العلاج الفيزيائي… بين الحوادث والوقاية

الأخصائي غسّان نصّار: كورونا تضرّ الجهاز الحركي والنشاط

بيروت – الحصاد

تحيط اليوم، بالفرد، مسبّبات عديدة للألم والأوجاع، عن طريق العادات والتصرفات أو ردات الأفعال التي عادة ما يمارسها خلال النشاط البدني والحركي والنفسي اليومي. هذه الأفعال ينتج عن غالبيتها ظهور مفاعل ومشغلات جسمية على هئية أعراض كالبطء في الحركة أو تشنّجات المفاصل أو حتى الالتهابات العصبية. نخصّ في هذا التقرير تلك المتعلقة بأجزاء العامود الفقري وعضلات الظهر، والرقبة والمفاصل التي سنعالج غالبيتها بطرق بسيطة من دون الحاجة إلى الأدوية، بل سنتجه إلى العلاج الفيزيائي الذي يأتي دوره بعد العلاج بالأدوية أو الأجهزة ويعمل بشكل

الأخصائي غسّان نصّار

مباشر على تحسين الحركة وتخفيفف الشدّ أو التمزّق رالعضلي التي تؤثرعلى شبكة الأعصاب.

“الحصاد” كان لها حديث مع أخصائي العلاج الفيزيائي الدكتور غسّان نصّار الذي حدثنا عن الأخطاء الشائعة لدى البعض في المفاهيم العامة للعلاج الفيزيائي، والطرق الأنسب لتجنّب الأضرار والآلام.

اللياقة والحركة والنشاط احتياجات أساسية للإنسان في العيش وتسهيل نمط الحياة، ولا بد من اعتماد أسلوب صحيح لاستثمار هذه الاحتياجات في أطول فترة زمنية من عمر الإنسان بالتالي الصحة الحركية، الجسدية والنفسية مفاعيل البنية المتكاملة، وأي شعور بآلام فجائية في أسفل الظهر أو الرقبة لا بدّ من الاستعانة بالطبيب المختص على الفور، وعدم إهمال أي أوجاع، لأنها مع الوقت لا تزول بل يمكن أن تزداد تدريجياً وتتحول إلى التهاب حاد في المفاصل التي تحيط الكتلة العضلية.

مرض وصحة!

يضع المعالج الفيزيائي في حسبانه خلال الفحص الأول للمريض عدّة تقييمات تشمل القوة، نطاق الحركة، المرونة والتوازن، الوظائف العصبية، الألم، وحركة المفاصل، وظيفة القلب، وظيفة الرئة، والوظائف الحركية العامة.

تُستخدم التمارين العلاجية لإكساب المريض نطاق حركة أوسع، وزيادة القوة والمرونة، ويعدّ تثقيف المريض حول الوضع الصحي الخاص به أمر بالغ الأهمية لتحقيق نتائج أفضل للعلاج الفيزيائي وقد يستخدم الأخصائي الرسوم البيانية، المخططات، والنماذج للمساعدة على توضيح الحالة.

أبرز الحالات التي تستدعي العلاج الفيزيائي؛

  • الإصابات المتعلقة بالرياضة التي غالباً ما تكون: الشدّ العضلي، الارتجاج، أو كسور ناتجة عن الأوزان الثقيلة.
  • ظهور صعوبات حركية بفعل التقدم بالعمر.
  • جراحات في العامود الفقري.
  • التهاب المفاصل، وهشاشة العظام، الزهايمر.
  • أمراض الرئة والانسداد الرئوي.
  • بعد التعرض لجراحة القلب.
  • وأخيراً، تلك الحالات المتصلة بالمخ والجهاز العصبي.

لا بد من الإشارة، إلى أن حالات العلاج والمتابعة تختلف من فرد إلى آخر من حيث البنية العامة في قدرة التحملّ والإرادة، القوة العقلية والذهنية، الصحة النفسية والعوامل المناسبة لضمان العلاج الفيزيائي الأنسب، كل هذه عوامل تحدّد من قبل الطبيب المختص قبل البدء بالعلاج.

حقيقة وعلم…

  • يعمد العلاج الفيزيائي إلى تحسين صورة أجزاء الجسد من البنية العضلية، والمفاصل ويهيئ الجسم لإعادة تشغيل النظام الحركي القائم على الوقوف، الجلوس، المشي، التوازن.
  • إعادة المنطقة المتضررة إلى حالتها الطبيعية تدريجياً لممارسة نشاطها من دون آثار جانبية.
  • التنسيق بين العلاج الطبي والعلاج الفيزيائي يعزّز ثقة المريض بجسده، ما يجعله قادراً على المحاولة في إصلاح الضرر.
  • العلاج الفيزيائي يقلّل نسب الإصابة بالعديد من الأمراض.
  • ليس بالضرورة أن يتم العلاج بعد الإصابة، بل يمكن الحصول عليه لمنع الإصابة أو فقدان الوظيفة الحركية للأعضاء، وذلك بعد تقييم الأخصائي للوظائف الحركية للشخص.

