تسريح الموظفين يتفاقم في العام 2023

مع استمرار التباطؤ الاقتصادي وتراجع أرباح الشركات

أرقام التسريح من العمل هائلة وكبيرة مع بداية هذا العام، وسط توقعات باستمرار هذا المنحى في ظل التباطؤ الاقتصادي العالمي.

إلا أن عمليات تسريح الموظفين لم تبدأ في العام 2023، إذ سُجلت نهايات العام الماضي أعداد كبيرة من أولئك الذين اضطروا إلى التوقف عن العمل مع استمرار تنامي معدلات التضخم وتراجع أرباح الشركات التي تسعى من خلال خطط صرف موظفين الى تقليص خسائرها.

واليوم، لا تزال الشركات الكبرى، من شركات إعلام ومؤسسات مالية ومصارف وشركات تكنولوجيا كبرى، تعلن

تسريح الاف الموظفين في قطاع التكنولوجيا العالمي

بشكل شبه يومي عن تسريح آلاف الموظفين وخطط لخفض العمالة.

فمثلاً، تم تسريح عشرات الآلاف من موظفي التكنولوجيا في الأسابيع القليلة الأولى من العام الجديد، وفقاً للبيانات التي جمعها موقع  Layoffs.fyi. وتم تسريح أكثر من 68 ألف موظف في قطاع التكنولوجيا العالمي، كـ”غوغل” و”ميتا” و”مايكروسوفت” و”أمازون” و”سبوتيفاي” وغيرها الكثير… وبالطبع، هذا الرقم أخذ في التصاعد في الأسابيع التي تلت.

وبحسب الموقع نفسه، خسر نحو 194 ألف شخص وظائفهم في قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة منذ مطلع العام 2022.

كما بدأت المصارف أكبر جولة من تخفيضات الوظائف منذ الأزمة المالية العالمية، بعد الضغوط التي تعرض لها المسؤولون التنفيذيون لخفض التكاليف في أعقاب انهيار عائدات المصارف الاستثمارية. وقرر العديد من المصارف، بما في ذلك “كريدي سويس” و”غولدمان ساكس” و”مورغان ستانلي” و”بنك أوف نيويورك ميلون” إلغاء أكثر من 15 ألف وظيفة، ويتوقع مراقبو الصناعة أن يحذو الآخرون حذوها.

وبحسب دارسة وضعها تطبيق “لينكد إن” الذي يقدم خدمة البحث عن الوظائف، فإن التوظيف واصل انخفاضه في ديسمبر (كانون الأول) 2022 وسط حالة عدم اليقين المتزايدة وتباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي. وهو انخفض في جميع البلدان تقريباً مقارنة بشهر ديسمبر (كانون الأول) 2021؛ وكان هذا أكثر وضوحاً في أيرلندا (-26.7 في المئة) والبرازيل (-23.3 في المئة) والهند (-23.1 في المئة) والمكسيك (-20.5 في المئة). كما انخفض في الولايات المتحدة حيث بدأت الشركات في شد أحزمة التوظيف واتباع نهج أكثر حكمة في التوظيف.

وتتحدث الدراسة عن “تراجع جماعي” في التوظيف المفرط في جميع الاقتصادات الكبرى، في التكنولوجيا والمعلومات وصناعة الإعلام – وهي علامة على إعادة تقويم متوقعة لقطاع شهد مكاسب توظيف هائلة خلال وباء كورونا. وإذ تعتبر أن ما حصل في العام 2021 كان عبارة عن “جنون التوظيف”، ترى أنه “على عكس فترات التباطؤ الاقتصادي التقليدية، فإن أولئك الذين تم تسريحهم مؤخراً يقدمون مجموعة واسعة من المهارات المطلوبة للغاية والتي تخلق فرصة رائعة للشركات من جميع الأحجام التي لا تزال تتطلع إلى التوظيف. ومع ذلك، يمكن اعتبار ذلك فرصة للشركات التقليدية التي تسعى إلى تجديد عملياتها التجارية لتوظيف المواهب في سوق أقل تنافسية”.

