صراع الارادات في مواجهة غير مباشرة
ماذا بعد أن تحولت العملية العسكريه الروسية في اوكرانيا، الى حرب حقيقيه تواجهها روسيا ضد حلف الناتو. وهل كانت الحسابات الروسيه في اقدامها على تلك العمليه غير دقيقه ؟ أم ان ماحدث من تدخل امريكي ومعه المعسكر الأوروبي وتوابعه ،كان احتمالا متوقعا ؟. بالتأكيد ان من يشعل الصراع،لابد انه يدرك ان ابعاده لها احتمالاتها الأوسع، فحتى المخاطره لابد وان تكون محسوبه . وذلك صراع مفتوح كانت بداياته مفروضه على روسيا ،ولم يكن لها أي خيار ،سوى قبول المواجهة . نذكر ماعرف باسم (الثورة البرتقاليه )عام 2004 ، ثم تجددت عام 2013 ،وقد وصفها اّنذاك (بوتين ) بالمؤامرة حسب تقديره يتزعمها النازيون الجدد ،وهم المتعصبون ضد المواطنين

الأوكران من أصل روسي ،كما انهم يتطلعون لعضوية الناتو، اي انهم يتحصنون ضد روسيا بمعاونة التحالف الغربي امريكا واوروبا ، ،،وهو مادفعه الى الرد بضم ( شبه جزيرة القرم) عام 2014 ، وهي في الأصل أرض روسيه قام ( خروشوف ) بضمها الى اوكرانيا في اطار ( الأتحاد السوفييتي) في ذلك الوقت عام 1954 . لقد دللت الأحداث في مسرى جريانها ، أن فلاديمير بوتين رئيس روسيا الاتحادية ،وقد كان ضابطا متميزا في المخابرات ليس قيادة سهلة،وانما هو على درجة عالية من التمرس والفهم الاستراتيجي للأوضاع الدولية،ومكانة روسيا وطبيعة التحديات التي تواجهها ،بعد كارثة انهيار الاتحاد السوفييتي، وطموحات المعسكر الغربي في مواجهتها،وهو باليقين رجل المهام الصعبة،فقد استطاع ان ينهض بروسيا من تلك الظروف المدمرة، وقد تسلم الحكم من (يلتسين) الذي أشرف على تفكيك الأتحاد السوفييتي وانهياره ،وقد كان الرئيس الامريكي الاسبق ( جورج بوش الأب) يخاطبه قائلا (اننا نصلي من اجلك) ،وكان في مواجهة اعضاء ( الدوما) ،قبل ان يتمكن من الحكم و يقدم على تفكيك الأتحاد السوفييتي .استطاع بوتين ان يحفظ روسيا ويدفع بها الى الأمام،في عملية بناء حقيقيه،جعلت الولايات المتحدة تسعي من جديد لمحاصرتها من خلال ضم دول الاتحاد السابقه ،وخصوصا المجاورة لروسيا لضمها (لحلف الناتو) ثم كانت الطامة الكبري هي محاولة الغرب ضم ( أوكرانيا) الى الناتو .هنا تحركت روسيا من خلال عملية القضم الى درء الخطر، بقيامها بما اطلقت عليه (عملية عسكرية خاصة )في اوكرانيا،وكان بوتين يعد لها منذ عام وليس من يوم اعلانها ،وقد سبقها باعلان ضم شبه جزيرة القرم عام 2014 . فهل يمكن ان تتهم روسيا أنها قد أخطأت في خطوتها وهي في الأساس من أجل سلامة أمنها القومي .
