العلاقة العربية ـ الأوروبية في عام 2030: تدهور أم إرتقاء

أ. د. مازن الرمضاني *

في العدد السابق من الحصاد ذهبنا، كجزء أول إلى البحث في ماضي مستقبىل هذه العلاقات وانتهينا إلى أن هذه العلاقات كانت، في مرحلة ما بعد الاستقلال السياسي العربي قد تميزت بتأرجحها بين الإرتقاء النسبي والتدهور النسبي. وقد ذهبنا في فقرة ثانية إلى تناول المتغيرات التي كانت تدفع إلى هذه الخاصية المركبة. وقد بدا أن النزوع المشترك نحو ضمان الأمن وإشباع الحاجات الاقتصادية كان على رأس أهم المتغيرات الدافعة نحو الإرتقاء بالعلاقات العربية-الأوروبية. أما عن تدهورها النسبي فقد كان حصيلة لمجموعتين من المتغيرات الموثرة. الأولى ذات علاقة بالسياسة الأوروبية حيال العرب وتأثير المتغيرات الأمريكية والإسرائليىة فيها. والثانية ذات علاقة بالسياسات العربية حيال الدول الأوروبية.

في هذا الجزء الثاني سنستكمل البحث في تأثير كل من المتغير الإسرائيلي في السياسة الأوروبية حيال العرب والسياسات العربية حيال الدول الأوروبية، ومن ثم نعمد، إنطلاقا من ماضي العلاقات العربية- الأوروبية إلى إستشراف مستقبلاتها حتى نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.

اولا. المتغير الإسرائيلي والسياسة الأوروبية حيال العرب

يمتد تأثير هذا المتغير إلى الدول الأوروبية منفردة، وإلى الاتحاد الأوروبي مجتمعا.

فأما عن الدول الأوروبية منفردة فسياستها الخارجية حيال اسرائيل تفيد انها كانت خلال الفترة التي سبقت تحول الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية من بين ابرز الدول الداعمة لها عسكريا واقتصاديا وسياسيا. ويكفي أن نتذكر أشكال الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي، المقدمة لها من قبل المملكة المتحدة وفرنسا والمانيا مثلا.

ولم يتغير الحال لاحقا جراء تقارب بعض الدول الأوروبية من العرب كفرنسا والمانيا. ففرنسا ذهبت في عهد الجنرال ديغول الى تبني ثمة مواقف ايجابية ومتوازنة حيال الصراع العربي- الصهيوني. أما المانيا فقد اعلنت في عهد المستشار فيلي برانت أنها تعمد إلى الأخذ بسياسة التوازن بين أطراف هذا الصراع. إن هذه المواقف التي بدت إيجابية عموما وإن أدت إلى نوع من التوتر في علاقة هاتين الدولتين الأوروبيتين مع اسرائيل إلا إنها لم تشكل مصدر قلق جدي للاخيرة. فالتقارب الأوروبي من العرب الذي اريد به أن يكون سبيلا لحماية المصالح الأوروبية في الوطن العربي كان محددا بإطار ضمان الأمن الإسرائيلي. فحتى الجنرال ديغول قال إنه«… لا يقبل بتدمير إسرائيل.« ولم يتغير الحال لاحقا.

ويرد ذلك الى استمرار التأثير الإسرائيلي فاعلا في عملية صنع القرار الأوروبي هذا جراء مخرجات متغيرات داخلية مهمة. ولعل من بين أكثرها تأثيرا دورجماعات الضغط المنتشرة في الدول الأوروبية فضلا عن التأثير الأمريكي في السياسة الأوروبية ناهيك عن الاستثمار الاسرائيلي للصورة المشوهة عن العرب في الذهن الأوروبي.

أما عن الاتحاد الأوروبي فلقد أدركت اسرائيل ومنذ بدء أوروبا مسيرتها التكاملية في عام 1957 جدوى الاستفادة من الامكانيات الأوروبية الواسعة لصالحها. لذا لم تتوان عبر الزمان عن بناء علاقات عميقة مغ التجمع الأوروبي تتيح مخرجاتها لها التمتع بمعاملة داعمة خاصة. وقد أمنت السياسة الأوروبية المسماة بالشراكة المتوسطية لها ذلك.

