بيل كيتس العالم والانسان

بقلم الدكتور هيثم الشيباني

عميد كلية هندسة سابق

كان مقالي السابق هو (بدايات الحاسوب وتطوراته وتطبيقاته) مدخلا لموضوع واسع كبير واليوم أكتب عن الرجل الذي أحدث قفزات مذهلة في استخدام الحاسوب وبرامجه التشغيلية وتطبيقاته، حتى صار اسمه يسبق منجزاته.

بيل كيتس عملاق في علمه ومتواضع في فعل الخير

الإبداع عنده هو أن يصنع من الفشل إنجازات يضرب بها المثل، وأن الأمل يخلق أسباب الكفاح، ولا يقول أنه وصل بل ما زال في أول الطريق، فالانسان بدون هدف كسفينة بدون دفة كلاهما سوف ينتهي به الأمر على الصخور. كما ان الصداقة عنده تحفة تزداد قيمتها كلما مضى عليها الزمن، وهي مثل الوردة الوحيدة التي لا شوك فيها.

 وإذا طوّق الشتاء بيته الذي حاصرته تلال الجليد من كل مكان، ينتظر قدوم الربيع فيفتح نوافذه لنسمات الهواء النقي، وينظر بعيدا ليرى أسراب الطيور وهي تغرد ويرى الشمس وهي تطلق خيوطها الذهبية فوق أغصان الشجر.

 ان الثقة بالنفس عنده هي الاعتقاد الراسخ بامكانية تحقيق الهدف رغم جميع التحديات، ولا يرحل إلى الصحراء بحثا عن الاشجار الجميلة فربما يخدعه السراب فلا يجد ضالته.

الولادة والنشأة:

الأسم وليام هنري كيتس الثالث، وبيل كيتس هو الاسم المختصر في الولايات المتحده الأمريكية، ولد في يوم 28 أكتوبرفي الولايات المتحدة الأمريكية 1955م، ويحمل الجنسية الأمريكية من أصل اسكتلندي ايرلندي ، وهو اليوم عضو في الأكاديميه الوطنية للهندسة.

هو رجل أعمال وله عنوان شامخ في عالم الحاسوب، وعلى الرغم من حصوله على لقب أثرى أثرياء العالم، الا أن ذلك لم يمنعه من الدخول في عالم الخير من أوسع أبوابه. لقد أسس في عام 1975 شركة مايكروسوفت مع بول الان و صنع ثروته بنفسه ويملك أكبر نصيب فردي من أسهمها المقدر بتسعة بالمائة من الأسهم المطروحة.

ان هذه المقدمة الموجزة سوف تليها تفاصيل مثيرة لمسيرة هذا الآنسان المتميز في ذكائه المبكر والخارق و تحديد مسار حياته منذ شبابه ونجاحه في وضع كل نتاجه العلمي والتكنولوجي في خدمة البشرية ومن أجل السلام، والارتقاء في النشاط التجاري وتسويق انجازاته بجهود ذاتية دون الاعتماد على دعم حكومي أو سياسي وبودي أن يحصل بيل كيتس على جائزة نوبل للعلوم ، وهو خير آلاف المرات من أولئك الذين وظفوا علوم الحاسوب لتفتك بالبشر.

بيل كيتس
بيل كيتس

لا شك أن بيئته الأسرية كانت ذات أثر ايجابي في صناعة شخصيته الطموحة، فقد كان والده محاميا بارزا، كما شغلت والدته منصبا اداريا في جامعة واشنطن، وكانت عضوابارزا في مجالس لمنظمات محلية وبنوك. لقد تفوق كيتس على زملائه منذ الدراسة الابتدائية وخاصة في العلوم والرياضيات، وقد أدرك والداه ذكاءه المبكر فقررا ادخاله في مدرسة ليكسايد الخاصة والمعروفة ببيئتها الأكاديمية المتميزة ، وفي هذه المدرسه تعرف بيل على الحاسوب لأول مرة.

بدأت خبرة بيل كيتس في ربيع العام 1967 م، عندما قررت مدرسة ليكسايد شراء حاسوب لتعريف طلابها بعالم الحاسوب، وكانت أجهزة الحاسوب في ذلك الوقت ما تزال كبيرة الحجم وغالية الثمن، ولأجل ذلك قررت المدرسة الاستفادة من دعم شركة جنرال ألكتريك، وتبرعات مجلس الأمهات في المدرسة.

