الدراما ليست كتلة اسمنتية

سامر البرقاوي مخرج اجزاء الهيبة” والفيلم : الدراما ليست كتلة اسمنتية

يعرف سامر البرقاوي طريقه الى الدراما بالغريزة والعلم والعقل والتجربة . حين يقف وراء الكاميرا ، يعلو حدسه ليصل الى حدس العميان . سواء في التلفزيون أو في السينما . حدس بشفرات . اذ يعرف كيف يبدو منتجه عميقاً بدون حاجة الى ثرثرة ، إذا لم يقرأ بسطوحه فقط. لأنه حين يعمل يحفر بئراً بسموات عديدة . هنا حوار معه ، بعد ان صارت اجزاء الهيبة الخمسة سفناً تطوف بين الناس بعيداً من الأفكار الراسبة . وبعد اطلاق الفيلم السينمائي ، محققاً نجاحاً كاسحاً ، في الصالات اللبنانية والعربية .

الحصاد -ثمة شراكة بينك وبين تيم حسن ، قد لا يسعها شريط . شراكة لا تكذب على احد ، وهي لا تتوقف على الهيبة في اجزائها الخمسة وفي الفيلم السينمائي . كيف نستطيع ان نراها في خطوط العلاقة المفتوحة بينكما ، ريبرتواركم؟

_لم تحدث العلاقة على التهور . ذلك انني اعرف تيم منذ سنوات بعيدة ، منذ ان رصدته يقف في مجموعة من اعمال المؤسسين ، حين اشتغلت مساعداً في تلك المسلسلات . حين وجدته بحضوره . حضور واثق ، لا علاقة له بالتمرينات العصبية ولا بالركض المتسرع في التضاريس . حضور تيم حضور نمل يدب في المسام . هكذا شاهدته ، هكذا رأيته وهو يعمل مع مجموعة من المعلمين ، معلمي الدراما ، في “الانتظار” لليث حجو وفي “ردم الأساطير” لهيثم حقي وفي “صلاح الدين” لحاتم علي . ممثل يتسلق الأعصاب بروح تعبر السكك ، بنوع من التناسل المروض المشقات. هذه صفات جمعتنا ، هذه صفات لا تزال تجمعنا حتى اللحظة . لأننا اذا لم نجد حيلنا في الواقع ، نجدها في الخيال . لم احسب ، اذاك ، اننا سنلتقي في مجموعة من الاعمال الأشبه بالأسنان.

+ومتى ما عدت بحاجة الى عين تمدها اليه ، متى اصبحت صاحب يد ممدودة الى كريات دمه ، علاقة في جمل اشعلتها متعة العمل المشترك .

_ منذ “الأخوة “. بدا انني اتلصص على الفهم الذي سيقع بينا ، بعد ان مارست لعبة اصطياد التنين في تشيللو . لم تعد الجمل المشتركة متكسرة حين اخرجت ” تشيللو ” حيث وجدته مناسباً تماماً للتمدد في الفرصة الجديدة مع صادق الصباح وشركة سيدرز للانتاج . اقيمت الجمعة الصافية في تشيللو ولا تزال حتى الأيام الراهنة . وهي مستمرة . اخرها الأجزاء الخمسة للهيبة .

الحصاد-الفيلم في الصالات اليوم ، وأبرز ما فيه التكثيف البصري والروائي . وهذه قفزة ، حين تترك وراءك ١٥٠ حلقة عرضت على مدى خمس سنوات .

-شكراً على هذه الملاحظة . وهذ تهمني، لأنه ليس من السهل العمل على ساعتين هما ساعتا الفيلم ، بعد تمدد الهيبة على خمسة أجزاء ، اعتقد أنها أضحت اليوم ملحمة ، رواية من الروايات الشعبية . الفيلم شيء آخر ، لا علاقة له بجزاء التلفزيون . وهذا بحد ذاته يطرح تحديات على الإخراج في مساحاته المختلفة .

الحصاد- طرح الفيلم مجموعة من القضايا المخبأة ، كالاتجار بالبشر وتهريب الآثار ، بكاميرا اقتحامية؟ هل أنت سعيد باطلاق الفيلم .

