الرئيس لحود لـ “الحصاد”: التغيير الوحيد يكون بالإنتفاض على الطبقة الحاكمة

  طرحت وتيرة الانهيار غير المسبوق تاريخياً في لبنان، اسئلة حول الاسباب الحقيقية لما حصل خلال ثلاث سنوات من سقوط هياكل كل القطاعات الرسمية ومعظم القطاعات الخاصة، لا سيما على المستوى النقدي والمالي والمصرفي، بعدما كان “حرّاس” النظام الطائفي النفعي – الريعي الاستهلاكي غير المنتج، يؤكدون صبح مساء “صلابته ومتانته”،  بينما ظهر واقعاً ان القائمين على الحكم والنظام بكل مؤسساته هم المتجذرون في بنيته وهم الاصلب والاكثر تماسكاً حفاظاً على مصالحهم السياسية والطائفية والمالية، وجلسوا في ابراجهم العالية يراقبون حريق بلدهم تماماً كما فعل امبراطور روما نيرون.

ونتيجة لهذا الانهيار كان من الطبيعي ان تنبري نخبة من المجتمع اللبناني السياسي والاهلي لطرح الصرخة من اجل تصحيح حال البلاد والعباد، انطلاقاً من تصحيح بنية النظام بعد النظر في اسباب سقوط الهيكل وتحديد مكامن الخلل وطرح البدائل والحلول. وظهرت دعوات كثيرة لتصحيح وتوضيح وتفسير اتفاق ودستور الطائف، وتنفيذ ما تبقى منه لا سيما لجهة الاصلاحات البنيوية والغاء الطائفية السياسية تدريجياً وانتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي،

اميل لحود

وتطبيق اللامركزية الادارية وتحقيق استقلالية القضاء.كذلك دعوات لتعديل قانون الانتخابات النيابية وجعله اكثر قابلية لتطوير النظام السياسي والاتجاه نحو الدولة المدنية العادلة القادرة.

وبرغم وصول اكثرمن ثلاثين نائباً جديداً الى المجلس النيابي، بينهم 13نائباً وصلوا تحت شعار “التغيير” وكانوا من قادة ورموز الانتفاضة الشعبية عام 2019، إلّا انهم لم يستطيعوا تحقيق اي تغيير ولوبسيط لا في تركيبة السلطة ولا في الاداء ولا في الاصلاحات، نتيجة اسباب كثيرة ليس اقلها انقسامهم واختلاف رؤية كل مجموعة منهم عدا عدم تمكنهم من خرق جدار قوى السلطة السميك.

  على هذا لابد من استقراء الأسباب الحقيقية الظاهرة والمخفية لهذا الانهيار والسبل الكفيلة بالخروج منه وتصحيح مسار لبنان. وفي هذا الحوار لـ “الحصاد” مع رئيس الجمهورية الاسبق اميل لحود محاولة لتبيان تراكمات السنوات الماضية من الاداء الخاطيء للمسؤولين، انطلاقاً من تجربته الغنية المليئة بالاحداث والتي امتدت 18 سنة منذ العام 1989 حتى العام 2007، منها تسع سنوات قائداً للجيش وتسع رئيساً للجمهورية.

*ما هي برأيك الاسباب الحقيقية للإنهيار الذي اصاب لبنان على كل المستويات السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية والقضائية والتربوية والصحية؟

 – اولاً، حسب تجربتي ادركت منذ العام 2005 بعد تشكيل الحلف الرباعي في الانتخابات النيابية ان لبنان لن يصمد، انا تعرفت على كل الامور التي كانت تجري من خلال ممارستي في الحكم، وقبل ذلك لم أكن اتعاطى بأي امر كوني ضابطاً في الجيش وحتى عندما كنت قائداً للجيش. ولم اكن اعرف لا السوري ولا الاميركي ولا الفرنسي ولاغيرهم، وقد استنتجت في العام 2005 وقلتها علناً انه لا يمكن بناء دولة إلّا بالخلاص من المذهبية الضيقة لا الطائفية بمعناها

رفضت ضرب المقاومة

الواسع فقط. وانه من هنا يجب ان نبدأ، اما الباقي فيتبع.انا ماروني فخور بكنيستي لكن مذهبي لا يدخل في عملي. ومشيت على هذا الاساس كما تربيت في منزل والدي.

