علي نعمة يُعلي مناط الديمقراطيّة

د. ميشال كعدي

رسَمَ ملامحَ الديمقراطيَّةِ، على كثيرٍ من الوضوحِ النَّافذِ، حتَّى أَرتَجَ على صانعي السِّياسةِ، في المفهومَينِ القوميّ والإسلاميّ، إضافةً إِلى التّكوينِ الاجتماعيّ، بإحاطةِ الغلبةِ، وموهبةِ الثّقيفِ، العَروفِ بالأحوالِ الدِّيمقراطيَّةِ، وما يُحيطُ بها من أسرارٍ، ومفاهيمَ، ذلك الدكتور علي نعمة.

كتابُهُ الديمقراطيَّة التَّعبيريَّة في المفهومَينِ القوميّ والإسلاميّ، أضاءَ على ثوابتَ وطنيَّةٍ وسياسيَّةٍ، مُعتبرًا إيَّاها، مفهومًا اجتماعيًّا، يَرعى شؤونَ النَّاسِ في المُجتمعاتِ كُلِّها، عَبْرَ هَزَّاتٍ حافظةٍ، وتقديرٍ قُرآنيٍّ عَرَفناهُ مَعًا، فباتَ موصولَ الفَعاليَّةِ، وما أعدَلَ أن يُستعانَ بديمُقراطيَّةِ الرَّسولِ الأَعظمِ، وسُوَرِ القُرآنِ الكريمِ، الَّتي أَخذَتْ حيِّزًا واسعًا في الكتابِ، على رجاحةِ العقلِ، والمنطقِ، وصَباحَةِ الأَداءِ، المأخوذِ مِن لَدُنِ الخالِقِ.

تلكَ الآياتُ المُنزلةُ، أَغلقَتْ على الشَّكِّ بالدِّيمقراطيَّةِ، وهي قريبةٌ جدًّا في مُمارسَتِها، نهجًا وعقيدةً روحيَّةً وحركيَّةً اجتماعيَّةً وسياسيَّةً كما أنَّها، تضمَّنَتْ تحريمًا يظلمُ الإِنسانَ، والفقيرَ والغريبَ، كالرِّبا مثلاً، والوعيدِ، والتهديدِ، وعدم دفعِ الحقوقِ، وغير ذلك، مِن الأُمور التي ترفضُها الأديانُ السَّماويَّةُ والمجتمعاتُ:

» يا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا لا تأكُلُوا أَمْوالَكُم بَيْنَكُم بالبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكونَ تِجارَةً عَنْ   تَراضٍ منكُمْ ولا تَقْتُلوا أنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحيمًا، ومَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْوانًا وظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْليهِ نَارًا وَكَانَ ذلِكَ عَلى اللَّهِ يَسيرًا. )سورة النِّساء، الآيتان 29-31(«.

عَرَضَ الكاتِبُ المُوجِباتِ الرَّئيسةَ، برخيمِ الحواشي، الَّتي تَعنيها تعابيرُ الدّيمقراطيَّة، وتراكيبُها، ولأَنَّها للبشَرِ كافَّةً، رأيناهُ الهاضِبَ الهالي، مُسْنَدًا، بأفعالٍ وأسبابٍ، تعودُ للنُّشوءِ والتواصُلِ، واستمرارِ البقاءِ في المُجتمعاتِ الدُّوليَّةِ والقوميَّةِ، ومآثرِ الارتباطِ بالإسلامِ والمعتقداتِ الكونيَّةِ المستمدَّةِ مِن أَربابِ، مُعلِّمي الدِّيمقراطيَّةِ كالسَّيِّدِ المسيحِ، والرَّسولِ الأكرمِ، أَمَّا المواقفِ فما كانَتْ إِلاَّ بثقةِ المؤمنِ بالتآذُرِ والواثِقِ باللَّهِ والتعاونِ.

على أَنَّ الدِّيمقراطيَّة التَّعبيريَّةَ، أَخذَتْ منحى وصايا، جعفر بن يحيى البرمكي: إِن استطعتُم أن تكتبوا، فاجعلوا للكلامِ توقيعات.

ما كتبَهُ أكثر من توقيعات، فهناكَ مناعةٌ قبلَ كلِّ شيءٍ، والمُعظَمُ يُذكِّرُنا    بـ »فاليري«، أَمَّا الكاتبُ نعمة، فقد أحاطَنا بمبادئَ علميَّةٍ مَرَّ بتجربتِها المُضنيةِ، ولذا، وَجَدنا ريشتَهُ نَبَّاضَةً بالحياةِ، وجيَّاشَةً بالحقيقةِ، وكلُّ ذلكَ تحت صفائِهِ البيانيِّ، وَهُوَ القادرُ أبدًا على تبسيطِ المُعضلَةِ، وربطِها بالديمُقراطيَّةِ، والأنظمةِ، والحركاتِ الإنسانيَّةِ ونقاطِ الالتقاءِ والافتراقِ، تحتَ وَقْعِ الرُّؤيةِ.

ثُمَّ ينتقلُ الدكتور نعمة، إِلى واقعٍ يُشيرُ فيه، إِلى تنوّعٍ ظاهرٍ للعيانِ، لا يخلو مِن القلقِ، مِن هنا انبرى في كتابِهِ، يَرُدُّ على أسئِلةِ البَشَرِ في الوطنِ، حولَ النِّظامِ الدِّيمقراطيِّ، والعَلاقاتِ المرتبطةِ بالسُّلُطاتِ القائِمَةِ، والمكوِّناتِ الإنسانيَّةِ، العاملةِ في المُجتمعاتِ، والمصالحِ الحَيويَّةِ، والارتباطاتِ بالهيئاتِ الحاكمةِ، في مجالِ الدِّقَّةِ والموضوعيَّةِ، وحُسنِ التَّرسُّلِ في ميزانِ الأديبِ.

