حكايتنا مع مشروب ساحر اسمه .. الشاي

تعددت منافذ الدخول الينا .. ولكن توحد الأرتياح لرشفاته عندنا

الشاي في حياتنا، وحياة غيرنا في الكثير من الشعوب، شيئ جوهرى،انه المشروب الأمثل والمفضل و الذي بأخذ الصدارة بين كل المشروبات، وهناك بجواره بالتأكيد الكثير من المشروبات الساخنه المحبوبه ،ولكنها لا تصل في مكانته الى حد مزاحمته،أو حتى الأقتراب من بوابته. أنه ملك الملوك،وأمير القلوب،وان تجاسرنا وطلبنا احيانا مشروبا غير   الشاي فتلك في ظنى لا تخرج عن كونها نزوة،،سرعان ما نعود عنها ،ونرجع سريعا الى رحاب الشاي (وما أحلى الرجوع اليه) . نعم نحب الشاي،نهواه الى حد الهوس ،ونعشقه الى حد الوله. انه الملك بين المشروبات الذي دخل حياتنا فأكسبها بهجة،أقولها واستخدم نون الجمع،وكلي ثقة ان أحدا.لن يستخدم حق (الفيتو) بالأعتراض،

الشاي العراقي اناء كبير واّخر صغير

حتى وان كان هذا الحق تتوافر شروطه للجميع، لأن القاعده الديموقراطيه،  حقيقه راسخه، في  أي حوار مجتمعي . من منا لا يستيقظ  صباحا ،ولا يتطلع في لهفة الى  كوب الشاي ؟ من منا حين يأخذ منه الأرهاق بعض راحته لا تهفو نفسه الى كوب الشاي،بل أنه حين تكثر المشاغل،وتتزاحم الرؤي والأفكار ،وتضج الرأس في البحث  عن الحلول وقرارات الحسم ، فان الأمر لا محالة في حاجة الى كوب من الشاي . انه بلا جدال المشروب ألأنيس ،والجليس ،الذي نرتاح الى رشفاته ،ونسعد في طعمه ،ونبتهج لمزاقه .على جانب اّخر،حين يتسلل الملل الى نفسك،أو يفاجئ الصداع  رأسك،أو تتكدر من خبر ازعجك،لماذا ينصرف تفكيرك على الفور الى كوب من الشاي لكي ،يحنو عليك ويهدئ رأسك  ويهدهد مشاعرك ،ويعودك قدر من التأمل والطمأنينه والسكون في وجدانك . لماذا يعد الشاي هو المرشح ألأبرز للتناول أزاء قسوة البرد أو حتى نزلات الأنفلونزا . انه  الشافي والعافي بالفعل والصديق الحميم وقت الضيق .ثم لابد وان نتذكر أنه المشروب الذي تجده ببساطه ان غيرت محل اقامتك وذهبت حتى خارج وطنك ، فسوف تجده في انتظارك ،لا يساورك معه الاحساس بالغربه،فهو المشروب الأليف داخل وطنك أو عبر الحدود خارج بلادك انه بالفعل مشروب عالمي بامتياز .نعم قد تتعدد الأنواع بين الشاي الأخضر والشاي الصيني ،والشاي السيلاني ،والشاي بالهيل ،وقد يروقك أكثر طعم الشاي بالنعناع ،أو الشاي يالقرنفل،او الشاي بالحليب . ،ولكن كلها تنويعات على ( لحن واحد ) اسمه (الشاي) .