وقد تزامن توطيد التعاون بين الطرفيىن مع تطور الموقف السياسي الأوروبي حيال الصراع العربي- الصهيوني. فبعد التوتر الذي شاب العلاقات المتبادلة بعد حرب 1973 والحظر النفطي العربي عام 1974 اتسم الموقف الأوروبي منذ الثمانينيات تقريبا بعودته في العموم إلى أصوله التقليدية الداعمة لاسرائيل. وتفسير ذلك يكمن مثلا في أثر مخرجات الاتفاقية المصرية- الاسرائيلية في عام 1979 والتطورات اللاحقة المعلنة وغير المعلنة في علاقات عدد من الدول العربية مع اسرائيل على هذا الموقف الأوروبي هذا فضلا عن التقييم الأوروبي لنوعية رد الفعل العربي على افعالهم حيال اسرائيل. فالأوروبيون أدركوا في ضوء تجربة رد الفعل العربي العربي أنهم يستطيعون تأمين مصالحهم في الوطن العربي دون تقديم ما يستوي ذلك عمليا.ولنتذكر أن الدعم الأوروبي للعرب في السبعينيات من القرن الماضي كان دعما بالالفاض المنمقة ولا غير. وبمجرد أن حل الاطمئنان في الدول الصناعية الأوروبية على تأمين حاجتها من النفط أخذت تتعامل مع العرب من مركز القوة مستفيدة من مخرجات معطيات واقعهم الموضوعي السلبي على أنماط حركتهم حيالها.

اولا. المتغيرات الموثرة في السياسات العربية حيال الدول الأوروبية

موضوعيا تتميز عموم العلاقات العربية- العربية بتباين المصالح وعدم الثقة، وسوء الادراك ومن ثم بالصراع ضمنا وصراحة. وقد أفضت هذه الخصائص وغيرها إلى إختلالات هيكلية متنوعة أدت مضامين مخرجاتها إلى استمرار انتفاء القدرة على الالتقاء العربي-العربي ولو بالحد الادنى ، ومن ثم أفقدت العرب أوراق تفاوضية مهمة جعلت مركزهم التفاوضي دون مستوى قدراتهم التأثيرية الكامنة. لذا انتفت ومنذ زمان طويل. خاصية التكافؤ عن علاقات العرب مع قوى إقليمية ودولية ومن بينها أوروبا.

ومما أفضى أيضا إلى ذلك إنتفاء إرادة التعلم من التجارب الذاتية وحصار العرب لأنفسهم الأمرالذي جعل مخرجات الاختلالات الهيكلية العربية مدخلات داعمة لكيفية تعامل الدول الأخرى مع العرب ولغير صالحهم. وتقدم مثلا التجربة التاريخية لكيفية تعامل الدول الأوروبية مع الصراعات العربية- العربية والعربية -الاقليمية والعربية- الدولية الدليل والبرهان ففي هذه الصراعات تحددت السياسات الأوروبية على ضوء نوعية تأثير المصالح الأوروبية والتضامن الأوروبي-الأوروبي، والعلاقات الأوروبية- الأمريكية.

ففي الصراعات العربية-العربية لم تتوان الدول الأوروبية عن الوقوف صراحة مع الطرف العربي الذي تدعمه الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا. ومثال ذلك سياساتها خلال الحرب الأمريكية على العراق عام1991 وكذلك خلال جل مدة الحصار 1991-2003.وتؤكد السياسات الأوروبية هذه أن حتى المصالح الوطيدة التي تربط بين إحدى الدول العربية وإحدى الدول الأوروبية لم تحل دون إنسياقها وراء السياسة الأمريكية حيال ادولة عربية ترتبط بعلاقة صراع مع الولايات المتحدة. ومثال ذلك السياسة الفرنسية حيال العراق. فعلى الرغم من شبكة المصالح الوطيدة التي ربطت بين الطرفين العراقي والفرنسي في وقته، إلا أن هذه الشبكة لم تكن حائلا دون الإنسياق الفرنسي وراء السياسة الأمريكية. كما أن التغييراللفضي في سياستها حيال الحصار لم يفد إنها كانت اقرب إلى الموقف العراقي إن حسابات المصالح وأولويات الأفضليات أنطوت في وقته على تأثير عملي في تحديد إتجاه السياسة الفرنسية حيال العراق.

