شاعر الثورة والعذوبه ..وفنان الكاريكاتير الأشهر

صلاح جاهين كان شعلة مشاعر ملتهبه ،وخفقة قلب عالية النبضات ،وثورة ضاربه تهز الوجدان،وقد سكب كل ذلك في كلمات ملأت الدنيا صخبا وضجيجا عالي النبرات، كما عاد وترجم مشاعره الى خطوط ومنحنيات في صور ورسومات ينقل اليك من خلالها معنى، أويشيرلك بزاوية، وفي الكثير من الاحيان يحمل اليك مع مرارة الحدث أو طرافة الموقف نفحات من البهجة تغمر روحك ،أوتجعل  الأبتسامة تعلو وجهك أزاء المفارقات القدريه التي يجسدها لك في لوحاته المعبره .انه الفنان الموهوب ، الذي يمتلك بسخاء ملكات المبدعين،وتأملات الحكماء،وخيال الأدباء والشعراء.انه الفنان حتى أخمص قدميه ،المبدع بكل عصارات العقل،والمتألق دائما وباقتدار في عوالم من الفنون، تتنوع وتتعدد،ولكنها دائما تسعد وتبهج .انه الراحل العبقري الشاعر صلاح جاهين .

اكتشاف صلاح جاهين

صدرت مجلة صباح الخير يوم 17 يناير1956 ،عن دار روزا اليوسف ،وكان رئيس تحريرها الكاتب المتوهج

الفنان الشامل
                       صلاح جاهين

البازغ حينها (احمد بهاء الدين)،وكان من اصغر رؤساء التحرير سنا فقد كان عمره 29 عاما ،وقد صاغ لها شعارها الذي يحمل فلسفتها في عملية النشر(للقلوب الشابه والعقول المتحرره) .

كان صلاح جاهين من العاملين في القسم الفني في اعداد المجلة للطبع ،وفي احد الأيام قام رئيس التحرير بالمرور في ذلك القسم لتفقد سير العمل ،فوجد بعض الرسوم الكاريكاتوريه على احد المكاتب ،وقد اثارت فضوله من حيث جودتها ،فسأل عن ذلك الرسام الذي شكل هذه المجموعة من الرسوم ،فكانت الأجابه أنه زميلنا ( صلاح جاهين) . طلب احمد بهاء الدين ان يأتي له في مكتبه ،وبالفعل ،ذهب اليه . سأله احمد بهاء الدين ان كانت لديه رسوم أخرى فانه يريد ان يراها،واحضر له صلاح عدة رسوم ،فعاد وسأله ان كان من الممكن ان ينشر بعض تلك الرسوم،فعبر له صلاح عن ترحيبه تماما بذلك الأمر،ثم عاد احمد بهاء الدين يسأله من جديد انه يلاحظ ان بعض الرسوم تزيل ببعض الأبيات الشعريه ، فهل صلاح يكتب لونا من الوان الشعر فاجابه نعم أنا لي اجتهادات في كتابة الشعر في لونه الشعبي ، فعاد الاستاذ بهاء ليسأله ان كان يوافق على نشر بعض انتاجه الشعري ،فعاد صلاح جاهين من جانبه وابدى سعادته ان تم ذلك . في تلك اللحظه بدأت ولادة جديده، في عالم الفن والأدب .بدأت ولاده مضيئة ومشرقه لهذا الفنان العظيم ،و بالتأكيد قد تمت تلك الولادة على يد هذا المفكر والكاتب الكبير احمد بهاء الدين، واعترافا بفضله أطلق صلاح جاهين اسم ( بهاء) على أول أولاده ،وهو الشاعر ايضا ( بهاء جاهين) .بدأت رسوم صلاح جاهين تغزو صفحات مجلة صباح الخير ،ونشرت له ايضا بعض اجتهاداته الشعريه في لونها الشعبى ذوالمذاق الوطنى . من بدايات صلاح جاهين الأولى كتب ( احنا الشعب ..اخترناك من قلب الشعب ،يافاتح باب الحرية ياريس ياكبير القلب ) عام 1956 في انتخابات رئاسة الجمهورية ،وقام بغنانها عبدالحليم حافظ ولحنها كمال الطويل ،واغنية ( ياحمام البر سقف ،طير وهفهف حوم ورفرف علا كتف الحر وقف والقط الغله) كتبها صلاح جاهين ولحنها محمود الشريف وغنتها المطريه المصريه القديمه ( أحلام).