متى دخل الشاي حياتنا ؟

الشاي في الاصل مشروب صيني عريق. وفق منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة، فقد تم اكتشافه بالخطأ عام 2727 قبل الميلاد، عندما كان (الإمبراطور شين نونغ)  يغلي الماء في ظل شجرة الشاي وفجأة سقطت ورقة جافة في الوعاء.كانت هذه الورقه هي ورقة الشاي ،أعجب الإمبراطور بطعمها ،فانكب عليها ،وروج لها ،ومن ثم أصبحت  شائعه في الثقافة الصينية،ومن هنا كانت البداية لكي  يتناقل هذا المشروب من بلد الى بلد ،ويتم الأحتفاء به في كل مكان ،فتلك الصدفة،اصبحت وكأنها هدية السماء الى أهل الأرض.لكن السؤال كيف دخل الشاي الى بلادنا ؟ دخل الشاي الى عالمنا العربي عبر بوابات متعددة، وبتعدد البوابات تتعدد الروايات بشأنها ، ولكنها في النهاية تكاد تتفق ان الشاي جاء عبر بوابة الدخول الأجنبي الى اراضينا .

في مصر

كانت القهوة هي المشروب الرئيسي الذي تعارف عليه المصريون حتى اكتشاف الشاي الذي دخل الى مصر عام 1882، في زمن الثورة العرابيه ومع دخول الاحتلال البريطاني،ومن ثم اصبح المشروب الشائع لديهم،وفي رواية أخرى تربط بين عرابي شخصيا وبين دخول الشاي الى مصر ،وذلك حين تم نفيه الى جزيرة ( سيلان) وهناك تعرف على مشروب الشاي ،حيث استضافه  ورفاقه السير توماس جونستون ليبتون في مزرعته ،وهو يمتلك اّنذاك مزارع

شاي العصاري في الحقل

شاسعه للشاي حيث تناولوا الشاي لأول مره ،فلم يعجبهم في البداية،ولكنهم تعودوا عليه ،واصبح مشروبهم المفضل  في المنفى ،وبدأوا في ارساله الى مصر،وبالطبع انتشر مع وجود البريطانيين كذلك في مصر،والشاي مشروبهم المفضل.

في حديث اجراه الكاتب الصحفي ( كريم ثابت) عام 1932 مع وكيل وزارة الزراعه جلال بك فهيم في صحيفة ( المقطم) القريبه من الأحتلال البريطاني ،قال الوزير انني اتعجب من الحال الذي وصل اليه الفلاحون بسبب الشاي قائلا ( لو اقتصر الأمر على أخذهم الشاي الى الحقول ) لهان الأمر ،لكنهم يشربون منه أسوأ أنواعه ويغلونه الى ان يصبح لونه أسود تقريبا وهم يشربونه بهذه الكيفية عدة مرات بل انهم قد يستغنون عن الطعام لكنهم لا يستغنون عن الشاي،وقد لا تجد عند الفلاح غلة لمأكله مثل القمح والشعير ،لكن لابد أن تجد عنده الشاي والسكر. يقول الكاتب عزت السعدني: (ولعل أجمل وأكثر قعدات الشاي ألفةً وتقارباً، هي حفلة الشاي التي يقيمها الفلاحون على مصطبة أمام البيت، وفي صحن الدوار،أو في قلب الغيط، أو تحت ساقية عجوز لا تزال تنعى وتئن،والبقرة المعصوبة العينين تدور بها). ويرى الروائي  عمر طاهر أن المصريين (نصَّبوا الشاي وزيراً لداخلية المعدة، لقدرته على(الحبس) بعد الطعام،ويشير المؤلف في كتابه المعنون بـ(صنايعية مصر : مشاهد من حياة

 بعض بناة مصر في العصر الحديث) إلى تطور مراحل الشاي لدى المواطن المصري إذ أصبح أساسياً أثناء المذاكرة،وعنواناً للعزومات (تعالى نشرب شاي)،وعلاجاً من الصداع والبرد وتعكر الدم.

