هل هو حاجة أم أسلوب حياة
علم الطاقة والأرقام مفردات انتشرت في السّنوات الأخيرة على امتداد العالم .أمّا بالنسبة لجذور هذا المصطلح وتعريفاته فهي كثيرة ،ويُعتقد أنّها تعود للدّيانات الوثنية.وهي تَرتبط مباشرة بحاجة الانسان للتوازن وإيجاده لوسائل تُمكّنه من السيطرة على داخله،في ظلّ الأزمات والتحدّيات التي تُواجهه في مسيرته الحياتية،كذلك فإن الانسان يبحثُ دائماً عن “مُخلص”على هذه الأرض ليُصدق فكرة الحياة،وينسى نهايته المُتمثلة بالموت،وكي لا تغدو حياته خاوية أو دون مضمون .
لقد بيّنت الدّراسات أنّ علم الأرقام له علاقة مباشرة بالرياضيات وبالطاقات التي تُحرك حياتنا،نحو الأفضل أو الأسوأ على حدّ سواء.وهي ترتبط إلى حدّ كبير بتاريخ ميلادنا وبأحرف إسمنا،التي توضح بحسب الأخصائيين نقاط قوتنا وضعفنا،وتُعطينا بعض العلامات والدّروس عن بعض القضايا والأعمال التي يُمكننا أن نخوضها بنجاح.
أمّا بالنسبة لعلم الطاقة،فإنّه يُقدم حلولاً للمشاكل الناجمة عن العلاقات الاجتماعية أو العاطفيّية السّامة،أوحتى العلاقات الزوجية غير المُستقرة،والتي يسعى طرفاها للانفصال،وذلك من خلال اتباع استراتيجيات معينة،من شأنها التخفيف من حدّة المشاكل،في حال عدم وجود مرض نفسيّ خطير بين الزوجين المُتنازعين.
يَعتمد علم الطاقة،بعض الآليات النفسية بهدف زيادة الطاقة الإيجابية،والتّخلص من الأسباب المُحبطة،وذلك من خلال الابتعاد عن الأشخاص المُتسببين في الكآبة،إضافة إلى ضرورة الابتعاد عن التفكير الزائد وعدم تضخيم المواضيع،حتّى لا تؤدي بصاحبها إلى الأرق أوالفوبيا المرضية.
لكن علاج مثل هذه الأمور،يجب أن يتم على أيدي مُتخصصين،لأنّه في كل علم من العلوم يوجد تجار ودجالون،يدّعون معرفة لا يمتلكونها،فيستغلون الناس المأزومين،ويبتزونهم ماديا ومعنوياً،بحُجة امتلاكهم عصاً سحرية،تُمكنهم من حل مشكلاتهم المُعقدة،لكنهم في النهاية يخسرون مالهم،بينما تزداد أمورهم تعقيداً.
إن الأساليب التي يلجأ إليها مثل هؤلاء الدّجالين،هي أساليب نفعية،ولا تعتمد على أيّ منطق علميّ أو تقنيات مدروسة.
من هنا،يَتبيّن لنا أنّ معظم النّاس في العالم العربيّ يلجأون الى مثل هؤلاء التّجار،لحل مشاكلهم وهي نفس الطريقة التقليدية،التي توارثوها عن أجدادهم،وما يحصل في النهاية ،أن الأمور تُغدو أكثر صعوبة ومأساويّة.إذ يطلب “الساحر” أو “الشيخ “طلبات غريبة،ويُجبر المستجرين به على القيام بأشياء لا يقبلها العقل،مقابل شفائه من الجن والعفاريت،ومن سطوة الآخرين،وبذلك يُنفذ الضحايا “المغرر بهم “ما يُطلب منهم،مشيحين بأنظارهم عن الحلول العلمية والواقعية لمشكلاتهم الجسدية والنفسية.
من المهم أن نعرف أنّ تَشبث الانسان بالخرافات والمخلوقات الخفية،قديمٌ للغاية،أي منذ تواجده على الأرض،فقد آمن الانسان الأول بالقوى الطّبيعية الخارقة،كالشّمس والقمر،وأقام لها تعازيم و احتفالات طقوسية مختلفة ،كذلك خشي من النار،وتَعبد لها ،ورمزلكل ما هو مجهول باسم الله،وبنى الطواطم للحيوانات المفترسة،فعند الرومان مثلاً،كان هناك اله للخمر،وآلهة للجمال،وأخرى للخصوبة،مع العلم أنّ مكة كانت مليئة أيضاً بالأصنام مثل اللات والعزى،وذلك قبل انتشار التّعاليم الاسلامية .
