفة التي استطاعت الفنانة السعودية تنفيذها، الأمر الذي أكّدته “د.هناء الشبلي” مديرة إدارة التخطيط والفروع في “جسفت” والتي شاركت بلوحة تعبيرية عن الجند المجهولين وحماة الوطن الذين تصدّوا لجائحة كورونا. حيث قالت: “خصّصت لمعرض اليوم الوطني لوحة بعنوان “هي لنا دار” تجسّد فئات المجتمع السعودي المهمة في الخطوط الدفاع الأساسية من أطباء والممرضين، الشرطة والدفاع المدني، والشعب والفنانين التشكيليين. واخترت اللون البنفسجي (الخزامى) لأنه يرمز إلى الهوية الوطنية الملكية الجديدة. تجتمع هذه العناصر كلّها في لوحة بانورامية تضمّ تراث المملكة، حاضرها ومستقبلها.

جولة مع المشاركين

التشكيلي السعودي “علي الشريف” شارك بلوحة تعبيرية تجسدية، تمثّل الإنسان الأول، العربي القديم، حيث يقول: أردت العودة إلى الجذور من خلال السماح للزوّار اكتشاف الإنسان الذي كان يعيش على أرض الجزيرة العربية قبلنا، كنوع من الاستنباط الثقافي العام من خلال التشكيل الحضاري السابق. النموذج استُخدم فيه سبع مواد مختلفة من الصخر والأكريليك إلى الصمغ والمطاط، وكل طبقة تمرّ بعدة مراحل للتكوين على مدى فترة زمنية معينة. واستمر إنتاج كل لوحة في النموذج حوالي أسبوعين أو ثلاثة على حسب استيعاب المواد بعضها بعض، فمرحلة التنفيذ عبارة عن حلقة متكاملة تبدأ وتنتهي من المكان عينه.

وتجدر الإشارة إلى أن التشكيلي “علي الشريف” لا يتبع مدرسة فنية محددة بل هو بصدد إطلاق مدرسة فنية جديدة في الفنّ التشكيلي، بحيث تتبع نموذجية الأبعاد الثلاثية من خلال  التصوير التشكيلي وهذه المدرسة هي الأولى من

المرأة النجدية اختارتها العنود المحمود

نوعها على مستوى المملكة والعالم. ويتمنى الشريف أن يتقبّل الجمهور هذه المدرسة الفنية ويستوعبها التي أسماها – إلى حدّ الآن – الغرافيك الثلاثي الأبعاد.

وقد شدّد “الشريف” على أن هذا الطرح هو جديد من نوعه لأنه يمكن تحديد المجسّم من كافة جوانبه، لا يحدّه أي عامل، نمط غير مستهلك عابر للحدود والقيود. أما فيما عدا ذلك فإن هذه المدرسة سترعى الشروط الفنية بكافة نماذجها كما يجب على متابعي المدارس الأخرى تقبّل التطور الحاصل في النماذج الفنية وتعددها مع هذا الانفتاح الهائل أمام الفنان والمتلقي.

كما كان لـ”الحصاد” لقاء مع المشارك التشكيلي “راشد بن دباس” الذي خصّص لوحة تشكيلية فردية بالمسامير والخيوط، حيث استخدم مئتي وخمسين مسماراً للحلقات المفرغة من الداخل، وثمانمائة متر من الخيط الأسود الرفيع.

حيث قال عن تجربته: اتخذت هذه اللوحة ثلاثة أسابيع من العمل وهذا الأسلوب الأول في المملكة، عملت سابقاً بالصوف والحرير. اللوحة عبارة عن بورتريه للملك المؤسس الراحل عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود.

المرأة السعودية… في الفنّ

التشكيلية الشابة “العنود المحمود” اقتصرت مشاركتها على نموذج من المدرسة السيريالية، تجسّد بحسب قولها، أصالة المرأة النجدية وقوة صرامتها وروحيتها للسلام متبعة ببعض النقوش النجدية التراثية، والأمل.