عندها أصبح بيل كيتس متعلقا بالحاسوب، وكان طالبا في الصف الثامن وعمره 13 عاما، ويمضي معظم وقته في غرفة الحاسوب في المدرسة منشغلا بكتابة البرامج وتطبيقاتها لدرجة أنه أهمل واجباته وتغيّب عن صفوفه الدراسيه في بعض الأحيان، وفي هذه الغرفه تعرف بيل على طالب آخر اسمه بول آلان وله نفس الاهتمامات والولع في الحواسيب.

وقدم بيل كيتس وبول آلان مع زميلين آخرين هما ريك ويلاند وكينت ايفانس الى شركة )سي سي سي سي( عرضا لمساندة الشركة في ايجاد حلول لأخطاء في تطبيق نظام الحاسوب لديهم.

ثم حصلت نقطة تحول مهمة في حياتهم المهنية عندما أغلقت شركة )سي سي سي سي( أبوابها لمشاكل مالية، لكن الطلاب حصلوا لأول مرة على ربح مالي مقابل موهبتهم الفذة، و على حقوق الملكية لبرامجهم وتم الاعتراف بهم قانونيا.

قرر بيل كيتس وبول ألان انشاء شركة صغيرة خاصة بهما فقط وقاما بتصميم جهاز حاسوب صغير يهدف لقياس حركة المرور في الشوارع، فحققت هذه الشركة ربحا مقداره 20 ألف دولار أمريكي في العام الأول، وكان بيل في ذلك الحين في المرحلة الثانوية، ثم استمرت الشركة في العمل حتى دخول بيل الى الجامعة.

التحق بيل بجامعة هارفرد في خريف عام 1973 م ولم يكن حينئذ قد قرر نوع الدراسه التي يرغب بها فالتحق بمدرسة الحقوق التمهيدية كتجربة ولكن هواه كان ما زال معلقا بالحاسوب فقد كان يمضي الليل ساهرا أمام الحاسوب في مختبرات الجامعه الا أنه يقضي معظم النهار نائما في الصفوف الدراسية. أما صديقه بول آلان فقد التحق بجامعة هارفرد أيضا، وكانا يتقابلان بشكل مستمر ويناقشان مشاريع المستقبل في تطوير البرمجيات ونظم التشغيل.

ثم وقعت شركة ميتس في عام 1975 عقدا مع كل من بيل وبول على حقوق الملكية لبرنامج على حاسوب )ألتر( وعين بول الان نائبا لرئيس قسم البرامجيات في الشركة. وترك بيل جامعة هارفرد وانتقل للعمل مع بول في تطوير البرامجيات، وادرك الاثنان ان المستقبل يكمن في سوق البرا مجيات وأنها الأحق بتصدر هذا المجال.

 شركة مايكروسوفت

في منتصف عام 1975 م وبعد النجاح الباهر الذي حققه كل من بيل وبول، قرر الاثنا ن انشاء شراكة خاصه بينهما لتطوير البرامج أسمياها شركة )مايكروسوفت( وهو اسم مشتق من اسمين الأول )مايكروكومبيوتر والثاني سوفت وير(. حيث امتلك بيل كيتس نسبة 60 من حجم الشركة بينما حصل بول آلان على ال 40  الباقيه، وتم تسجيل شركة مايكروسوفت رسميا في نهاية عام 1979 م كشركة مستقلة وبلغت أرباحها بحدود 104 آلاف دولار.

لكن حالة مرضية أصابت بول آلان في نهاية عام 1982 اذ أنه أصيب بمرض هودجكين، وهو نوع من أنواع السرطان النادر الذي يصيب النظام اللمفاوي في الجسم، وعليه استقال بول من شركة مايكروسوفت، الا أن الصداقة استمرت بين بول وبيل، وهذا مثال نادر للوفاء.

بعد نجاح الاصدار الثالث من نظام وندوز في جميع أنحاء العالم استمرت الشركة باصدار سلسلة نظم التشغيل الناجحة التي انتشرت بشكل سريع ونالت الاعجاب من ملايين المستخدمين ، وهذا ما حصل ذلك خلال ثلاثين عاما من اصدار هذه النظم التي تطورت من أجل تحسين التطبيق.

كما أصدرت شركة مايكروسوفت في عام 1989 حزمة من )البرامج المكتبية( وتضم مجموعة من التطبيقات، ونحن من المستفيدين منها، كما شاركت بشكل فعال في ثورة الأنترنت التي اكتسحت العالم باصدار متصفح الانترنت الشهير )اكسبلورر( وذلك في عام 1994، والذي يستخدمه حاليا حوالي 80 من مستخدمي الانترنت في جميع أنحاء العالم.

