صالون نوال الحوار 15 الثقافي  يعيد الحياة إلى بيروت

بيروت من ليندا نصار

 لطالما كانت للحركات الأدبية أهمية كبيرة في إثراء المشهد الثقافي في لبنان والدول العربية، فاللقاءات والنقاشات والأنشطة والفعاليات التي كانت تعقد، مثلت دورًا مهمًا في توسيع دائرة الثقافة والأدب والنقد.

يدفعنا البحث في هذا الموضوع إلى التفكير في تمثلات الأدب في المشهد الثقافي اللبناني الحديث خصوصًا. ونذكر هنا “مؤسسة الفن والأدب” التي كانت تعد من الدور الثقافية البيروتية والتي احتضنت فيها جنين ربيز الأنشطة الثقافية والسجالات النقدية ومنها بشكل يومي ما أدى إلى تبادل الأفكار وتوسيع وجهات النظر حول الأدب والفن والحياة.

في هذا السياق نتطرق إلى صالون الشاعرة نوال الحوار الثقافي الذي يعد من المجالس الأدبية التي انطلقت بعد انفجار مرفأ بيروت وتأمنت له الاستمرارية بجهود شخصية من الشاعرة نوال الحوار ابنة القامشلي التي حملت همّ الثقافة منذ أن جاءت تتخصص في الدكتوراه في بيروت، وبدأت نشاطها من خلال عملها كمعدة ومقدمة برامج في الفضائيات العربية.

وتعتبر نوال الحوار أن الشعر مرتبط بوجدانها والكتابة هي هاجسها الوحيد والقراءة هي السلوى بالنسبة إليها.

وعن الصالون بشكل عام تقول نوال الحوار أنّ فكرته انطلقت من “مظايف” البادية أي أنّها ليست فكرة حضارية جديدة، ففي تلك المضايف/ المظايف، كانت تعقد حلقات النقاش والربابة والحكايا والأساطير التي شكلت وعي الناس آنذاك.

وفي التفاصيل تقول نوال الحوار:” بعد انفجار مرفأ بيروت وهجرة أهل المدينة وانكفائهم، قررت عقد جلسات ثقافية نستدعي فيها الأخوة العرب من العراق والسعودية ومسقط والسودان  واليمن ومصر… احتفينا بتجارب عربية عبر إقامة فعاليات ثقافية بحضور لافت للشاعر شوقي بزيع والشاعرة الإعلامية لوركا سبيتي والدكتور محمد وهبي وغيرهم من المثقفين والناشطين، وذلك لتبقى بيروت كما عهدناها المدينة التي لا تموت. ثمة مدن طاردة ومدن مستقطبة وبيروت هي المدينة الحاضنة التي تستقطب الناس بمحبتها. بيروت الحنون على كل من لاذ بها، وأنا مشيت على خطا غادة السمان وغسان كنفاني وعبد الوهاب البياتي والماغوط… الذين لاذوا ببيروت المنارة. ومن الفعاليات التي تبناها الصالون المبادرة العربية للسلام وهي مؤسسة غير ربحية تعنى بثقافة السلام وقد حضرت الفعالية شخصيات مهمة من الوسطين السياسي والثقافي، كذلك أقمنا فعالية كانت بمنزلة “تحية إلى مظففر النواب” بالإضافة إلى الأمسيات الشعرية التي تصحبها موسيقى العود.

 أسماء كبيرة مرت على الصالون وعناوين عريضة طرحت، إيمانًا مني بأن مشوار الميل يبدأ بخطوة، وسنستمر في تقديم ما يرتقي بالذائقة العربية والثقافية الأصيلة.”

وفي فعالية خاصة، احتفى صالون نوال الحوار الثقافي بالشاعرة سهام الشعشاع، وقد قدّمت للأمسية بمقال حول تجربتها.

“سأفتتح بقول يعنيني جدًّا للشاعر البرتغالي فرناندو بيسوا : “الشعر يقول كلّ شيء” أظنّ هذه الكلمات كافية لتؤدي صورة غير مبالغ فيها عن هذا العالم…

فالشعر هو ذاك الاهتزاز الذي يفرّق الشاعر عن غيره في دائرة من الوعي الذي يضعه في خانة من اللامألوف. يعيش الشاعر حيواته في عالم يستنطق فيه الأثر من خلال غوصه في تفاصيل الوجود وهو في حالة من الإلحاح على حقّه في مواصلة الأحلام.

الأحلام؟ وما هي الأحلام؟ هي تلك المنطقة التي يتشابك فيها الزمن ويأتي منها الشعر ممتزجًا بعوالم الشاعر الماضية والحاضرة بين الوعي واللاوعي. لا بدّ لتلك الرعشات من أن تؤدي إلى اكتشاف الحيوات الممكنة والسير في طريق نهايته حبر يفيض في حالات الفيضان الشعوري.