شهادة من عضو في الكونجرس
نتذكر ما طرحه السيناتور الأمريكي (بيرني ساندرز)في اطار نقاش دار في الكونجرس الامريكي حول ألأزمة

الأوكرانية وطرح مايراه حول تفاد(حرب تحمل في طياتها دمارا واسعا )بكل الوسائل الممكنه رغم قناعته ان الرئيس بوتين هو المسؤول عن حدوث تلك الأزمة.واعقب رأيه ذلك بالقول (هل
يتصور أحد أن امريكا كانت ستلتزم الصمت اذا حاولت دوله مثل كوبا أو المكسيك أوغيرهما من الدول في امريكا الوسطى او امريكا اللاتينية بالدخول في تحالف عسكري مع أحد خصوم الولايات المتحده الأمريكيه ؟ومضي قائلا هل تعتقدون أن اعضاء الكونجرس كانوا سيقفون ويقولون ان المكسيك أو كوبا دولة مستقله ولها الحق في ان تفعل ماتشاء؟أنني أشك في ذلك كثيرا.لكن للمفارقة الغريبه أن نفس العضو ( بيرني ساندرز) خرج بعد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا ليدعو العالم الى ( الدفاع عن الديموقراطية) ويصف العدوان بغير المقبول ويقول ( يجب على دول العالم الرد بقوة )
شهادة اّخر من التاريخ
بعد فشل عملية ( خليج الخنازير) في كوبا التي دبرتها الولايات المتحده لأسقاط نظام كاسترو ،أظهرت صور استطلاع في 22 اكتوبر عام 1962 من طائرة تجسس امريكية ،وجود قواعد صواريخ نووية مبنيه في كوبا، وجد الرئيس الراحل جون كيندي ان هناك تهديدا للأمن القومي لبلاده ،فاتخذ اجراءات فرض حصار بحري لمنع سفن السوفيات المشتبه في حملها صواريخ نووية في طريقها الى كوبا •
أطلق كينيدي على الحصار اسم “منطقة الحجر الصحي”، حيث وجد فيه فرصة لكسب الوقت للتفاوض
26 أكتوبر تلقى كينيدي رسالة من خروتشوف يعد فيها بإزالة مواقع إطلاق الصواريخ إذا وافقت الولايات المتحدة على رفع الحصار ووعدت بعدم غزو كوبا،وان تزيل قواعد صواريخها من تركيا
وهكذا يتضح ان تهديد الأمن القومي لأي بلد يجعلها في اطار مسؤوليتها عن سلامة حدودها وبالتالي سلامة وامن شعبها أن تتحرك من اجل الحفاظ على ذلك الأمن وسلامته.مع ملاحظة أن العاصمة الأوكرانية ( كييف) ،كانت في القرن التاسع عاصمة لروسيا الكبري، أي أن الجذور واحده .
امريكا تنفخ في نفير الحرب
دائما هناك الشعارات الفضفاضة ،عن الديموقراطيه ،وحريات الشعوب ،و الشرعيه الدوليه وحقوق الأنسان ،الى اّخر تلك المنظومة المكررة ،حين يتعلق الأمر فقط بسياسات الآخرين ، التي لا تتوافق مع السياسة الأمريكيه أو بالأحرى مع مصالحها . لكن مع امريكا الأمر يختلف ،فلا قانون يحكمها ،ولا تصويت يلزمها ، وشرعيتها فقط هي التي تحكم .لذلك فقد نفخت في نفير الحرب ،بتحريض أوكرانيا على عدم الأستمرار في المفاوضات التي كانت تجري في تركيا مع روسيا ،وعملت على تدفق الأسلحة الى اوكرانيا،وقامت بتوقيع العقوبات على روسيا ،وعملت على ضم الدول الأوروبيه الى موقفها ودعم توجهاتها.لكن الآن وبعد انقضاء كل تلك الشهور،منذ اندلاع القتال في فبراير الماضي واستمراره حتى الآن، لا نري سوى صورة متشابكة الألوان ،لا تبعث الى الارتياح ،وتحمل من الغموض أكثر مما يلوح منها الأمل،ولذلك فان خياراتها محدودة وضيقه ، ولا تطال روسيا وحدها ،ولكنها تنذر بأن العلاقات الأوروبيه الأمريكية في سبيلها أيضا لأن تتفكك،فأزاء أزمة الطاقة ستنفجر الكثير من الأوضاع داخل أكثر من دولة اوروبيه ،ولن تكون أوروبا مجرد قطيع تسوقه أمريكا من خلفها .
