عودة النازحين السوريين تنتظر الحل العربي

برغم جهوزية لبنان وسوريا لترحيل الراغبين

 وضعت الحكومة اللبنانية مؤخراً ملف عودة النازحين السوريين “الآمنة”  الى ديارهم على نار حامية، بخاصة بعد عودة سوريا الى مقعدها في جامعة الدول العربية، ووضعت خريطة طريق او ورقة عمل تفصيلية حملها وزير الخارجية عبد الله بو حبيب الى مؤتمر بروكسل في شهر حزيران الماضي، ووزير شؤون المهجرين عصام شرف الدين الى دمشق، للتباحث في كيفية تنفيذها. لكن مع إبداء سوريا كل الاستعداد للتنفيذ، جاءت العرقلة من الاتحاد

بوحبيب في بروكسل ليونة وتفهم

الاوروبي في مؤتمر بروكسل ومن الادارة الاميركية، برفض العودة من دون شروط سياسية تتعلق في جوهرها بكيفية الحل السياسي للأزمة السورية، وليس لأي سبب آخر انساني او امني او إجرائي.

   وقد اكد مجلس الوزراء اللبناني في جلسة له منتصف حزيران الماضي،  “موقف الحكومة المبدئي والنهائي بوجوب عودة النازحين السوريين الى بلدهم عودة كريمة آمنة، تنسجم مع القرارات الدولية، لاسيما مع القرار 2254، مع ما يستدعيه ذلك من تنسيق مباشر مع الجانب السوري من خلال وفد وزاري برئاسة وزير الخارجية والمغتربين وعضوية وزراء: المهجرين، الشؤون الاجتماعية، العمل، الثقافة، السياحة، الزراعة، الإعلام، الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع، والمدير العام للأمن العام، على أن يكون له أيضا مهمة  التنسيق مع اللجنة المشتركة لجامعة الدول العربية بشأن سوريا”.

الخطة اللبنانية

وقد اقر مجلس الوزراء ورقة العمل الحكومية التي طرحت في مؤتمربروكسل وبالإجماع بعد تعديلها بإضافة 3 بنود عليها، وهي  خطة عمل ثلاثية الأبعاد،  رؤية قصيرة المدى، متوسطة المدى وبعيدة المدى. وتستند الى تقسيم النازحين السوريين في لبنان الى أربع فئات حسب وضع كل فئة. وتتناول هذه الورقة حسب ما قالت مصادر وزارية لـ “الحصاد” كل ما له علاقة بإدارة الملف ومعالجته وتنظيمه بطريقة بناءة وشفافة، تعمّق التواصل والتعاون مع المنظمات الدولية وتحفظ سيادة لبنان”. وتحدد الورقة بالتفصيل المساعدات المطلوبة من الدول المانحة في مجالات التعليم والصحة والبنى التحتية والبيئة والاتصالات والطاقة وتحفيز النمو وتوفيرفرص العمل للبنانيين.

وافادت الورقة اللبنانية او “خطة لبنان للاستجابة لأزمة النزوح”، أن كلفة النزوح لغاية 2018، وفق تقرير البنك الدولي، وصلت إلى 18 مليار دولار. وأشارت الخطة إلى بلوغ الاحتياجات منذ عام 2013 إلى عام 2022، 25.54 مليار دولار. وحصل لبنان على 12% فقط من التمويل الكافي لسدّ الفجوة المالية، ما من شأنه أن يفسر تراكم الأكلاف على مالية الدولة والمرافق العامة والسلطات المحلية.

وطلبت الخطة من الدول المانحة والمنظمات الدولية، العمل مع لبنان من أجل تخفيف التداعيات والأعباء عن المجتمع اللبناني المضيف.

وقد حمل وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بوحبيب هذه الورقة وطرحها على مؤتمر بروكسل. لكن برغم الكلام الاوروبي “الايجابي” العام عن ورقة العمل، إلّا ان الوقائع اثبتت ان الاتحاد الاوروبي غير راضٍ عن رغبة لبنان في دفع ملف العودة الى الواجهة والتنفيذ، حيث ان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل اعلن خلال المؤتمر أن “الاتحاد الأوروبي لن يختار مسار التطبيع مع النظام السوري، وبالتالي عودة النازحين السوريين إلى بلدهم غير ممكنة حاليا. والاتحاد لن يدعم عودة السوريين إلى بلدهم ما لم تكن عودة طوعية وآمنة وخاضعة لمراقبة مجموعات دولية”. واثار هذا الموقف انتقادات رسمية وسياسية لبنانية حادة لموقف الاتحاد الاوروبي الذي بدا انه يعرقل عودة النازحين لأسباب سياسية.

