البلاد تتأرجح على حافة الانكماش وتواجه تحديات صعبة
* النشاط العقاري يشكل حوالي خُمس الاقتصاد الصيني
* حوالي 70 في المئة من مدخرات الأسر في الصين مرتبطة بالعقارات
* القيادة الصينية تحذر من أن الاقتصاد يواجه “صعوبات وتحديات” جديدة
خيّب النمو الأقل من المتوقع في الصين آمال العالم بأن يكون الاقتصاد الثاني في العالم هو رافعة النمو الاقتصادي العالمي هذا العام كما توقع صندوق النقد الدولي في بداية العام 2023.
واليوم، تتأرجح البلاد على حافة الانكماش، حيث يكافح الطلب للانتعاش بعد وباء كوفيد 19، فيما يسجل نشاط التصنيع انكماشاً، في ظل توقف النشاط العقاري الذي يشكل حوالي خُمس الاقتصاد الصيني.
ورسم الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني صورة عن استمرار الضعف. إذ أظهرت البيانات أن الاقتصاد الصيني نما بواقع 0.8 في المئة فقط في الربع الثاني في يونيو (حزيران) بانخفاض من 2.2 في الأشهر الثلاثة الأولى من العام. وعلى أساس سنوي، نما يواقع 6.3 في المئة في وقت كانت التوقعات تشير إلى أنه سينمو بـ7.3 في المئة.

هذه الارقام أدنى من التوقعات دفعت بالقيادة الصينية إلى التحذير من أن الاقتصاد يواجه “صعوبات وتحديات” جديدة، ردّتها الى الطلب المحلي غير الكافي، والصعوبات التشغيلية لبعض الشركات، والمخاطر المرتفعة والأخطار المخفية في قطاعات أساسية، وبيئة خارجية معقّدة وحادّة.
على مدى العقود الثلاثة الماضية، دعم نمو الصين الاقتصاد العالمي، وبات الاقتصاد الصيني يدعم أسعار العديد من السلع الأساسية. كما أنها مصدر لمجموعة متطورة بشكل متزايد من السلع، من السيارات الكهربائية إلى الطائرات ومحطات الطاقة المتجددة.
لكن الواضح أن الاقتصاد العالمي لم يعد يدعم ديناميكيات النمو المحلي للصين، والذي يعبر عنه في تقلص الصادرات الصينية (انخفضت بواقع 12.4 في المئة في يونيو) في موازاة تراجع الواردات أيضاً (انخفضت بنسبة 4.1 في المئة).
وفقاً للحائز على جائزة نوبل للاقتصاد بول كروغمان، يتجه الاقتصاد الصيني إلى ركود كبير، وهو يقارن بين الأداء الاقتصادي المخيب للآمال للصين حتى الآن بالمشاكل الاقتصادية لليابان في أواخر التسعينات، عندما بدأت القوة الاقتصادية للبلاد في الانخفاض.
في افتتاحية لصحيفة “نيويورك تايمز” مؤخراً، قال كروغمان “يبدو أن الصين تتعثر مؤخراً ، وكان البعض يتساءل عما إذا كان مسار الصين المستقبلي قد يشبه مسار اليابان. جوابي هو أنه ربما لن -الصين سوف تفعل ما هو أسوأ”.
في ذلك الوقت، كان تعثر الاقتصاد الياباني يرجع في جزء كبير منه إلى القضايا الديموغرافية الرئيسية، حيث أدى انخفاض الخصوبة كما معدلات الهجرة إلى تراجع عدد السكان العاملين في اليابان بسرعة في عام 2000. وهو ما أدى إلى ضعف الاستثمار في الاقتصاد الياباني، وتسبب في زيادة أرصدة الديون.
هو ما تواجهه الصين حالياً، بحسب كروغمان، حيث ينخفض عدد السكان العاملين فيها مع تقدم سكانها في العمر فيما يكافح العمال الأصغر سناً لتأمين الوظائف. هذا وقد سجلت البلاد معدل بطالة قياسي بين الشباب بنسبة 21 في الربع

الثاني في الربع الماضي.
ولكن ما هي أسباب ضعف الاقتصاد الصيني اليوم؟
ثلاثة عوامل رئيسية أثّرت سلباً في النمو الاقتصادي في الصين، نوجزها تالياً:
أولاً: الركود الكبير الذي يمر فيه القطاع العقاري في الصين. فقد انعكس انهيار شركة “إيفرغراند” العقارية العملاقة في أواخر العام 2021 سلباً على المطورين والمشترين على حد سواء. فالاول بات غير قادر على الحصول على قرض لتمويل مشروعه العقاري، فيما الثاني راح يخشى من شراء منازل جديدة قد لا تنجز أبداً.
وشكّل كشف “إيفرغراند” عن خسائر بقيمة 81 مليار دولار خلال عامي 2021 و2022 ونحو 340 مليار دولار من الديون، مخاوف من أن ديون هذه الشركة الضخمة تظل مصدر قلق كبير للصحة المالية لقطاع العقارات الصيني.
وبالاضافة إلى ذلك، فإن حوالي 70 في المئة من مدخرات الأسر في الصين مرتبطة بالعقارات، فإن قطاع العقارات الضعيف يعني أن العائلات العادية لا تستطيع تجميع الثروة التي تحتاجها لإنفاق الأموال على شراء الأشياء. علماً أن الانفاق الاستهلاكي هو ما يعزز الاقتصاد أصلاً.
ولا توجد خطة واضحة لآلية دعم هذا القطاع سوى بعض الرسائل التي حملها اجتماع المكتب السياسي للحزب الشيوعي بتوفير مزيد من الدعم وتقليل عبء ديون الحكومات المحلية.