في المغرب

دخل الشاي إلى المغرب في مطلع القرن الثامن عشر، في عهد السلطان المولى إسماعيل، في سياق الهدايا المحمولة إلى السلاطين وكبار رجال المخزن (إدارة الدولة)، وظلّ طوال هذه الفترة حكراً على الوسط المخزني ( الأداري )،وقد ظل هذا المشروب الجديد محصورا في الطبقات العليا في المجتمع حتى بداية القرن التاسع عشر ،ثم بدأ في الأنتشار في فترة الثلاثينات انطلاقا حتى اواخر الستينات من نفس القرن، حيث توسعت عملية الأنتشار ،وان كانت بشكل محدود ،ثم كان انطلاقها الأكبر،حين أصبح الشاي في متناول أبناء المجتمع كافة إ ابتداء من أربعينيات القرن العشرين، كما يقول (الباحث محمد حبيدة)  في القراءة التي قدمها لكتاب “من الشاي إلى الأتاي، العادة والتاريخ” لمؤلفيه عبد الأحد السبتي وعبد الرحمن لخصاصي.،وكلمة ( الأتاي) التي وردت في عنوان الكتاب مرجعها أن المغاربه يطلقون اسم ( أتاي) على الشاي،وهي تعريب للأسم باللغة الأانجليزيه (تي) فأصبحت (أتاي) وتعني ( الشاي). ويستهلك الشاي بالنعناع أو ما يسمى عند العامة “ليقامة” وهو نبات معروف بملاءمته صحة الإنسان، لذلك أصبح هذا المشروب، يُذهب الإعياء ويطرد صداع الرأس، بالإضافة إلى شربه مع السجائر، أو أثناء القيام بعمل ما، كما هي حال الصنّاع والحرفيين فانتشر انتشار النار في الهشيم.

ثم يتابع ( ان تقديم الشاي للضيوف في الصحراء لا يقل أهمية عن تقديم اللبن واللحم، بل إنّ بعض الضيوف يفضلونه على جميع أنواع المأكولات والمشروبات). كذلك، فالشاي وسيلة من وسائل التواصل والاندماج بين الأفراد والجماعات، بل قد يصبح الشاي شرطاً ضرورياً لتنظيم اللقاءات وعقد المجالس والاجتماعات. ومن المقولات المعروفة شربنا شاياً صحراوياً بجيماته الثلاث:أجْمَرْ (من جمر الفحم )،وأجَّرْ (مدة إعداده طويلة)،وإجْمَاعَ (أي وسط جماعة من الناس الجالسين والمتحلِّقين حول الطبلة لشُرب الشاي، وتبادل الأحاديث والمشاركة في النقاش الذي يدور في مجلس الشاي ومائدته.

في العراق

يقدم الشاي في العراق على نحو اّخر ،حيث يقدم في أوعية صغيرة توضع في صحن صغير، تعرف باسم (الإستِكان)،ويعود أصل هذا الأسم،كما يُروى الى الهند حيث يطلق عليه هناك اسم (بيالة)، وكان   الجنود البريطانيون المتواجدون في الهند خلال فترة الاستعمار يأخذون تلك الأوعية معهم كهدايا إلى بلدهم الأم. للتمييز بين البيالة الهندية و كوب الشاي الإنجليزي التقليدي، وحين دخل الاستعمار البريطاني إلى العراق، أدخل معه الجنود الهنود الشاي

الشاي المغربي والنعناع جزء اساسي في تركيبته

ووعاءه الشرقي أو الـ” East tea can”، حيث دمج العراقيون الكلمات الثلاث في كلمة واحدة للسهولة فصارت “إستكان”، لينتشر في المقاهي والأحياء والبيوت بسرعة كبيرة ساعده على ذلك رخص ثمنه وعدم وجود خلاف فقهي حوله.  العراقيون مستهلكون كبار للشاي. تصدر العراق  قائمة مستوردي الشاي السيلاني العام 2021. وتضم اللجنة الدولية للشاي (International Tea Committee) العراق الى قائمة الشعوب الأكثر تناولاً للشاي في العالم حيث يستهلك المواطن العراقي الواحد 0.5 كيلو غرام في العام بحسب إحصائيات اللجنة، وهو رقم يفوق بالضعف المعدل العالمي لاستهلاك الفرد الذي يناهز 0.2 كيلوغرام.