لم تكن مشاركة العنود هي الأولى في معرض “جسفت” في العيد الوطني السعودي بل كان لها العام الماضي مشاركة مثيلة، بحيث تعتبر أن هذه السنة كان للمكان والحضور خاصية مميزة عن باقي السنين، فمكتبة الملك فهد هي استضافة جميلة لأنه يعتبر أهم معالم الفكرية في المملكة.

وتقول عن مشاركتها: أشجّع كل الشباب والجيل الجديد ممن لديه موهبة أن ينميها ويتشجّع في تطويرها ويستهلك طاقته في تقديم الجديد والجميل الذي يعبّر عنه، لأنه اليوم وبفضل الانفتاح والتوسّع في العلاقات من خلال الشبكة بات لدينا فرصة أكبر نحن الشباب للتعبير عن أنفسنان فالفنّ لم يعدّ حكراً على فئة خاصة من الناس، بل الفنون لمحبيه

جانب من المعرض

ومتذوقه بجميع اختلافاتهم.

عن الحضور النسائي الفنّي تقول: المرأة هي الحالمة، هي السلام دائماً ما أسعى إلى نقل هذه الرسائل من خلال أعمالي. كما تجدر الإشارة إلى أن المرأة كانت ولا تزال العنصر الأساسي في التكوين والإلهام إضافةً إلى الاستنسابية التي تضيفها على أي حدث أو مناسبة، لذلك أدعو النساء السعوديات إلى المشاركة في نواحي الحياة الثقافية والاجتماعية في كافة أشكالها، فالمرأة هي الحلم الحقيقي في هذا العالم.

أما الشابة “أمل الشمري” الهاوية في رسم البورتريه خصّصت لوحة يمثل وجه المرأة النجدية، من خلال إبراز خاصية الملامح المرأة العربية، من سمارها إلى عيونها البنية إضافة إلى بعض الحليّ والشال أي كل ما كانت ترتديه النساء تعبيراً عن التراث النجدي، وبرزت اللوحة باللون الزيتي بأسلوب واقعي تأثيري.

رمزيّة المكان…

تعدّ رمزية “مكتبة الملك فهد الوطنية” في كون المكتبة تجمع أكبر عدد من المقتنيات الفنية والعلمية والبحوث والدراسات البحثية للعلوم والحضارة والآداب والإنتاجات الفكرية في المملكة وتؤمن المكتبة أهم الخدمات المعلوماتية والدراسية لزوّارها على بمختلف فروقاتهم. يتكوّن المبنى من دور أرضي تعلوه ثلاثة أدوار تغطيها قبة سماوية غاية في الجمال، وقد صُمم بطابع معماري حديث مزين بالزخارف العربية والنقوش الرخامية، ولعلّ من أهم ميزات هذا الصرح الثقافي وقوعه في منطقة حيوية مهمة في وسط العاصمة، وهذا الموقع يعطي المكتبة إمكانية النجاح في أداء دورها بنسبة كبيرة نظرًا لسهولة الوصول إليها ووضوح المكان وبروزه، فهو قلب الرياض الحديث، كما تتوافر داخل المكتبة نفسها أماكن للاستراحة والانتظار.

ومن أهم مهمات التي حققتها المكتبة: الإيداع النظامي، التسجيل والترقيمات الدولية للمنشورات السعودية، التكشيف، صيانة المقتنيات، النشر، خدمات المعلومات.

عن “جسفت”

الجمعية السعودية للفنون التشكيلية (جسفت ) Saudi Art Association SAA هي عبارة عن مؤسسة ثقافية لا تهدف إلى تحقيق الربح، تهتم بالفنون التشكيلية تتميز الجمعية بأنها مستقلة من الناحية المادية والإدارية. تجدر الإشارة إلى أن الجمعية السعودية للفنون التشكيلية (جسفت) لهاعدة فروع تنتشر في مدن ومحافظات المملكة العربية السعودية، والمركز الرئيسي للجمعية يوجد بمدينة الرياض.

العدد 122 / تشرين الثاني 2021