الواقع على الأرض
استخدمت روسيا سلاحي النفط والغاز،وهما المصدر الأهم والأرخص لأوروبا ،في مواجهة العقوبات الغربيه التي انهالت عليها ،ففرضت شروطا حتى يستمر ضخ تلك الطاقة منها الى اوروبا ،وهي أن يكون الدفع بالروبل وليس بالدولار، وهو أمر دفع بعض المعلقين الى القول ( لقد اكتشفنا أن حالة الأزدهار التي تعيش عليها أوروبا ،كانت نتيجة للغاز الروسي الرخيص) وفرقت روسيا بين الدول الصديقة لها ،والدول المعاديه لمصالحها وهو استخدام منطقي و شرعي للدفاع عن مصالحها ،وليس ابتزازا كما تردد ابواق اوروبا. نتيجة لذلك، تنذر التطورات التي تجري على الأرض بخلافات سوف تحتدم بين بعض الدول الأوروبية، وامريكا ، اذ ان البترول الذي اصبحت امريكا تستخرجه من احتياطاتها المخزنة، تعويضا عن المصدر الروسي ،تقوم ببيعه لدول اوروبا باسعار باهظة ،وتأزم الوضع أكثر في اوربا نتيجة لأرتباط الغاز الروسي – عادة – باستمرار دوران ماكينة بعض المنشاّت الصناعية في اوروبا،وناهيك عن التدفئه مع قدوم شهر الشتاء الذي اصبح على الابواب . حصادا لتلك الأزمة اشتعلت المظاهرات في اكثر من عاصمة اوروبيه خصوصا في المانيا، معلنة (أنه ليس علينا أن نتحمل تكاليف حربا تجري في اوكرانيا). أما في فرنسا فقد أصبح عليها أن تقوم بترشيد استهلاك الكهرباء،بل ان الوضع في ايطاليا اصبح أكثر سوءا بحرق فواتير الكهرباء مع تصاعد الاضرابات،وانتخاب حكومة جديده تدرس الاوضاع ،وقد نجح في الانتخابات حزبا يمينيا بقيادة جورجيا ميلوني. التطورالأخير الذي يتطلع اليه الأتحاد الأوروبي ،هو ان يتخذ قرارا بوضع سعر محدد للغاز الروسي يجري التعامل به ،ولكن السؤال ماذا لو رفضت روسيا ؟، وكيف يمكن ارغامها في اطار ذلك المناخ العدائي لها ؟،ابتداء من العقوبات الى تسليح اوكرانيا والى مساندتها سياسيا وكذلك اقتصاديا ،وكان اّخرها ملياري دولار قام بدفعها الأتحاد الأوروبي الى اوكرانيا. ان اوضاعا كثيرة تتفجر في سماء الاتحاد الاوروبي ،وخصوصا مع قدوم فصل الشتاء ،بصقيعه ورياحه.