هذا الاندفاع نحو الحبر هو الذي يميز شاعرتنا ويمنحها الحق في مواصلة الأحلام والكتابة…

وماذا بعد؟ ربما تكون دعوة إلى القليل من التفكّر في أحوال الشعر الذي يجمع المشاركين، كثمرة لهذه الأمسية:

تساؤلات كثيرة يطرحها المعنيون بالثقافة والقراء منها: إلى أيّ حدّ يحتاج الشاعر إلى الشعر اليوم في ظل التفكك الذي تعيشه الروح الإنسانية والتي باتت ديكور غير نافع؟ وإلى أيّ مدى يمكن اعتباره معنيًّا بمجتمعه في هذه الأيام الغريبة التي نعيشها؟ وهل لديه مهمة أو رسالة حقًّا للتأثير بالعالم وتغييره أو تحسينه؟ وهل يملك الشعراء القدرة على ذلك فعليًّا؟

لا مراء في أنّ الشاعر لديه القدرة على قول كلمة الحق لإعادة ترسيخ القيم في مجتمع غابت عنه الروح وصار ينحى نحو عالم جديد لم نعهده من قبل. فما معنى أن تكون شاعرًا أو أن تكتب قصيدة إنسانية يحتاج إليها إنسان اليوم؟

وبالعودة إلى الشاعرة سهام الشعشاع، هي شاعرة لماحة تضيء عتمة المستحيل وتستحق الاحتفاء بتجربتها وهي تشيد عالمها الخاص غير معنية بأننا كنا على موعد مع إبداعيتها التي تجاوزت فكرة الحدود والتي تتقاطع مع الأثر الإنساني الذي لا يمحى، وإذا كانت بيروت ودمشق صنوان في الفرح والحزن فسهام الششعاع تشع من روحها تدفقات المعنى في استعارة الكون..

    إنّ المتأمّل في تجربة الشاعرة سهام الشعشاع يجد نفسه أمام عبارات تفتح باب المعنى بممكناته على مساحات التأويل. فالشاعرة تستنطق ذاكرتها وتغرف من التجارب الحياتية ومن ثقافتها لتؤدي رسالة معنية بها إنها تكتب تعبيرًا عن الذات الشاعرة والمرأة والحب والوطن… بل تعتني في قصائدها بقضايا الإنسان وهشاشته بتركيبته البسيطة والمعقدة وبمشاعره ومناطقه الغامضة والمكان الذي شكّل أساس تكوينه ووعيه.

    الشاعرة التي تنحو منحى إبداعيًّا تمنح مخيلتها فرصة الانطلاق بحرية وسط عوالم لغتها التي تتجلى في اللحظات الإشراقية للكتابة. فتتناول  في قصائدها ثيمات منها الذاكرة والأحلام والحب في مناخ قد يطغى عليه الحزن… هذا الحزن الذي تلده الذكريات والحنين إلى الوطن، وبالرغم من ذلك، تراها تنطلق من جديد محمّلة بدفعات من الأمل. لا يغيب الموت عن تجربة الشعشاع فهي تجسد قصصها وأحلامها وتخلق عالمًا واسعًا تتجلى فيه الذات الشاعرة لتعبر عن رؤية خاصة بشتى مناحي الحياة. تنظر إلى مرآتها كفعل محاكاة تدعوها للمقاومة وسط تأكيد لهويّتها إنها المرأة التي تغلب الوحدة، وبعد كل جرح ولن أسميه سقوطًا تراها تعود أقوى من خلال القصيدة.

    تحمل الشاعرة جرحًا كجرح الأرض ومن يشفي هذا الجرح من يعيد المدائن إلى أصحابها أراها تكتب الحنين إلى الوطن المكان الأول المتشابك تشابكًا تامًّا بزمان الطفولة. وهي تبحث عن معنى الحياة في وطن ما زالت طفولتها عالقة فيه…  ومن منّا لا توجعه الذاكرة المحمّلة بالرغبات والأحلام المؤجلة الآتية من وطن الطفولة؟

    تستمد الشعشاع معجمًا غنيًّا يحمل عناصر الطبيعة تهديها لرجل يجبلها امرأةً من طين وماء امرأة من حب وعشق يخفّف من ثورتها يطوّعها لتتحول إلى قصائد من نساء يثنين صفحات الأسى ويعبرْنَ.

    لعلّنا هنا أمام امرأة من زمان آخر… امرأة  بألف امرأة تنظر إلى مرآتها دومًا تحاكيها تكتشف أشياء جديدة كانت غافلة عنها… تحمل شقاء النساء لتعبّر عنه على شكل أشعار لطالما احتفظت فيها في ذاكرتها وعقلها. هي المرأة الثائرة وثورتها على من لا يعطي للقيم اعتبارًا، إنها تلك التي تتمتع بالثنائيات المتعارضة والتي تكوّن شخصية وطبع امرأة حادة وليّنة في آن، بل هي الثورة والهدوء، القوة والضعف… تلين أمام الحب والوفاء.

قصائد سهام الشعشاع متعة مزدوجة، كأس من الحب الدمشقيّ البيروتيّ وشاعرة تختزل الشعر بحضورها أينما حلّت.

هنا قصيدة لها:

جرحي كجرحِ الأرضِ ليس يطيبُ

ما ظلّ كي أبكي عليَّ نحيبُ

واذا استدرتُ إلى البلادِ لأقتفي

أثرَ الحياةِ فما سواي غريبُ

كلُّ المدائنِ غيّرت أقفالَها

من لي ببابٍ إن طرقتُ يجيبُ

ما عادَ لي ألا نشيجُ أحبةٍ

يأتي كأنثى البرقِ ثم يغيبُ

وتأوّهٌ في الروحٍ يثقلُ أنّتي

قلبي عليَّ معذّبٌ وكئيبُ

قاموا جميعاً للخلاصِ كأنما

وحيٌ تبدى في المدى وصليبُ

علّقتُ في المرآة وجهَ طفولتي

وحدي الفتيةُ والزمان يشيبُ