الوضع الشخصي لبيل كيتس وعائلته:

اسم زوجته هو ميليندا فرينش حيث تزوجا في عام 1994 م وأنجبا ثلاثة أطفال هم:جنيفر كاثرين )1996 م( وروي جون )1999( و فيبي أديل )2002( م، وتعيش العائله في منزل عصري فخم يطل على بحيرة في العاصمة واشنطن.

حصل بيل كيتس على لقب أغنى رجل في العالم منذ عام 1996.

أطلق بيل كيتس وزوجته ميليندا في عام 2000م أسم مؤسسة بيل ميليندا جيتس للأعمال الخيرية، التي قدمت الكثير من الدعم المالي لمحاربة مرض الأيدز والأوبئة الفتاكه المتفشية في دول العام الثالث، وقدمت منحاً دراسية للطلاب من أصل أفريقي لغرض الدراسة في الجامعات الأمريكيه بمقدار 210 مليون دولار أمريكي في جامعة كمبريدج.

ويقدر مجموع المنح الدراسية التي قدمتها المؤسسه منذ انشائها بـ 29 مليار دولار أمريكي .

وبذلك حصلت المؤسسة على عدة جوائز عالمية تقديرا لجهودها في مجالي التعليم والصحة.

ثم أعلن بيل كيتس عن نيته في ترك منصبه كرئيس لشركة مايكروسوفت والتفرغ للعمل لدى المؤسسة الخيرية.

وهكذا اهتم بعد ذلك اهتماما خاصا في تحسين التعليم في المدارس الحكوميه وظهر ضيفا في عدة مناسبات وبرامج شهيرة مثل )برنامج أوبرا وينفري( في محاولة منه لتسليط الضوء على مشكلة ضعف التحصيل الأكاديمي لطلبة المدارس الحكومية وبذل الجهود لحلها.

وبالاضافة الى مؤهلاته المرموقه فقد حصل بيل كيتس على أربع شهادات دكتوراه فخرية، كان أولها من جامعة الأعمال في هولندة في عام 2000م، والثانية من المعهد الملكي للتكنولوجيا في السويد في عام 2002 م والثالثة من جامعة واسيدا في اليابان عام 2005م، والأخيرة من جامعة هارفرد في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2007م ، كما حصل في عام 2005 م على لقب فارس من ملكة بريطانيا الملكة أليزابيث الثانية.

عاد بيل كيتس وحصل أخيرا في العام 2007 م وبعد مرور 30 عاما من تركه الدراسة على شهادة جامعية في الحقوق من جامعة هارفرد. وفي الخطاب الذي ألقاه بيل أمام الخريجين في حفل التخرج قال مازحا: أخيرا سأستطيع اضافة درجة جامعية الى سيرتي الذاتية، كما وجه كلامه لوالده قائلا: أبي، لقد قلت لك أنني سأعود وسأحصل على شهادتي الجامعية في أحد الأيام.

أوضاعه المالية

أظهرت مجلة تايم الأمريكيه في العدد 5 الصادر في شهر يوينو/ حزيران من عام 1995 الذي يجسد صورة بيل كيتس كجشع ومحتكر، وقد كتب على الغلاف )سيد الكون(.

بيل كيتس هو واحد من أشهر المستثمرين في مجال الحواسيب الشخصية، وبالرغم من امتلاكه شهرة واسعة الا أن سياسة الشركه تعرضت للانتقاد بتهم غير صحيحه بسبب المنافسة، مما أدى الى المحاكمة أحيانا. لكنه انصرف الى المساعي الخيرية عن طريق دعم المراكز الخيرية والبحوث العلمية بمبالغ طائلة عن طريق مؤسسة بيل ومليندا غيتس التي افتتحت عام 2000م.

وحسب قائمة مجلة فورتس لأثرى أثرياء العالم فقد حصل بيل غيتس على الترتيب الأول منذ عام 1995 وتنامت ثروته أكثر فأكثر ، حتى بلغت 80 مليار دولار أمريكي وربما أن الرقم يقترب من 100 مليار دولار أمريكي، ومن المتوقع أن يصبح أول ترليونير في العالم في عام 2024.

ان أشهر كتب بيل كيتس هو )المعلوماتيه بعد الانترنت( والذي تمت ترجمته الى اللغة العربيه في عام 1998 م ضمن سسلة عالم المعرفه الصادره في الكويت.