_ نعم . الفيلم تحد آخر ، صورنا اجزاء منه في بيروت واجزاء في تركيا واجزاء في بلغاريا . اللغة بالفيلم ، بعيدة من لغة الأجزاء الخمسة التلفزيونية . لم يكن من السهل الذهاب بعيداً في فيلم الهيبة ، لولا الجهود الجبارة لفريق العمل . الإضاءة ، الصوت ، الممثلون .

الحصاد : اذن مادة الفيلم جديدة بالمطلق ؟

  • نعم مادة جديدة بالمطلق، سوى أن ثمة ممثلين بالفيلم لعبوا في اجزاء من الهيبة في جزئه التلفزيوني . حكاية جديدة واسماء جديدة الى مجموعة من الأسماء المعروفة في تنويعاتنا الدرامية .

الحصاد : لا تزال تتكلم على معلمين ، ولا تزال وفياً لما حدث لك معهم في تجاربهم وفي شقوق تلك التجارب . هل لا تزال في مساحاتهم . أم أنك في مساحة أخرى بعيدة بالمطلق عن أعمالهم

-بالضرورة . ولكنني الآن ، أعمل على مفهومي في التلفزيون والسينما . لا يزال هؤلاء في ذاكرتي وإحساسي . لا يمكن الوصول إلى المستقبل بانكار الماضي. لأن الشغل مع مثل هذه الاسماء ، ليس شغل لحظة ، ليس شغل لحظات ولا شغل تجريب حظ . الشغل مع هؤلاء المعلمين بعيد من مفهوم المباغتة وظلال الجثث او رقص التانغو . اذ ان هؤلاء علموا بي كما لا تستطيع ان تتصور . انا مدين لهولاء بالرعاية والنماء والتلويح بالأفكار ، كما لو انهم ايد تلوح من الغيم . انهم اصحاب بطاريات رموها في داخلي بسخاء . لا استطيع ان اقف على بعد من جملهم بعد ان مررت فيها . الخروج منهم لا عليهم ، خروج من العاصفة الى هدوء العاصفة ، خروج على تمريناتهم على تحمل المشقات والمصادفات . العمل معهم ليس مجرد توضيب فوتوغرافي ولا ملأ الجدران بالضجيج . لا كذب بالعلاقة بهم . لا كذب لا في ابيضهم ولا في اسودهم . الشغل معهم شغل بالرصاص ، بالاملاح العالية الجودة . لا يزالون معي ولا ازال معهم ، بعد ان نموتَ في جلوسي اليهم ، بالطريق الى حاجاتي الشخصية . إنها رحلة الفرد من البداية إلى تطوره واختلاف اهتماماته .

+كما حدث مع يسري نصرالله ؟

-اروي دوماً انني وجدت ان الصورة لن تكتمل الا اذا دفنت الحاجة الى تعلم الميزانسين . وقد وجدت ان تلبية الحاجة هي بالعمل مع يسري نصرالله ، لأنه مساعد يوسف شاهين /المعلم . معلم الميزانسين . هكذا ، حين صدقت الحاجة دفنت الشك ، بطلب العمل مع يسري نصرالله في “باب الشمس “( عن رواية الياس خوري). وإذ فعلت ، احسست بأن العمل معه، ما طلبته ، دخول في طريق ، جراحة في العمق. هذا جزء من شريط اقدامي الى تجارب الآخرين .

لم اعد نفسي مذ اشتغلت مع هيثم حقي والليث حجو وحاتم علي ويسري نصرالله . لكل ميزاته . وهي ميزات زادت من كثافة العلاقة بالدراما التلفزيونية من جهتي . الجلوس في اعمال هؤلاء جلوس في درامات رجال لا يميلون كما تميل الأشباح في طيرانها في شرايين العائلات . حدث ذلك منذ ازمنة بعيدة . واحسب انني لم اصب بتخثر الدم التلفزيوني لمًا انزلت علاقتي بهم في قصصي ودراماتي . لا ازال مديناً لهؤلاء. هذا كلام بساطة لا كلام تبسيط .كنت حالماً معهم ولا ازال حالماً مع نفسي.

الحصاد : هذا ما جمعك بهم . ما الذي جمعك بتيم حسن ، ولا يزال يجمعك به . لأنكم الآن تصورون دراما تلفزيونية ، سوف تعوض في شهر رمضان المقبل ، عنوانها : عاصي الزند .

