الروائية السورية ريما بالي: الفن المحترق الأطراف بنار المعاناة هو من يعرف الخلود

بقوة الساعد أو من الأعماق المخفية يرسم الإنسان بصمته على الأرض من هنا ينصب الحبر على الورق فتصاغ العقول وتظهر بصمة القلم لتصنع واقع الإنسان. لقاؤنا اليوم مع ابنة حلب الروائية ريما بالي التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية -البوكر لعام 2024 عبر روايتها ” خاتم سُليمى” حيث تقول بإن هناك دائمًا ثمة عشرات من الروايات المنشورة لا ترشح أصلاً للجوائز ولا تخوض المنافسة لسبب من الأسباب، هذا لا يعني أنها أقل جودة من تلك التي تترشح وتصل للقوائم وتفوز.”

الروائية السورية ريما بالي

ريما بالي روائية سورية، ولدت في حلب 1969. درست في جامعة حلب، كلية التجارة والاقتصاد ثم عملت في مجال السياحة والفنادق حتى اندلاع     الحرب في حلب. عاشت    الحرب خلال سنواتها الثلاث الأولى ثم غادرت سوريا عام 2015 متجهة للإقامة في مدريد، إسبانيا. صدر لها:” رواية ميلاجرو 2016، وغدي الأزرق 2018التي تم ترجمتها إلى الإسبانية، خاتم سُليمى 2022، وناي في التخت الغربي 2023″ .

 (الحصاد):عند الحديث عن موهبة الكتابة وجذور التنشئة الأولى وتطورها وقرار النشر، حدثيني عن هذه المرحلة؟

شغفي بالرواية بدأ قبل أن أتعلم الكتابة، حين كنت أرسم قصصًا بأقلام التلوين، وتطور الشغف مع اكتشافي للمطالعة وعالم الأدب من خلال مكتبتنا المنزلية التي كانت بمثابة الإبن المدلل لوالدي، ثم بدأت بكتابة القصائد والقصص القصيرة، وانتقلت إلى الرواية في محاولات بدائية، فكرت بالنشر للمرة الأولى حين كنت في عقدي الثالث، ولم تكلل المحاولة بالنجاح، وساهم فشلها في تعطيل مشروع النشر وتأجيله إلى ما بعد مغادرتي سوريا بسبب الحرب، وقد كانت رواية (ميلاجرو) أول رواية تنشر لي في العام 2016.

 (الحصاد):لقد قلتِ في حوار: وكأن الحقيقة أنثى ماكرة لا تكشف إلا عن نصف وجهها كأنها ابتسامة سلمى، وخاتم سُليمى ليست رواية عن الحب، ليست رواية عن الحرب، قد تكون نصف رواية، وتحتاج لمخيلة قارئ لتكتمل، وختاماً هي دعوة إلى صياغة أسطورتنا الخاصة وتحقيق النبوءات”. كيف يمكن لكِ أن تقدمي روايتك خاتم سليمى للقراء؟ 

ريما بالي:لعل ما جاء في نص سؤالك لهو أفضل تقديم لخاتم سليمى، التي تبحث في مفهوم الحقيقة بحد ذاتها، ثم في حقيقة الحب والتعلق بالأرض والتقاليد والطقوس، وقد استشهدت في هذا المحور بمدينتي حلب، وتاريخها وطقوسها وثقافتها.

(الحصاد):هل لديك طقوس للكتابة؟ 

ريما بالي:عندما تحضر الكتابة تحضر الطقوس، وطقوسي بسيطة، موسيقى جيدة، بعض الشموع، وأحيانًا في الفترات الصباحية أحب أن أكتب في مقهى جميل وهادئ اكتشفته مؤخرًا في مدريد، يتميز بأنه متجرًا للزهور في الأصل.

(الحصاد):من أين جئتِ بالفكرة في رواية (خاتم سليمى) ، وكم من الوقت استغرقت كتابتك للرواية؟

ريما بالي:دائمًا وفي كل الروايات، الأصل هو الفكرة، أو مجرد سؤال ملح يطن كنحلة في الدماغ، ولتخرج الفكرة للنور لا بد لها من حبكة التي هي بمثابة الجسد للروح، وقد جاءت الشرارة لحبكة خاتم سليمى عندما لمحت مرة خاتمًا غريبًا منسيًا في مكان عام، حرّض خيالي وحفّز الروائية في داخلي لتشكل الملامح الأولى للرواية التي أنفقت في تنفيذها بحثًا وكتابة حوالي سنتين.

