لودريان من موفد فرنسي الى موفد خماسي

بالترغيب والترهيب حل بالتوافق للشغورالرئاسي

في عددها الصادر في اول تموز/ يوليو الماضي، اكدت “الحصاد” انه ستكون هناك “مقاربات فرنسية جديدة بالتنسيق مع العرب” لإيجاد حل للشغور الرئاسي في لبنان، وفعلا تم تفعيل الدور العربي في معالجة الازمة السياسية اللبنانية عبر تشكيل اللجنة الخماسية العربية – الدولية التي تضم السعودية ومصر وقطر وفرنسا والولايات المتحدة الاميركية، واجتمع ممثلو الدول الخمس في الدوحة ووضعوا اليد على الملف اللبناني مجدداً بعد الفشل مستخدمين عبارات

اللجنة الخماسية ترغيب وترهيب

“الترغيب والترهيب” لإقناع المسؤولين اللبنانيين بالحل.

وضع اليد العربية والدولية على الملف الرئاسي ادى عملياً الى سقوط المبادرة الفرنسية “الآحادية” التي كانت قائمة على تسوية تقضي بإنتخاب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية والسفير الاسبق في الامم المتحدة القاضي الدولي نواف سلام لرئاسة الحكومة، واسباب سقوط المبادرة الفرنسية كثيرة، ابرزها رفض العديد من القوى السياسية لها، ووجود مرشحين آخرين للرئاسة في الداخل والخارج.

اللجنة الخماسية تكلف لودريان

  لجنة الدول الخمس التي اجتمعت في الدوحة كلفت الموفد الفرنسي الرئاسي جان إيف لودريان نقل نتائج اجتماعها وتوجهاتها الى الفرقاء اللبنانيين، مدعوماً ببيان مشترك يمثل موقفها وابرزماجاء فيه: “أنه يجدر بالنواب اللبنانيين تحمّل المسؤولية بموجب الدستور وانتخاب رئيس، ونظروا(المجتمعون) في الخيارات العملية في ما يخصّ تطبيق تدابير بحق الذين يعرقلون إحراز أي وجه من أوجه التقدّم على هذا الصعيد، وحثوا القادة والأحزاب على اتخاذ تدابير فورية من أجل الخروج من المأزق السياسي الحالي”. فيما نبّه المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية القطرية محمد الانصاري إلى أن البيان “وجه رسالة تحذير عامة لجميع الأطراف اللبنانية بعدم عرقلة هذه الجهود لتأثيرها المباشر على مستقبل لبنان وازدهاره واستقراره”.

  ولكن في هذه الفقرة وفي فقرات اخرى من البيان، يدعو ممثلو الدول الخمس “إلى أن يكون حل هذه الأزمة اللبنانية خالصاً، ويتم عبر التوافق، وأن دور المجتمع الدولي هو الضغط الإيجابي لأن تقوم الأطراف اللبنانية بتحقيق تطلعات الشعب”. مايعني ان الدول الخمس تفضل ان يكون الحل لبنانيا وبالتوافق، وهو امر متعذر بلا تدخل خارجي او “مونة” من الدول “صاحبة النفوذ” على الاطراف اللبنانية المتخاصمة. فيماحمل البيان ايضاً عبارات ترغيب عبر تأكيد حصول الدعم العربي والدولي بعد انتخاب الرئيس، وعبارات ترهيب وتحذير بفرض إجراءات على المعرقلين وسحب اليد من لبنان.

ماذا حمل لودريان الى بيروت؟

  وقالت مصادرمتابعة لحركة لودريان في جولته الاخيرة على القيادات السياسية اللبنانية والكتل النيابية في اواخر شهر حزيران /يونيو الماضي : انه لم يطرح عقد حوار بين القوى السياسية بل طرح عقد جلسة عمل اولقاء عمل في اوائل ايلول/سبتمبر، لإجراء مشاورات سريعة مجدداً ولفترة زمنية قصيرة لا تتخطى الثلاثة ايام، للبحث في نقطتين فقط: ما هي مواصفات الرئيس المطلوب وماهي المهام المطلوبة منه، وبعدها تعقد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية

لو دريان ناقل الكفر ليس بكافر

لإختيار الشخصية التي تنطبق عليهل المواصفات والقادرة على تنفيذ المهام المطلوبة.