“اسأل خبير ولا تسأل غيره”

الأخصائي “غسان نصّار” يحدّد استخدامات العلاج الفيزيائي التي تختلف بالأسلوب والعناية والنتيجة النهائية، فمنها يقوم على المكّون الكهربائي، أو العلاج بالماء، أو العلاج بالحرارة المرتفعة والمنخفضة، أو العلاج بالتمدّد العضلي أو الشائع بـ”stretching”، حيث يقول: هذه المكوّنات العلاجية المختلفة تساعد كثيراً على تحسين الهيئة العامة للحركة والأهم أنها تخفف الألم لدى المريض حسب كل حالة، إضافةً إلى تعزيزها للنشاط البدني بشكل متقدّم. حيث أكدت الدراسات الحديثة أن خضوع كبار السنّ للعلاج الفيزيائي مرتين بالأسبوع أو يومياً لفترة محددة يطيل أمدهم بالحياة.

كثُرت في الآونة الأخيرة أعراض الألم والأوجاع جراء تغير نمط الحياة واعتمادها بشكل أساسي على العمل والدراسة من خلال الجلوس أوقات طويلة امام الكمبيوتر الأمر الذي يراه “د. غسان نصّار” على أنه طبيعي جداً خلال نموذج الحياة الذي فرضته جائحة كورونا، حيث يقول: لقد خفّ النشاط العضلي للأفراد لاعتمادهم على الجلوس في المنزل على الأريكة أو الكرسي الغير مخصصة لتخفيف الآلام.

الجوّال وصحة أجزاع الرقبة

وعن سؤاله الطرق الفعّالة للتخلص من آلام الرقبة التي يسبّبها الهاتف الجوال يقول “د. غسّان نصّار”: بداية، لا بدّ من تحسين وضعية الرقبة خلال تصفّح الهاتف، عن طريق التقاطه مقابل النظر تقريباً لا نحو الأسفل وتثبيت الأكواع، منعاً من تصلّب أجزاع الرقبة وتخفيف كمية الضغط عليها. كما أنصح في الحال الاضطرار إلى المكوث فترات طويلة أمام الهاتف المحمول إلى القيام بتمديد الرقبة من وقت لآخر تجنباً لأي تشنّج عضلي. وأشدد على عدم استخدام الجوال في فترة الاسترخاء والعطل والحصول قدر الإمكان على الراحة.

العلاج وإعادة التأهيل

ويشير “د. غسّان نصّار” إلى أن العلاج يتفاوت بين الحوادث وأنواعها والإصابات، فالتعرض لأي نوع من الحوادث، حادث سير، كسور في الأيدي أو الأرجل لا بد من التوجّه إلى العلاج الفيزيائي بعد التجبير (فترة ما بعد التثبيت) كي يُسمح باستعادة القوة العضلية في العضو المكسور وإعادة عمله طبيعياً، أما بالنسبة إلى الإصابات فهي تختلف من إصابة إلى أخرى خصيصاً إصابات الدماغ أي أن المريض الذي تعرضّ إلى جلطة دماغية تختلف طريقة علاجه وكميته على حسب إمكانية الدماغ في التشغيل وإعادة توجيه المريض في عملية النشاط البدني في أعضاء الجسم، الفكّ، الحركة والتوزان.

وقاية، صحة وسلامة

يقسّم “د. غسّان نصّار” الوقاية إلى عدّة أقسام، وقاية العامود الفقري، حماية المفاصل، وتلك التي تساعد النشاط الحركي بشكل عام.

  • تلك التي تخفّف ظهور مشاكل في العامود الفقري: التوجّه إلى الرياضة المدروسة، وأهمّها السباحة. لا بد خلال ذلك معرفة كيفية تحديد شكل العامود الفقري خلال القيام بحركة أو جهد معين، خصيصاً عند حمل أي وزن ثقيل. الحفاظ على وزن مناسب مع الطول الذي ينتج عنه ضغطاً على أسفل الظهر.
  • الوقاية الخاصة بالمفاصل: التركيز على الضغط العضلي لا على المفاصل، لأنه غالباً ما يكون العلاج العضلي سهلاً، بحيث أن نتائج التهاب المفاصل تكون أخطر.
  • الوقاية الحركية والنشاط البدني: إن النقص الحركي اجمالاً له نتائج على صحة ككل، ولا يمكن الاستهانة به وذلك من خلال الجهوزية دوماً للحركة والميل إلى النشاط والابتعاد عن مسببات قلّته.

في هذا الصدد، توصي “منظمة الصحة العالمية”:

  • أن الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات و17 عاماً ينبغي لهم مزاولة 60 دقيقة يومياً على الأقل من النشاط البدني الذي يتراوح ما بين الاعتدال والحدّة، ومن شأن مزاولة النشاط البدني لمدة تزيد على 60 دقيقة يومياً.
  • على البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و64 عاماً، مزاولة النشاط البدني المعتدل لمدة 150 دقيقة على الأقل على مدار الأسبوع، أو النشاط البدني الحاد لمدة 75 دقيقة على مدار الأسبوع.
  • أما الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً أو أكثر توصيهم المنظمة مزاولة النشاط البدني المعتدل لمدة 150 دقيقة على الأقل على مدار الأسبوع، أو النشاط البدني الحاد لمدة 75 دقيقة على مدار الأسبوع.

يُعد نقص النشاط البدني أحد عوامل الخطر الرئيسية للتعرض للوفاة في العالم ويزداد انتشاره في العديد من البلدان، ليضيف إلى عبء الأمراض غير السارية ويضرّ بالصحة العامة. وتزداد احتمالات الوفاة بين الأشخاص الذين يعانون من نقص النشاط البدني بنسبة تتراوح ما بين 20% و30% مقارنة بالأشخاص الذين يزاولون القدر الكافي من النشاط البدني.

العدد 119 / اب 2021