حكومة لبنان: محاصصة التوازنات الدقيقة والمهمات الصعبة

مقال الحصاد عن حكومة ميقاتي

بيروت – غاصب المختار

بعد فراغ حكومي خطير في لبنان استمر سنة تقريباً تخللته انتكاسات وانهيارات متتالية وفوضى امنية واسعة وازمة معيشية خانقة، شكّل الرئيس نجيب ميقاتي حكومة عهد الرئيس ميشال عون الرابعة من 24 وزيراً بينهم سيدة واحدة، ومن شخصيات اكاديمية بارزة في مجالها، لكنها افتقدت ابرز شروط المبادرة الفرنسية وهي استقلالية الوزراء السياسية، بحيث جاءت بنكهة سياسية واضحة وفاقعة، عبر تسمية الكتل النيابية البارزة وزراء كلٍّ منها، وسط مقاطعة حزبي القوات اللبنانية والكتائب. وملاحظات كثيرة على التشكيلة من ابرزها وجود وزراء درسوا وعملوا خارج لبنان فترات طويلة ولديهم ارتباطات بدول وجهات وهيئات دولية مالية ونقدية واقتصادية ابرزها البنك الدولي، تفرض على لبنان شروطاً صعبة لتحقيق الاصلاحات الاقتصادية والمالية وعلى حساب اغلبية الشعب اللبناني الذي يعاني الفقر بنسبة كبيرة.

تشكّلت الحكومة بعد صراع طويل على توزيع الحقائب واسماء الوزراء وما يُسمّى في لبنان “الثلث الضامن او المعطّل” بين الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري اولاً استمر 11 شهراً، ثم امتد شهراونصف الشهر مع الرئيس ميقاتي بعد تكليفه، ولكن مع اختلاف اداء الحريري وميقاتي حسب طبيعة العلاقة مع رئيس الجمهورية والقدرة على تدوير الزوايا والتحرر من الحسابات الخاصة وتقديم التنازلات. فما لم يحصل مع الحريري حصل مع ميقاتي، الذي قدم لعون تنازلات قابله بمثلها رئيس الجمهورية، لجهة الحصص السياسية ونوعية الحقائب واسماء الوزراء، فكانت محاصصة تامة في حكومة فيها اكثرمن ثلث معطل عملياً بحسب ما يحصل داخلها من تحالفات بين القوى السياسية المنقسمة.

وهكذا تمثل في الحكومة الرئيس عون ومعه التيار الوطني الحر، والرئيس ميقاتي ومن خلفه الرئيس الحريري، والرئيس نبيه بري، وحزب الله، وتيار المردة وحليفه النائب فريد الخازن، والحزب السوري القومي الاجتماعي والنائب الامير طلال ارسلان ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وحزب الطاشناق الارمني. وحصل كل طرف على مبتغاه وخرج سعيداً من معركة التشكيل. بمعنى انها كانت حكومة التوازنات السياسية والطائفية الدقيقة. فيما رأى بعض المتابعين لتشكيلها انها ضمت في الظل رجال فرنسا واميركا، ولهذا رحبت الدولتان فوراً بتشكيلها مع وعود بتقديم مساعدات سريعة للبنان لوقف تسارع الانهيار.

ولكن من الملاحظات على الحكومة، ان معظم وزرائها لم يختبر العمل الاداري الرسمي ما يمكن ان يعيد تجربة بعض وزراء حكومة الرئيس حسان دياب لجهة الفشل في مقاربة الملفات وتسييس بعضها. لكن احد الوزار الجدد قال لـ “الحصاد”: ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي سبق وخاض العمل الحكومي وزيرا ورئيساً للحكومة ولديه معرفة تامة ودقيقة بتفاصيل العمل الحكومي وحاجات لبنان الحالية، عداعلاقاته الواسعة داخلياً وخارجياً، ويمكن ان يدير دفّة الحكومة بالتعاون مع رئيس الجمهورية الذي يمتلك ايضا برنامجاً يسعى لتطبيقه قبل نهاية ولايته في تشرين الثاني – نوفمبر من العام المقبل.

المشكلة الاولى امام الحكومة هي ان عمرها قصير (بين ثمانية وعشرة اشهر) لحين إجراء الانتخابات النيابية المقبلة في ايار – مايو من العام المقبل، وبالتالي هي لا تملك الكثيرمن الوقت لتحقيق برنامج اصلاح وانقاذ كامل للاقتصاد والبنى التحتية والادارة ومشكلات المحروقات والدواء وغلاء الاسعار ومكافحة الاحتكاروتنفيذ التدقيق الجنائي، وكلها بحاجة الى اموال وتنفيذ قوانين وتشريعات جديدة ليست في متناول اليد، لذلك اعلن الرئيس ميقاتي بعد تشكيل الحكومة ان مهمتها محصورة بأهداف آنية هي : “كيفية مواجهة تفشي فيروس كورونا، ومعالجة كل الانعكاسات المرتبطة بإنفجار مرفأ بيروت، وتنفيذ الإصلاحات العديدة، وإجراء الانتخابات النيابية”. واذا كان بالامكان تحقيق ثلاث من هذه المهمات، فإن مهمة الاصلاح هي الاصعب. إضافة الى صعوبة تحقيق مهمة الانعاش الاقتصادي والمالي.

يبقى امام الحكومة مهمة إجراء الانتخابات النيابية في وقتها كما تعهد ميقاتي، وهو قرار سياسي بإمتياز بيد القوى السياسية التي تختلف حول آلية إجرائها. على اي قانون انتخابي واي تقسيمات للدوائر الإنتخابية، وهل المطلوب قانون انتخابي جديدة ام تعديل القانون الحالي او اعتمادالقانون الحالي على علّاته؟

هي حكومة قصيرة العمر وامامها الكثيرمما لن تستطيع تحقيقه، لكن اهم ما فيها انها تشكلت. وقد قيل ان البلد مع اي حكومة افضل من الفراغ الحكومي القاتل. والدليل الارتياح الذي تركه تشكيلها على الاسواق وانخفاض سعر الدولار.

هي حكومة التقاط الانفاس كما اسماها البعض، وحكومة وقف الانهيار كما قال البعض الآخر، لكنها بإجماع المتابعين حكومة تجديد وتعويم الطبقة السياسية ذاتها، وهي المسؤولة عن الوضع الكارثي الذي وصل اليه لبنان، والمطلوب منها في الوقت ذاته إصلاح ماخرّبته اياديها. والأنكى، ان كل ذلك يتم بغطاء من دول سبق واتهمت الطبقة السياسية الحاكمة بالفساد ولوّحت بإتخاذ عقوبات بحقها، لكنها عادت واقرت بالفشل في تغيير هذه الطبقة وتعاملت معها معاملة القبول بالأمر الواقع على امل حصول التغيير في الانتخابات النيابية المقبلة.

العدد 121 / تشرين 2021