الروائية ستيفاني عويني: الكلمة سعيٌ إلى الأنا الحرّة

من الرياض – رنا خير الدين

الإنجاز في العاطفة يستهلك طاقة كبيرة في التعبير عنه والصراحة فيه، كما أنه واحد من أبرز مقومات الرواية لدى الكاتبة ستيفاني عويني، التي تمكّنت من إضفاء روحيّة واقعية على أحداث رواياتها الأخيرة، التي عمدت من خلال ذلك إلى تمحور المعنى في الإنجاز العاطفي بالتواطؤ مع إنسانيتها وواقعيتها المفرطة.

الرواية بالنسبة إليها أسلوب حياة، بعيداً عن الأنانية، فالكلمة لها حقٌ عليها وتحاول من خلالها اجتياز المعتقدات البالية في المجتمع التي تتربّص في العقولى والإيديولوجية، ويبرز ذلك في أسطر روايتها “ليلة جامحة”. إضافةً إلى ذلك وجدت عويني نفسها أمام مفترقي طريق، إما الاستسهال أم المجازفة في روايتها “حب في زمن كورونا”، لكنها

الروائية ستيفاني عويني

اختارت المجازفة في التوقيت، والاختيار والمضمون.

ستيفاني عويني صحافية وكاتبة قصص أطفال وروائية لبنانية، حاصلة على ماستر في القانون الخاص، كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية – الجامعة اللبنانية.

“الحصاد” كان لها حديث مع عويني، تعرفنا من خلاله على أبرز محطات الكتابة، وسبل التنسيق بين العمل الأدبي والأسرة وما يجمعهما. ننقل إليكم التفاصيل فيما يلي.

  • “الحصاد”: أخبرينا عن نفسك ككاتبة؟
  • “ستيفاني عويني”: موهبة الكتابة ولدت معي. فالقلم صديقي منذ الصغر. كنت أكتب القصص ثم أصمم أغلفة لها من صور أقصّها من المجلات. كما ساهمت معلمة اللغة العربية رحمها الله “تيريز عازار” بتنمية مهاراتي الإنشائية.

وفي مرحلة المراهقة بدأت تتبلور كتاباتي من التجربة الشخصية وظروفي المحيطة بي ومنها الانكسارات والعثرات التي غالباً ما يكون لها آثار في تنمو العقل ونضوجه، فالألم يصنع الإبداعات الفنية، الكتابية أم التعبيرية.

ببساطة أكثر الكتابة بالنسبة إلي، ليست فقط هواية أو مهنة، إنما هي حالة أعيشها وأتنفسها…  حالة أكون معها في عوالم أخرى.

أريد الإشارة إلى أنني بدأت مشواري في عالم الكلمات، من خلال كتابة قصص أدبية للأطفال، من مقالات صحافية إلى الروايات والقصص.

  • “الحصاد”: كيف ينجح الكاتب في الرواية، أمن ضربات الجنون أم من الواقعية المفرطة. ويمكن الافتراض أنك مزيج من الأمرين؟
  • “ستيفاني عويني”: من منظوري الشخصي كون الكاتب الروائي فناناً، عليه أن يستدعي الجنون لكتابة أسطر روايته، كما عليه أن ينقل خوفه وفرحه وجميع حالاته لشخصيته في الرواية كي تبدو حقيقية. وليس بسرٍّ أنّ المؤلِّفين يستلهمون من أحداث الحياة الحقيقية وتجاربها. فمثلاً في رواية “حب في زمن الكورونا” بطلة الرواية مصابة بمرض “الكرون” مثلي، وهو التهاب يصيب الجهاز الهضمي غير معدٍ، يسبّب التهاب بطانة الجهاز الهضمي وهو أحد الأمراض التي تسمى أمراض التهاب الأمعاء… الأمر الذي استطعت صياغته بواقعية عجيبة، بالتالي أثبت بذلك أن التجربة طريق للإبداع.

وفي رواية “ليلة جامحة” وصفت للقارئ حادثة وفاة والدي بلسان شخصية روايتي.

