هلوسات كاتبة تقرأ-آنّا ماريا أنطون

آنّا ماريا أنطون

كيف يمكن لكتابٍ ضيِّق الحيلة أن يشدَّكَ بحِباله اللاصوتية ويُوقعكَ في تعويذته؟! كيف يمكن لحفنةٍ من الورق المُتَراصّ على أحد الرّفوف أن تستدعيَكَ إلى بُرجها؟! هل كان الورقُ يُحدِّقُ بي ويدعو إلى اللغات كي تبوحَ به؟! هل كان يُخطِّطُ للوقوع أمام رجليَّ أو لتتعثَّر بصفحاته عينيَّ؟! أم أنَّ تلكَ الكاتبة كانت تُراقبني من بعيدٍ وتسترقُ الكتابة عنّي؟! وكيف تحوَّلتُ فجأةً من مَن يُمسكُ بالقلم ويُديرُ دفَّة الورق إلى مَن يُسْجَنُ داخل خيالٍ نزق؟! وهل يجدني أحدهم مُتلبِّسةً خلف جدرانه أو يُلقَى عليَّ المؤبَّد لدخولي عنوةً إلى إلهامٍ محظورٍ؟!

يا ترى ما هي المجسّات الخَفية التي زرعتُها بين انحناءات ورقي دون أن أدري؟! ما هو الحبرُ المدسوس في جينات مولودي دون أن أعي؟! ومَن هم الضحايا الذين ستُطوَى الصفحات على تفاصيلهم وتُؤرقُ لياليهم؟! هل أنجحُ في اجتياز امتحان الشعوذة وأتخرَّجُ بجنونٍ فخريّ؟! يا ترى ما هي الحروف التي ستستوقفُ رهائني وعند أيِّ سطورٍ سيعلقون؟! في أيِّ مفارق سيضلّون وعلى أيَّة أرصفة سيُعاودون المرور؟! هل يكشفون سرِّي أم أفضحُ أنا أسرارهم؟! هل يسبقون خيالي أم أسبقهم أنا إلى غَدِهم؟!

ماذا لو كان الكتّاب جميعهم مرتبطون ببعضهم بخيطٍ سحريٍّ؟! ماذا لو اتّضح أنَّ للفنِّ جذورًا واحدة مهما تشعَّبت أغصانه؟! هل حقًّا التميّز في الإختلاف أم أنَّ الإنصهارَ مع مَن يشبهوننا هو التميّز الأكبر؟! وما هي هذه الطمأنينة التي تعتريني فجأةً؟! هل وجدتُ وطني أخيرًا؟! أم أنّي بدأتُ بفكِّ شرنقتي للتوِّ؟! هل سببُ كلِّ هذا أنّي وجدتُ لوني، أو بمعنى أَدَقّ، اخترعتُ لوني بنفسي؟! وإلى متى تدومُ هذه النشوة؟! هل تنتهي سريعًا كعلاقةٍ عابرة أم أنّي وجدتُ حَبْلِيَ المثلوث فعلًا؟! وهل هي أعراضُ استثارةٍ جانبية أم خُبْثُ مرضٍ استشرسَ في دمي؟!