أمّا فلاسفة الاغريق فقد اهتموا كثيراًبعلم الفلك ،وقد كان علماً نظرياً،بعيداً عن التجربة ،لما للسماوات والكواكب من تأثير على الانسان ومزاجه،ولما لها من دلالات تَصبّ في خدمة العلوم والرياضيات وغيرها من العلوم الوضعية.ومن أوائل فلاسفة الاغريق الذين اهتموا بالفلك،كان اليونانيّ طاليس،وهو من مؤسسي علم الطبيعة والفلك والنجوم والتنبؤ بكسوف الشّمس.وقد تأثر الاغريق بعلوم البابليين والمصريين القدامى في نظرياتهم حول حركة الكواكب ومحيط الأرض .
أمّا بالنسة لعلم النفس فإنّه علم حديث،مهمته في الدّرجة الأولى هو تشخيص الأمراض النفسيّة،وعلاج المُصابين بها بطرق علمية مُثبتة،وربطها إلى حدّ كبير بمشاكل الدماغ والأعصاب،وذلك بُغية مساعدة المريض على الشفاء من أزماته،وعدم تَسبّبه بالأذى لنفسه أو للآخرين.
من هنا يَقع على عاتق الدول،تأهيل الأفراد للتخلص من تأثير كل من الخطاب الدينيّ القائم على الخرافة والدّجل،من خلال سن قوانين حديثة واتخاذ عقوبات صارمة بحق مثل هؤلاء المخادعين.وبهدف لجوء الناس إلى أصحاب الاختصاص لعلاج مشاكلهم النفسية،التي تكون مُرتبطة بمعظمها،بالطفولة المُبكرة،أوبالمفاهيم الاجتماعية الموروثة.
إذا كان الأوروبيون في القرون الوسطى وقبل ظهور علم النفس،قد عمدوا الى معالجة المرضى في الكنائس والأقبية بالضرب،لإخراج الشياطين من الجسد والروح،فإن العالم العربيّ لا يزال حتّى الآن في بعض مناطقه،يُمارس بعض المُخادعين فيه، حيّلاً لعلاج الممسوسين،كما يُسمونهم ،والذين ليسوا في النهاية سوى ضحايا المرض النفسيّ أو العقليّ من جهة،وضحايا الخرافات وتنمر المجتمع من جهة أخرى.
وبالعودة إلى عالم الطاقة،فإنه مرتبط بعالم الفيزياء،وهو يَعتمد بشكل كبيرعلى داخل الانسان وما يعكسه من ذبذبات قد تكون ايجابية أو سلبية.إنّ هذه الطاقات بمعظمها على ارتباط بحركة الكون.
ويُطلق أيضاً على علم الطاقة،علم “الريكي” أو”الهالة”،وهو علمٌ لا علاقة له بالتنجيم أوبالأبراج،سواء أكانت تابعة للهواء أو الماء أو التراب،أو تلك الصينية منها، بل هو يعتمد بالدرجة الأولى على تدريب الأشخاص على نمط حياة صحيّ ،ويَعتمد أيضاً على بث الطاقات الإيجابية،ورفض كل ما يمت إلى السلبية مهما كان مصدرها،ويؤكد على ضرورة التعامل الإيجابيّ مع الأحداث والمشاريع،وتمكين الشخص المُحبط والعاجز من التغلب على مشاكله بطريقة ذاتية،وذلك من خلال تقوية شاكرات الجسم،ومن خلال التناغم مع الكون.
ويؤكد كذلك على أهمية التواصل الروحيّ مع الخالق.وعلى ضرورة التوازن في كافة نواحي الحياة،والتآلف مع عناصر الطبيعة،لما لها من تأثير ايجابي على النفس المتعبة من العمل وهموم الحياة.
من هذه الزاوية،يقضي الكثيرون من محبي اليوغا أوقاتا طويلة في أحضان الطبيعة،بُغية التأمل واكتشاف الذات وتنقيتها من شوائب الحضارة، ويَعتمد الشفاء أيضا على التخلص من مشاعر الكراهية والحقد،وضرورة انفتاح القلب على مشاعر الحب والايجابية والتصالح مع الماضي.
يحث علماء الطاقة المجتمعات على ممارسة الرياضة والهوايات المختلفة،بهدف إزالة التعب والتوتر من الروح والجسد والفكر.إن مثل هذه التقنيات والممارسات،من شأنها الحدّ من الأمراض النفسية والاجتماعية المتنامية،وتُسهم في تطور المجتمعات،والتخلص من الافكار الرجعية ،القائمة على الخرافات والأساطير.
