ثلاث وثلاثون على غياب فريال كريم : ملكة المونولوج

عبيدو باشا

لا يزال ظل فريال كريم متدلٍ على صفحة الحضور ، بعد أن ذهبت بالغياب منذ ثلاثة وثلاثين عاماً. لا تزال ترمي بنفسها في فضاء الناس ، كما يرمي بها الناس في فضائهم . واجهت الخمسينية محنتها ، إلا أنها لم تلبث أن انزلقت إلى واحدة من الغصات الدموية القاتلة. ذلك ، أنها بالخمسين وجدت الوجع بصدرها وكتفيها ، بحيث اضطرت إلى الدخول إلى المستشفى ، ما تهابه ، ما يذعرها ، ما أذعرها حتى أنها لم تتردد بالهرب بعد مكوثها هناك لأيام عديدة . لن تفتح الحكاية أقواساً لها . لأن التشخيص الأولى والنهائي اضطر الأطباء إلى اتخاذ القرار الصعب . عملية قلب مفتوح ، لفتح الشرايين المسدودة . لا سوأة حكم بالقرار . ولو أن عمليات القلب هذه ، عمليات خطرة من عدم مرورها كغيمة ، كما هو الحال اليوم بعد أن تطور الطب والعمليات الطبية . عملية قلب مفتوح ، عملية ذات خيالات بالثمانينيات من القرن الماضي . أن يشق الصدر ، أن تستبدل الشرايين بأخرى من القدم أو اليد . لم تتوفر عمليات الشق البسيط بذلك الزمن ، ولا فتح الشرايين نفسها ووضع راسورات في المغلق منها بعد فتحه . هكذا ، هربت فريال كريم ، واحدة من أيقونات الكوميديا الشعبية في لبنان من المستشفى والعملية سواء بسواء ، بحجة أنها مرتبطة بمجموعة من الأشغال ، ما أن تنهيها حتى تعود إلى المستشفى لإجراء العملية المعقدة . قتل الخوف فريال كريم ، قبل أن يقتلها الموت . ماتت بالكر ، ماتت بالفر . لا جمال بالقول أنها ماتت مرتين . وأنها في بحثها عن الحلال وقعت بالحرام . وقعت بالموت ، كما لو أنها تسلك طريقاً إلى البحر لكي تتريض ، أو لكي تهدأ وهي تراقب مده وجذره ، بروح بوذية تجد اليسر بالعسر كما تجد السلام بالغلق على العالم المنسوف بالبكاء الصامت والبكاء المسموع على سفوح ضفاف الكفر أو على ضفاف التسبيح .

حين سمعت فريال كريم نداء الخروج من المستشفى ، إنما خرجت من الجوق العام ، خرجت من الستر إلى العري الصحي ، بعد أن قفزت من الأرض الزهراء إلى الأرض القاحلة . هكذا ، وجدت بأحد الأفراح . هكذا ، راحت تغني . هكذا، وقعت بالغيبة . هكذا ، أضحى المسرح تابوت من خافت من التابوت ، ليسرقها على خشبة المسرح وهي تختم أحد الأعراس، كما تعودت أن تفعل . ذلك ، أن هذه المرأة الباسمة ، هذه المرأة الضاحكة ، من السمو بحيث دنت من أحزانها إلى إفراح الآخرين . هكذا ، بلحظة ختم الموت حياة قصيرة ، حياة حافلة بالخلط الطيب بين السينما والإذاعة والتلفزيون والمسرح والمونولوج. الآخير ، ما أدته في ليلتها الأخيرة ، سفر الولوج إلى حياتها الأخرى . حياة الشهرة . لأنها اشتهرت بآداء المونولوجات ، بروحها الأقرب إلى السكائر بالأيدي وفناجين القهوة على الطاولات في صباحات لا يمارس أصحابها الرشد إلا بعد أن ينتهوا من شرب القهوة والتدخين .

لا يزال المونولوج محفوظاً لهذه المرأة في مسيرها المتعدد . لأن المونولوج صعب ، إلا على رهط قليل من الرجال . اسماعيل ياسين وشكوكو كمثالين . لم ترصد أسماء النساء بالهامش هذا . لأنه يختصر الكلمات والخطوات . لأنه ورد الفن ، ورد الحياة . ورد الحياة من ورد الفن وورد الفن من ورد الحياة . هكذا ، لا تزال مونولوجاتها منتشرة بعد أكثر من ثلاثين على الغياب ، كما ينشر البحر ألواحه على الماء . ماء مالح . المونولوج ملح ماء فريال كريم . لا ينكر ، لم ينكر أحد الأمر ولو أن المثقفين وجدوا بأبطال المونولوج رجالاً يتلوون ، وهم يتساءلون ما بالهم يتلوون . حيث يروون في هذا الصنف من الفنون صنفاً فقيراً أو حقيراً لا يمت للفن . حين أن هذا الفن طاحون بموجات هواء متشابهة ، إلا في حال امتلك صاحبه صوت القيامة .