اقتَحَمَ المؤلِّفُ أَبوابَ الدَّيمقراطيَّةِ، مُتسلِّحًا بعالياتِ أَقوالِ القرآنِ الكريمِ والنَّبيِّ رائِدِ الدِّيمقراطيَّةِ في الإسلامِ، وأُولي المراقي.

وقد شَدَّدَ على المظهرِ الضَّامنِ لعنوانِ كتابِهِ، ثُمَّ دعَّمَ آراءَهُ بالحرِّيَّةِ الكاملةِ، وعلى الرَّغمِ مِن أَبعادِهِ في المِساحاتِ العربيَّةِ الواسعةِ، إِخالُهُ يقفُ حائِرًا، كمُصلحٍ أمامَ مُشكِلاتٍ شَتَّى، لا يفتأُ يُلقي بنظرِهِ، إِلى مُطلاَّتٍ تَرقى سياسةَ المفهومَينِ القوميِّ والإِسلاميِّ والجُغرافيّ، فإذا هو يخلعُ على قُدُراتِهِ بعضَ السِّحرِ والنَّباهَةِ.

وَبَينا هو في تطوافِهِ، على القِيَمِ، أَلفيتُهُ يَسُحُّ القولَ كفيًا، وإِذا دانَ له، واحْتَشَدَ، خَشعَتْ له العيونُ، والمعاني الّتي تؤسِّسُ إِلى فكرٍ ديمقراطيٍّ، لا يغيبُ عن تكريمِ الإِنسانِ، وآفاقِ الحريَّةِ، والحِوارِ، والعِلمِ والمعرفةِ في الدِّينِ الحنيفِ، وميادينِ الرَّحمةِ، في ظلِّ السُّلطةِ الدِّيمقراطيَّةِ، التي حاربَها الاستبدادُ مِن دونِ حسيبٍ أو رقيبٍ.

وفي طريقِهِ الطّويلِ، والعملُ أمنعُ مِن أن ينالَ منهُ الوهَنُ، أَرادَ أن يقفَ إزاءَ الطائفيَّةِ وأَثرِها، في تأخيرِ الدّيمقراطيَّةِ التعبيريَّةِ، واللَّفظِ الهادفِ، والتطوّرِ الجذريّ، أَشارَ إِلى أنَّ العلاجَ لا يكونُ إِلاَّ بمنظورِ الحوارِ، وهدايةِ الإنسانِ، والإيمانِ بمُعطياتِ الدِّينِ وكتابِهِ الكريمِ، لأَنَّهُ يمتازُ بالإصلاحِ الإنسانيِّ، وقِيَمِ الرَّحمةِ، في المجتمعِ المؤمِنِ، ثُمَّ أظهَرَ قيمةَ القولِ والقائِلِ في هذه الآيةِ الشّريفةِ:

»والرَّاسِخونَ في العِلْمِ يَقُولونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا« )سورة آل عمران، الآية 7(

في أيِّ حالٍ.

الكتابُ ميثاقٌ ودستورٌ لِخَلْقِ اللَّهِ.

 وعلينا أَن نبنيَ نحنُ حولَ هذا الميثاقِ، أُمَّةً جديدةً، مُفادُها المفهومُ القوميّ والإسلاميّ والإنسانيّ.

وطنُ الدكتور علي نعمة، امتدادٌ للعِلْمِ، والتَّسويةِ، والثَّقافةِ، وانبساطِ السَّماحِ السِّياسيِّ، والآراءِ المُنفتحةِ على الآخرين، لا على الأحقادِ.

وَطَنُهُ للعُلماءِ والمُربّينَ، وأَهلِ المواهبِ القادرينَ على نَشْرِ الدِّيمقراطيَّةِ، على لسانٍ لافظٍ يُبهرُ المرءَ بِمُفتَتَحِهِ، إِذ ذاك تتذكَّرُ مِن فورِكَ ما قالَهُ أَبو الطَّيِّبِ:

إِذا ما صافَحَ الأَسماعَ يَومًا       تَبسَّمَتِ الضَّمائِرُ والقُلوبُ

هذا الكاتِبُ، بدا لي أَنَّهُ مَزيجُ أَخلاقٍ وانْفِتاحٍ، ومِن روحانيَّةٍ عميقَةٍ، وعقلٍ يذكِّرنا بالكتَبَةِ الَّذينَ عاشوا لموضوعٍ، أَو لقضيَّةٍ، فهانَتْ لَدَيهِ القضايا أَمَلاً بعزٍّ غَدَويٍّ. فهو ينفحُكَ مِن أَغوارِ الدِّيمقراطيَّةِ، بنهوضِ من اعْتَرَفَ، بسعيٍ دؤوبٍ، كأَنَّهُ عاشَ في زمنِ القبولِ، وارْتِيادِ الغَيوبِ.

تَبَحَّرَ في السَّردِ. فما غابَ عنه شيءٌ.

هو في الرّأي، مِن صُدورِ المُفكّرينَ، مُسنَدٌ بنُصوصِ الأَثباتِ، حتَّى غَدا على غيرِ جَفافٍ، أَمَّا الدّيمقراطيَّةُ فَهُوَ مِن أَقطابِها، وفي السّياسَةِ بأَعلى مناطِها.