-الكيمياء . لن يعوض الكيمياء شيء . لا ذكورة الواجب ولا توزيع الحلوى ولا تبين الدعاء . استطيع ان اقول انه الإنخطاف ، انه سقوط القلب في القلب ، علماً ان تيم حسن لم يعد على حاله. انه ما فوق المسام وما تحت المسام . تيم لا الإسم فقط . تيم عقل ، فائض عقل والبوم من الشخصيات الملعوبة والمختزنة. هذا الرجل سماء موهبة ، وسماء من الآدمية ، سماء من الشخصيات.

الحصاد : على الرغم من أن الكثيرين يتهمونك بالمساهمة في تنميط تيم في شخصية” جبل “. شخصية واحدة في اجزاء خمسة .

-لا علاقة للأمر بالتنميط . ما فعله تيم في “الهيبة” باجزائها الخمسة فعل محترف مؤمن . هذا لا علاقة له بالتنميط. هذه هدهدة للشخصية. انت نفسك في الشخصية بلا ريش على الكتفين وبلا نظارات ، بعد ان صنعت الشخصية . لامساومة هنا ، استطيع ان اؤكد لك .

الحصاد : اوافق على ما تقول . وبالعودة الى كلامك على الإنخطاف ، يحسب لتيم انه حافظ على انخطافه الدائم في لعب شخصية واحدة على مدى خمسة مواسم . هذا يحتاج الى صبر ، قوة، المكوث في نُزل العاطفة ، الرهان ، الإيمان ، الإمتحان ، الشحن . ما فعله تيم استثنائي فعلاً.

-لم يقلم تيم جسارته في الاجزاء الأخيرة من “الهيبة “. لم يخلف وراءه ثقته باجنحة الاجزاء، جزء وراء جزء. ولا اخفيك ، من انه يضجر من عاداته ( كما اضجر) . ثم ان التتالي منهك للروح ، منهك للعضلات . بيد ان “الهيبة” بقيت صالحة ، بعيداً من الاقفاص وبعيداً من السيركات . هكذا ، لم نقع في التأتأة ، مع فريق كامل من التقنيين والممثلين والإداريين ، من تحولوا من كثرة الحركة الى بريد يوزع البريد ، لا باقتفاء الآثار بل بالعبور فوق الغرائز الى كنس الظلال القديمة ورسم الظلال الجديدة بايد لا تنقص. انه فريق فتاك في البحث عن اللغة غير المخذولة ، لغة تغرد بلا ضجيج وبدقة واثقة. لا يدري سوى اصحاب الشؤون بالشؤون هذه . رجال وسيدات يحكمون قبضاتهم على الارض والهواء والملاحظة والاحصاء والذكاء في حقول من الالغام ، حولوها الى حقول من قطن في اصعب الظروف واقواها ، على الصعيد الاقتصادي والصحي ( الوبائي ). مدين لكل الخطوات المحسوبة والخطوات المفرطة الطيران من كل من اشتغلوا بالهيبة .

ما حدث لا يحدث لولا” سيدرز للانتاج” مع الاستاذين صادق الصباح وزياد الخطيب . انهم هم انفسهم ، هم الداعمون في بيروت او عمان او قاهرة المعز او باريس او جنيف . بقيا على تماس دائم ، وهما يقفزان فوق المصائد والعثرات .

الحصاد :التعاون مع الآخرين ، لاكتمال الحواس او حتى يصبح للاخطاء القدرة على تقدم الارباح المعنوية على الخسائر ؟

  • لن تعود اعمى ، اذا ما وجدت نفسك في حرائق هؤلاء الاساتذة . ذلك ان لكل شراكة نصيبها . هي الصورة بلا رغوة . وهو النظر الى الخلف حيث الأسفار في المساحات والعطل والقهقهات واعياد السعادة ، وتملك السحر بالاصابع المعكوفة على الاحلام والات التصوير في امداء ترميم المذاقات . انصهار اللحم باللحم والعظم بالعظم وامتزاج الدم حتى في شقوق الالسنة . لاحظ اننا لا نمتلك معاهد تعليم سينما . بغيابها ، لا نمتلك سوى بدلاتنا ، نتبادلها ونلبسها في التبادل ونحن نقف على كل الابراج بقدم واحدة لكل منا . غياب المعاهد والجامعات المتخصصة يغيظ. غيابها مغيظ . لا واجبات في الدراما التلفزيونية . بل انزلاق طازج ومباشر ، دائم ، الى مايسكننا ونسعى الى اخراجه الى سكنى الناس . ثمة التفاتات ماكرة في الدراما ، لا يراها من يقف على النوافذ او الابواب . لا يراها سوى من لا يرى الحجرات مجرد جدران بأبواب ونوافذ .