ثانياً: إن السياسات الاقتصادية التي يعتمدها الرئيس شي جينبنغ والتي لا يمكن التنبؤ بها، تسبب قلقاً للعديد من المستثمرين الأجانب، الذين لم يعودوا يرون الصين كمكان آمن لاستثمار أموالهم.
لقد باتت الصين أيضا مكاناً محفوفاً بالمخاطر بالنسبة للشركات الأميركية، ويستهدفها بشكل متزايد قانون بكين الجديد لمكافحة التجسس وسط التنافس الاقتصادي الأوسع بين الولايات المتحدة والصين. ومن المتوقع أن تزداد الأمور سوءاً عندما تبدأ واشنطن في فرض قيود الاستثمار الأميركية لمنع الشركات الأميركية من تمويل البرامج العسكرية الصينية.
ثالثاً، وربما الأهم من ذلك، فشل الحكومة في تحريك الاقتصاد من جانب الطلب ومن خلال زيادة الاستهلاك. وعلى الرغم من انخفاض أسعار الفائدة، يبدو أن معظم العائلات الصينية تنتظر مرور حالة عدم اليقين، والتي بدأت تسبب الانكماش.
ويؤمل على نطاق واسع أن تساهم خطة لتعزيز إنفاق الأسر التي أعلن عنها في رفع الاستهلاك ما يؤدي الى تحسين معدلات النمو.
محافظ جديد!
وفي الوقت الذي يتأرجح الاقتصاد على حافة الركود، قررت الصين استبدال محافظ مصرفها المركزي المعروف باسم “بنك الشعب”، حيث خلف الاقتصادي بان غونغ شنغ محافظ المصرف المركزي المنتهية ولايته يي غانغ.
اعتُبر تعيين بان خطوة مفاجئة، حيث قال محللون إنها سلطت الضوء على إلحاح بكين لتعزيز اقتصاد البلاد المتباطئ ووقف تراجع اليوان.
وكان بان في السابق نائباً لمحافظ بنك الشعب الصيني وشغل منصب رئيس هيئة تنظيم النقد الأجنبي في الصين منذ عام 2016 و كان له الفضل في وقف انخفاض في قيمة عملة اليوان في في ذلك العام، وكان يدير احتياطيات من العملات بقيمة 3.18 تريليون دولار. واختير أميناً للحزب الشيوعي في المصرف المركزي في يوليو (تموز)، وبذلك بات يشغل أحد أهم منصبين في المصرف.
والتحق بان ببنك الشعب الصيني في 2012 بعد تقلده مناصب إدارية عليا في العديد من المصارف سابقاً، مثل “إندستريال آند كوميرشال بنك أوف تشاينا” و”أغريكالتشرال بنك أوف تشاينا”. ويشير ارتقاؤه إلى أعلى المناصب في بنك الشعب الصيني إلى أن بكين تعطي الأولوية للاستمرارية السياسية في وقت يتراجع فيه زخم التعافي الاقتصادي ويكافح المسؤولون بطرق عديدة لتعزيز الثقة، وفق تقرير لـ”بلومبرغ”.
وفضلاً عن شغله منصب نائب محافظ البنك المركزي، ترأس بان أيضاً “الإدارة الحكومية للنقد الأجنبي” منذ 2016، وهي الجهة التنفيذية التي تشرف على احتياطي النقد الأجنبي بالدولة البالغ 3 تريليونات دولار. وستشكل تلك الخبرة ميزة لبان، فيما يسعى بنك الشعب الصيني إلى تحقيق استقرار العملة في ظل تزايد حالة عدم اليقين عند المستثمرين. تراجع اليوان بنحو 4 في المئة مقابل الدولار في هذا العام، ما يجعله من بين العملات الأسوأ أداءً في آسيا.
لا شك أن تحديات جمة يواجهها المسؤول الجديد والتي يأتي على رأسها إعادة ضبط تعافي الصين بعد كوفيد، في محاولة لإعادة ثقة ضعف ثقة المستثمرين.
كما انه سيعمل على الحد من العدوى من صناعة العقارات ومشاكل ديون الحكومات المحلية ، وجذب المستثمرين الأجانب إلى الأسواق المالية في الصين وخلق نظام سعر صرف مستدام. إذ يطالب المستثمرون بمزيد من التحفيز النقدي منذ خفض أسعار الفائدة في يونيو (حزيران)، على الرغم من أن بنك اشلعب في عهد سلف بان اتخذ مقاربة حذرة، وصب اهتمامه على الحد من المخاطر المالية.
وذكرت “بلومبرغ” أنه خلافاً للاحتياطي الفدرالي في الولايات المتحدة والمصارف المركزية في أوروبا، فإن بنك الشعب الصيني ليس مستقلاً، فهو تابع لمجلس الدولة، وهو الحكومة الصينية التي يترأسها رئيس الوزراء لي تشيانغ، ويحتاج إلى الموافقة قبل اتخاذ أي قرارات مهمة في السياسة النقدية، مثل تحديد أسعار الفائدة أو إدارة العملة.
بعض المحللين لا يعتقدون أن تعيين بان يبشر بانفتاح لسوق رأس المال الصيني، لكنهم في المقابل يرون أن الخبر السار هو أنه تحت قيادته، من غير المرجح أن يتخذ بنك الشعب الصيني خطوات إلى الوراء.
فهل يكون ما تبقى من العام أفضل بالنسبة للصين مع هذه التطورات؟ فلنراقب.