لكن الدراسة تشير إلى أنه “حتى مع ازدياد أسعار الفائدة في المصارف المركزية وتباطؤ الاقتصادات، من المحتمل أن يستمر نقص العمالة في العديد من البلدان في المستقبل المنظور؛ وإحدى علامات النقص المستمر في العمالة هي أن مشاركة القوى العاملة لم تتعاف بعد إلى مستويات ما قبل الجائحة، ويرجع ذلك في الغالب إلى التغيرات الديموغرافية (أي قوة عاملة شيخوخة) ومسؤوليات رعاية الأطفال”. وتضيف “هذه العوامل، من بين أمور أخرى، تعني أن الولايات المتحدة ودول أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا الأخرى ستعاني من نقص العمالة لبعض الوقت، سواء كان هناك ركودٌ أم لا”.

ويعتقد المحللون أن عمليات التسريح في مجال التكنولوجيا، قد يكون لها تأثير كبير، لأنها تحدث في الشركات ذات الأسماء العائلية التي شهدت نمواً سريعاً في الفترات الأخيرة، ما يلقي بظلاله على تعافي الاقتصاد بعد موجة كورونا، وفي ظل الحرب الروسية –الأوكرانية. وهذا يعني أن التباطؤ في تلك الشركات سيؤدي إلى قلق الباحثين عن عمل،

الركود يضر سوق العمل ومخاوف من أيام اشد سوداوية

ويزيد من احتمالات الدخول في الركود الذي تلوح مؤشراته في الأفق، استعداداً لتكثيف رفع أسعار الفائدة في جميع أنحاء العالم للحد من التضخم.

وكان موقع ResumeBuilder.com أجرى في نهاية العام الماضي  استطلاعاً على 1000 من قادة الأعمال لفهم كيفية تحقيق التوظيف في مؤسساتهم في عام 2022 والتوقعات لعام 2023.

وجاءت النتائج أن  61 في المئة منهم قالوا إن مؤسساتهم ستسرح على الأرجح في عام 2023، و57 في المئة رجحوا أن يتم تسريح 30 في المئة أو أكثر من قوتهم العاملة في عام 2023، وأن تطبق 70 في المئة من الشركات تجميد التوظيف في عام 2023. فيما قال 34 في المئة إن هناك نية لخفض رواتب الموظفين الحاليين بنسبة 27 في المئة.

 ماذا حصل سابقاً؟

ولكن لماذا وصلت هذه الصناعات، وخصوصاً قطاع التكنولوجيا، الى ما هي عليه اليوم؟

على مدى العامين الماضيين، شهد العالم فترات من النمو الهائل. ولمواكبة هذا النمو ودعمه، تم توظيف عدد من الأشخاص استجابة لواقع اقتصادي مختلف عن الواقع الذي نواجهه اليوم. فمثلاً، نمت القوة العاملة في “آبل” منذ نهاية السنة المالية في سبتمبر (أيلول) 2019 حتى سبتمبر (أيلول) 2022، بنحو 20 في المئة، لتصل إلى ما يقرب من 164 ألف موظف بدوام كامل. وخلال الفترة نفسها تقريباً، تضاعف عدد الموظفين في “أمازون”، وارتفع عدد العاملين في “مايكروسوفت” بنسبة 53 في المئة، وزادت “ألفابيت” التوظيف بنسبة 57 في المئة، وتضخم عدد الموظفين في شركة “ميتا” بنسبة 94 في المئة، بحسب تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”.

بحسب “سي أن أن”، فإن قطاع التكنولوجيا شهد طفرة أرباح خلال انتشار وباء كورونا. فبعد الإغلاق في دول العالم، لجأ الموظفون إلى العمل من بُعد، والطلاب إلى الدراسة من المنزل، وكانت العائلات تؤمن مشترياتها من خلال متاجر الإنترنت، هذا فضلا عن النمو في شركات الألعاب والأفلام على الإنترنت.

أمام هذا الواقع، لجأت شركات تكنولوجية عدة إلى التوسع، وزادت عدد موظفيها كي تلاقي ارتفاع الطلب وزيادة الأرباح ومشاريعها الاستثمارية.