  ومع ذلك تعهّد الاتحاد الأوروبي بتخصيص 560 مليون يورو (600 مليون دولار) لمساعدة الدول المجاورة لسوريا على تحمل تكاليف استضافة اللاجئين السوريين. وتعهدت الولايات المتحدة الاميركية بتقديم 920 مليون دولار، وبلجيكا بتقديم نحو 30 مليون دولار، لكن لم تعرف حصة لبنان من هذه المبالغ ولامتى ستدفع!

بوحبيب: الحل العربي

الوزير بوحبيب قال لـ “الحصاد”: ان الحل لعودة النازحين ينتظرما ستقرره اللجنة العربية التي شكلتها القمة العربية الاخيرة (التي عقدت في مدينة جدة السعودية في شهر ايار / مايو الماضي). وهي ستعقد اجتماعاً لها منتصف شهر آب/ اغسطس الحالي. وفي ضؤما سيتقرر يتحرك لبنان. خاصة ان عودة النازحين تتطلب إعادة بناء كل قطاعات

بوريل والعودة الممنوعة

الخدمات والبنى التحتية في المناطق المدمرة، وهذا امر غير ممكن من دون تمويل ودعم عربي لا سيما من دول الخليج (بإستثناء قطر التي ترفض التطبيع مع سوريا قبل انجاز الحل السياسي ). لذلك نعتبر ان زيارة الوفد الوزاري اللبناني الى سوريا مؤجلة الى ما بعد اجتماع لجنة المتابعة العربية.

  وحول انطباعاته عن نتائج مؤتمر بروكسل والموقف الاميركي والاوروبي لا سيما بعد كلام جوزيه بوريل؟ قال: الموقف الاوروبي العلني لم يتغير، والاميركي لم يكن يريد من الاساس الكلام في موضوع عودة النازحين. لكن في إجتماعاتي الثنائية مع رؤساء الوفود الاميركية والاوروبية لمست “ليونة وتفهماً كبيراً” لوضع لبنان وموقفه من ازمة النازحين، ما فتح الباب امام لقاءات ومفاوضات لاحقة مع الجانبين الاميركي والاوروبي. اما كلام بوريل فهو يعبر عن الموقف الاوروبي التقليدي.

وعن قيمة المساعدات التي سيحصل عليها لبنان من مؤتمربروكسل لمواجهة اعباء النزوح؟ اوضح بوحبيب: الدولة اللبنانية لن تحصل على اي دعم مالي، فالمساعدات ستذهب للنازحين مباشرة عبر المفوضية العليا الدولية لشؤون اللاجئين. ويذهب قسم منها عبر المفوضية الى وزارة التربية لتسديد مستحقات المدارس التي تتولى تعليم اولاد النازحين.

زيارة سوريا

بالتوازي مع كل هذه التطورات، قام الوزير عصام شرف الدين بزيارة تحضيرية   لزيارة الوفد الوزاري الرسمي بعد عودة وزير الخارجية من مؤتمر بروكسل. والتقى وزيري الإدارة المحلية والبيئة حسين مخلوف والداخلية محمد الرحمون المكلفين بملف النازحين في سوريا.

وتداول وزير المهجرين اللبناني خلال لقاءاته في مسألة تشكيل لجنة ثلاثية قوامها لبنان والسلطات السورية والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان (UNHCR) . وقال: إن بإمكان مثل هذه اللجنة حل مشاكل كثيرة باعتبار أن لجان فرعية تنبثق عنها عملياً في قرى العودة لمتابعة أوضاع اللاجئين، اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً، وتأمين سلامتهم العامة، ما يعزز عملية التشجيع على العودة.

وأشار الوزير اللبناني إلى أن المباحثات تطرقت إلى قضية السجناء السوريين في لبنان الذين يريدون استكمال الفترة المتبقية من أحكامهم في سوريا. وقال: إن هذا الملف متابع من قبل وزيري العدل والداخلية. مع الإشارة إلى أنه بحسب أحدث أرقام صادرة عن وزارة الداخلية اللبنانية، فإن نسبة السوريين في السجون اللبنانية تبلغ 29.2%.

