ندوة توثيقية للكاتب محمود زيباوي بحثا عن اسمهان

سناء بزيع

محمود زيباوي فنان تشكيلي صحافي باحث وكاتب اكاديمي يبدي شغفه مرة اخرى بفنون الزمن الجميل فبعد عمله التوثيقي  »نجمات الغناء في الاربعينات اللبنانية« يقدم هذه الندوة بعنوان  »بحثا عن اسمهان في دار النمر للفن والثقافة بالتعاون مع جمعية عِرَب للموسيقى العربية«  ومبادرة دار سمع.

قدم زيباوي عرضه وسط حضور حاشد  مستعرضا سيرتها الغامضة منذ نشأتها حتى رحيلها الغارق في ترعة الساحل . رحيل اسمهان  الهادئ الذي لم تخترقه اصوات الحقيقة حتى اليوم. ماتت اسمهان دون ضجيج وبعتمة لم تنجل بعد ولن تنجلي.

اراد زيباوي ان يكون العرض مملوءا بمساحات الماضي واحلام الأميرة وفتنة أسرارها منقبا في خبايا عمرها القصير عن حياة ناقصة.

استعان زيباوي في استعادة مسيرة اسمهان بشاشة تنبض بصورها واغانيها ومشاهد من افلامها وما تيسر من معلومات عنها..

 تبنت شركة أسطوانات  »كولومبيا«، أسمهان في سنة 1931 فدخلت عالم الفن من الباب الواسع  أنتجت لها سلسلة من الأغاني لحّنها كبار الملحنين، لكنها ما لبثت ان تركت الساحة الفنية سنوات عدة وغابت عنها دون ان نجد تفسيرا مقنعا حتى اليوم.

تقول الرواية الشائعة ان شقيق اسمهان الأكبر فؤاد، سافر إلى جبل الدروز سنة 1933  وسعى إلى قطع مشوار أخته الفني لإنقاذ مكانة العائلة، فابعدها إلى دمشق، ثم إلى الجبل، حيث اقترنت بابن عمها وأنجبت منه ابنتها الوحيدة كاميليا، ثم انفصلت عنه، وعادت إلى القاهرة في 1937 لتكمل فيها مشوارها الفني. ويُمكن القول إن هذه الرواية تحتاج إلى شهادة صحافية من تلك الفترة تدعمها وتؤكدها، قبل الأخذ بها بشكل مطلق.

 اعتبر فريد الأطرش شقيق اسمهان ان زواجها من الأمير حسن تمّ بعد فيلم  »انتصار الشباب«، ونقل فوميل لبيب هذه الرواية في كتابه  »لحن الخلود«.اعتبرت هذه الرواية خطأ كما أشار فكتور سحاب في كتابه  »السبعة الكبار«.

ما يمكن تاكيده هو أن أسمهان عادت إلى القاهرة لتشق من جديد مشوارها في عالم الفن والغناء، تبنتها شركة  »بيضافون« وأطلقت  »الآنسة أسمهان«، ووصفتها بـ »أصغر المطربات سناً وأعذبهن صوتاً«، . في بداية هذا التعاون، أصدرت الشركة أربع أغنيات. اثنتان منها من

الكاتب محمود زيباوي

تلحين فريد الأطرش، وهي  »المحمل« )عليك صلاة الله وسلامه( من تأليف بديع خيري، و »رجعت لك يا حبيب« من نظم يوسف بدروس، واثنتان من تلحين محمد القصبجي، وهي  »فرّق ما بينا ليه الزمان« من نظم علي شكري، و »يا طيور« من كلمات يوسف بدروس.  »نويت أداري ألامي« كلمات يوسف بدروس ،  »ليت للبراق عينا« من تلحين القصبجي قصيدة الشاعرة الجاهلية ليلى العفيفة،  »اسقنيها بأبي أنت وأمي«،  للشاعر بشارة الخوري وطقطوقة  »فرّق ما بيننا ليه الزمان« من كلمات علي شكري. كما سجلت من تلحين مدحت عاصم  »دخلت مرة في جنينة« من كلمات عبد العزيز سلام. وغنّت كذلك أغنية أخرى من إعداد مدحت عاصم،  »يا حبيبي تعال الحقني«، وهي في الأصل لحن أجنبي قُدّم في فيلم  »زوجة بالنيابة« الذي قامت ببطولته ماري كويني.

دخلت أسمهان الإذاعة المصرية، ونشرت مجلة  »الراديو المصري« صورتها لمناسبة تقديمها مع فرقتها في  حفلة غنائية غنّت فيها اغنية  »أعمل ايه علشان انساك« من كلمات يوسف بدروس ولحن فريد الأطرش.