وعلى خلاف هذا النوع من الصراعات العربية-العربية تفيد التجربة أن الدول الأوروبية عمدت إلى التعامل مع نوع آخر من هذه الصراعات ولاسيما تلك التي لا تدعم الولايات المتحدة احد أطرافها. إذ تصرفت على ذلك النحو الذي لا تبدو فيه وكأنها منحازة لأحد الأطراف خصوصا عندما تكون علاقاتها مع اطراف هذه الصراعات عادية أو متطورة. ومثال ذلك سياساتها حيال صراعات بعض دول الخليج العربي أو دول المغرب العربي.

أما في الصراعات العربية-الإقليمية فالتجربة تؤكد أن الدول الأوروبية تندفع إلى تبني سياسة اللافعل خصوصا عندما تدرك أن تصاعد هذه الصراعات لا ينطوي على تهديد جاد لمصالحها. ولنتذكر كيف تعاملت الدول الأوروبية مع الصراع العربي-الصهيوني قبل حرب تشرين الأول 1974، وكذلك مع الحرب العراقية-الإيرانية لسنوات. فسياسة اللافعل كانت هي السمة البارزة لهذا التعامل. بيد أن هذه الصراعات عندما تبدأ بالتطور إلى المستوى الذي يهدد المصالح الأوروبية فإن الدول الأوروبية قد لا تترد تأمينا لهذه المصالح عن الأخذ بإحدى السياستين: أولهما الأقتراب من الموقف العربي. ومثال ذلك سياساتها بعد الحظر النفطي العربي عليهاعام 1974 وثانيهما المشاركة في الجهد الدولي لفض الصراع الإقليمي بين دولة عربية وأخرى غيرعربية. ومثال ذلك دعمها لحركة منظمة الأمم المتحدة خلال عام 1988 لفض الحرب العراقية- الإيرانية.

أما في الصراعات العربية-الأوروبية فالدول الأوروبية تتجه في العموم إلى دعم الطرف الأوروبي في صراعه مع الطرف العربي.ويعود ذلك إلى متطلبات التضامن الأوروبي_ الأوروبي. أما في الصراعات العربية- الأمريكية فالموقف الأوروبي يتحدد في ضوء تأثير متغيرين أساسين: أولهما المتغير الأستراتيجي بمعنى نوعية الأهمية التي تحظى بها الدولة العربية، التي في حالة علاقة صراع مع الولايات المتحدة في سلم أولويات هذه الدولة الأوروبية أو تلك. وثانيهما تأثير طبيعة العلاقة السائدة في وقته بين إحدى الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، في تحديد موقف هذه الدولة حيال هذا الصراع.

وعليه نتساءل: هل كانت الدول الأوروبية ستتصرف حيال صراعات الدول العربية سواء على المستوى الفردي أو الجماعي مع سواها على هذا النحو الذي جاء في اعلاه لو أن السياسات الخارجية العربية كانت موحدة ؟ الجواب هو كلا. بيد أن التشرذم العربي هو الذي حال دون ذلك وبمخرجات افضت إلى الاستهانة الدولية بنا: نحن العرب.

  1. العلاقات العربية- الأوروبية والمستقبل

تؤكد أحدى المقاربات المستخدمة في دراسات المستقبلات على أن المستقبل يُعد امتدادا إتجاهيا لمعطيات زمان الحاضر هذا جراء قانون الاستمرارية. ولا تخطا هذه المقاربة كليا. ولنتذكر أن الكثير من تأثير بعض معطيات حياة اجدادنا استمر ممتدا إلى زماننا، ومن المرجح أن يمتد تأثير بعض معطيات حياتنا الراهنة إلى زمان الابناء وحتى الاحفاد. ولكن القول أن المستقبل يعد إمتدادا لمعطيات الحاضر فقط لا يلغي حقيقة أن الحاضر يقترن أيضا بمتغيرات مرئية، وأخرى جنينية غير مرئية، تمهد مخرجاتها لمستقبلات أخرى مضافة لتلك التي تفيد بها اتجاهات معطيات الحاضر.

