ما بين العلم و الفن

الدكتور إبراهيم الحريري

لندن

سألني صديقي فتحي هل تعرف نيفين الخشاب ؟

أجبته بسؤال: وهل هي قريبة الفنانة المشهورة سمية الخشاب ابنة الاسكندرية؟

اجابني: لا يا صديقي فالثانية فنانة مشهورة و نُجلها ونحترمها بمجال فنها فهي فنانة قديرة أما نيفين الخشاب ابنة لبنان فهي أستاذ مشارك في علوم الكيمياء/قسم العلوم والهندسة الفيزيائية في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية/السعودية و تخصصت بتقنية النانو تكنولوجي و حصلت على جائزة لوريال يونيسكو لعام 2017م على مساهمتها في ابتكار مواد هجينة مركبة ذكية تستخدم في مجال صناعة الأدوية وتطوير تقنيات جديدة لرصد النشاطات المضادة للأكسدة داخل الخلايا.

دفعني الفضول للتوجه لغوغل للبحث عن الخشابتين و جاءت النتائج على النحو التالي:

تفوقت سمية على نيفين ببحث غوغل بنتيجة 500000 الى 781.

تفوقت سمية على نيفين بأصدقاء فيسبوك بالالاف لعشرات.

تفوقت سمية على نيفين باليوتيوب بالالاف مقابل عشرات.

ذهلت و صدمت لضحالة معلوماتي و سطحية مداركي و قررت أن أبحث عن التقنية التي اختصت بها الأستاذة نيفين » النانو تكنولوجي« ما لها و ما عليها والتي لا يعرف الكثير منا كلمة نانو الا من خلال شريحة النانو )Nano Sim(للموبايلات الذكية.

تطلق كلمة نانو باللغة الإنجليزية على كل ما هو ضئيل الحجم دقيق الجسم. فالنانومتر يساوي واحد مليار من المتر ويساوي عشر مرات من قطر ذرة الهيدروجين، مع العلم إن قطر شعرة الرأس العادية في المعدل يساوي 80000 نانومتر. وفي هذا المقياس القواعد العادية للفيزياء والكيمياء لا تنطبق على المادة. على سبيل المثال: خصائص المواد مثل اللون والقوة والصلابة والتفاعل. كما إنه يوجد تفاوت كبير بين Nanoscale وبين The micro فمثلاَ Carbon Nanotubes أقوى 100 مرة من الفولاذ ولكنه أيضاَ أخف بست مرات. وهي عبارة عن أنابيب دقيقة جدا مصنوعة من ذرات الكربون قطرها لا يتعدى 2 نانوميتر، وبالرغم من ذلك لها خصائص مذهلة منها: أنها أقوى من الصلب بحوالى100مرة، كما أنها خفيفة للغاية، تلك الأنابيب تستطيع أيضا توصيل الحرارة والتيار الكهربائي. وكل ذلك يرجع الى تلاحم ذرات الكربون مع بعضها البعض بقوة دون أي كسر فى تلك الانابيب. هذه الأنابيب بخواصها الرائعة فتحت لنا مجالات واسعة فى الصناعة ؛ فقد تم استخدامها بالفعل فى تصنيع بعض الأدوات الرياضية كمضرب التنس والدراجة ومستلزمات الجولف، كما أنها تستخدم فى صناعة السيارات كبديل للصلب. و قد علق العلماء أمالا كبيرة على الأنابيب الكربونية النانوية فى صناعة المصعد الفضائى.

اما الاختصاص الذي اختصت فيه الاستاذة نيفين الخشاب فهو تقنية النانو في الكمياء و الطب التي كانت لها فيها اكتشافات مذهلة، فأبحاث علاج السرطان والبحث الدقيق تدل على امكانية استخدام جزيئات النانو للعلاج والفحوصات الطبية المبكرة لهذا المرض الخبيث. والأبحاث التي نشرت بداية هذا العام عن دور هذه التقنية في التعامل مع الملاريا وتأثر مرونة خلايا الدم الحمراء تضع أسس دور رائد لها في فهم الأمراض المعدية وعلاجها. أثبتت الدراسات في الشهر الماضي وقبله عن دور هذه التقنية في صنع سيراميك للعظام بدرجة متناهية في النعومة والصلابة تبشر بشيء كثير في مجال استبدال المفاصل وتطور تقنيتها إضافة إلى صناعة العظم.