لم تستنجد فريال كريم بالمعاجم لتحلج حضورها في المونولوج ، إذ وجدت نفسها فيه ، تسيل كسجال مفتوح ، أو كماء مترقرق . إذ أن مونولوج فريال كريم مونولوج بين العظم واللحم . المسرح والإذاعة والتلفزيون جِلدُ فريال كريم، على الرغم من أنها أشعلت شمعداناتها في التلفزيون والمسرح أكثر من السينما والإذاعة . بالأولويات ، لم تصدأ هذه الكومديانة وهي تؤدي مونولوجاتها على الثواني والدقائق والأيام والأشهر والسنوات . المونولوج زوج آخر ، إلى جانب محمد كريم . مونولوج تتنفس فيه ، حين ترى حروفه تتمايل سكرانة على الخشبات حين تتوافر ، وعلى المساحات الأخرى حين لا تتوفر الخشبات . مونولوجات تخرج من الأظافر وتلتحم بالناس بدون وسائط . مونولوجات كالساعات ، تحضر على رأس الساعة سواء خرج هواؤها أو لم يخرج . المونولوج جبة فريال كريم ، سردت أنواره الأولى حتى الرمق الأخير . لا حيرة منتظرة فيه . لأن فيه وقع الفرح المنبوذ بالأعمال الأخرى . حيث أن المونولوج يحفر بالحياة كما يحفر الدم العروق والشرايين . مونولوج في البداية ومونولوج في ساعة الإختناق . بين المونولوجين ، مونولوجات لا يزال الجمهور يجدها طريقاً إذا ذهبت تعود إلى فريال كريم . إنها عروق حياتها الأولى ، تضيق وتتوسع بحسب النفخ . كريم تؤدي المونولوج وكأنها تستمع إلى أجراس الوردة بأذنيها وهي تطوف بالمونولوج على الحاضرين. هي وفرقة موسيقية لا يتهيؤون للوليمة حين أنهم وليمة تختفي خلف الشجر ، شجر الهندباء أو التفاح أو الورد ، لا فرق. هكذا ، بقيت كريم على عرش المونولوج بعد سنوات على الغياب . مونولوجات موصوفة بالبساطة، تطوف بين المعنى واللامعنى. بقيت ، على الرغم من ذلك كموعد تَذَّكُرٍ لهذه السيدة الراقصة بين شياطبن المونولوج وملائكته . لم يصبها الصدأ ولا التجهم، ابتداء من ضبي إبنك يا حجة إلى خدلي ايدي وإلعب كارتييه وبتذكر حد الشط . ثم أن البعض راحوا يحجون إلى مونولوجات محددة ، وكأنها عنوان ولادة أو ولادة أخرى بعد قصور بالولادة الأولى . الأشهر في المجال هذا : عم يزعلني ليلو( تدليع الياس )وبرات البيت عاملي عنتر . المونولوج الأخير مونولوج وظف كما توظف الأسرار ، بعد أن أداها كل حراس الفنون الإيقاعية البسيطة . سرى المونولوج في يوميات الناس وأفئدتهم حتى وجدت ” الفور كات” ( القطط الأربع ، فرقة غسان الرحباني ) في المونولوج هذا منصة ركنت حضورها عليها في تسعينيات القرن العشرين . حدست بأن المونولوج نبع آخر من ينابيع شهرتها المتجددة ، بحيث لم تكتفي بإعادة تسجيل المونولوج ، إذ صورته بفيديو كليب لا يزال عرضه مستمراً على بعض الأقنية اللبنانية والعربية ، حتى هذه الأيام .