  وكشف رئيس المجلس النيابي نبيه بري مؤخراً “ان الموفد لودريان تكلم معه نقلا عن اللقاء الخماسي طارحا الحوار الوطني وليس الحوارات المتفرقة”. موضحاً انه أكد للموفد تمسكه بترشيح سليمان فرنجية حتى النهاية. وفي السياق نُقِلَ عن النائب محمد رعد بوصفه رئيساً لكتلة الوفاء للمقاومة (حزب الله) قوله للموفد الفرنسي ما مفاده: نحن متمسكون بخيار فرنجية، ولن نتنازل عنه، ولا رئيس سينتخب بالترهيب والترغيب من دون رضانا”. فيما قالت مصادر نيابية اخرى انها ابلغت لودريان: ان الحل يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية ولكنه ليس كل الحل، بل هو مفتاح الحل، ويجب ان يستكمل بتكليف رئيس للحكومة وتشكيل حكومة واجراء الاصلاحات الضرورية اقتصاديا وسياسيا بناءً على خطة اقتصادية واضحة.

واوضحت المصادر: في كل الاحوال ان لو دريان جاء الى لبنان هذه المرة موفداً من اللجنة الخماسية بعد اجتماعها الاخير في الدوحة وليس موفداً فرنسيا يحمل مبادرة فرنسية، بل حمل تفويضا من اللجنة الخماسية لإستطلاع اجواء القوى السياسية اللبنانية، وشرح تفاصيل البيان الصادر عن اللجنة الخماسية ، وطلبا واضحا بإجراء الاصلاحات اللازمة سياسياً وادارياً ومالياً،  لكنه لم يتطرق الى الدعوة الى حوار ولم يطرح اسم اي مرشح للرئاسة، خاصة انه لم يتبنَ ترشيح قائد الجيش كما تردد. لذلك لم يحمل لودريان اي اقتراح حل بل دعوة مجدداً للتوافق الداخلي.

 هذا التوافق اكدت عليه لاحقاً وزارة الخارجية الفرنسية بعد انتهاء زيارة لودريان الى بيروت بقولها: أنّ “نهج التوافق والمساعي الحميدة هذا الذي أطلقته فرنسا يحظى بالدعم الكامل من شركاء وأصدقاء لبنان المجتمعين في الدوحة في 17 تموز. وأنّ لودريان أشار إلى الانفتاح البنّاء لجميع محاوريه اللبنانيين على هذا النهج الملموس والبراغماتي المتمحور حول انتخاب رئيس الجمهورية وما عليه فعله لإلزام لبنان بطريق التعافي والاستقرار، لتمكين لبنان من استعادة مكانته في بيئته الإقليمية واستعادة ثقة المجتمع الدولي”.

ولكن، “اذا كان حزب الله يريد فرنجية فعليه تأمين الاصوات المسيحية اللازمة لانتخابه”، هكذا ألمح لودريان لبري ولحزب الله ومؤيدي فرنجية، مضيفا: بأن المملكة السعودية او إي دولة من دول اللقاء الخماسي لن تضغط على حلفائها المسيحيين للسير بفرنجية… في حين ان الضغط الوحيد الذي سيمارس هنا، هو الزام جميع القوى اللبنانية التي تحضر ما اتفق على تسميته “طاولة العمل او الحوار المصغرة في ايلول” بحضور اية جلسة انتخابات رئاسية تليها، شرط عدم فرط النصاب تحت اي ظرف وتأمين الميثاقية التي يكفلها الدستور للرئيس المقبل.

على هذا بدأت القوى السياسية درس الاقتراح الذي حمله لودريان لتكون جاهزة للتعامل معه مطلع ايلول المقبل.فيما تجدد، بعد قطيعة، الحوار بين حزب الله والتيار الوطني الحر في محاولة للتفاهم على مقاربة جديدة للاستحقاق الرئاسي.

الحزب والتيار وقائد الجيش

ويبدو ان جبران باسيل تجاوز خلافه مع حزب الله حول ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ووافق على ادراج اسمه في قائمة المرشحين، وتنازل عن دعم ترشيح جهاد ازعور بشروط: عدم القبول بترشيح قائد الجيش، ثم تطبيق اللامركزية الادارية “والمالية” الموسعة، وانشاء الصندوق السيادي للنفط والغاز المفترض ان يكون “خزنة” ايرادات ما ينتجه لبنان لاحقا من ابار البلوك (الرقعة) رقم 9 في المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة.