الدراسات التي صدرت هذا الشهر تسلط مزيدا من الضوء على فائدة تقنية النانو في كتابة شفرات الجينات داخل دي أن أيه)DNA( بما يسهل ويوفر المال لفحصه. واستخدام هذه التقنية في بحث نشر مؤخرا يسخرها للاستفادة حتى من بول الإنسان في صنع بطاريات طويلة العمر والأبحاث، و لا يخفى دور هذه التقنية في صنع الأجهزة الطبية المستخدمة في غرف العمليات والعناية المركزة لتسلط ضوءا ساطعا على فائدتها في تقليل عدوى المستشفيات وانتقال الجراثيم إلى المرضى. كما طرح في مؤتمر أبحاث النانو في ولاية أريغون الأميركية، الدكتور بروس غيبينس، الفكرة بأن وضع طبقة رقيقة على مستوى النانو من الفضة فوق أسطح الأدوات الطبية حيث لا يعطي مجالا للمكروبات للالتصاق عليها وهي أولى الخطوات الصحيحة للحد من عدوى المستشفيات على حد قوله. تقنية النانو في عالم الصيدلة واسعة الاستخدام بدءا من طرق إنتاج الدواء ومرورا بوسائل حفظه وانتهاء بكيفية إعطائه للمريض في هيئة تتفوق بمراحل على الطرق الحالية. وقد تجاوزت اليوم في الأبحاث وضع طرق أفضل لإنتاج الغذاء من شتى الجوانب وتنقية الماء وغيره مما يتناوله الإنسان.

و لا ننسى العلماء العرب بهذه التقنية و نذكر منهم:

 الدكتور مصطفى السيد:العبقري الفذ الذي عالج السرطان بنانو الذهب حصل عام 2008 م على قلادة العلوم الوطنية الأمريكية التي تعتبر أعلى وسام أمريكي في العلوم لإنجازاته في مجال النانو تكنولوجي وتطبيقه لهذه التكنولوجيا باستخدام مركبات الذهب الدقيقة في علاج مرض السرطان. وهو واحد من أفضل عشرة علماء في الكيمياء في العالم، وهو أستاذ الكيمياء بجامعة جورجيا الأمريكية للتكنولوجيا.

الدكتور منير نايفة:أستاذ الفيزياء و الذرة بجامعة الينوي بشيكاغو و مؤسس علم كيمياء الذرة المنفردة و الكتابة بالذرات و هو أخو العالمين المرحوم علي نايفة و العالم عدنان نايفة.

أحمد زويل: الحائز على جائزة نوبل في كيمياء الفيمتو و التلسكوب الليزري.

و هناك الكثير من أسماء علمائنا المعاصرين و منهم فاروق الباز ومجدي يعقوب و تشارل العشي و الياس زرهوني و عمر ياغي و شادية رفاعي الحبال و عدنان وحود و المخترع الشاب السوري اللاجئ لالمانيا عبد الرحمن الأشرف أما العلماء الذين فقدناهم فهم كثر منهم المرحوم المخترع التونسي محمد الزواري و المخترع الشاب المغربي المرحوم عبدالله شقرون المسجل باسمه 37 اختراعا و فاروق الافندي و علي مصطفى مشرفة)اينشتاين العرب( و سميرة موسى و علي المشدو سعيد السيد بدير و جمال محمود حمدان ولكل منهم قصته و معاناته و الكثير الكثير.

و من خلال بحثي تفاجأت بعالمات عربيات بهذا المجال إضافة للعلماء العرب و نذكر منهن:

1-الأستاذة منى بكر محمد رئيسة مركز النانو بجامعة القاهرة )ملكة النانو(.

و سنفرد الحديث عن أنجازات فقيدتنا العالمة منى بكر التي وافتها المنية بتاريخ 4-3-2017 م على أن تتاح لنا فرص أخرى للحديث عن العالمات الأخريات.