لا وجوم ولا زعل مع من وجدت بالمونولوج عدواً لعمى الأحزان. الأرض عاقر بلا مونولوجات. هذه هي قاعدة فريال كريم ، من لم تمتلك صوتاً ، غير أنها أضافت المونولوج إلى غنائم الناس العاديين ، من وعدوا أنفسهم بالشفاء بالمونولوج الساخن ، الشاخص إلى الفرح ، لا القهر . ثمة كدح بالصنف هذا . ثمة نفس حي ، ثمة رغبة بتحويل الفحم إلى الماس . دون الأمر ما دونه . بيد أن المؤكد ، أن المونولوج ليس قبراً. المونولوج صب العزفة على الكلام والكلام بالعزفة. هذا الفن ليس قبراً، إلا أنه مات ، أو أضحى فناً عاقراً إثر موت من واجهوا عتمة العالم وأشباحه فيه ، من شكوكو إلى ثلاثي أضواء المسرح واسماعيل ياسين وفريال كريم . إنه فن أو لا فن . أو فن اللافن ، كما يراه بعضهم . فن عدو الآه. وفن هامس بولائم الفرح، راح في غبار الزمن . لاأزال ميالاً إلى وضعه في خانة ” المسامرات الغنائية “. شيء دون الغناء . زجل بلا قصائد ، اقتطاع الشغف من ما يقوم بالمهب بعيداً من الرعشات . إلا أنه خطو ضروري . خطو ضد أنفاس الموتى ، ضد الأنفاس الميتة. شجرة من دخان ، ما أن تصعد ، ما أن تُرى حتى تختفي . قميص أزرق على بحر أزرق. لذلك ، لن يملأ جيداً كأساً موزونة أو مفعلة أو حرة . واحدة من انجازات كريم في المونولوج نحت الخواطر في فمها ، على وعد وجود نثار الفرح . إنها نجمة من نجوم ،نجمة فريدة لأن لا نجمات بهذا الصنف الأصلع في مسيرة الفنون .

المونولوج نمل الفنان ، حفرية فريال كريم . صوتها لا يرتج به ، كما لم يرتج في التلفزيون والسينما والإذاعة والمسرح ، حيث حضرت مولولة بالتفاصيل الثرية . أن يرشح إسمها بعالم الفن وهي في السبعة من عمرها ، هذا جزء من كتابة السيرة الشعبية على أنس السليقة . طوبى لها ، قيل ، حين ذهبت إلى مصر مع أختها ووالدتها ،لتنقر الأولى سيرتها بالقاهرة . غير أن الأمر لم يحدث ، حين التقى الجمهور وجها لوجه بالأخت الصغرى ، فريال كريم ، وهي تغني للمصرية ثريا حلمي ” إحنا هنا يا إكسيلانس “. يذكر عنوان الأغنية بالمونولوجات . إسمها ثريا علي محجوب ، معروفة بثريا حلمي . وهي تقف على غداة البين مع فريال كريم باحترافها فن المونولوج . ثم أنها تشبهها. إذن ، لم تلامس ثريا حلمي الغناء . ضربت صفحاً عنه وهي تحفر حضورها في المونولوج ، بعد أن التقت به وجهاً لوجه ذات صدفة . إذن مرة أخرى ، من المونولوج إلى المونولوج. الإضافة ، لزوم كتابة السيرة المحتدة بالوعي الجمعي . هكذا ، رشح إسمها ورُشح للعب بالأفلام المصرية. هكذا ، لعبت بفيلم ” سكة السلامة ” وهي لا تزال بالسابعة من العمر . لعبت بكل شيء . لأن الفن سلالة . غير أن ما يروى عنها ، هو ما يرويه كتاب سير الفنانين ، كسيرة صباح ، حيث الغد المشرق في أم الدنيا بعيداً من الدغل الواحد والأدغال ، بعيداً من اصطكاك الأسنان . من شميم الوقت الناظم : ” واسع الحكايات “. لن تحشرج هناك ، لأنها لن تصاب بالعتمة . ثم يأتي دور مسرحة الحياة بألوان الخواطر وبحات المسافر وصمغ المساند والأستديوهات والفنادق والنقابات .