تتأثر السياستان العربية والأوروبية بثوابت الواقع الذي تنطلق كل منهما منها وكذلك متغيراته. لذا يشكل مخرجات هذا الواقع المنطلق لإستشراف مشاهد المستقبل. وبدون الدخول في التفاصيل تفيد هذه المخرجات أن كل من الوطن العربي وأوروبا سيكونان في عام 2030 أمام ثلاثة خيارات تعبرعن ثلاثة مشاهد محتملة.

فأما عن الوطن العربي فمستقبله قد يقترن أما بمشهد ديمومة واقعه الراهن متجسدا في غلبة التفكير والسلوك القطري على التفكير والسلوك القومي ومن ثم استمرارالتشتت وغياب الرؤية الاستراتيجية المشتركة والفعل الموحد ومن ثم التردي الحضاري.وأما بمشهد بداية التغيير الحضاري متجسدا في التوجه التدريجي نحو التكامل الجدي على شتى الصعدعبر وسائل لا نرى أن العقل العربي عاجزا عن إدراكها خصوصا وإنه يستند إلى تجربة طويلة والتي رغم سلبياتها إلا إنها تبقى مفيدة. وأما بمشهد مركب يجمع بين ديمومة التردي الحضاري وبداية التغيير. وقد سبق لنا تناول مشاهد المستقبل العربي بشىء من التفصيل في اعداد سابقة لمجلة الحصاد هي 53و 56.

وبالمقابل قد يقترن المستقبل الأوروبي متجسدا في مستقبل الاتحاد الأوروبي أما بمشهد الإتجاه نحوديمومة التما سك والإرتقاء، والذي تدعمه مخرجات الانجازات الأوروبية التي بدورها تشكل قاعدة العمل الأوروبي المشترك، سيما وأن هذه القاعدة هي التي تجعل من الاتحاد الأوروبي منطقة محصنة في مواجهة تحدياته وأما بمشهد الإتجاه نحو التفكك والإنهيارلهذا الاتحاد والذي تدعمه مخرجات غلبة المعطيات الأوروبية الدافعة إلى التفكك على تلك التي تأخذ به إلى ديمومة التماسك والأرتقاء وأما بمشهد ثالث يكمن في الإتجاه نحو ديمومة معطيات الواقع الأوروبي الراهن سلبا وايجابا. وقد سبق لنا تناول مستقبلات الاتحاد الأوروبي بشئء من التفصيل في عدد سابق لمجلة الحصاد هو104.

إن حصيلة المقارنة بين ما هو كائن وما قد يكون عربيا وأوروبيا تفيد أن الإتجاهات المستقبلية لمعطيات الحاضر في كل منهم تسير بخطين متعارضين. فأوروبا تتجه باحتمال كبير إلى أن تكون اقرب إلى تحقيق الغاية النهائية لمسيرتها التكاملية أي التكامل السياسي في وقت لاحق من هذا القرن، هذاعلى الرغم من اقتران واقعها بثمة معطيات سالبة قد تحد من سرعة مسيرتها. أما عربيا فتجربة العمل العربي المشترك تقدم مشهدا دوليا معاصرا للتشتت والاخفاق والوهن ومن ثم، فإن مشهد تكاملهم السياسي يحتاج إلى تغييرجذري في الواقع العربي لا يُعد حدوثة في عام 2030 ممكننا أو محتملا.

وحتى يستطيع العرب الإرتقاء بواقعهم إلى مستوى متقدم من التغيير الحضاري ستبقى بإحتمال كبير علاقتهم بأوروبا رهينة بمخرجات هذا الواقع وافرازاتها السلبية في انماط تفاعلاتهم سواء حيال بعضهم البعض أوالدول الأخرى. لذا نفترض أن تماسك الفعل الأوروبي، في العموم سيتقابل مع تشتت الفعل العربي وبمخرجات ستجعل أوروبا (بمعنى الاتحاد الأوروبي) الطرف الاكثر تأثيرا في معادلة العلاقة العربية-الأوروبية ولصالحها. ولا يكمن ذلك في الثمن الباهظ الذي اعتاد العرب دفعه جراء ‘ العلاقات الخاصة‘ التي تربطهم سواء مع دول إقليمية أو كبرى فحسب وإنما أيضا في أثار مجمل الإختلالات الهيكلية التي استمرالجسد القومي العربي يعاني منها على أنماط حركته السياسية الخارجية.

