استئناف التعليم واستثناءات الجائحة…هل تنجح الدول في خططها التعليمية؟

بيروت ـ رنا خير الدين

ملايينُ الطلاب حول العالم بدأوا العودة التدريجية إلى مقاعد الدراسة وسط استثناءات ظرفية جديدة لا تبدُ عليها السهولة أو السلاسة. بين الشوق إلى المدرسة والأصحاب وبين التحدّيات المفروضة في ظلّ كوفيد -19 سيعيش الطلاب، والأهل والهيئة التعليمية تجربة من نوع آخر في عامٍ ليس له نظير.

عامٌ غير اعتيادي بجميع جوانبه، عاش سكّان الكوكب خلاله أكثر أنواع القلق والرعب، تأقلموا مع الجائحة لكن هذا العام لم ينتهِ بعد، وكوفيد -19 ما زال يحطّ على العالم كاللعنة، لذا اخترنا في هذا العدد الإجابة عن الأسئلة التي يطرحها الأهل من أجل تأمين عودة سالمة لأولادهم إلى المدرسة.

الهاجس الأكبر أمام الطلاب يكمن في كيفية تخطّي الجائحة وظروفها الصعبة وضمان تعليمهم ضمن الأطر اللازمة المتوجبة عليهم في فصولهم، كيف سيجري ذلك وإلى مدى ستنجح خطط الدول التعليمية في تحقيق مرادها، وما هي

التعليم والتعقيم

سبل الوقاية اللازمة لحماية الطلاب من كوفيد-19؟

سعت الدول منذ بداية الجائحة إلى النظر في عملية التعلّم عن بعد، وقد ترأى لمعظمها أن التعلّم عن بعد لا يضمن الأهداف المنوطة من التعليم وليس على القدر الكافي لدى جميع الطلاب وليست متوفرة عند الجميع خصيصاً في البلاد العربية، لذلك إن العودة التدريجية اليوم للطلاب ستكون وفق معايير حفظ السلامة والوقاية والمتابعة الدائمة لأوضاع الطلاب النفسية والاجتماعية، وتشديد الرقابة التربوية والصحية الخارجية على المدارس لضمان الإجراءات.

الحكومات تسعى إلى تحديد خطوات أساسية في مواقيت الدراسة، وقرارات من شأنها تخفيف العبّ عن الأهل والطلاب والمدرسة من خلال تحديد الأخطار والفوائد المتباينة من عملية استئناف التعليم وعوامل أخرى مرتبطة بها.

هل هي عودة آمنة؟

عودة استثنائية للمدارس تحت وطأة كوفيد -19 حيث تتزايد فيه الصعوبات خصيصاً في تلك الدول النامية الغير قادرة على الحفاظ أو تأمين أدنى مستوى من السلامة العامة للأساتذة والطلاب. وأبرز هذه التحدّيات تكمن في ضعف الإمكانيات الحكومية لبعض الدول من أجل وضع خطة شاملة للحدّ من انتشار الفيروس في المدارس، وبشكل عام العودة لن تكون سهلة كما السنوات السابقة.

ـ هذا الظرف الغير طبيعي، يحتاج لإجراءات غير اعتيادية حيث سيفرض عوائق أمام الحياة التعليمية ككل، للأساتذة والطلاب.

ـ قلقٌ وعدم قدرة على التعاطي بطريقة فعّالة مع الفيروس.

ـ احتكاك الطلاب ببعض لا سيما الصغار، من خلال المشاركة في الألعاب، أو الطعام، أو حتى تبادل أغراضهم مع بعضهم.

ـ افتقار الكثير من المدارس لمرافق غسل الأيدي، إذ ذكرت وكالات الأمم المتحدة يوم 13 آب الجاري أن نحو 820 مليون طفل حول العالم يفتقرون إلى مرافق غسل الأيدي في المدارس، مما يزيد خطر العدوى بفيروس كورونا.

هل الجودة التعليمية بخطر؟

إن أحد الآثار على الأمد البعيد للتغييرات التي فرضها واقع كورونا على المدارس هو العبث الحاصل بالسلم التعليمي، أي مدة التعليم ومراحله ونوعيته والتقويم والترفيع. فتقلّصت مدّة العام الدراسي بفعل الإقفال في عدد من الحالات، وانمحت الحدود بين درجات السلم التعليمي بفعل ما طرأ من تعديل على التقويم والترفيع في الأنظمة التي ذهبت إلى خيار إقفال المدارس والإعتماد حصرًا على التعليم عن بعد بحسب ما أشار إليه  »د. علي خليفة« دكتور في علوم التربية في جامعة جنيف والمتفرّغ في الجامعة اللبنانية للحصاد.

وتابع: ضربت جائحة كورونا أحد مكوّنات النظام التعليمي فأصبح السلّم التعليمي بدرجات مفقودة، بفعل تغييب التقويم والترفيع دون التأكد من اكتساب المهارات المطلوبة مما يؤثر على نوعية التعليم وجودته. هذه أضرارٌ يصعب

المدارس تتجهز للعودة وسط اجراءات احترازية

ترميمها، ولا عودة معها إلى الوراء.

من جهة أخرى، يأتي هذا القلق المتفاوت الذي يعيشه الأهالي يُعتبر حالة غير طبيعية في تحديد مصير أولادهم، وعليه أكدت هيئة الصحة العامة ببريطانيا أن فتح المدارس لا يشكّل خطراً على الأطفال، وذلك استناداً لدراسة تشير أن الإصابة في المدارس ضعيفة جدا، اذ تصل إلى 0،01 في المئة.