اذاً الواقعية والجنون كلاهما وجهان لعملة واحدة، بدونهما لا تكون للرواية أن تنجح.

  • “الحصاد”: خصال المرأة لطيفة، لكن التجارب قد ترشدها الى طريق الخطأ، أين حدود بطلات رواياتك؟
  • “ستيفاني عويني”: الحرية ذات حدّين: إمّا أن نعيش الحريّة بطريقة إيجابيّة وندرك كيف نستغلّ هذه الحريّة ونتحرّر من قيود معيّنة تعود بالفائدة على الفرد، وإمّا أن نعيشها بطريقة سلبيّة لدرجة “الفلتان” والإساءة إلى أنفسنا.

برأيي حدود الحرية الشخصية هي حدود حرية الآخرين. في رواية “ليلة جامحة” نجد أن بطلة الرواية تعرضت للتعنيف من زوجها فتطلقت منه وما كان منها إلا أن تطلق العنان لحريتها فور حصولها على الطلاق. تنتقل بطلة الرواية من الخضوع لزوج معنف إلى التحرّر من قيود المجتمع وصولاً إلى كسر قواعده.

أما في رواية “حب في زمن الكورونا” فوباء كورونا رسم الحدود لحرية بطلة الرواية. فنراها مقيدة الحركة غير قادرة على عيش قصة حبها كما تريد بسبب الوباء.

  • “الحصاد”: أنجح الروايات هي تلك التي تكون مزيجاً من الحب والجريمة والشغف، ويتم تحويلها إلى فيلم أو مسلسل، ورأينا ذلك في رواية الكاتب ابراهيم عبد المجيد، “في كل أسبوع يوم الجمعة”، ما رأيك بذلك؟
  • “ستيفاني عويني”: لا يهمني كثيرا تحويل روايتي إلى فيلم لأنني أكتب لجمهور الأدب الذي سيقبل على قراءة الرواية سواء حوّلت إلى فيلم أم لا. لكنني سأفرح بالتأكيد في حال عرضت علي إحدى الشركات المنتجة التحويل. ومن المؤكد أن تحويل الرواية إلى فيلم يزيد من نطاق مشاهدتها ومعرفة الناس بها لأنها تصل للفئة الكبرى من المجتمع التي لا تقرأ غالباً، وهو يزيد من إمكانية وصول الرواية إلى أكبر شريحة ممكن، ويتيح انتشارها على نطاق أشمل وأوسع، ويساعد على التفاعل والمشاركة على فترة زمنية طويلة.
  • “الحصاد”: “حب في زمن كورونا” هل تطمحين الى أن تصبح روايتك فيلماً أو مسلسلاً؟ وما السبيل الى ذلك الألم أم المعرفة؟
  • “ستيفاني عويني”: لا أطمح لذلك لكنها فرصة تسنح لاندماج الرواية ضمن نطاق واسع وشريحة كبيرة من الناس، خصيصاً الشباب الذين يميلون إلى مشاهدة الأفلام والمسلسلات عبر التطبيقات أكثر من التوجه إلى القراءة.
  • “الحصاد”: في “ليلة جامحة” و”حب في زمن كورونا” كثافة في المعاني وطرق وعرة في الوصول إلى الحب الحقيقي. الحب، في كلا الروايتين واضح. ماذا يعني لك الحب ككاتبة وأم وزوجة؟
  • “ستيفاني عويني”: الحب عطاء، لا يُرد ولا يُستبدل ولا يمكن التجزئة فيه، سعيت جاهدة في الروايتين إلى إيصال مفهوم الحب من وجهة نظر المرأة في جميع حالاتها، الحزن السعادة، من خلال حبها للرجل، للعائلة أو للحياة حتى، فالمرأة قادرة على تفصيل الحب طيلة حياتها لأن مزيج المشاعر لديها يتحكّم بمعظم قراراتها وتصرفاتها. وذلك ما حاولت اظهاره على الدوام كوني أم وزوجة أعيش هذه الحالة يومياً وأسعى إلى العطاء أكثر، وأشاركه في جميع كتاباتي مع الآخرين.
  • “الحصاد”: من حيث الأسلوب، كيف وفّقت بين العاطفة وعنصر التشويق؟
  • “ستيفاني عويني”: لقد قرأت مؤخراً مقال عن دراسة من “جامعة لانكستر”، و”جامعة إكستر”، و”جامعة إمبريال كلية لندن”، و”جامعة كلية لندن”- تضم الدراسة توضيح عن أن السلوك الطبيعي للمجتمع يؤثر في أسلوب كتابة الشخص، وأن معظم الكتّاب يغيرون أسلوب كتابتهم كي يقنعوا القرّاء، وقد يكون ذلك مبنيّ على هوية المجتمع الذي يؤثر عليهم في ذلك الوقت.