فهذه الآثار تتيح لأوروبا وغيرها الإستفادة منها لصالحها وبضمنه عدم احداث تحول اساس في سياستها حيال العرب. فطالما أن معطيات الواقع العربي الراهن تؤمن المصالح الأوروبية المتوخاة حاضرا ومستقبلا دون تحمل اكلاف عالية فإن مثل هذا التحول لن يكون محتملا. وقد لا يؤدي حتى اشتداد الصراع الكامن بين الاتحاد الأوروبي والمراكز الراسمالية التقليدية و/أو البازغة إلى مثل هذا التحول. فإقتران المستقبل العربي بمشهد ديمومة التردي لا يؤجج في أي قود إقليمية أو كبرى أو عظمى الحاجة إلى تغيير سياستها حيال العرب.

لقد عمدنا في مقالين متتابعين إلى تناول العلاقات العربية-الأوروبية من زوايا محددة لها علاقة بمستقبلاتها وقد بدا واضحا أن هذه العلاقات لا تتأسس على معادلة اللعبة اللاصفرية التي تفيد بتبادل أطرفها للارباح وانما على معادلة اللعبة الصفرية التي تعني أن الربح الذي يحققه ثمة طرف يعني الخسارة للطرف الآخر. والطرف الرابح هو الأوروبي. ولا حاجة للقول من هو الطرف الخاسر.

على أن هذا الواقع الممتد زمانا وإن يحتمل أن يبقى مستمرا لزمان قادم إلا أنه ينبغي خدمة لاجيال المستقبل أن يكون دافعا لعمل عربي مشترك ينهض بهذا الواقع إلى ذلك المستوى الذي يؤمن ولومرحليا، الحد الأدنى من المصالح القومية التي تخدم بالضرورة مصالح جميع العرب. إن مخرجات مثل هذا العمل هي التي تساعد على انتزاع الاحترام الدولي لنا نحن العرب انتزاعا. ففي عالم القرن الواحد والعشرين لا مكان للضعفاء. فالضعف يفضي إلى خسارة الحاضر والمستقبل. ويالها من خسارة جسيمة.

وباعتبارها احدى القوى البازغة التي ستساهم في إعادة تشكيل النظام الدولي في هذا القرن بإتجاه القطبية المتعددة تقتضي الحكمة عدم اسقاط أوروبا متمتلة في الاتحاد الأوروبي من التخطيط الاسترلتيجي العربي للمستقبل. لذا يُعد التحرك المبرمج عليها عبر سياسة النفس الطويل واللغة الهادئة، والادوات الفاعلة والتسوية الكفوءة للأزمات المحتملة. ففي هذه المرحلة من تاريخ العالم التي لا زالت إنتقالية لا مفر من ضرورة بناء شبكة واسعة من العلاقات مع القوى الدولية الكبرى البازغة. ومن بينها أوروبا هذا دعما لبناء القدرة الذاتية العربية على الفعل الهادف والمؤثربعنصر خارجي مضاف، سبيلا لتحقيق الأهداف المنشودة بصبر وذكاء ورؤية مستقبلية بعيدة المدى. ولنتذكر أن السياسة الخارجية الناجحة هي تلك التي تستطيع أن تؤمن التوازن بين ما هو مرغوب فية وبين ماهو ممكن تحقيقه في مرحلة سبيلا لتحقيق المرغوب فيه في مرحلة لاحقة. وكذلك لنتذكر أن التاريخ الدولي لايفيد بسياسة خارجية كانت ناجحة في كل زمان ومكان. إن النجاح يكمن في الخروج من كل تجربة بمعرفة مضافة تساعد على إلغاء، أو في الأقل الحد من تأثير تلك العقبات التي حالت أو عطلت في وقته دون تحقيق الاهداف المنشودة.

*أستاذ العلوم السياسية ـ السياسة الدولية ودراسات المستقبلات ـ لندن

العدد108/ايلول 2020