ألأدهى والأمر
العلاقات الخليجية الامريكية على مر سنوات طويله، كانت تتميز بالتفهم والدفء، وحتى الخلافات كانت دائما تحاصر لكي تصفى،ومن ثم تستقيم العلاقات. تاريخيا كانت هناك وقفة في حرب أكتوبر عام 1973 حين اقدم الخليج على

تفعيل سلاح البترول بحظر ضخه،من أجل الضغط على من يساندون اسرائيل على حساب الحقوق العربيه ، ،لاسيما وان اسرائيل هي المعتدية عام 1967 ،وهي المحتله للأراضي العربيه،وكان هذا الدرس مفاده أن المصالح العربيه لدي العرب هي مركز الثقل ،ولذلك ان تحاول الولايات المتحده جر دول الخليج الى الحرب الروسية الأوكرانيه، عمل يستحق الوقوف في وجهه ،فهم ليسوا اصحاب مصلحة في تلك الحرب ،ولكن الولايات المتحدة تضغط وتلح عبر الزيارات المتكررة للسعودية وغيرها ،من أجل ان يلتزم بعدم خفط انتاج البترول، حتى وان هبطت اسعاره ،لأن ذلك يساهم في تعزيز موقف امريكا وحلف الناتو،في الصراع مع روسيا،وايضا يساعد الحزب الديموقراطي الأمريكي ،في انتخابات الكونجرس ،ويساهم في تضاؤل اصوات الحزب الجمهوري . أي انها تريد الخايج أن يضحي بمصالحه في جنى ثمرات ارتفاع الاسعار في السوق النفطي،حال ضاّلة حجم المعروض،ويقوم باغراق السوق بزيادة الانتاج فتنخفض اسعاره،ويخسر الخليج ويربح حزب بايدن وهوالديموقراطي في الانتخابات ويتعزز بذلك موقف المعسكر ألأوروبي في مواجهة روسيا . حتى وان خسر الخليج . لكن دول الخليج أكثر يقظة ،وتدرك أن ذلك مناف تماما لمصالحها ،كما أنه منطق سقيم ،وتسلط مهين ،لذلك فان السعودية ومنظمة أوبك بلس قد قابلته بالرفض بحزم وكرامةو كبرياء يستحق الاشادة . ان الضغط الأمريكي على السعودية تحديدا يتمثل في اعتبارها الصوت المسموع في منظمة أوبك ،والسعودية تنفى ذلك بل و تتحدى ان كانت قد قامت بالضغط على احد .
في النهاية
في ذروة الصراع كان الاتهام الروسي لأوكرانيا أنها تعد للقنبله(القذرة) ذات الأشعاع ،وقد أنكرت أوكرانيا،وذكرت أن هذا الأتهام يرجع لرغبة روسيا في استخدام هذا السلاح، ثم الصاق التهم بها.لذلك
الأمر يصعب التكهن به،وان كانت روسيا ليس لها ماض في مثل هذا الاستخدام ،والعكس صحيح على الجانب الآخر, وكما ذكر اللواء الأردني فايز الدويري على قناة الجزيره أن مثل تلك الأسلحه قد تم استخدامها في الهجوم على بغداد سواء في المطار أو في الفلوجه. ان استخدام مثل تلك الأسلحه يزيد من تعقيد الموقف،وهو تصعيد له مابعده ان تطور

سجل صمودا في ظرف تاريخي يحتاج لفراسة
،كما أن الأزمات التي تحيط بأكثر من دولة اوروبيه في معالجة الغاز والكهرباء بالأضافة الى الدعم المتوالي والمطلوب الآن 11 مليار دولار من اوروبا .والاتفجارات الجماهيرية التي تحمل صرخات الأحتجاج على ارضها تتزايد ،ثم فصل الشتاء ،أصبح يقرع الأبواب ،على الجانب الآخر التعبئة الروسية وتنامي جبهة ( بلاروسيا) ودخول منظمة ( فاجنر)، ينبئ بتلاحق الأحداث خلال شهرى نوفمبر وديسمبر،فهل نحن على ابواب حل ؟ .من المؤكد ان هناك حل ولكنها سياسة عض الاصابع الى منتهاها ،والوصل الى حافة الخطر،وهي سياسة وزير الخارجية الامريكي الأسبق (فوستر دالاس) حافة الهاويه.ونتذكر تصريح بايدن ان الأسلحة النووية قي يد عقلاء يقدرون مزالق الخطر ،ثم استدرك قائلا فيما عدا باكستان ،وهو مااستدعى احتجاجها فهل نراهن على العقلاء ؟.