بالاضافة إلى كل ما سبق،فإن علم الطاقة يُحرض الناس،على الاعتماد على الحدس وعلى الحواس،والوصول إلى مهارات ذاتية،تُمكن الافراد من حل مشاكلهم دون اللجوء الى الاصدقاء،الذين قد يزيدون الطين بلة،بسبب عومل الغيرة والمنافسة وما يترتب عليها من أضرار.
إن الهدف من علم الطاقة،هو تنظيم الحياة لتُشبه باقة من الورود المتناسقة،وكذلك تنظيم الوقت ووضع الأهداف والسعي الى تحقيقها،ويحث بدوره على تطوير الشخصية وتغذيتها بالثقافة والعلم والايجابية،ويُشدد على ضرورة متابعة ذوي الاختصاص وجلسات الارشاد،سواء أكانت حضورية او عبر الميديا والمواقع الالكترونية .ويؤكد على ضرورة اللجوء الى الفنون على أنواعها للتخلص من المشاكل العاطفية والعائلية .والى ضرورة تغيير الالوان وديكور المنزل من حين لآخر،والتخفف من الزوائد،والحفاظ على مساحات خضراء،لما تضفيه من ايجابية على الجو العام ،ويمكن أيضا اللجوء الى الاحجار الكريمة لما لها من تأثير على الجسد،والتركيز على نوعية الاضواءالتي تسهم في سحب الطاقات السلبية من البيت.
إن كوتش الطاقة يؤكد على ضرورة التركيزعلى نقاط القوة،والاندماج بشكل سليم في المجتمع.إن كل هذه المعطيات تعتمد على نجاح تجارب شخصية سابقة،من خلال اتباعها لذات الخطوات.ويُشدّد أيضا على ضرورة صقل الذات لمواجهة الواقع بعقلانية وترو،بعيدا عن الانفعالات العاطفية والثرثرة،وعلى ضرورة التخطيط لمستقبل ناجح من خلال اعتماد الايجابية والابتعاد عن العومل والاشخاص المُحبطين.
وفي حال لم يستطع بعض الاشخاص التعافي أومتابعة حياتهم بشكل سليم،فإنه يُنصح بزيارة الاخصائي النفسيّ للوقوف على تشخيص مرضهم ،اذ يلجأ المعالج الى تقنيات عيادية وروائز معينة لتحديد المشكلة وتحديد طبيعة الأعراض،تمهيدا لعلاجها من خلال الجلسات ،مع امكانية اللجوء الى الأدوية في بعض الامراض الشائعة كالبارانويا والفصام ،حيث قد تصل خطورة العوارض الى الانتحار او ارتكاب الجرائم.وعلى الأهل عدم الاكتراث بنظرة المجتمع حيال المرض النفسي.وضرورة التصدي لأشكال الابتزاز التي ازدادت في الآونة الأخيرة،بسبب انتشار التكنولوجيا والعالم الرقمي.
وبهدف تقديم مزيد من التوضيحات حول أهمية علم الطاقة في حياتنا،كان لاخصائية الطاقة العراقية لقاء كفائي،الحائزة على شهادات تخصصية في علم طاقة الحياة من أكاديمية “كايزن البريطانية”،رأي علمي خاص بهذا الموضوع أحبت أن تُشارك فيه قراء مجلة الحصاد.
تَعتبر لقاء كفائي أنّنا كبشر نمُر بمراحل مختلفة لنتعلم كيف نُفكر , وكيف نوازن حياتنا لكي نصل إلى نتائج صحيحة وواضحة. فكل واحد منا عرف أوقاتاً صعبة ومرّ بأزمات كبيرة دون أن يستطع يتمكن من إيجاد الحلول أو تقديم العون لنفسه. لذلك فمن الضروري أن نعرف كيف نبدأ ومتى، وكيف نتحرر من مشاكل الماضي وتأثيراته السلبية.
تَعتبر لقاء أننا نحتاج إلى الكثير من الصبر والتّحدي ، وأن نمنح أنفسنا فرصاً للتغيير .كذلك علينا أن نُفكر ونسأل أنفسنا:” لماذا خُلقنا ؟ وما هي الطريقة الأنجع لمساعدة ذواتنا كي نحيا حياة سعيدة.
وتُضيف لقاء أنّه من الضروريّ إعادة هيكلة أفكارنا من خلال خوض عجلة حياة صحيحة ومُتوازنة من كافة النّواحي .