الحصاد :انصح نفسي بتذكر المناخات الايطالية في الجزء الخامس من “الهيبة” ، حيث استطعت ان ارى الموت في جنازة صخر ( وفي مشاهد اخرى) كصاحب سمو يضغط على الاحداث والأرصفة والهواء والأسباب ،كما لو انه انكسار مدينة او بادية او لسان . وهناك ما يمكن رده الى الماركة الاميركية المسجلة بالافلام الاميركية . ثمة لغة في “الهيبة” تستريح فيها السينمات والمناهج بحيلك ومعنياتك في نوع من التذكر الايجابي . لا مجرد جمل سكرانة ، بل جمل في ايقاع شخصي ، على ما احب ان اقول . انت تفهم ، لذا انت انيق . انيق بالعمل ، انيق بالفهم . واذا لا بد من سؤال ، من اين ، كيف جاء التأثر بالسينما الايطالية والاميركية ؟

-السينما الايطالية قبعة ، اول الكأس واخر الكأس . سينما العري الطارئ واللاطارئ. عري الهدوء والشخصيات والانفاق ، عري الزوابع . السينما الايطالية صفعة واضحة من الصفاء في حياتي . تثبيت اقدام على هذه السينما كمن يثبت نفسه على حبال من الرجز . لطالما احببتها . سينما بخدين. خدها الواقع ، خدها الخيال . منذ ان شاهدتها في اخر السهرات ، وهي تهرب من التلفزيون الأردني الى الارسال السوري عند كل فجر بعد ان تخفت حدة اعصاب الليل على الفجر . سينما معيدة الالق الى تلك الاوقات ذات الملمس الهش .

مارست السينما الايطالية عناية الممرضات عليَّ، بحركات سريعة وناعمة ، علمت التعب ان يندم فيَّ. لطالما احببت تورناتوري من يفرز بالعظام التهور في حب السينما ( وفيليني وفيسكونتي وسكولا..). تفهمك تلك السينما القصص باللمس . سينما باراديزو ايقونة ، “يوم خاص “وغيره . افلام تعيد الألق الى اول السطر . لا اعرف مدى تأثري بالسينما الاميركية . الا أنها ، في بعض تجاربها واسمائها وافلامها ، كسرت كل الصحون وهي ترقص كما رقص زوربا رقصته الأثيرة . يد السينما الايطالية يد مؤمنة في وعيي وجاذبيتي وتوضيباتي . بمستطاعها ان تدفعك الى تصديق الرصاص بالصور ، الى تصديق الحب ، الأمل ، الخوف، الحرارة ، بالصور . السينما الأخرى سينمات املاح .

الحصاد : ثمة كثافة في الهيبة / جبل ، ميلان الى التفاصيل ، عنف لا يشبه عنف المهرج ( جوكر ) ، كبريت في البيوت ، على الطرقات ، في الساحات ، رهان الفرد ، رهان العائلة ، العلاقات . عواصف باعمدة ( داعش واخواتها )، حيث يفنى الكثيرون اذ يتقابلون على العقل والشمس والقمر . ثمة احالات الى الواقع : الوضع المصرفي ، التهريب ، القوة، الانحناء امام فائض البياض بالصورة .

-هذا من يقين الواقع . الأسود في قميص ابيض والابيض في قميص اسود . كل شيء متكدر حتى الرتوش الخفيفة للاحداث . لايستطيع احد بعد

ان يقفز فوق الصور القاتمة على قتامتها . هل نتكلم على البهجة ، حين لا يحصد الانسان سوى الخيبة . الحكاية سهل مترام الأطراف يذكر بشيء طويل . الحرارة بالحزن ولا فرح الا امام المرآة. لا يمكن ان تنسى الطقس بعملك ، كيف تنسى الكائنات .