صلاح جاهين ومواقعه

انطلق صلاح جاهين وتوهج عبر العديد من الميادين التي خاضها باقتدار،فهو الرسام وهو الشاعر وهو الممثل، وهو كاتب القصة والسيناريو والحوار للعديد من الاعمال الفنيه ،وهو ايضا من اقتحم عالم فن العرائس،فكتب لمسرح العرائس عدة مسرحيات اشهرها (الليله الكبيره)التي لحنها الفنان المبدع ايضا سيد مكاوي،وهو ايضا صاحب (

احمد بهاء الدين
اول من سلط الأضواء على موهبة صلاح جاهين

الرباعيات) الشعريه ، وكان ميلادها يوم ان قال لأحمد بهاء الدين اسمع ماذا أقول في ذلك الخاطر الذي اقتحمني وانا اسير في الطريق شيئ اشبه بالرباعيات ( مع ان كل الخلق من أصل “طين” وكلهم بينزلوا مغمضين ..بعد الدقايق والشهور والسنين ..تلاقي ناس، أشرار وناس طيبين ..عجبي ) واستمع احمد بهاء الدين باهتمام وقال لي كويسه ..تقدر كل اسبوع تكتب واحده زى دى تحت عنوان ( رباعيات ). اصبح الطريق مفتوحا على مصراعيه لكي تتدافع مواهبه وتسطر في كل ميدان ابداعا جديدا يدفعه الى المزيد من العمل والجهد لكي يحقق اسهامات أخرى، من شأنها أن تترجم الى اعمال ابداعيه .كان طاقة متفجره ، ،جعلته في النهاية موضع النظر لمسؤولية جديده لم تخطر له على بال،وهو رئاسة التحرير.ترك احمد بهاء الدين مجلة صباح الخير،وأصبح رئيسا لتحرير جريدة يوميه جديده اسمها ( جريدة الشعب) مع الصاغ صلاح سالم عضو مجلس قيادة الثورة السابق ،وأختير( فتحي غانم )وهو صحفي واديب وروائي معروف رئيسا لتحرير مجلة صباح الخير من بعده ،ثم تركها ليصبح رئيسا لتحرير(وكالة انباء الشرق الاوسط ).ومن ثم وقع الأختيار على صلاح جاهين ، لكي يسند اليه موقع رئيس التحرير الثالث لمجلة صباح الخير.لكنه لم يمكث بها سوى عام واحد ،فهو كالطير ينتقل من غصن الى غصن،من فن الرسم الى فن الشعر الى فن التمثيل الى فن القصة والسيناريو والحوار ، ولا تستطيع ان تشده الى مسؤولية محددة تحتاج الى متابعه ومراجعه وحوارات عن موضوعات سياسية وقضايا اجتماعيه ،ولقاءات واجتماعات،انه الفنان الذي يغرد وقت ان يشاء ويتنقل كما يريد ،ويعبر مع كل احساس ، لذلك انتقل الى جريدة عريقه فتحت له الأبواب ليمارس من خلالها عملا  يشكل احدى هوايته وهو عالم الرسم ،ودنيا الكاريكاتير.