كما أن علم الطاقة بالنسبة لها هو معرفة كيفية عيش الحياة من خلال الوعي، ومن خلال دراسة نفسيات الآخرين، ومعرفة الغاية من وجودنا في هذا العالم، إضافة إلى كيفية تعاملنا مع الأزمات التي نمر بها ، وكيف نُعطي ونًسامح ونعيش بسلام .
وهي تؤكد على الفروق الكبيرة بين التنجيم وعلم الطاقة , باعتبار أن الأخير مُستمدٌ من طاقة الكون التي نستمدها بدورنا من الله . وهي طاقة مرتبطة بالعناصر الأربعة للوجود , المُتمثلة بالهواء والماء والتراب والنار . لذلك فإن ملوك روما عمدوا الى إخفاء علم الطاقة عن عامة الشعب , ليقتصر التمرس به على الملوك وحاشيتهم فقط ..لكن مع مرور الزمن أصبح هناك متخصصون في هذا العلم ،عملوا على تطويره وتنقيحه ونقله إلينا بطريقة سهلة . وكانت الخطوط الرئيسية لهذا العلم تشتمل على صياغة الحياة السليمة ،والعيش بسلام روحيّ على كوكب الأرض ، من خلال الخير والمحبة والتسامح ، وهو ما يتطابق إلى حدّ كبير مع الكتب السماوية.
لذلك فإن من الضروريّ معرفة أنفسنا، كما يقول سقراط , فضلاً عن تصحيح أفكارنا وأخطائنا، والتّخلص من السّلبيات ، وإيجاد الحلول المناسبة والدقيقة للأزمات التي نمر بها، لتسير عجلة حياتنا بصورة صحيحة ومنطقية.
وتؤكد لقاء أيضاً أنّه يجب أن لا ننسى أننا خُلقنا من روح واحدة، هي روح الله العليا، لنتَبادل الخير والمحبة والعطاء، وكي تسير أمورنا نحو الوعي الشامل، وذلك من خلال اتباعنا لمنهجيات معينة فيها الكثير من قوة التّحمل والصبر .
وكأخصائية طاقة تقول لقاء: تعلمتُ أن الحياة هي عبارة عن أخذ وعطاء . فما نَعطيه من خير , ولو كان مجرد مشاعر وأحاسيس ، سيرجع إلينا أضعافاً مَضاعفة. لذلك فنحن نحتاج إلى الشعور بالسلام الدّاخليّ ، لكي نعيش براحة وأمان وسكون روحيّ . وعلينا أن نتمنى الخير لغيرنا ، حتى أولئك الذين تسببوا لنا بالأذى ، وذلك هو الشرط الأهم لمحبة أنفسنا , ولقدرتنا على بناء علاقات صحيحة مع الآخرين .
أمّا بالنسبة للتقنيات والمنهجيات المُعتمدة في هذا العلم فهي كثيرة , وأبرزها تمرينات التأمل والتنفس الصحيح ، وذلك من أجل بناء روح سليمة من الدّاخل . إن مثل هذة التقنية تُساعدنا على الوصول لارواحنا الحقيقية ومعرفة خباياها.والتّخلص من الافكار التي تُسبب الأذى . كما أن جلسات الطاقة المُتبادلة تساعدنا بالقطع على برمجة عقلنا الباطن، وعلى تصحيح علاقتنا بالكون . إن مثل هذه التقنيات تُغيّر حياتنا نحو الأفضل ، وتجعلنا نفهم الآخرين المختلفين ، ونتصالح مع ذواتنا قبل البدء بعملية التغيير .
أمّا عن النصائح التي تُقدمها لنا لقاء ونحن على أعتاب سنة جديدة , فهي أن نضع أهدافاً مُحددة وواضحة ونسعى جاهدين لتحقيقها، وأن لا نحمل مشاكل السّنوات الماضية إلى مخططاتنا الجديدة. كذلك فهي تحثنا على البدء بالتغيير للأفضل والمشي بخطوات واثقة، والتركيز على الجوانب الإيجابية , وترك كل ما يُعيق تقدمنا.
إن علم الطاقة , أخيراً ,هو جزء لا يتجزأ من الكون بكافة عناصره وأطيافه . ونحن كبشر نحتاج للإيمان بكل ما يمنحه لنا هذا الأخير من قدرة على المحبة والغفران والتسامح ونبذ الكراهية . وهو يمكّننا من أن نعيش بطمأنينة، بعيداً عن الحروب والنزاعات ، ونُنقذ أنفسنا من شرور النفوس السّامة والمريضة ، ونحيا في سلام داخليّ لا حدود لمفاعيله .