وعليه، يبدو ان مهمة حزب الله بترتيب علاقته مع التيار الحر اكثر من اساسية لاسباب داخلية تتعلق بأهمية “هذا التوافق الاسلامي-المسيحي لحماية التعايش الوطني والسلم الاهلي، ولأسباب اهم تتعلق بانتخاب فرنجية بغطاء

هل يحصل التقاطع على فرنجية

مسيحي وازن يُشكل شرطاً اساسياً لدول اللقاء الخماسي لمباركة انتخابه… وهنا تحديدا، اكد لودريان ان اي توافق داخلي سيؤمن للرئيس المقبل بمعزل عن اسمه الغطاء العربي-الدولي لانقاذ لبنان.

 وبواسطة أصدقاء مشتركين انطلق الحوار مجدداً بين حزب الله والتيار الوطني الحر. اولا عبر “الرسائل النصّية” بين رئيس “وحدة الإرتباط” في الحزب وفيق صفا ورئيس التيار جبران باسيل، واقتناع كل منهما بحاجته إلى الآخر، ورست المعادلة الجديدة بين الطرفين على: ان للتيار مرشحه ولـ”حزب الله” مرشحه. فرفع التيار بذلك اعتراضه على فرنجية كمرشح من بين الأسماء المرشحة، وقبل حزب الله ألّا يكون فرنجية الاسم الوحيد بل اسماً من ضمن اسماء اخرى للتشاور. فيما ابدى فرنجية انفتاحا للتواصل مع التيار ومناقشة كل “الهواجس والمطالب” التي يرفعها.

لكن المصادرالمتابعة للحوار تفيد انه قد يحصل”تقاطع” بين الطرفين على اسم فرنجية كمرشح للرئاسة، في حال تم التوافق على الامور الاخرى التي يطرحها باسيل وبخاصة استبعاد ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون من قائمة الاسماء المطروحة، لا سيما بعد المعلومات عن دفع قطري بدعم اميركي في “الظل” لترشيحه.

من الديوان الاميري الى لبنان

 تزامن اجتماع اللجنة الخماسية حول لبنان مع اصدار امير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قبل، قرارا بتعيين الشيخ سعود بن عبد الرحمن آل ثاني سفيرا مفوضا فوق العادة في لبنان، بدل السفير ابراهيم بن عبد العزيز السهلاوي الذي انتهت مهامه. وكان السفير الجديد يتولى مهام رئيس الديوان الاميري في قطر منذ العام 2020، وهومن المناصب العليا في الدولة، ويتابع كل الملفات التي يتابعها امير البلاد ومنها ملف لبنان.

وسبق تعيين السفير الجديد واجتماع اللجنة الخماسية وزيارة لودريان الى بيروت،  وحسب معلومات جهات متابعة للحراك الجاري، قيام الموفد القطري الشيخ مشعل الكويبي بزيارة الى بيروت حيث  التقى عدداً من النواب السنة المستقلين (اعضاء تكتل الاعتدال الوطني) في السفارة القطرية، وجرى التطرق الى الملف الرئاسي لكن بشكل عام ومن دون اي بحث بالاسماء، لأن مجموعة الخمس لم تتفق على ما يبدو اسم مرشح او اثنين لرئاسة الجمهورية ليختار بينهما السياسيون اللبنانيون.

وتعني هذه الزيارة ان قطر تضع ثقلها في الملف الرئاسي اللبناني وسط معلومات عن محاولة تسويقها اسم قائد الجيش مرشحا رئاسياً. كما افادت معلومات “الحصاد” من مصادر لبنانية متابعة عن قرب ان قطر تواصلت مع ايران بهدف المساهمة في حل ازمة الشغور الرئاسي، لكن الموقف الايراني كان واضحاً كالموقف السوري: لدينا حلفاء في لبنان هم يقررون ما يرونه مناسباً لبلدهم.

  على هذه الحال، بات لبنان امام أحد امرين او خيارين: اما قبول ما يفرضه الخارج عليه من تسويات لاحلول مستدامة بحيث نعود بعد سنة اوأقل أو اكثرقليلاً الى المماحكات والتعطيل. واما رفضها والبقاء في مستنقع الازمات المتوالدة كالفطر وصولاً الى الكارثة التي ستقضي على كل شيء. وكلا الخيارين أمرّ من الآخر. بينما المطلوب ان يأخذ السياسيون اللبنانيون امرهم بيدهم ويحزموا رأيهم بالتوافق الداخلي بما يراعي مصالح البلد والناس. لكن السؤال: اين هم هؤلاء السياسيين؟

الصور

  1. اللجنة الخماسية ترغيب وترهيب.
  2. لو دريان ناقل الكفر ليس بكافر.
  3. هل يحصل التقاطع على فرنجية.