قطرات من مواقفه في الأهرام

لم يكن أداء صلاح جاهين في فن الكاريكاتير،قاصراعلى رسم البسمه أو الضحكه على الوجوه،فحسب ولكنه كان يتطرق الى اعماق القضايا السياسية والأجتماعيه والثقافيه بشكل مطرد،وكانت تلك الأعمال تحدث الكثير من ردود الفعل الغاضبه ،ومن تلك المواقف الحادة التي تطرق اليها من خلال اعماله في

فن الكاريكاتير،تلك التي حدثت في احدى جلسات المؤتمر الوطني للقوي الشعبيه عام 1962. حدث ان تطرفت احدى القيادات الأزهرية في نظرتها للمرأه ،مما أثار وجهة نظر أخرى للفنان صلاح جاهين في تقييمه لهذه النظرة ،فقام بالتعبير عن رأيه من خلال فن الكاريكاتير، وقد أدي رسمه الذي يعبر عن وجهة نظره الغضب العارم لتلك الشخصيه ،وتجلى ذلك في ردها في الجلسة التاليه للمؤتمر ،فعمد صلاح جاهين لموهبته الأخرى في فن الشعر، وقام بصياغة تعقيبه على رد تلك الشخصية في المؤتمر من خلال أبيات شعريه ،بصورها الكاريكاتورية، ،وأحدث ذلك الأمر ضجة ملأت المؤتمر بالتعقيبات ،والصحف الأخرى بالتعليقات ،مما جعل السيد كمال الدين حسين رئيس المؤتمر يقوم

جمال عبدالناصر يصافح صلاح جاهين
وسلمه جائزة التكريم في حفل عيد الفن

بالأتصال بالأستاذ هيكل لأيجاد تسوية لذلك الأمر،وبالفعل قام الأستاذ هيكل بجمع الطرفين لتصفية أو جه الخلاف بينهما . حدث اّخر تفاعل بشكل اكبر،حتى انه تم في نهايته اقالة الدكتور مصطفي ابوزيد فهمى من موقعه ( المدعي العام الأشتراكي ).تفصيل الأمر أنه  في منتصف السبعينات تقريبا تعددت الحرائق في بعض المؤسسات الحكوميه ومنها على سبيل المثال ( دار الأوبرا) التي تم بناؤها في عهد الخديوى اسماعيل ،وكانت انباء الحرائق تكشف عن الوان من الفساد ،فالحرائق توحي باختلاسات تغطى نفسها بالحرائق حتى لا يتم الكشف عنها بوثائقها ،فنشر صلاح جاهين رسما للمدعي العام الاشتراكي وهو يقوم بالتحقيق ،ويقول للكاتب ( اكتب عندك يسجل الحريق ضد مجهول .. المجهول اللى انت عارفه اللى حرق الأوبرا وحرق كذا وكذا وكذا ..الخ) . ونشر الرسم في الاهرام ،واشتاط المدعي الاشتراكي غضبا،وأمر باستدعاء صلاح جاهين للتحقيق بتهمة اهانة جهات التحقيق.

قام الأستاذ بهاء رئيس التحرير في ذلك الوقت بنشر الخبر في الصفحة الأولى بالأهرام وتحت عناوين بارزة ( التحقيق مع صلاح جاهين ) فاشتعل المدعي الاشتراكي بالغضب ،وأرسل خطابا الى رئيس التحرير يحتج فيه على هذا النشر بهذا الشكل من الأثارة،في حين ان ذلك من صلاحياته حيث تمت الأهانه باعتباران الرسم يوحي بأن جهات التحقيق مهمله ومتراخيه في اعمالها ،وقام الأستاذ بهاء بالرد ،وقال له ان الكاريكاتير من طبيعته التضخيم من الأشياء،ولذلك لا بد من سعة الصدر في النقد ،بالأضافة الى سؤال لك أنت بأي صفة تتحدث،فأنت جهة الأدعاء بصفتك المدعي العام الأشتراكي ،وانت ايضا تمثل القضاء بصفتك وزيرا للعدل في نفس الوقت،وهذا مناف للدستور،أن تكون القاضى وتكون ايضا المدعي ! التقط الموضوع الراحل محمود القاضي النائب في البرلمان ،فقدم استجوابا لرئيس الوزراء حول جمع الدكتور مصطفي ابوزيد فهمي لمنصبين في حالة تعارض ،فصدر أمر بعزل الدكتور ابوزيد فهمي من منصبه كمدعي اشتراكي ،وتم حفظ التحقيق مع صلاح جاهين .