لا تشبه فريال كريم القطط السائبة في الروايات ، لأنها واحدة من بطلات الروايات الشعبية من قصدن القاهرة أو فلسطين لإيجاد الصيغ المأهولة بالنجاح . ثم ، لم تلبث أن وجدت نفسها كراقصي السلو ، على منصات الخشب والإرسال والأثير . كأنه سحر وقع عليها منذ الطفولة ، ضحيته أختها الكبرى . سحر دفعة واحدة ، لا بالهمز ولا باللمز . سفر الولوج من الطفل الخبر إلى سيدة المونولوج ، وهي تدلف إلى حانات الفجر الأخرى ، من المسرح إلى التلفزيون بالتحديد ، أكثر من السينما. ولو أن السينما أول الأسماء الحسنى في حياتها . إلاأنها لم تقم فيها ، كما لو أن الغفلة أخذتها منها ، بعد وجودها في أدوار ثانوية. في أفلام منها عالم الشهرة والاستاذ أيوب ومسك وعنبر وكرم الهوى وسلطانة والضياع . تعود العناوين إلى برازخ الكوميديا الحية. كمحمد عوض في الأستاذ أيوب ودريد لحام في مسك وعنبر . أما الافلام الأخرى ، أفلام لم تصمد لأنها بدت غير موجودة منذ إطلاقها في صالات السينما . لن يقف الرصد أمامها ، حين يقف الراصدون أمام الأستاذ أيوب ومسك وعنبر كفيلمين يرغب أبطالهما باختصار الكوميديا في أسميهما . افلام ضد الفواجع بالعالم العربي . غير أنها تسطح نزال الفواجع هذه بالوقوع في الغفلة عنها ، وهي تدلف إلى أنواع من الكوميديا الأقرب إلى البلوط ، يزين ولا يؤكل . لا دخول إلى بوتقة السينما إلا لمعاضدة ذكور الكوميديا بسيداتها. عيش بين قاعين ، قاع الأوضاع وقاع السينما . لا بأس ، ما دامت فريال كريم هي الماكثة على إيقاعاتها الكوميدية البسيطة، كزائرة قادمة من فج الكوميديا العميق. لا ولادة في السينما .إنه فرح الذهاب إلى هذا الفن . فرح الذهاب ، فقط لاغير.

