سركيس أبو زيد

أشخاص عرفتهم

تقتضي المعرفة أن نثابر في التعلّم والتحصّل حتى تدرك كنهها…

فحين تقول “أعرف فلاناً” … فهذا كلام حقيقي وله معنى … فإذا كان هذا الفلان، مجهولاً وكانت العلاقة عابرة أو سطحية دون تجارب وخضّات…تقول أتعلّم على فلان أي أنك تدرسه لتصل الى النتيجة التي هي المعرفة، وهذا الامر لا يكون بين ليلة وضحاها… فكما تدرس في المدرسة والجامعة لتنال شهادتك التي هي حصيلة معلوماتك وتتوّجها بالتخرّج، كذلك الحياة تنالها بالاكتساب والمران والتدريب والتعلّم… وهي بحاجة لجهد واختيار وتفكّر وحنكة كي تصل الى المعرفة…كي تقول أعرف هذا…وإلاّ قلّ أتحصّل على هذا…أو أتعلم على هذا وذاك ….

من هؤلاء الذي عرفتهم ، سركيس أبو زيد…حمل أثقال نضاله بالتعلم وبقي مصراً على موقفه بالحبر والكلمة…رغم محاولات عديدة … في رقعة المكان …فهو “الابن المدللّ” لأبيه ، وحيد والديه، لم يكن يحتاج لأن يرفض له طلب منذ صغره.. وكبُر وهو يتعلّم أن يفرح لكلّ شيء يحبه…

هام بين الاعلام والثقافة، وثبت في كلا الموضعين، دائم البحث عن أسئلة جديدة تطرح إشكاليات العصر، لكنه لا يلغي الفكرة المستديمة على جزر وأصول…يكتب ويحلّل ثم ينشر…يدرك التحولات الثقافية من مكان العقل الذي يؤمن به كشرع أعلى.. ممّا جعله يطلق على مشروعه الثقافي اسم “تحوّلات” وسيلة إعلامية ثقافية جديرة بالمتابعة، وقد كتب في هجرة الموارنة الى الجزائر، وعن أوضاع المسيحيين في ايران ونشر العديد من الأبحاث التي تغني الفكر السياسي.

بقي القومي الاجتماعي المثقف والمناضل المؤمن برسالة تساوي وجوده في العالم ،يدافع عن حق العلمانين بالحياة والحرية في وطن استباحته الطوائف وشرّدته المافيات ، ورغم اشتغاله في الصحافة الاغترابية مع رجل الأعمال الراحل منصور عازار في مجلة ” المنبر” ، لم يتدجّن ولم ” يتفرنس” ، وانما بقي الطفل المدلل الذي يشرب من حليب الأرض ، ويأكل من انتاج ثمارها وخضرتها الزغرتاوية ، ويعمل في سبيل ما تربّى عليه وفيه ومنه حتى صار ” الأرض الطيبة ” التي لا تخون ملحها …

الأبن المدلل الذي لم يمنعه والده عن شيء ، لم يعرف كلمة ” كلا ” طوال حياته فسعى أن يعمل في الاعلام والثقافة فامتهنهما من ” البابوج الى الطربوش ” كما يقول المثل الشعبي اللبناني ، دون كلل أو ملل …

      ويبقى أبو حليم كما هو ، القلم المصارع مع خصومه ، والقلب المحب مع أهله وأصدقائه ، فهو لم يأخذ حقّه إلاّ دلالاً مع شريكة عمره فيوليت التي فتحت له بيتاً يليق بالنضال والكفاح والسمعة الطيبة والأصدقاء الرائعين …  أبو حليم تستحق التكريم …

العدد 113 / شباط 2021