صلاح جاهين

المؤرخ الفني لثورة 23 يوليو

يعد الثالوث الفني في مواكبة احداث ثورة 23 يوليو وجمال عبدالناصر هو صلاح جاهين في صياغة ونظم الكثير من الاعمال الفنيه التي سردت وصورت العديد من انجازات الثورة ومكاسبها و عبدالحليم حافظ غناءا وشدوا بصوت يقطر احساسا ،وقدره مذهله في فن التعبير، وكمال الطويل بألحان ساحره كأنها تفرش الزهور، لكي تعبر عليها الكلمات. نذكر منها في التغني بالوطن ( بالأحضان بالأحضان يابلادنا ياحلوة بالأحضان ،بالأحضان يامصانع

صلاح جاهين يجلس بين
محمد حسنين هيكل وعبدالحليم حافظ

يامزارع بالأحضان ،ياحصاد الثورة ياحلم وعلم ،بالأحضان ياجناين يا مداين بالأحضان) ومنها ( على راس بستان الأشتراكيه واقفين بنهندز ع الميه ،أمة ابطال علما وعمال ومعانا جمال بنغنى غنوة فرايحيه .ننده كلنا ندهة فلاح لأخواته ساعة الري ،حاكم أرضنا ملكنا كلنا م السدالعالي وجي ، ننده كلنا ندهه قويه ،افتــــــح … على حوض الورد، ابو تمانين مليون شجرايه، الورد العربـى،ورد السهـل،وورد الصحرايـه ..أهو كده وافتح صفحة ما تشبـع فيها الدنيـا قرايـه،يا فاتح فى الصخر ده للجيل،ويا النيـل،مجرايـه .

وقد فاض في فنه ،وسمعنا له الكثير من الأغاني ذات الرتم المبهج مثل ( ياواد ياتقيل ) و( بمبمي بمبي الحياة بقى لونها بمبي وأنا جنبك وانت جنبي) وغيرها ميراث عظيم في فن الغناء بألوانه ،والكريكاتير بمعاركه ،والتمثيل بألوانه ، والعديد من الافلام في القصة والسيناريو والحوار. صلاح جاهين فنانا يقطر فنا . يضاف الى كل ذلك موقفا سياسيا ظل مخلصا له طيلة حياته ،وايمانه المطلق بقيادة عبدالناصر . كتب يقول في قصيدته ( قضاء الله)  في ذكرى وفاة عبدالناصر الأولي

(حتى الرسول مات وأمر الله لابد يكون/بس الفراق صعب وإحنا شعب قلبه حنون/وحشتنا نظرة عيونك للبلد ياجمال/والحزم والعزم فيها وحبها المكنون/وحشتنا عبسة جبينك وانت بتفكر/ونبرتك وانت بتعلمنا وتفسر/ وبسمة الود لما تواجه الملايين/ وقبضة اليد لما تدق ع المنبر).. يؤكد فى مقدمة الديوان: «أشهد أنى لم أكتب شطرة منه طمعا فى شىء أوخوفا من شىء.

ثم يقول في ذكرى ميلاد عبدالناصر 15 يناير ،يقول عام 1973.

الى الرئيس جمال عبدالناصر

العنوان : قلب قلب قلب مصر

  في ذكرى يوم مولدك

في ذكري يوم مولدك  /  بنؤيدك / يا ايها المصري العظيم / وبنوعدك /  مهما غبت / حنوجدك /

ومهما مت / مصر ح ترجع / مرة تانيه / تولدك

الراسل : شعب مصر

رحم الله ذلك الفنان العظيم  ذو التراث الثري المبهج والعميق .