ملك الأغنية الخفيفة.. أغاني الشباب والأطفال – المطـرب محمـد فـوزي.. ومائة عام على ميلاده

الرئيس الجزائري بوتفليقة يكرمه بوسام الاستحقاق

أمين الغفاري

محمد فوزي له بصمة في الصوت كمغني، كما له بصمة في الموسيقى كملحن، وبصماته لم تغادرآذاننا سواء في جمال الصوت أو في عذوبة اللحن. محمد فوزي هو )السهل الممتنع(. ذلك تقييمه الموضوعي باعتبار أنه قد سبق عصره، في تقديم الأغنية الخفيفة، أو ما يعرف حاليا بالأغنية الشبابية، وتتميزأغنياته أنها لاتعرف الأبتذال في اللفظ أو الهبوط في المعنى كما لاتعرف الصخب المكثف او الضجيج الزاعق في اللحن. هي تخاطب الحس والوجدان في المشاعر، ولاتنادي الأيادي والأقدام في الحركات الراقصة أو المتشنجة، كما نشاهد أو نسمع حاليا.

محمد فوزي أسعدنا وأدخل البهجة الى قلوبنا، عبر سلسلة وفيرة من الافلام الغنائية الأستعراضية، المرحة والخفيفة والتي تتميز بالعواطف المتأججة، والمواقف الضاحكه. كان فوزي غزير الأنتاج في أعماله وقدم خلال مسيرته الفنية العديد من الأفلام السينمائية، والكثير من الألحان سواء التي يغنيها بصوته أو يغنيها غيره من المطربين والمطربات، ويمكن القول أن تلك الألحان التي قدمها لهم قد ساهمت في تعزيز مكانتهم الفنية في عالم الطرب ومنها على سبيل المثال لا الحصر لحن )ياأعز من عيني( لليلى مراد، ولحن )ساكن في حي السيدة وحبيبي ساكن في الحسين( لمحمد عبد المطلب، ولحن )كل دقة في قلبي بتسلم عليك( لنازك، ولحن )ياضاربين الودع( لشقيقته المطربة هدى سلطان. كثير من المطربين أقتحموا فن السينما في بداياتها، ولعل موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب كان أولهم فقد انتج ومثل فيلم )الوردة البيضاء( عام 1933، بينما كان اول فيلم تقدمه الشاشة الفضية لفريد الاطرش هو )انتصار الشباب( عام 1941، وأول فيلم ظهر فيه محمد فوزي كان فيلم )سيف الجلاد( بطولة يوسف وهبي عام 1944، ومع ذلك فان غزارة انتاجهما السينمائي تفوق كثيرا اسهامات الموسيقار عبد الوهاب الذي

محمد فوزي ومديحة يسري
مرحلة زواج تحولت بعد الأنفصال الى مرحلة صداقه

اقتصر وجوده السينمائي على سبعة افلام فقط قام فيها بالأنتاج والتمثيل فضلا عن الغناء والألحان، وظهر في فيلمين بعدهم للغناء فقط وهما فيلمي غزل البنات، ومنتهى الفرح. قدم بعض الفنانين أفلاما غنائية، وتتضمن بعض الأستعراضات ويقف على رأسهم الفنان العبقري أنور وجدي وهو ليس مطربا أو حتى موسيقيا، ومنها أفلام )عنبر، وحبيب الروح، و قلبي دليلي وياسمين، ودهب( وقدم المخرج حسين فوزي بضعة افلام للفنانة )نعيمة عاكف( مثل )العيش والملح، ولهاليبو، وبلدي وخفه( ولكن كل تلك الأفلام وغيرها لاتتوازى مع ما قدمه فرسان تلك الأفلام الغنائية الأستعراضية.

 كان محمد فوزي أحد أعمدة ذلك النوع من الأفلام، وهو أحد ثلاثة مطربين أزدهرت الأفلام الغنائية على أصواتهم، وارتبطت بأسمائهم، وان كان قد تواجد غيرهم على الساحة، لكنهم كانوا الأبرز ظهورا، والأسخى عطاءا، والأكثر تأثيرا، وحين رحلوا، افتقدنا أريجهم، وتعطشنا لروائهم، وهم فريد الأطرش ومحمد فوزي وعبدالحليم حافظ. عدد الأفلام التي قدمها محمد فوزي )36( فيلما، وعدد الأفلام التي قدمها فريد الأطرش )31( فيلما وعدد الأفلام التي قدمها عبدالحليم حافظ )16( فيلما.