كانت أسمهان بحسب القانون، سورية تعيش في مصر، وتزوجت عرفياً من مخرج فيلم  »انتصار الشباب سنة 1940« أحمد بدرخان كي تحصل على الجنسية المصرية وتبقى في مصر .انتهى هذا الزواج بعد أقل من شهرين بسبب غيرته المفرطة من شهرتها حسب ما يقال وقيل في مقالة تعود إلى تلك الفترة:  »لا ندري مكان الحقيقة في المعسكرين، ولكننا ندري أن أسمهان ساخطة هذا السخط الذي دفعها إلى الاحتفاظ بملابس زوجها الداخلية والخارجية، وإلى الآن ترفض تسليمها له«.

عاشت أسمهان حياة مترفة ثم غابت عن الحياة الفنية، عائدة إلى سوريا  مرة أخرى زوجة للأمير حسن. نقلت الصحافة المصرية بعضا من  اخبار المناسبات التي كانت  »الاميرة« اسمهان تحضرها ، وكانت تذكر في مقالاتها  اسم  »آمال الأطرش«، مكتفيةً بوضع اسمها الفني بين هلالين، وكأنها فنانة معتزلة.  في 5 حزيران/يونيو 1942، تحت عنوان  »رئيس جمهورية سوريا في ضيافة آمال الأطرش«، نشرت  »المصور« خبرا يقول بأن الشيخ تاج الدين الحسني زار بيروت في أيار/مايو،  »فأقامت له الأميرة آمال الأطرش )أسمهان( مأدبة عشاء دعت إليها رئيس الجمهورية اللبنانية والجنرالات سبيرس وهاملتون وكاترو ووزراء لبنان وسوريا«

 في سنة 1944 عادت وظهرت فجأة من دون مقدمات، كتبت مجلة  »الإثنين« في زاوية  »أخبار في سطور«:  »عادت المطربة أسمهان إلى القاهرة، وتنوي أن تمضي في مصر حوالى ثمانية أشهر. وقد قالت أم كلثوم إنها دهشت من الإشاعة التي أطلقها بعض المغرضين، وفحواها انها حاولت ان تمنع أسمهان من الحضور إلى مصر«. تبيّن بعد ذلك أن أسمهان عادت إلى مصر لتلعب دور البطولة في فيلم  »غرام وانتقام«  »نجمة ستوديو مصر اللامعة، وكوكب فيلم يوسف وهبي الذي سينتجه الاستديو الآن« كما ذكر في احدى المجلات.  ضمّ الفيلم مجموعة بديعة من الأغاني، منها أربع من تأليف أحمد رامي، وهي  »ليالي الأنس«،  »أيها النائم«،  »إمتى حتعرف«، و »نشيد الأسرة العلوية«. تزوّجت أسمهان في تلك الفترة من الممثل السينمائي أحمد سالم، وعاشت معه حياة فضائحية صاخبة تناقلت الصحافة أخبارها المثيرة بلهفة. وانتهى هذا الزواج بعد فترة قصيرة بتبادل للرصاص كاد يودي بالزوج وبضابط للشرطة، كما نقلت الصحافة يومذاك.

قضت أسمهان غرقا في النيل قبل أن تكمل تصوير مشاهد الفيلم الأخير

كتب الأخطل الصغير قصيدةً مطلعها:  »أضاع جبريل من قيثاره وتراً/ في ليلة ضلّ فيها نجمه الهادي«.

كتب زوج أسمهان الأخير، أحمد سالم، في الذكرى الثانية لرحيلها،  مقالة بعنوان  »كيف كانت أسمهان من أسباب انتصار الحلفاء في الشرق الأوسط«، وروى للمرة الأولى رواية تقول إن النجمة عادت إلى سوريا في مهمة سرية تقوم على دعوة أهل الجبل لمناصرة قوى الحلفاء في حربهم على فرنسا المناصرة لألمانيا في ظل حكومة فيشي، وبدت المطربة الشابة في هذه القصة  »امرأة غلب طموحها السياسي على طموحها الفني« بحسب تعبير فكتور سحاب.

كتب الصحافي محمد التابعي سلسلة طويلة من المقالات استعاد فيها قصته الشخصية مع أسمهان، وسلّط الضوء على نضالها الوطني.

 كتب سعيد فريحة  سلسلة أخرى من أربعة مقالات طويلة في  »الصياد«، وقدّم رواية معاكسة كليا تعزو اختلاط أسمهان في هذه الحرب في الدرجة الأولى إلى سعيها للحصول على المال الوفير الذي يؤمّن لها حياة الترف والعبث واللهو.

ظهرت صور أسمهان التي تعود إلى تلك الحقبة بعد رحيلها بسنوات، ومنها صورة تجمع بينها وبين الجنرال ديغول، وأخرى مع الجنرال غورو، وثالثة وهي تتقلّد  »وسام اللورين«، أي شارِة  »فرنسا الحرة«. دفعت هذه الصور بعدد من الكتّاب إلى البحث عن  »أسرار أسمهانِ: المرأة، الحرب، الغناء«.