تم تعييني قائداً للجيش بعد اتفاق الطائف وبدأت المشاكل امامي من اليوم الاول، لأن المسؤولين وقتها ارادوا الابقاء على التركيبة الطائفية للجيش، لكنني واجهت الجميع وقمت بدمج الوية الجيش التي كانت موزعة طائفياً ومناطقياً لكل جهة، لكن وحده الرئيس الراحل حافظ الاسد تفهمني وايد خطواتي من دون ان اعرفه ويعرفني.

وجود اسرائيل السبب الاول لمشاكل لبنان

  وحسب خبرتي وقناعتي أيضاً، فإن اصل مشاكل لبنان بدأت منذ تشكيل الكيان الاسرائيلي، وليتمكن الخارج من حكم لبنان وخدمة اسرائيل، اوجد المذهبية وليس الطائفية. وفي الحقيقة البداية بعد الاستقلال كانت جيدة، حيث  اجروا الانتخابات النيابية عام 1943 على اساس غير طائفي في المحافظات الخمس، و جرت وقتها بين لائحتين ونهجين سياسيين “الجبهة الدستورية” وجبهة كميل شمعون وكل لائحة كانت تضم اطرافاً من كل الطوائف. لكن الرئيس شمعون اجرى عام 1956 انتخابات بقانون انتخابي على اساس دوائر صغرى طائفية لإقصاء خصومه السياسيين وفعلاً خسر الكثيرون من خصومه الانتخابات، فتكرست الطائفية والمذهبية من وقتها وبقي الامر على ما هو عليه في كل الانتخابات حتى حصول اتفاق الطائف عام 1990 والذي وافقت عليه كل الاطراف.

*ماذا جرى بعد الطائف؟

– عندما جاؤوا لتنفيذ اتفاق الطائف ودستوره وجدوا ان لا مصلحة لهم بتنفيذه كماهو، لكن عندما تسلمت رئاسة الجمهورية عملنا انا والرئيس سليم الحص على بناء الدولة ومكافحة الفساد وجلبنا مسؤولين الى التحقيق، فقامت الدنيا علينا، وحاول المدعي العام وقتها ان “يشتريني” بإغراءات وتدابير معينة لبعض المرتكبين ظناً منه انهم محسوبين عليّ، فطلبت تنحيته وهذا ما حصل. هكذا اعتادوا على التصرف منذ الاستقلال حتى اليوم، بينما انا قلت في خطاب القسم اذا كان ابني مرتكباً يجب ان يُحاسب.

  لذلك، وخلال اول عهدي وحتى العام 2005 وصل لبنان الى القمة سياسيا وامنياً واقتصاديا. وبناء على ذلك قرروا التمديد لي في رئاسة الجمهورية قبل اغتيال الرئيس المرحوم رفيق الحريري.

انا لم آتِ رئيساً برغبة السياسيين الذين لم يستسيغوا انتخابي رئيساً، بل برغبة من الشعب بعد استطلاع رأي اجرته شركات فرنسية لصحيفة “النهار” وقتها وحصلت فيه على نسبة 60 في المئة من اراء المستطلعين.

*هل ترى سبب ألازمات تركيبة النظام السياسي –الطائفي – النفعي الريعي وممارسات الطبقة السياسية ام هناك اسباب اخرى؟

– طبعاً. وبسبب وجود المذهبية هم قادرون على فعل اي شيء لكنهم لا يريدون بناء دولة القانون، حتى المساعدات التي كانت تقر للمزارعين والمنكوبين في مجلس الوزراء كانت تجري على اساس توزيع طائفي ومذهبي، مليون دولار لهذا الفريق ومليون لفريق آخر، وهكذا الامر في الصناعة والانتاج، لكنهم كانوا يفضلون الاقتصاد الريعي لا المنتج. بينما انا لا انتمي لأي فريق ولا اتصرف طائفياً ولا احد “يمون” عليّ وهذا ما ازعجهم مني. لذلك اقول مع قيام دولة القانون تتوقف كل هذه الممارسات لكن بقاء المذهبية يعيق إصلاح كل شيء.