بـدايـات مـحـمـد فـوزي

نشأ محمد فوزي عبدالعال الحو )وهو اسمه بالكامل قبل اختصاره في محمد فوزي( في قرية أبو جندي احدى قرى مركز قطور بمحافظة الغربية في مصر، حيث ولد في يوم 15 أغسطس عام 1918، وكان ترتيبه بين أخوته رقم 21 من الأولاد والبنات، فقد كان والده مزواجا، وأنجب ما يقرب من 25 من الأولاد والبنات، وقد احترفت اثنتان منهن الغناء، )هدى سلطان( واسمها الحقيقي بهيجة عبدالعال الحو، و)هند علام( واسمها الحقيقي زوزو عبدالعال الحو، ولم تسجل نجاحا يذكر فقد ظهرت في ادوار المطربة في اربعة افلام فقط، وبعد أن نال محمد فوزي شهادة الابتدائية من مدرسة طنطا عام 1931 بدأ في الأتجاه صوب تحقيق مستقبله في الفن، وليس الدراسة، وكان ولعه بالموسيقى وموهبته كذلك في الغناء تعلنان عن وجودهما بين أصدقائه وزملائه، بل وتتملكان منه، وكان أستاذه الأول في تعلم اصول الموسيقى أحد رجال المطافئ في مدينة طنطا )محمد الخربتلي( من أصدقاء والده، وسار في صحبته للغناء في المناسبات مثل الأفراح والحفلات الخاصة وكذلك في الموالد التي كانت منتشرة في الريف، وكانت أغاني عبدالوهاب وأم كلثوم هي الأغاني صاحبة الحظوة لدي المستمعين في تلك الفترة.

في عام 1938 نزح الى القاهرة لكي يرضي طموحه في التعلم والعمل في آن واحد فالتحق بمعهد فؤاد الأول للموسيقى، ولكن حاجته الى المال كانت أكثر الحاحا، فالتحق بملهى انصاف رشدي، وحين لمع في الملهى اجتذبته )بديعه مصابني( وكانت أكثر نجاحا وأشد بريقا في عالم الملاهي الليلية، وهناك تعرف على فريد الأطرش ومحمد عبدالمطلب والملحن محمود الشريف، وتوطدت العلاقة بينهم، وبدأت مواهبه تتفتح بشكل أكثر عطاءا سواء في الأغاني أو الألحان وعمل الأستعراضات والأستكشات مما شكل له سوقا رائجة بين الفرق فانتقل الى فرقة )فاطمة رشدي( وبعدها الى الفرقة القومية للمسرح

فوزي والدخول الى عالم السينما

قام يوسف وهبي باختياره عام 1944 للظهور في فيلم )سيف الجلاد( من بطولته مع عقيلة راتب، وقدم في الفيلم اغنيتين من الحانه، ومع ان الدور كان صغيرا الى انه لفت الأنظار اليه، وفتح أمامه الأبواب لأقتحام عالم السينما فقدم على التوالي فيلم )قبلة في لبنان( مع انور وجدي ومديحة يسري عام 1945، وبعدها اختاره المخرج محمد كريم لبطولة فيلم )أصحاب السعادة( مع المطربة رجاء عبده عام 1946، ثم فيلم)قبلني ياأبي(مع نور الهدى. حفزه هذا النجاح المتواصل الى تأسيس شركته الخاصة لأنتاج أفلامه، وكانت باكورة الأنتاج فيلم )العقل في أجازة(

صورة طريفة تجمع محمد فوزي وشادية ومريم فخرالدين وثريا حلمي
وخلفهم فاتن حمامة وزينب صدقي وماجدة في قطار الرحمةعام 1953
وحفل مص القصب

وقامت بدور البطولة أمامه الفنانة ليلى فوزي وقدم في هذا الفيلم لأول مره وجها جديدا هو المطربة )شادية( عام 1947، وخلال عدد قليل من السنوات استطاع محمد فوزي، ان يكون في الصف الأول من نجوم السينما والغناء، كما قدم العديد من الألحان الناجحة لباقة كبيرة من نجوم الأفلام في السينما، وخاصة الأفلام التي يقوم بانتاجها.