الأستاذة منى بكر العالمة العربية المصرية الاسيوطية رئيسة مركز النانو بجامعة القاهرة و هي ملكة النانو كما يحب أن يسميها استاذنا الكبير و عالمنا مصطفى السيد و لكم انجازاتها:

كانت مديرة مركز النانو تكنولوجي، وعضوا بأكاديمية البحث العلمي منذ العام 2009، كما لها 4 براءات اختراع دولية مسجلة بإسمها منها استحداث عقار يعمل على زيادة نسبة الهيموجلبين في الدم

أسست أول شركة في مصر والعالم العربي في مجال النانو تكنولوجي

أسست الدكتورة والعالمة منى بكر مدرسة مكونة من 43 طالب دراسات عليا عملوا على تصنيع المواد النانوية وتطبيقاتها في الخلايا الشمسية، وتنقية المياه وتحلية المياه والتطبيقات الطبية الحيوية

لها أكتر من 56 مقالا دوليا و100 رسالة ماجستير ودكتوراه مشرفة عليهم، وتم الإستعانة بها كمرجعية دولية في الأبحاث العلمية، وجاءت في التصنيف الدولي رقم 20 في مجال النانو تكنولوجي، وتم الإستشهاد بأبحاثها أكتر من 1800 مرة

عملت كباحث رئيسي في استخدام جسيمات النانو فضة في الصناعة لتعقيم المنتجات من الفيروسات والبكتيريا

عملت الدكتورة منى بالتعاون مع عدد كبير من العلماء على استحداث عقار جديد يساعد على زيادة نسبة الهيموجلوبين في الدم من7 إلى 16 أملا في علاج أكثر من70 من سكان مصر المصابين بالأنيميا وخاصة الأطفال والسيدات. وهو مسجل كبراءة اختراع دولية عن طريق المنظمة العالمية لحقوق الملكية الفكرية WIPO

عملت كأستاذ مساعد بالمعهد القومي لعلوم الليزر بجامعة القاهرة.

حصلت على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم التكنولوجية المتقدمة عام 2009

كرمتها مؤسسة مصر الخير لكونها واحدة من أهم 5 علماء مصريين والمرأة الوحيدة من بين المكرمين الذين تم الاستعانة بدراستهم كمرجعية دولية والاستشهاد بها في الأوراق البحثية.

صنفت رقم 20 وفقا للمؤشر الدولي الذي يصنف كافة العلماء طبقا لتخصصاتهم، وهو ما وضعها ضمن قائمة العلماء المرجعيين في مجال النانوتكنولوجي، حيث تم الاستشهاد بأبحاثها أكثر من 1800 مرة.

2-الاستاذة بجامعة أم القرى مها محمد خياط. لها ثلاث براءات أختراع عالمية.

3- الأستاذة غادة المطيري.. تترأس مركز أبحاث بجامعة كاليفورنيا للنانو تكنولوجي، نال اختراعها الجديد أرفع جائزة للبحث العلمي بأمريكا عام 2009.

4-الاستاذة بجامعة الملك سعود نورة البكيري التي توصلت لعلاج قلب الجنين بتقنية النانو عام 2015م.

و بالنهاية اكتشفت بأني لست وحدي بل أنا واحد من السواد الأعظم الذي يعرف فقط أهل الفن و الأعلام و يجهل العلم و العلماء، والبحث لا ينتهي عن عالماتنا و علمائنا الذين سطروا بعلمهم أكبر الانجازات و الجوائز العالمية و نافسوا أهل العلم بديارهم و لكن نتمنى من الدول العربية رعاية هؤلاء العلماء و تدريس قصصهم بمدارسنا و دعمهم بكل الوسائل لكي لا يضطروا لمغادرة بلادهم لاكمال بحوثهم الدقيقة. فعلمهم واختراعاتهم سترفع أوطاننا لمصاف الدول العلمية و التي تتخذ من العلم و العمل أسسا لنهضتها لا لشعارات جوفاء بعيدة عن أرض الواقع. و المفرح المبكي دائما عدم تكريم العلماء إلابعد مماتهم و إن كان واجب علينا تكريمهم بحياتهم و رفع شأنهم و الاستفادة من علمهم لرفعة أوطاننا. و سألوه كيف تأمرت على وطنك فقال: »كنت لا أضع الرجل المناسب بالمكان المناسب«.