»الخطّ الفاصل« لمنال الربيعي… شرارة حبٍّ من رحم الحرب

رنا خير الدين

تختلف المعايير في التقييم والاستنتاج لأي إنتاجٌ أدبيٌ كان أم فني خصوصا أن الدورة الحياتية باتت تتغير على نحوٍ سريع، حيث من الطبيعي أن يتغير منظور الرؤية والتزويد، ففي عالم مليء بالضجيج والتشاذبات في حقول الصحة، السياسة والاقتصاد، والبيئة يسعى بعض الفنانين والفنانات القادرين على العمل والتجهيز في هذه الظروف الصعبة لتقديم أعمال فنية بعيدة عن التهويل والقلق، وتقديم للمهتمين بعالم الفنون والثقافة إنتاجات فكرية منها ما هو قريب لحياتهم ومنها ما هو للخيال أقرب.

منال الربيعي، هي إحدى تلك الفنانات، التي لم يصبها التراخي ولم يغلبها الحزن رغم كل مما يدور حولنا، بل هي

الكاتبة والاعلامية منال الربيعي

تشهد على المادة الحية وتحولها إلى أمل، ولا تكتف بذلك بل تفوق التوقعات في الإنتاج الأدبي النثري، حتى تضعنا أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الرضوخ للقراءة إما تجاهل العالم والقراءة.

وقلت فيها سابقا، إن إحساسها عالم يُختزَل في حضورها اللافت على ملء الأعين. ما بين غمزتها وهمستها لطفٌ لا متناهٍ… وجمال. تجتمع فيها الأصالة العراقية والفرادة اللبنانية، كونها من أصول عراقية، ولبنانية النشأة والسكن. جذورها متشعّبة، من نخوة وشهامة أهل العراق ممزوجة بالأنوثة والشفافية اللبنانية.

جمعت منال الربيعي في روايتها الجديدة  »الخطّ الفاصل« بارود الحرب وثمار الحبّ في كفيّ الرواية فهي لطالما اعتقدت أن الحبّ والحرب يجمعهما مفهوم الهجوم والدفاع لكن الأسلحة والأدوات تختلف. فالحرب يمكن أن تحسم نتيجته معركة واحدة رابحة، بعكس الحب الذي يحتاج الى نضال دائم كي ينمو ويستمر، إضافة إلى أن الأسلحة التي يحتاجها هي الصدق والتضحية والاحترام وهي كلها أدوات تحمي القلب وتجعله يزدهر ويتألق .

رحلة  »الخطّ الفاصل«

اختارت الربيعي  »الخطّ الفاصل« عنونة لمولودها الجديد، حيث تقول إن  »الخط الفاصل« كان عنوان كل مرحلة من فصول الرواية، فهناك الخط الفاصل بين البقاء والرحيل، وفي مرحلة ثانية بين الحب والفراق، وفي مرات أخرى بين الحرب والسلم وأحيانا كثيرة بين الوفاء والخذلان.. في كل مرحلة يبرز خطاّ فاصلا بين أحداث مفصلية يجعل أبطال الرواية يقفون عند حافة الاختيارات التي قد تغيّر مسارا بأكمله وتتابع: هذا على صعيد الرواية، أما على المستوى الشخصي فأعتبر روايتي الثانية بمثابة خط البداية الفاصل بين مرحلة الشغف في الكتابة ومرحلة الاحتراف .. وعسى ان أكون قد وفقت بذلك .

لا يمكن لأي كاتب أن يلمس قلب القرّاء أو مشاعرهم إن لم يبذل من عواطفه الكثير وباعتقاد الربيعي أنه يوجد الكثير من الروائع الأدبية التي تمتاز بجمالية واتقان في النص والسرد ولكنها تفتقر الى الروح التي تسلب اهتمام القارئ وتسيطر على حواسه وتجعله غير قادرا على ترك الرواية من دون إكمالها.

بين مولود الربيعي الأول  »حتى آخر العشق« والثاني  »الخطّ الفاصل« خطوط فاصلة بين التجربة والتدعيم والوعي حيث تقول: روايتي الأولى  »حتى آخر العشق« هي بداية تحقيق الحلم، والرواية الثانية  »الخط الفاصل« هي بداية النضج والولوج إلى عالم الاحتراف بالكتابة الأدبية وعسى ان تكون تجاربي المقبلة على مستوى الطموح والتطلّعات .