مبادرات محمد فوزي الفنيه

لم يكن هذا الفنان الحالم مجرد فنان موهوب في فنون الغناء والتلحين، ولكنه ايضا كان عقلية بناءه تسعى الى التحديث والتطوير والأضافة، ورسم الصور التي تجسد النغم والكلمات، عقلية خلاقة تقتحم ولاتنتظر، وتقدم الأطارات الجديدة للفنون، وقد قدم على التوالي:

قدم تاريخ ثورة 23 يوليو للأطفال في صورة غنائية في أشودة )كان وان( تروي احداثها التي وقعت، وكذلك المعارك التي خاضتها، كما قدم أغان خاصة للأطفال نالت انتشارا واسعا مثل )ماما زمانها جايه( و)ذهب الليل طلع الفجر(، و)هاتوا الفوانيس ياولاد(

قدم الأفلام الملونة في بداياتها و في خطوات سباقة من خلال فيلمين هما )الحب في خطر( مع صباح، و)نهاية قصة( مع مديحة يسري

قدم الأغنية الفرانكو آراب، وهي )يا مصطفى يامصطفى(، وقد حققت انتشارا كبيرا في الخارج باداء الفنان بوب عزام

استغنى عن الآلات الموسيقية معتمدا على الأصوات البشرية، في أدائها لدور الموسيقى حيث يقوم)الكورال( بدور الآلآت مما يطلق عليه الموسيقيون)أركا بيلا( في أغنية)كلمني طمني( من فيلم معجزة السماء

أنشأ مصنع الشرق الأوسط للأسطوانات )مصر فون( في 30 ابريل عام 1959، وكانت أول شركة مصرية من هذا النوع، وسجلت خطوة متقدمة في ذلك المجال، ونجحت نجاحا كبيرا، وقد تم تأميم هذه الشركة عام 1961 ضمن سلسلة الشركات المؤممة، وقد تطورت في اطار القطاع العام وأصبحت شركة اسطوانات صوت القاهرة في 6 يناير عام 1964، ثم صدر قرار بتأسيس شركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات عام 1977 وهي ضمن شركات اتحاد الأذاعة والتلفزيون.

الفيلم الاستعراضي وازدهاره

يحتل محمد فوزي مركزا متقدما في مجال الفيلم الاستعراضي والثنائيات الغنائية التي جمعته مع كبار المطربات في عالم السينما الغنائية، ويأتي في المقدمة منها دويتو )شحات الغرام( ودويتو)فيه حاجة شغلاك مع ليلى مراد من فيلم )ورد الغرام( كما قدم ايضا مع نفس المطربة فيلما آخرهو )المجنونة( وله معها أيضا دويتو شهير)فرحانه وخايفه الفرحة تزيد مااقدرش عليها( وله مع صباح دويتو هو)مثلا( من فيلم )فاعل خير( وأكثر من دويتو آخرمعها من فيلم)الآنسة ماما( هما )روميو وجولييت( و)ماما(. ومع نور الهدى في افلام نرجس، وقبلني ياابي وغرام راقصة( كما قدم نوعا آخر في فن الأستعراض في أغنية )الزهور، واستعراض الأزياء( في فيلم )بنات حواء( أو الأستعراض الراقص في أفلام )بنت با ريس، وحب وجنون، وابن للأيجار(، وتلك كلها قطرات من اسهامات هذا الفنان وثراء ما قدمه من عطاء. كما قدم محمد فوزي عبر تراثه العريض عدة مساهمات في مجال الأنشاد الديني منها )الهي ماأعدلك، وياتواب ياغفور، وياعباد الله وحدوا الله، وأنا أمدح المولى الغفور، وغيرها. وقدم كذلك في اطارالعمل الوطني )بلدي احببتك يابلدي، وقصة يوليو للأطفال( وغيرها.