التعليم عن بعد، هو الحلّ؟

يظهر لنا، أكثر من أي وقت مضى، أن التعليم عن بعد له فعالية ظرفية محدّدة وهو عاجزٌ كل العجز عن الحلول محلّ المدرسة بحسب  »د. علي خليفة«، بحيث لا يوفّر المعرفة للمتعلّمين ولا في اكتساب المهارات والقدرات المطلوبة لأن آليات تناقل المعرفة التي تعمل عليها المدرسة متعدّدة ومرتبطة بالمناخ الصفي وبالبيئة المدرسية وبعملية تفاعلية لا غنى عنها لتحقيق النمو المعرفي والإجتماعي والنفسي والعاطفي للمتعلمين بشكل متكامل. وهنا نفهم قلق المعهد الملكي البريطاني لطبّ الأطفال والصحة من الإقفال الطويل للمدارس وانعكاسه السلبي على نمو الأطفال في هذه الظروف.

وعن سؤاله عن النظام التربوي الأنسب للطالب والمدرسة خلال الجائحة أجاب  »د. علي خليفة«: ليس المطلوب تقديم بديل عن النظام التربوي الحالي خلال الجائحة. ليس لأن المدرسة مؤسسة تربوية واجتماعية ناجحة بمهامها بالكامل؛ على العكس تمامًا فالتيارات التربوية المعاصرة ما برحت تنتقد المدرسة في دورها التربوي وفي دورها الإجتماعي.

علي خليفة ـ دكتور  في علم التربية جامعة جنيف

بعض هذه التيارات ينظّر للتعلم الحرّ بدلاً من التعلّم النظامي كما يبشّر ألكسندر نيل، أو بعض هذه التيارات ينظّر لمجتمع بلا مدرسة كما يبشّر إيفان إيليتش. لكن، الأكيد أن التعليم عن بعد ليس بديلاً عن المدرسة أبدًا، بل على العكس تمامًا فإنّه يظهر بحدود وموانع عديدة.

الدول العربية… بين التعليم المدمج والالكتروني

العراق

شارك في الاستطلاع أكثر من 180 ألف مستخدم من مختلف أنحاء العالم بما في ذلك فرنسا وألمانيا وروسيا والفلبين وشمل دول عربية أخرى مثل العراق والجزائر ومصر.

استطلاع الرأي الذي قامت به شركة فايبر والذي شارك فيه أكثر من 2788 مستخدم من العراق أوضح أن 57 من المستخدمين العراقيين يفضلون العودة الى المقاعد الدراسية مقابل 26 يرون في المزج بين التعليم العادي والتعليم عبر الإنترنت الحل الأنسب لعودة الدراسة خلال العام الدراسي الجديد.

لبنان

يراعي برنامج التعلّم المدمج برأي  »د. علي خليفة« تنوّع المشهد التعليمي في لبنان، حيث تتفاوت المدارس بإمكاناتها وبدرجة انخراطها في توفير تكنولوجيا التعليم في برنامجها وتدريب الأساتذة عليها، ومن دون أن يكون التعلم عن بعد خيارًا بديلاً عن التعليم الحضوري في المدرسة.

قطر

قررت وزارة التعليم والتعليم العالي، تعديل خطة العودة المدرسية وتطبيق نظام التعليم المدمج لهذا العام الدراسي في جميع المراحل التعليمية، التي ستدمج بين التعليم الإلكتروني والتعليم الصفي في إطار واحد، إذ يجب على الطلبة الحضور 1-3 مرات فقط لتلقي الدروس الصفية في المدارس.

تونس

أما في تونس فقد تقرر إبقاء افتتاح المدارس في موعده المعتاد في 15 أيلول المقبل، وستعلن الوزارة عن بروتوكول صحي وقائي لتأمين التلاميذ والمعلمين بالتعاون مع وزارة الصحة.

احتياطات وقائية

 »اليونسف« نشرت على صفحتها الرسمية الاحتياطات التي يتعيّن على المدارس اتخاذها لمنع انتشار فيروس كوفيد-19، وهي:

يجب أن تكون إعادة فتح المدارس متسقة مع الاستجابة الصحية العامة لكوفيد-19 في البلد المعني، وذلك لحماية الطلاب والموظفين والمعلمين وأسرهم.

ومن بين الإجراءات العملية التي بوسع المدارس اتخاذها:

التدرّج في بدء اليوم الدراسي وإنهائه، بحيث يبدأ وينتهي في أوقات مختلفة لمجموعات مختلفة من الطلاب.

التدرّج في أوقات تناول الوجبات.

نقل الصفوف إلى أماكن مؤقتة أو إلى خارج المبنى.

تنظيم دوام المدارس على فترات، بغية تقليص عدد الطلاب في الصفوف.

كما وشدّدت  »اليونسف« على أن تكون مرافق المياه والنظافة الصحية جزءاً حاسم الأهمية من إعادة فتح المدارس على نحو آمن. ويجب على الإداريين استغلال الفرص لتحسين إجراءات النظافة الصحية، بما في ذلك غسل اليدين، والآداب التنفسية (أي احتواء السعال والعطس بالذراع بعد ثني الكوع)، وإجراءات التباعد الاجتماعي، وإجراءات تنظيف المرافق والممارسات الآمنة لإعداد الأغذية. وينبغي أيضاً تدريب الموظفين الإداريين والمعلمين على ممارسات التباعد الاجتماعي وممارسات النظافة الصحية في المدرسة.

العدد109 /تشرين2020