و جاءت نقطة انعطاف مهمة في حياة بيل كيتس حيث لم يعد يعمل بشكل كامل مديرا تنفيذيا لشركة مايكروسوفت منذ يونيو/حزيران في عام 2008م، فعُيّن بمكانه رئيس تنفيذي للشركة هو ستيف بالمر الذي يعرفه منذ فترة الدراسة في جامعة هارفرد وصار يعمل بشكل جزئي في الشركة ، وقرر منح وقت أكثر لمنظمته الخيرية مؤسسة بيل وميليندا غيتس، وهي أكبر جمعية خيرية في العالم وتمول جزئيا من ثروته.

كما وأنه أعلن تخليه عن رئاسة مجلس ادارة شركة المايكروسوفت لمصلحة جون تومبسون، وهو أحد الأعضاء المستقلين في مجلس الاداره، على أن يتحول بيل الى مهمة المستشار التكنولوجي للشركة، ويقوم بمساعدة المدير العام الجديد أيضا ساتيا ناديلا )46 عاما( الأمريكي من أصل هندي، والذي كان مسؤولا عن الأنشطة المتعلقه بالشركات وبالحوسبة السحابية )كلاود كومبيوتنغ(، وصار مديرا عاما للمجموعة خلفا لستيف بالمر، الذي أعلن في الصيف الماضي عن رغبته في ترك منصبه.

وكان الناس قبل ظهور جمعية بيل كيتس الخيريه وممارسة نشاطها المرموق ينظرون اليه على أنه جشع ومحتكر، وربما كان ذلك الى حد ما بسبب دعاوى الاحتكار الفاشلة التي أثيرت ضد شركة مايكروسوفت في الولايات المتحده وأوروبا.

لكن بعد انبثاق مؤسسة بيل وميليندا غيتس تغيرت صورته أمام العالم والمجتمع ليصبح الانسان الذي يحب فعل الخير ومساعدة المرضى والمحتاجين وفاعل الخير الذي لا يشق له غبار.

الخلاصة

ولد بيل كيتس في أمريكا في عام 1955 وهو يحمل الجنسية الأمريكية من أصل اسكتلندي ايرلندي.

تميز في ذكائه المبكر وتفوقه على أقرانه خصوصا في دروس العلوم والرياضيات.

ان بيئته العائلية لها أثر ايجابي في صنع شخصيته ودفعها نحو تحقيق طموحاته.

بدأت علامات تعلق بيل بالحاسوب منذ كان عمره 13 عاما في الصف الثامن.

أنشأ بيل كيتس صداقة مع بول ألان في المدرسه حيث وجد عنده نفس الاهتمام بالحاسوب، فأنشأ معا شركة صغيرة حققت ربحا بسيطا الا أن هذا كان بداية مهمة للغاية.

التحق الصديقان في جامعة هارفرد في عام 1973.

في عام 1975 أنشأ الصديقان شركة لتطوير البرامج أسمياها شركة )مايكروسوفت(. الا أن بول ألان سرعان ما استقال بسبب اصابته بمرض عضال، ويذكرأن صداقتهما استمرت حتى اليوم وهذا نموذج رائع للوفاء بين الأصدقاء.

أصدرت الشركة سلسلة ناجحة من نظم التشغيل والتي انتشرت في أرجاء العالم.

كما شاركت الشركة بشكل فعال في ثورة الانترنت، من خلال برنامج اكسبلورر الشهير.

 وحصل بيل كيتس على لقب أغنى رجل في العالم منذ عام 1996 حيث اقتربت ثروته من 100 مليار دولار في عام 2007.

أسس بيل كيتس مؤسسة للأعمال الخيرية ، وسرعان ما ترك منصبه لزميل سابق من أجل التفرغ للمؤسسة الخيرية، وذلك منذ شهر يونيو عام 2008 م، على أن يستمر للعمل كمستشار تكنولوجي لشركة مايكروسوفت.

حصل على عدة شهادات دكتوراه فخرية من جامعات مرموقة.

 بعد انبثاق مؤسسة بيل وميليندا غيتس تغيرت صورته أمام العالم والمجتمع ليصبح الانسان الذي يحب فعل الخير ومساعدة المرضى والمحتاجين وفاعل الخير الذي لا يشق له غبار.

لقد تأسست جمعية بيل كيتس الخيرية وسط عالم يتسابق فيه فقراء أفريقيا مع النمل من أجل حبة رز.

الدكتور هيثم الشيباني