  لكني اذهب ايضاً ابعد من ذلك لأقول ان علة لبنان هي وجود اسرائيل، هي التي تفعل ما تريد بضغط اللوبي الصهيوني في اميركا. لذلك وجدوا ان مواجهة لبنان والمقاومة فيه تكون بالطائفية والمذهبية. لكنهم لم يحسبوا حساب قوة المقاومة التي هزمت اسرائيل، وللأسف كان كل المسؤولين بدون استثناء في لبنان عام 1993 يريدون ضرب المقاومة وسحب سلاحها، وبحجة وجود قرار من مجلس الامن الدولي ومن المجلس الاعلى للدفاع في لبنان ومن بعض المسؤولين السوريين عن الملف  اللبناني، وكنت قائداً للجيش فرفضت فطلبوا اقالتي من قيادة الجيش، وطلب وقتها الرئيس حافظ الاسد مقابلتي للتعرف عليّ عن قرب، وابلغته ماحصل فرفض التعرض للمقاومة… كانوا يريدون لبنان الضعيف كرمى لإسرائيل. وقد قلت هذا الكلام للمقاومة ولكل الاصدقاء منذ 2005، وقلت لهم سنصل الى نهاية وخيمة اذا استمر تدوير الزوايا. تدوير الزوايا اضر بلبنان، هناك حق او خطأ. ولكنهم يتاجرون بكل شيء وحالياً يتاجرون بدماء الشهداء.

لاثغرات في اتفاق الطائف

*هل ترى ان دستور الطائف تضمن ثغرات سمحت بتجاوزه وتطبيقه المشوّه الانتقائي، وهل يمكن من خلال الدستور تصحيح المسار ام هناك وسائل اخرى؟

– غير صحيح،لا توجد ثغرات في الدستور. الثغرات هي من فعل المسؤولين الذين تسلموا السلطة بعد الطائف. واصبح هناك أعراف وليس التزاماً بالنصوص الدستورية. ولم ينفذوا بند الغاء الطائفية السياسية وتشكيل مجلس

لحود والاسد علاقة مستدامة

للشيوخ يتولى شؤون الطوائف، همّهم الآن تنفيذ بند اللامركزية. لقد سار الجميع في المؤامرة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ولو نفذوا الاصلاحات وكافحوا الفساد وقتها لما وصلنا الى هذا الوضع. لقد حاولوا معي ومع الرئيس سليم الحص في بداية ولايتي الرئاسية منعنا من محاسبة المسؤولين الفاسدين الذين استدعيناهم للتحقيق وتدخلوا للإفراج عنهم فرفضنا.

لقد خلقوا هذه المنظومة الفاسدة وكانوا يريدوني ان اكون من ضمنها، فهكذا يعمل نظام الفساد. هل حصلت في اي دولة بالعالم سرقة اموال الشعب كماحصل هنا؟ كما عملوا على ابتزاز عدد كبيرمن المستثمرين العرب من “وراء ظهري ” للإستفادة منهم بمبالغ مالية وتوظيفات، ولما علمت سهلت امور كل المستثمرين من دون ان اعرف احداً منهم،  وإلّا كنا سنخسر مليارات الدولارات من الاستثمارات. لكنهم لايريدون رئيسا مثلي لا يدوّر زوايا ولا يحمي الفاسدين وغير ممسوك من الخارج. خاصة اني رفضت طلبات وزراء خارجية اميركا كولن باول ومادلين اولبرايت وكونداليسا رايس، فهل اكون تابعاً لهذه الدولة اوتلك؟ هل تعلمون ان خط الحدود البحرية الذي تم ترسيمه كان الخط 29 وليس 23 واعترفت لي به الوزيرة اولبرايت، لكنهم عادوا وعدّلوه فخسرنا مساحات من مياهنا الاقليمية.

المفتاح الغاء الطائفية

*كيف يمكن اعادة بناء الدولة المدنية غير الطائفية على اسس سليمة؟ هل بتعديل الدستور ام بقانون الانتخاب ام بتصحيح القضاء وضمان استقلاليته ليصبح قادرا على المساءلة والمحاسبة بعيداً عن الارتهان الطائفي والسياسي؟

– اذا طبقوا الطائف الآن يمكن البدء بحل المشكلة. إلغاء الطائفية السياسية ووضع قانون انتخابي خارج القيد الطائفي هوالاساس، عندها ينهض لبنان. من هنا ألوم وأعتب على بعض الاصدقاء الذين دخلوا في متاهات القوانين الانتخابية الطائفية. وعندما حاولت تغيير قانون الانتخاب العام 2005 قامت القيامة بوجهي، ولكني رديت القانون حسب صلاحياتي لكن وفق الدستور يمكن لمجلس النواب اعادة إقراره.