وقال الوزير شرف الدين لـ “الحصاد”: تم البحث مع وزير الداخلية السورية في وضع مكتومي القيد الذين ولدوا في لبنان لتسهيل امورهم، وهو امر سبق وبحثته مع القائم بالاعمال السوري في بيروت علي دغمان وقدم لنا كل التسهيلات. كما بحثنا في حل لمطلوبي خدمة العلم لأن العديد من النازحين المطلوبين للخدمة يعتبرونها العائق الاساسي امام العودة.

اوروبا لا تتعاون

  واكد شرف الدين “أن هناك تجاذبات سياسية حول الملف وبالأخص من ناحية الامم المتحدة ومفوضية اللاجئين والاتحاد الاوروبي، اصبحت معروفة، حيث إن مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل لا يقبل بتشكيل لجنة ثلاثية كحلّ اساسي للحفاظ على أمن اللاجئ السوري، وهو غير متعاون مع وزارة في ملف عودة

شرف الدين و اللواء الرحمون تسهيلات سورية

النازحين ويناقض نفسه، إذ يريد رقابة أوروبية على عودة النازحين  ونحن نعتبر ان عرقلة ملف اللاجئين من قبل الاتحاد الأوروبي هي ضغط سياسي على الحكم السوري لأنهم غير راضيين عن نتائج الحرب السورية” .

واكد شرف الدين تعاون السلطات السورية الى اقصى حد مع خطة العودة، بحيث انه بدل ان تضم عودة اول دفعة  15 الف نازح، اكدت السلطات استعدادها لاستقبال 180 الف نازح في اول مرحلة  بعدما اصبحت مراكز الايواء جاهزة، وهناك قرى جرى ترميم منازلها، على ان تكون كل دفعة لاحقة شهرياً نحو 15 الف عائد حيث يجري إعداد اللوائح الاسمية للراغبين بالعودة ورفعها الى الامن العام اللبناني ومن ثم إلى الامن الوطني السوري، ويتم التدقيق بالاسماء ويستثني من لديه مشكلة قضائية مدنية او دعوى جزائية او مطلوب لخدمة العلم او لديه صفة لاجيء سياسي، وهؤلاء قلة  تُعالج ملفاتهم على حدى. اما الاكثرية الباقية فيتم إعادتهم  الآمنة الى قراهم ومناطقهم.

  واشار الوزير شرف الدين الى جهوزية نحو 480 مركز إيواء للعائدين، وتأمين وسائل نقل من كل الأراضي اللبنانية إلى داخل سوريا، ووعد رسمي سوري  بإعادة توظيف المواطنين، وصدور عفو رئاسي، وتأجيل خدمة العلم، ومساعدات لكل النازحين عندما يعودوا.

  وحول العراقيل الدولية امام العودة؟ قال شرف الدين: نحن ملتزمون بالقانون اللبناني، الذي يُنظم العلاقة بين اللاجيء وبين الدولة، وبالتالي سنشكل لجنة ثنائية بين لبنان وبين الدولة السورية من دون إذن مفوضية اللاجئين او سواها.

واشار الى ان اكثرية النازحين يرغبون بالعودة، “لكن على المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين التوقف عن الترغيب والترهيب”.

وفيما يتحدث شرف الدين عن جو مؤاتٍ لانجاح هذا الملف، يقول: مع عودة سوريا الى الجامعة العربية وتبادل السفراء مع السعودية وغيرها من دول عرية، ونتائج القمة العربية، نستبشر خيراً، فالأمر لا يتعلق فقط بوجود ارادة لعودة النازحين بل هي واجب ايضاً.

لبنان ليس دولة لجؤ

وعن وجود مخاوف امنية من العودة لدى السوريين وبعض المنظمات الحقوقية، يؤكد شرف الدين ان سوريا آمنة بنسبة ٩٠٪ ،؜ مشدداً على انه لا يتم ترحيل اللاجئ السياسي، انما يتم هذا الامر مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، اما للاستفادة من العفو والعودة الى بلاده، واما للتوجه نحو دولة ثالثة…ويؤكد جازماً إن “لبنان ليس دولة لجوء”.

وبعد تصريحات جوزيب بوريل الاخيرة التي تحدثت عن ابقاء النازحين في لبنان، يشدد شرف الدين “على رفض اي توطين ودمج للنازحين السوريين، من الجانبين اللبناني والسوري، مستغرباً حديث بوريل عن فرض رقابة دولية على اعادتهم، خصوصاً ان لبنان وسوريا موافقين على اللجنة الثلاثية والرقابة الاوروبية .