طرق تحضير الشاي وتقديمه :

يشرب العراقيون الشاي الساخن في الصيف والشتاء،ولا تمنع درجات الحرارة العالية التي تصل إلى خمسين مئوية في شهر أغسطس من شرب الشاي ساخناً، ولا تقلل من الطلب عليه. أما في الشتاء فلا يخلو بيت من مدفئة نفطية يتربع عليها إبريقان، أحدهما أكبر حجماً من الآخر يطلق عليه اسم (الكيتل) يحتوي على ماء ساخن يحافظ على حرارة الشاي في الإبريق الأصغر المثبت فوقه والذي يطلق عليه اسم (القوري). وكلاهما إبريقان متشابهان في الشكل ومختلفان في الحجم و الوظيفة.

يُفضل العراقيون شرب الشاي الغامق، ويطلقون عليه اسم “سنكين”، وتعني بالفارسيه ( الغامق) وفي اللهجة العامية العراقية يطلق على الشاي “چاي”، بالجيم ذات النقاط الثلاث كما تلفظ في روسيا وأوكرانيا وتركيا. الـ (چاي)العراقي إما بوضع الماء وأوراق الشاي الأسود في إبريق الشاي (القوري)، تضاف له حبات الهال، أو عبر تسخين الماء حد الغليان ثم وضع أوراق الشاي فيه وإطفاء النار بعد ثوان قليلة، ويترك الشاي لـ” يتهدر”أو يتخدر. أما الشاي الأكثر شهرة في العراق فهو

الشاي “االمخدر” على الفحم،وهناك اغنية شهيرة تقول كلماتها ( خدري الجاي خدري ..عيوني المن خدري ) أو كما يدعوه العراقيون “الشاي الرئاسي” حيث يتم طبخه عبر وضع أوراق الشاي والكثير من حبات الهال في إبريق

مزارع الشاي

مصنوع من الألمنيوم، ويوضع إلى جانب منقلة شوي اللحوم وخصوصا السمك المسقوف ولا يوجد زمان ومكان لشرب الشاي بالنسبة للعراقيين،فهو يشرب مع الفطور ويتم

تناوله بعد وجبة الغداء والعشاء.ويُشرب وحده أو مع الكعك أوالمعمول يطلق عليه اسم (الكليجة) في العراق، ويذكر أنه من شدة حب العراقيين للشاي وتعلقهم به ،أنه تم اعتباره  من المواد الغذائية

الضرورية خلال فترة الحصار الاقتصادي في التسعينات عند تنفيذ مذكرة التفاهم (النفط مقابل الغذاء) .

ثم في النهاية

اذا كانت الديموقراطيه هي صيحة العصر،وعلينا ان نراعيها في احكامنا ،فان اجماع الشعوب عليه في استفتاء حر وتلقائي هو الشهادة الكامله ،ليس له ندا ولا منافسا ،ولا حتى طامعا في مكانه مجاوره . لذلك من الممكن ان نعده بين كل المشروبات هوالسلطان أو الملك ،وعليك ان تلاحظ ليكون الكلام عنه في نطاق المنطق ،وحكم الواقع ،انه لايحل في مكان الا وتصاحبه في الغالب حاشيته، التي تصاحبه في العديد من المناسبات وهي تتشكل من الكثير من المعجنات من الفطائرأو البسكويت أو أنواع من الشيكولاته ،وفي النادر النادر أن يقدم وحده ،فهو في ذاته القيمه والغنيمه والطرب لمن يحتسيه .انه وحده تتصدر باسمه الكثير من الدعوات ،حين تتم دعوتك من محبيك أو حتى في احتفالية خاصة قتوجه الدعوة بتلك الصيغة (ندعوك الى حفل الشاي) بمناسبة كذا أو كذا،وفي بعض الأوساط الغربيه هناك دعوة مقررة باسم (شاي الخامسة مساء) وفي الأوساط الشعبيه هناك (شاي العصاري)اي ساعة العصر . الشاي اسمه علم ،وسيرته عطر،ومذاقه نشوه ،واللهفة عليه عشق يملأ القلوب.