بالمختصر المفيد. اعود واكرر وجود اسرائيل اولا هو سبب مشاكل لبنان، ثم المذهبية والطائفية والتبعية للخارج. لبنان ليس على هذا الشكل، ولم يكن هكذا.هم ارادوه هكذا وجعلوه هكذا. وهم يحاربون لبنان اليوم اقتصاديا بضرب الليرة. حتى اقرب الاصدقاء لنا دخلوا في هذه اللعبة. لكن احداً لم يجبرني على فعل امر لا اقتنع به وضد مصلحة لبنان، حتى اني تعاملت مع سوريا من الند للند وكان هناك احترام وتقديرمتبادل، ولذلك لم اعد اتواصل مع احد او التقي احد ولا اعطي احاديث صحافية واعلامية منذ فترة طويلة. والحمد لله مرتاح.

لقانون انتخاب غير طائفي

*اي قانون انتخابي افضل للبنان برأيكم؟

– افضل قانون برأيي كما يقول دستور الطائف مجلس نواب خارج القيد الطائفي وتشكيل مجلس شيوخ للطوائف. وهذا يتم  بقانون النسبية ولبنان دائرة انتخابية واحدة لأنه يقضي على الطائفية السياسية، فإنتخاب النائب من كل الشعب يجعله في خدمة كل الشعب. لكنهم لا يريدون قانونا غير طائفي ليبقوا في مراكزهم، فبقانون غير طائفي يخسرون الانتخابات.

أنا متشائم على المدى القريب، لأن المعادلة الداخلية الحالية والتي كرستها الانتخابات النيابية الاخيرة وفق هذا القانون المسخ، ثبتت معادلة ابقاء القديم على قدمه بل ادخلتنا في منطق يتطلب المزيد من التسويات التي تتراكم منذ عام ٢٠٠٥.

كنا نتمنى ان تتفكك المنظومة العفنة من خلال قانون انتخاب عصري مبني على النسبية مع لبنان دائرة انتخابية واحدة، ولكن للاسف هذا لم يحصل بل بقينا على قانون يبعدنا اكثر واكثر عن جوهر اتفاق الطائف. لذلك وللاسف اصبحنا رهن التأثير الخارجي بدل المبادرة الداخلية لانقاذ الوضع.

تغيير المعادلات الدولية

* من هي الجهة المؤهلة لتحقيق الاصلاح في بنية النظام ومكافحة الفساد والفاسدين؟

– لم يعد لدينا في المدى القريب امل الا ان تتغير المعادلة الدولية التي هي اليوم في اوج المواجهة بين الشرق والغرب، ونتطلع الى نهاية هذا الصراع بانتصار الشرق. وهذا ما نراه في اوكرانيا وشهدناه في سوريا وسنراه في كل مكان يشهد صراعاً من هذا النوع. وبالتالي، سنكون امام معادلة جديدة دولية يتأثر بها الاقليم ومن ضمنه لبنان.

طبعاً كنا نأمل ونريد ان يكون القرار داخلياً لو كانت نية المسؤولين طيبة، واكرر ان لبنان سينتصر لكن امامنا مرحلة صعبة ولا ارى حلولاً سحرية ولا اريد ان اكذب على الشعب مثل الطبقة السياسية التي امتهنت الكذب، بل سأبقى صادقاً وصريحاً، والتغيير الوحيد من الداخل يكون بأن ننتفض على هذه الطبقة ولا نقبل بالامر الواقع الذي فرضه هذا القانون وتبعاته التي انعكست على المؤسسات الدستورية.

هكذا نُصلِح القضاء

*كيف يمكن إصلاح القضاء؟

– العملية سهلة وقد طبقتها خلال ولايتي، حيث جمعت مجلس القضاء الاعلى، وابلغت اعضاء المجلس اني لن اوقع عفواً عن اي شخص ولا تمييز عندي بين شخص وشخص، وطلبت منهم ان يحكموا بالحق والحكم الذي يصدرعن القضاء انفذه مهما كان حتى لا تدخل الوساطات والمحسوبيات. كما ابلغتهم بأن لا يراجعني اي قاضٍ بأي موضوع اوقضية كما اني لم اراجع اي قاضٍ بأي قضية، والسبب انه عندما لا يطلب رئيس الجمهورية اي امر من القضاء لا يعود يجرؤ احد على طلب اي شيء. لكنهم عادوا وادخلوا المذهبية والولاءات في الجسم القضائي، ولكني لا احمّل المسؤولية للقضاء فلدينا قضاة من انزه الناس، بل لمن اوصل البلاد الى هذه الحال، بحيث لم يبق اولادنا واحفادنا في البلد وطلبوا الهجرة. هل هم سعداء اهل السلطة بما وصل اليه اللبنانيون من إذلال وتفتيش عن لقمة العيش.ألا يوجد ضمير لديهم؟