أسلوبي متميز متحرر من كل قيد، فأنا لا أتأثر بهوية مجتمع ما، أو بالقواعد التي يميل إليها الافراد. أسلوبي يعبّر عن إحساسي وفكري وبشكل مشوّق أحاول أن أجذب القارئ إلى متابعة الأحداث دون ملل.

كما يتسم أسلوبي بالوضوح، اللغة سهلة، تشبيهات الصور البلاغية، الاستعارات على اختلاف أنواعها.

  • “الحصاد”: أخيراً، ما هي أعمالك المستقبلية خصوصاً أنك تعملين في مجالات أخرى.
  • “ستيفاني عويني”: أقوم حالياً بترجمة رواية “حب في زمن الكورونا” إلى اللغة الفرنسية. وأستمر في كتابة المقالات لتنشر على موقع “المحلل”. كتبت قصة للأطفال عن عيد الميلاد المجيد وسأنشرها في شهر كانون الأول.

كما أجهّز لحفل توقيع روايتَي “٤ آب” و”حب في زمن الكورونا ” الشهر المقبل،  برعاية الناشطة السياسية والصحافية بولا يعقوبيان التي أكن لها كل المحبة والتقدير.

من جانب آخر، كتبت سيناريو مسرحية للأطفال وستعرض بعد شهرين، سيمثل فيها أطفال قريتي بطحا.

أما بالنسبة للرواية القادمة فسأدع الإلهام يقود أفكاري وإبداعاتي.

الرواية والأنا

رواية “ليلة جامحة” (112صفحة)، اختارت الكاتبة هذا العنوان لتوقع القارىء في لبس المعنى، فقد يُخيل للقارئ أنها ليلة حب جامحة بامتياز بكل ما للكلمة من معنى، لكنها، أي الكاتبة، تأخذك إلى حكاية تدور أحداثها في ليلة واحدة، وتطرح قضايا عديدة مثل: التحرش بالأطفال، الطلاق، العنف الأسري، حقّ المرأة في ممارسة حريتها بالكامل.

بطلة الرواية عنيدة المراس، متمرّدة على كل العادات المجتمعية البالية، فقد أكسبتها تجارب حياتها خبرة – وهو ما نُلاحظه في العبارات الوجدانية – التي تزين مدخل كل حدث من أحداث روايتها، لتعيش معها مغامرة ليلة واحدة.

أما في رواية “حب في زمن الكورونا”، تنشأ علاقة حب بين “أنابيلا” بطلة الرواية و”عمر”، في ظل تفشي فيروس كورونا، حيث تُصاب “أنابيلا”  وتحاول الصمود والتمسّك بالحياة في مواجهة جماعة “المطهرون” التي نشأت بعد أن خفت سلطة الدولة، وهي جماعة متطرفة، تعمل على قتل المصابين بالفيروس لإيقاف انتشاره.

ستيفاني عويني، كاتبة شابة طموحة ونشيطة، لديها أشياء كثيرة تقوله لنا من خلال إنتاجها الأدبي، وهي بروايتها  تسلك الطريق الأدبي بخطى جديّة وواثقة، حيث تسعى من خلالهما الوصول إلى شرائح المجتمع المختلفة، وتقديم أفضل ما لديها.

العدد 119 / اب 2021