(الحصاد):كيف استقبل الرواية القراء والنقاد؟

ريما بالي:ثمّة من استقبلها بانبهار وثمّة من انتقدها، أستطيع القول إنها أكثر رواياتي إثارة للجدل، لكن الكل اتفقوا أن حلب كانت هي البطلة الرئيسة للرواية، والكل أبدى إعجابه بهذه النقطة.

(الحصاد):ما هو دور الرواية في حفظ التاريخ وتقديمه؟ 

ريما بالي:كل كاتب يسقط أحداث التاريخ في رواياته حسب قراءته لها ووجهة نظره، وما أكثر وجهات النظر والقراءات، لذلك فأنا لا أعد التوثيق من وظائف الرواية وإلا تحولت إلى تقرير صحافي، نحن قد لا نجد التاريخ موثّقًا في الروايات بشكله الحقيقي وإنما حسب انعكاسه الإنساني في وجدان البشر وأرواحهم ومصائرهم، وهو الجانب الأهم برأيي.

(الحصاد):ما دلالة اختيارك للعنوان (خاتم سليمى) المثير للدهشة؟ 

ريما بالي:للخاتم رمزية معينة وقوية في النص تفصح عنه بنفسها لمن يقرأها بعمق، كما استعنت بأسطورة خاتم النبي سليمان ووظفتها في العمل لتتناغم مع ثيمة إعادة صياغة الأسطورة، والسعي لتحقيق النبوءات، وعلى ضوء ذلك اخترت “خاتم سليمى” ليكون عنوانًا للرواية.

(الحصاد):هل تشعرين بالغربة. ما دور الغربة في كتابة روايتك، هل من الاغتراب يمكن أن ينشأ أدب معافى من ويلات الحروب؟

ريما بالي:الشعور بالغربة هو مرض مزمن يلازمني منذ سنين طويلة، حتى من قبل أن أغادر الوطن، فهو ليس مرتبطًا فقط بالبعد الجغرافي، بل يتجاوز ذلك إلى أبعاد مختلفة ومتنوعة، ويلعب هذا الشعور بالذات دور المحرّض الأول على الكتابة والابداع لي ولغيري، إذ يلجأ المرء للفن لخلق عالم بديل قد يجد فيه وطنًا آمنًا يشبهه ويحتضنه، أما بالنسبة للأدب الذي ينشأ في الغربة، فيكون أكثر صحة وتأثيرًا وتميزًا إن كان يعاني بالذات من عاهات الحروب، فالفن المحترق الأطراف بنار المعاناة هو من يعرف الخلود

(الحصاد):ما السبب الوحيد لكتابة الرواية؟

ريما بالي:ليس من سبب “وحيد” لكتابة الرواية، بل كثير من الأسباب، أهمها، وبكل بساطة، أنني أؤمن أن كل إنسان عليه أن يفعل شيئًا في الحياة ليستحق وجوده، والكتابة بالنسبة لي هي ما أعرفه وأفعله وأحبه.

(الحصاد):في رواية (خاتم سُليمى) نجدك أظهرتِ حالة وهيئة مدينة حلب قبل الحرب وأثناء الحرب فوصفتِ تراثها وثقافتها وشوارعها وصفًا دقيقًا أقرب إلى الحقيقة فاشعر وكأنني أسير في شوارع حلب ؟

ريما بالي:هذا يسعدني، فقد قصدت من الموضوع أن أشارك القارئ سحر حلب وفتنة وجهها الحقيقي، الوجه العتيق الجديد الذي يستحق أن يطيل المرء النظر إليه لمحاولة حل أحجياته الكثيرة والتمتع بجمال تفاصيله العريقة.