نحن لا نمتلك رأساً مليئاً بالنسيان . ابداً. نحن نرشح بفطرة الأشياء . هكذا ، كما نحلق الذقن كل يوم ، ندخل في الأيام كأطفال يتعلمون المشي في هذا القرن لا في القرن الماضي ، في هذه السنة لا في السنة الماضية ولو ان السنوات لا تخطئ بعضها .قد لا نفعل سوى ان نمد ايدينا لنجر هذا البطء اسرع واسرع ، نجره من قرنيه كأنما لنفهم حركته بطرق افضل ، لنفهم البشر الجدد ، او لنبني عمراً ثانوياً امام عمر يعبر بعجلاته امام عيوننا . اصعب الصور صورة قريب او زميل او رفيق او قريب مخذول . تجمدت الحظوظ ، لا بد اذن ان نرتجل فهم الألم وهو يقف على تخومه في قلب العالم ، معرفته ، وما سيفعل هذا الألم . ألم تراه يتمشى امامك في الصباحات والمساءات من اول الخريف الى اخر الخريف . التفاصيل مهمة لأنها جزء من رصيد المشهد ، النهار ، العادات . هل تستطيع ان لا ترى رؤوس اصابعك ، ان لا تسمع النبض فيها ، فقط لأن النبض في القلب . هذه من اقوال الطفولات المنقحة . لا صدر اذا لم تسكنه روح ، لا مصافحة بدون تواضع . ثمة عدم اذا جعت ولم تجد ما تأكله .هذا كلام لا يزركش الكلام .هذا كلام طالع من ارض تنساح في الارض ، في حياة كالاكورديون بطبقات عديدة ، تفتح على نفسها وتغلق على نفسها . التفاصيل ، ان تنام تحت سقف من واقع على ارض الخيال . ثم ان الدراما الواحدة ليست كتلة اسمنتية ضخمة تحيط بالجميع . الدراما مدينة مقدسة تستقبل المشاة وراكبي الآليات من يرغبون في مشاركتك اللعبة . الدراما محطة وصول ، الدراما محطة سِفر . محطة وصولهم ومحطة سفرهم . ذلك انها تجري على الأرض لا على قطع من الورق المقوى . ثم ان الدراما ان تصنع الدراما وان تملك القدرة على ان تتحرر منها . لن ينتظر المخرج ان يقضي اوقاته وهو ينتظر بثقة حدوث امر لا تقرره سوى الصدفة . الجواب عن سؤالك ، حين أصل الى موقع التصوير لا اصل كمتحرش يدور في حلقته المرعبة . اصل وفي جعبتي كل اطلالة ، الاطلالات الملتهبة والاطلالات العابرة . اصل وفي رأسي مونتاج اولي للقطة ، للمشهد ، ليوم التصوير ، منفتحاً على همم الارتجال . لا احب التحلق حول النفس .

الدراما ليست قافلة من المعدات والتجهيزات . الماء وحده لا يصنع المطر . واذا اردت ان تماثل طريقاً حقيقياً ، كمثال ، تزرعه بالحفر والنتؤات ، ليذكرك بأنه ما أن انجز حتى امتلأ بها . الدراما ليست في التشابه وحده ، الدراما بالقدرة على التذكر . ان تدرك ان البداية في النهاية . ما ان تدرك النهاية حتى تستدير لتبدأ من جديد . شاحنة ضخمة تسعى لتجاوز شاحنة ضخمة اخرى .

الحصاد :وعلى ماذا يقوم الهيبة/ الفيلم ؟

-إنه يحتوي عناصر من الحياة الاجتماعية والثقافية والفنية والنفسية والعاطفية بطريقة اخرى . مرآة عاكسة على جري الأمور ، نتيجة عوامل مختلفة يشارك في صنعها الانسان والعلم والفن . رصد ظواهر والانتقال بها من جانب الى جانب .

الحصاد : من التلفزيون الى السينما؟ .

-بعكس ما يحدث بالعادة . السينمائيون يذهبون الى انجاز درامات تلفزيونية . اذهب الى السينما كما يفعل عاقل لا يريد ان يعيش في الماضي وحده . لا انسى كي اتذكر ولا اتذكر كي انسى . الآن ، نحن في تجربة جديدة ، قاسية ، ممتعة، دوارة على عدد من المدن والمحافظات . بيروت وحمص واللاذقية وحلب. دراما طويلة وعميقة.

الحصاد : دراما تاريخية ؟

-دراما تضع اصابعها في التاريخ . ولكنها لا تواؤم وهي ترويه .