إلا أنه بعد انحسار الوباء، وعودة الحياة إلى طبيعتها في بلدان عدة، لم يعد الطلب على التكنولوجيا كما كان في العام 2020، ما غيّر المعادلات، وأدى إلى صدمة في القطاع. وبالتالي، أصبح الوضع “أكثر قساوة” بعد عامين على كورونا.

كما أن هناك عوامل أخرى ضربت قطاع التكنولوجيا ودفعت إلى هذا الخفض الهائل في أعداد الموظفين، منها ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم والمخاوف من الركود، والتي أدت جميعها إلى تراجع الإعلانات وإنفاق المستهلكين، ما أثر على أرباح شركات التكنولوجيا وأسعار الأسهم.

وفقاً لمحللين، فإن السبب الرئيسي وراء تفضيل شركات تكنولوجيا المعلومات لتسريح الآلاف من الموظفين هذا العام هو الركود المتوقع الذي سيضرب الولايات المتحدة وأوروبا في عام 2023.

ويرى بعض المحللين أن تسريح الموظفين يعكس إنفاقاً غير مسؤول في قطاع التكنولوجيا الذي نعِم بنمو مفرط، وأن الشركات القوية في مجال التكنولوجيا وظّفت بشكل مفرط وبوتيرة غير مستدامة، بحيث أصبح الاقتصاد الكلي القاتم يفرض عمليات التسريح هذه في الفضاء التكنولوجي.

المصارف

ولا تقتصر عمليات التسريح على صناعة تكنولوجيا المعلومات فقط، بل تطال ايضاً الأمور المالية وتجارة التجزئة والطاقة والرعاية الصحية.

فبالنسبة إلى القطاع المصرفي، يعتبر المحللون أن عمليات التسريح التي من المتوقع أن تصل إلى عشرات الآلاف في جميع أنحاء القطاع، تعكس عمليات التوظيف الجماعي التي قامت بها المصارف على مدى السنوات القليلة الماضية والإحجام عن طرد الموظفين خلال جائحة كورونا. ويتوقع هؤلاء أن تكون تخفيضات الوظائف المقبلة “شديدة الوحشية” وأنها بمثابة إعادة تعيين لأن المصارف وظفت أكثر من اللازم على مدار العامين أو الثلاثة أعوام الماضية”.

وإلى جانب صرف موظفين، بدأت عملية خفض المكافآت السنوية بنسبة تصل إلى  30 في المئة في المئة، وذلك في استعراض قوة وصفته وكالة “بلومبرغ” بأنه نهاية للحرب على المواهب والكفاءات جراء الركود، وإعادة لقرار تحديد الأجور إلى أيدي الشركات.

وكانت منظمة العمل الدولية نبهت في أواخر العام الماضي من أن آفاق أسواق العمل العالمية ساءت في الأشهر الأخيرة، وأنه في حال استمرار الاتجاهات الحالية، ستزداد الوظائف الشاغرة ندرة بينما سيتدهور نمو الوظائف على مستوى العالم بشكل كبير. وأشارت إلى أن إنهاء النزاع في أوكرانيا بسرعة من شأنه أن يساهم بشكل أكبر في تحسين الوضع العالمي للعمالة.

ورأت المنظمة أن “التصدي لحالة العمالة العالمية المقلقة للغاية، ومنع حدوث تراجع كبير في سوق العمل العالمي، سيتطلبان سياسات شاملة ومتكاملة ومتوازنة على الصعيدين الوطني والعالمي.”

“نحن بحاجة إلى تنفيذ مجموعة واسعة من أدوات السياسة، بما في ذلك التدخلات في أسعار السلع العامة؛ وإعادة توجيه الأرباح المفاجئة؛ وتعزيز ضمان الدخل من خلال الحماية الاجتماعية؛ وزيادة دعم الدخل؛ والتدابير المستهدفة لمساعدة الأشخاص والمؤسسات الأكثر ضعفاً”، قال مديرها العام جيلبرت هونغبو. فهل ستكون قابلة للتطبيق وسط رياح الركود؟