تكريم محمد فوزي

1 – احتفالية ضخمة أقامتها الجزائر أثر قيام الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة بمنح الفنان المصري الراحل محمد فوزي، »وسام الاستحقاق الوطني« ما بعد الوفاة، ويأتي هذا التكريم في إطار تخليد ذكرى مرور 60 عاما على تأليف نشيد  »قسما« وقيام الفنان محمد فوزي بتلحين هذا النشيد باعتباره النشيد الوطني الجزائري، يأتي ضمن التكريم اطلاق اسم الفنان محمد فوزي على )المعهد الوطني العالي للموسيقى بالجزائر(. من جانبها أعلنت أسرة محمد فوزي على وضع حقوق لحن النشيد تحت تصرف الدولة الجزائرية بشكل نهائي. حضر الأحتفالية حفيد الفنان المهندس عمرو منير محمد فوزي.

يذكر ان الفنان محمد فوزي قام بتلحين النشيد الذي وضع كلماته الشاعر الجزائري )مفيد زكريا( وقام باهدائه للجزائر، بعد ان دفع اجور الفرقة الموسيقية التي عزفت النشيد، ايمانا منه بالثورة الجزائرية، ودعما لثورتها العظيمة.

2 – قرر مهرجان الأسكندرية السينمائي لدول حوض البحر الأبيض المتوسط القيام بتكريم اسم الفنان محمد فوزي بمنسبة الذكرى المئوية لميلاده، وللعطاء الكبير الذي قدمه من خلال تراثه الفني الغنائي والموسيقي، وذلك في دورته الأربعة والثلاثين التي ستعقد في الفترة من 3 الى

الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة
منح اسم محمد فوزي وسام الاستحقاق، وأمر باطلاق
اسمه على المعهد الوطني العالي للموسيقى في الجزائر

10 اكتوبر القادم

 رحيل محمد فوزي

 رحل محمد فوزي في 20 أكتوير عام 1966، بعد ان عانى من مرض عضال احتار الأطباء في تشخيصه حتى أن طبيبه الألماني الذي كان يتولى علاجه في برلين أطلق عليه اسم )مرض فوزي(، وذلك قبل ان يتم التعرف على هذا المرض وهو )تليف الغشاء البريتوني الخلفي(. سافر الى لندن في البدايات في أوائل عام 1965  ثم عاد إلى مصر ولكنه سافر مرة ثانية الى برلين إلا أن المستشفى الألماني أصدر بيانا قال فيه انه لم يتم التوصل إلى معرفة مرضه الحقيقي، ولا كيفية علاجه وانه خامس شخص على مستوى العالم يصيبه هذا المرض حيث وصل وزنة الي 36 كيلو، وهكذا دخل محمد فوزي في دوامة طويلة مع المرض الذي أودى بحياته في النهاية عن عمر يبلغ 48 عاما.

تراث محمد فوزي

ترك محمد فوزي تراثا غنيا من الأعمال الفنية تمثيلا وغناءا وألحانا ويبلغ رصيده في ذلك أكثر من 400 أغنية سواء كانت من تلحينه وغنائه أو من تلحينه ولكن بغناء أصوات أخرى من المطربين والمطربات، ومن أشهرها ديالوج )شحات الغرام(، و)اللي يهواك اهواه(، و)مال القمر ماله(، و)حبيبي وعنيه(، و)يا اولاد بلدنا يوم الخميس حاكتب كتاب وابقى عريس( ، بالأضافة الى أغاني الأطفال وكان رائدا في ذلك المجال .

كان محمد فوزي فنانا له حضور كبير، ويتمتع بخفة ظل طاغية، وتقول مديحة يسري زوجته الثانية أنه لم يكن يمثل في الأفلام، ولكن هكذا كانت شخصيته الطبيعية حتى خارج دائرة التصوير والتمثيل.

تزوج محمد فوزي ثلاث مرات الأولى من خارج الوسط الفني وكان اسمها )هداية( والثانية الفنانة مديحة يسري، والثالثة الفنانة )كريمة( التي عرفت بفاتنة المعادي، وقد ظلت بجواره حتى رحيله.