وعن سؤالها عن سبب استخدامها أسلوب السهل الممتنع تجيب: في الرواية الأولى والثانية لمست إنطباعا موحدا حول أسلوبي بالكتابة الذي اعتمدته كما أحب أن أقرأ للآخرين، فإذا اعتبرنا أن المطالعة هي لإدخال المتعة والفرح إلى قلوبنا وجعلنا نعيش في عوالم جميلة وحالمة، فان هذا يستدعي أسلوبا مرنا ذكيا وفي متناول أغلب الناس وعلى كافة المستويات الثقافية ..فالأدب يجب ألا يكون نخباويا مع الحفاظ طبعا على ثوابت ومعايير الكتابة الأدبية. أما بخصوص الهدف من كتابة  »الخط الفاصل«، فاني على يقين من أن أي لبناني عايش الحرب الأهلية وتداعياتها يمكن أن يستنتج أنه امتحان صعب ينبغي ألا يتكرر، رغم تقدم بعض الظروف الداخلية والخارجية للدفع بهذا الاتجاه الجهنمي، إلا أن الأمل يبقى معقودا على أصوات عاقلة ورصينة تدرك جيدا ما حصل في الحرب الأهلية اللبنانية على مدى  عاما.

الرواية العربية والجائحة

الرواية العربية تواجه اليوم ظروفا استثنائية في التنفيذ والتقييم بسبب الأوضاع التي فرضتها الجائحة حيث ترى الربيعي أن الأشهر الأولى لانتشار جائحة كورونا شكّلت صدمة عالمية طالت كل نشاطات البشر، لكن مع مرور الوقت أصبح التأقلم والتكيّف -وهو سمة الانسان – حافزا لاستئناف حياة طبيعية لكن بصورة معدّلة تخفيها الأقنعة ويغلب عليها البعد القسري والخوف من الآخرين. ورواية  »الخطّ الفاصل« ليست بعيدة عن هذه الأجواء بل دخلت في صميمها ولكن سوف نحتاج لبعض الوقت كي نلمس آثار جائحة كورونا على الأدب العالمي .

وتتابع: لدينا الكثير من الكتّاب العرب الذين دخلوا العالمية بابداعاتهم، وأنا مع الحفاظ على خصوصية البيئة والظروف والمعالجة في الكتاب الأمر الذي لن يؤثر على انتشار الرواية العربية ودخولها إلى ساحة المنافسة الأجنبية التي تحتاج بدورها التعرّف واكتشاف الآخرين، وما نحتاجه في عالمنا العربي المزيد من التسويق والترويج  »لصناعة الكتابة«.

تصف العلاقة المرأة بالكتاب والقراءة بالعلاقة الحميمية، الغريبة غير المفهومة حيث تقول عن ذلك: أستطيع الحديث عن نفسي كنموذج عن علاقة المرأة بالكتاب، وهنا من موقعي كقارئة ليس ككاتبة.. فالمرأة بطبيعتها يعنيها اللمس، وليس هناك أفضل من كتاب يحتوي كل ما تحتاجه المرأة من أحاسيس وحبّ وعاطفة وإحتواء، كتاب تقرأ به سيرة حياتها من حبّ وهجر، نجاح وفشل، سعادة وإحباط، باختصار تستطيع عبر لمس صفحات كتاب ..أن تلمس فصولا مختلفة من حياتها وهذا هو سبب الغرام السّري بين المرأة والقراءة .

لأنه بات من الصعب التخطيط للمستقبل القريب، ولم يعد الكاتب قادرا على رؤيته أو التفكير به لكنه يبقى على يقين الأمل في عدة الحياة الطبيعية، أما بالنسبة للربيعي فلديها أحلام كثيرة تأمل تحقيقها، في المستقبل القريب.

من أجواء الرواية

بين الحب والحرب.. ولدت قصة حب عظيمة اختبرت الكثير من الأوجاع والآلام، تماما مثلما عان الوطن الجريح، لبنان في سبعينيات القرن الماضي عندما إندلعت شرارة الحرب الطائفية المقيتة والتي تركت ندوبا في ذاكرة الوطن والمواطن على حدّ سواء ..

 »ريتا الحاج« فتاة جنوبية مسيحية من قرية  »رميش« الجنوبية الواقعة على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، تعمل مدّرسة أدب فرنسي في ثانوية  »بنت جبيل« وهي البلدة المسلمة الشيعية ..  »كريم شرارة« مهندس شاب مسلم من قرية  »بنت جبيل« إلتحق بالعمل في دبي بعدما تلقى عرضا جيدا في إحدى أهم شركات الهندسة والمقاولات في بداية الفورة النفطية في السبعينات.. تجمعهما الصدفة وتولد بينهما علاقة مليئة بالانكسار وألم الرحيل والفراق بأسلوب سهلٍ وممتع.

العدد 112 / كانون الثاني 2021