“مظفر النواب؛ رحلة البنفسج”

للكاتب والباحث العراقي الدكتور عبد الحسين شعبان

على الرغم من أن مظفّر النوّاب لم يكتب سيرته الذاتية، لكن سيرته اختلطت بسيرة آخرين وهذه موزّعة على مدن وشعوب وبلدان. صار مظفّر النوّاب فلسطينيًا وسوريًا ولبنانيًا ومصريًا وخليجيًا ومغاربيًا. سكنت الأممية روحه وهو المثقّف الكوني والإنسان الحر المفطور قلبه على الحريّة، حتى لكأن سيرته صارت تؤرخ للشغف والأمل والحنين والعوالم الحالمة. كانت حياة مظفّر مثل أجوبته معلّقة على الاحتمال، تتداخل فيها الاتّجاهات. تصطرع في أحيان عديدة لتلتقي وتتعانق عند فضاء الحريّة وفلسطين والانتصار للفقراء. إن سيرة مظفّر مركّبة وعميقة وإن لم تفلت من سطوة الزمن، لكنها ظلّت تحفر فيه لتترك أثرًا وبصمةً ورؤيةً وفلسفةً وتاريخًا. اختلفت سيرته عن سير الكثير من السياسيين والإعلاميين التي كانت سريعة العطب والذبول والتلاشي. إن سيرته مثّلت الفن والإبداع والمعاناة والجمال. وقد كتب قصائده بلغة المؤرخ العارف بأسرار التاريخ وخفاياه وخباياه، لدرجة خاض في طرقه ومنعرجاته قديمًا وحديثًا، وفي بعض الأحيان حاول أيضًا استنطاقه كمن يكتب شهادته. لم تكن تهمّه الوثائق لأن الوقائع مكتوبة في قلبه وكان يقرأها من عقله. هكذا جمع بين القلب والعقل برهافة حسّه ورقّته، يتّكئ حينًا على هذا وحينًا أخرى على تلك. يغوص في التاريخ ليتجاوزه وإن استلهم أبطاله فيعيد ترتيب وتكوين أولوياته، ويتوّقف شاهدًا أخلاقيًا على ما لم يعره التاريخ اهتمامًا. وهكذا بحث عن المجهول والمهمل والمنسي والمسكوت عنه، واستولد منه موضوعات خارج نطاق المألوف والسائد والمكرّر والتقليدي. الشعرية والشاعرية في هذه الأجواء الإبداعية-التمرديّة نشأت شاعرية مظفّر، حيث تلاقحت موهبته مع رسالته الشعرية باستخدام تكنيك شعري ولغوي ومصطلحي خاص به، حتى ليمكن القول إن ثمة قاموسًا مظفّريًا بدأ يتكوّن، لا سيّما في اللغة المحكية (القصيدة الشعبية).