(الحصاد):وصفتِ الحب في الرواية وكأنه جريحًا غير معافى مصاب بشظايا الحرب، ذلك الحب موجود في غرفة الإنعاش، لماذا؟

ريما بالي:لأنه كذلك بالفعل، في الرواية وفي الحياة، منذ ما قبل الحرب وفي أثنائها وبعدها، فالحب حقيقة ناقصة يجتهد البشر عامة وشخصيات الرواية خاصة في البحث عن نصفها الآخر.

(الحصاد):ما المعوقات التي واجهتها في الحياة؟

ريما بالي: واجهت الكثير، ولكن الحرب كانت هي المعضلة الكبرى والعائق الأهم، والآتون الذي خرجت منه بشخصية جديدة لا يقوى أي عائق بعد الآن على تعطيل مسيرتها.

(الحصاد):ما موقع رواية “خاتم سليمى” من بين رواياتك؟

ريما بالي:هي الثالثة بعد ميلاجرو وغدي الأزرق، بدأت بالعمل عليها في العام 2017 وأنهيته في نهايات العام 2019، تعطل نشرها بسبب الجائحة التي جمّدت عجلة الإنتاجات الأدبية وشلًت دور النشر، حتى ظهرت إلى النور في العام 2022 عن دار تنمية المصري، في أثناء ذلك عملت على رواية ناي في التخت الغربي الني نشرت في أواسط العام الفائت 2023.

(الحصاد):هل الجائزة هي تشجيع للكاتب، ما رأيك بالجوائز؟

ريما بالي:نستطيع أن نقول إن الجائزة تشجع الكاتب على المزيد من الإبداع، لكن الأهم، أنها تشجع القارئ على قراءة الأعمال الفائزة والمرشحة، والتعرف إلى الكاتب واكتشاف أعماله، لكنها تلعب في الوقت نفسه دورًا إقصائي إذ تلقي الضوء على بعض الروايات على حساب أخرى قد لا تقل عنها جودة وتميزًا، لم تصل إلى لوائح الجوائز لأسباب مختلفة.

 (الحصاد):هل يمكن أن تكون الرواية بمعزل عن السياسة والأيديولوجيا؟ 

ريما بالي:الإناء ينضح بما فيه، والكاتب المسكون بأيديولوجية معينة ستنضح سطوره بها حتمًا، ولكن الروائي الماهر والمنفتح، يدرك أن ما يؤمن به ليس هو السائد الوحيد في الحياة، وعندما يكتب، عليه أن يثري عالمه الروائي بوجهات نظر مختلفة أو أن يشير إليها على الأقل، تاركًا للقارئ استنباط مفهومه الخاص بدون تسيس أو أدلجة، هكذا ينتج رواية حية، وتعيش.

(الحصاد):أضحت الرواية في وضع تنافسي بينها وبين الشعر، برأيك هل هذا مؤشر إيجابي؟

ريما بالي:صعود الرواية وتمكنها من عرش الأدب العربي مؤخرًا لا يلغي دور القصيدة وألقها، يجب أن يبقى لكل نوع من أنواع الفنون سحرها الخاص ووظيفتها الخاصة التي لا تنافس الأخرى، بل تكملها وتتضافر معها لمصلحة الجمال والإبداع، ولست أرى أنها ظاهرة سلبية أن يتفوق نوع على آخر في مرحلة معينة، فلكل جيل ذائقته، ولا يستطيع أحد مصادرة هذه الذائقة

(الحصاد):ما واجب المرأة العربية تجاه ما يحدث في العالم من واقعنا العربي؟

ريما بالي:واجب المرأة العربية كأي إنسان مكتمل ومسؤول وواع أن تتفهم وتهتم بقضايا زمنها وواقعها ووطنها، ومن ثم أن تساهم بما تقدر عليه، وهذا لا يمر إلا من بوابة تمكينها وحصولها على الاستقلال الفكري والمادي.

(الحصاد):ما هو مشروعك الأدبي القادم بعد هذه الرواية؟

ريما بالي:”ناي في التخت الغربي”، رواية تقول: إن كل انسان يحمل تحت جلده البشر أجمعين، صدرت منذ أشهر عن دار المطبوعات للتوزيع والنشر، مشروع الرواية الجديدة مازال قيد تحديد الخطوط العريضة ولم يدخل طور البحث والهيكلة والكتابة بعد.