بالتلفزيون حضور موصوف ، لأن الطواف فيه طواف بكل لطف حول المونولوج . صحيح أنها لعبت بعض الأدوار اللافتة ، غير أنها بدت قطاعة مونولوج ، على غرار قطاع الطرق، إذ غذت كل مسلسلاتها بالمونولوج ، بحيث بدت أدوارها أدوار عاقرة بدون المونولوجات هذه . بالأخص بالدنيا هيك لمحمد شامل ( إخراج ميشيل كيلو ) ، لمَّا راحت تسخن حضورها وحضور الآخرين بالمونولوج ، ما شخص إليه العاملون في هذه الدراما الشعبية من طبائع الكتابة نفسها . وهي كتابة شعبية ، حية ، لا تعلك الأحداث ، لأنها لا تستأهل العلك من مباشرتها ومن غسلها ازهار صبار الحياة بالضحك أو الإبتسام . لون لا باهت ولا أهبل . مونولوج ” عم يزعلني ليلو” من ” الدنيا هيك”. مادام المونولوج يتوجه إلى زوجها الإفتراضي الياس رزق. دائما على مقربة من وادي المونولوج ، حتى أنها اعادت غناء بعض المونولوجات لآخرين ، كمونولوج ” قرقورك يا بديعة قرقش كل الزريعة”. لم تأبه لشخصية إلا بقدر طلاقتها بعالم المونولوج ، وبقدر حرية الشخصية في اللوحات التمثيلية . كأن بها مرض عصابي شخص بالمونولوج، بعد أن تلقفت سماته بالغريزة . تغذية الحضور ضرورة . المونولوج أولاً، ثم سؤال النفس عن نفس الشخصية على طريقة العرب ، حين يستدعون الشخصية والأخرى للإقامة فيهم بدل أن يقيموا فيها . ثمة بون واسع بين الإثنين . هكذا ، شهقت زمرد فيها ، شخصيتها / الشعلة في الدنيا هيك.هكذا ، شهقت نبيهة فيها في ” ابراهيم أفندي “. هكذا ، شهقت ست صافي فيها في “يا صبر أيوب “. كل ما نجده في التلفزيون فتحُ المرايا على المرايا ، بعيداً من خطوط التعثر ورسومها . أدوار خفيفة في مسلسلات خفيفة . سوى أنها لعبت شخصية من عيار مفاجئ في المليونير . كأنها خطت خطو الجن في هذه الدراما التلفزيونية . كما فعلت في حكمت المحكمة . لأن أعمال البداية أستثناء . حكمت المحكمة من أعمال البدايات . زرع شعلة ، أو وضع بلاطة في زمن التأسيس، حيث وجدت مع صلاح تيزاني ( أبو سليم الطبل ) في سيارة الجمعية . وإذا سأل سائل ، سوف يجدها في بيروت بالليل ، برنامج سعد الدين بقدونس صاحب العصا السحرية في حياتها الفنية . لأنها لاعبت الفن أولا معه في العاصمة السورية ، على مسارح دمشق . دخلت الحرب مع بقدونس ، مذاك لم تعرف الجوع ولم تفطم عن شعاب الفن . وجدت بوصلتها مع بقدونس ، بعدها رذ حضورها بلبنان . تلك أرضها ، بعيداً من التجديف . بيد أنها ناظرت ، اذا ما جاز التعبير ، بالمسرح ، بحضورها في قاطراته ومضائقه ومنصاته . لم تحزم حقائبها إلا للإقامة بالمسرح ، بعد أن دعاها المخرج محمد كريم للشغل في مسرحية ” عيلة أبو المجد “. روح طازجة في مسرحية طازجة . تلك أيام المسرح / المنجنيق ، حيث لا هدف ولا طموح إلا القباب . وحيث النساء تجيء ببناتهن إلى المسارح وينتظرهن بالكواليس حتى نهاية العرض للعودة بهن إلى المنازل ، بعيداً من سجاد الإشاعات . مسرح صعب ، لأنه مسرح عرس العرسان والعرائس لا عرس قارئات الفناجين من العوانس . تلك مرحلة تأسيس ، أخذتها فريال كريم من مصطبة الباب بقوة صبارة . وبعد أن قدمت تعظيم السلام في مسرحية محمد كريم ( غير محمد كريم ، زوجها ) تبعت برأسها وهج الخطو إلى نمور الكلمات في الأفواه واكتمال الحمل على الخامات . شاركت في مرحلة طزاجة الأرواح بالقوى لا بالحنانات. هكذا ، لحظت في حضرة شوشو ، حسن علاء الدين ، في نهجه بقيام مسرح شعبي، يومي . نفرٌ من أنفار الكوميديا ديلاارتي في واجهة المسرح في طلعة النار والنور . مجموعة من السحابات البريئة في فيترين المسرح ، سينما الزهرة بالأساس ، ما عدا صاحب العقد ، وحش المرحلة وضحيتها بآن . لم يحجب إسم هناك ، من شفيق حسن إلى ماجد أفيوني وابراهيم مرعشلي وهند طاهر ويوسف شامل وإميليا أبي صالح وغيرهم . لم تترك فريال كريم البيعة لهم وحدهم ، حين شاركت بمعظم مسرحيات المسرح الوطني الشعبي من طبيب بالرغم عنه إلى ورا البرافان والدكتور شوشو والحق عالطليان وواو وسين . إنها مرحلة إزدهار بيروت وقيامها على فرحها المكبوت بوصفها مدينة كوسموبوليتية بلا سقف وبلا سقيفة . مدينة بسماء من المقامات النادرة . خرجت إلى المسرح كما تخرج فتاة إلى منزل عريسها ، ثم لتجد مسارها في مساحات أخرى . وجدت أنه من الأجدر أن تخرج من المسرح لتدخل في بشائر التجارب الأخرى بالإذاعة والسينما والتلفزيون . هكذا ، ساهمت في التأسيس ببلورة السرائر العمياء واسعادها بتحويلها إلى سرائر مبصرة ، كفريال كريم الميالة إلى المونولوج ، فريال المونولوجيست حيث حطت . أو السيدة المرحة ، الضاحكة ، المضحكة ، السعيدة ، المسعدة ، بدون أن يعلم جمهورها أنها عانت دوماً من الروماتيزم وأنها تزوجت وهي في الرابعة عشرة خطيفة وأنها تعرضت إلى القهر باحراق بيتها بفرن الشباك وأنها وأنها ، حتى تجلت ذات حفل في كازينو فريد الأطرش . وإذ لفت الموسيقار ذلك المساء تألقها في مونولوجاتها ، أسرت له بأنها حزينة . وأن حزنها يعود إلى دمار بيتها . هكذا ، أوصى الأطرش رجاله بأن يحزنوها ما دام حزنها يبلور مونولوجها إلى حد تحوله إلى رعد .

سيرة حافلة انتهت يوم الرابع من تموز بالعام ١٩٨٨. ثلاث وثلاثون سنة على الغياب ولا تزال تحت وسائد الناس ، تخرج في لياليهم المحبطة كما لو أنها بشارة مؤجلة . سيدة ملكوت المونولوج لم تمت على الرغم من غيابها ، لأنها قدمت ذاتها في خلاء العالم ، بعيداً من اللقطات السوداء . لا تزال حاجة ، هكذا يسعفها الناس بالحضور كما يسعف الماء الشجر. وإذ يرونها لا يشيرون إلى الآخرة ، ما دامت تبدو كأغنية تدور على تلال الحصار .

العدد 119 / اب 2021