مواجهة اميركية – ايرانية بوجهين حول الطاقة للبنان

زيارة لبنانية رسمية “تقنية” الى دمشق “بنكهة سياسية”

غاصب المختار

تحوّل  لبنان الى حلبة صراع اميركي – إيراني مكشوف على خلفية تزويده بالكهرباء والمحروقات، بحيث تسابق الخصمان اللدودان على توفير هذه المواد الحياتية الاساسية، كلٌّ لسبب وحجة واحد تحت عنوان “دعم الشعب اللبناني”، وآخر تحت عنوان “فك الحصار الاقتصادي والمالي الاميركي عن لبنان”، وكانت النتيجة فك الحصار جزئياً عن لبنان، وبدء نوع آخر من العلاقات اللبنانية – السورية الرسمية ولو بحدود التفاوض على امور تقنية وإجرائية، وتحرك السفن الايرانية نحو البحر المتوسط ناقلة المحروقات الى لبنان عبر سوريا.

جاء المسعى الاميركي لإستجرار الكهرباء والغاز الى لبنان من الاردن ومصر عبر سوريا، مباشرة بعد اعلان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن طلب استيراد البنزين والمازوت من ايران وبالليرة اللبنانية، وبدأ السباق بين الطرفين من يسبق الآخر بتوفير الكهرباء والمحروقات للبنان، وفعلا تحركت ثلاث سفن ايرانية محملة بالمحروقات باتجاه البحر المتوسط ورست اولاها في احد موانيء سوريا، فيما تنفيذ المسعى الاميركي يستغرق اشهراً طويلة من مفاوضات سياسية ومالية وتقنية بين لبنان والدول الثلاث ومن إصلاحات وصيانة لخطوط النقل.

التحرك الوزاري اللبناني

 وقد بدأ لبنان الشهر الماضي رسمياً وللمرة الاولى منذ سنوات، مفاوضات مع سوريا من حكومة الى حكومة، بزيارة الوفد الوزاري الى دمشق، والذي سبق لـ “الحصاد” ان ذكرت في عددها الماضي انه سيزور سوريا، وضم نائبة رئيس الحكومة وزيرة الدفاع ووزيرة الخارجية بالوكالة زينة عكر، ووزير الطاقة والمياه ريمون غجر ووزيرالمالية غازي وزني، ورافقه المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم عرّاب المساعي لترتيب العلاقات اللبنانية – السورية الرسمية. بعدما اعطى رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب موافقة رسمية استثنائية بمرسوم رئاسي من خارج مجلس الوزراء لزيارة الوفد الوزاري.

واوضحت الوزيرة عكر في اتصال مع “الحصاد” قبل الزيارة بليلة واحدة ان هدفها هو فقط البحث في اعادة تفعيل اتفاقية استجرار الكهرباء والغاز المصري، عن طريق الاردن – سوريا الى لبنان، وليس لها هدف آخر. وجاء توضيحها بعد صدور ردود فعل من معارضي ترتيب العلاقات اللبنانية – السورية رافضة لما اسموه “تطبيع العلاقات مع النظام السوري بشكل كامل والاكتفاء بالتفاوض التقني على استجرار الكهرباء والغاز”.

وانضم الى  الوفد اللبناني فور وصوله دمشق، السفير اللبناني في سوريا سعد زخيا، والتقى وزير الخارجية فيصل المقداد، وزير النفط والثروة المعدنية بسام طعمة، وزير المال كنان ياغي والسفير السوري في بيروت علي عبدالكريم علي والامين العام للمجلس الاعلى اللبناني السوري نصري خوري .

وفي اللقاء الذي استمر نحو ساعتين مع المقداد، وافق الجانب السوري على مساعدة لبنان لإستجرار الكهرباء والغاز من دون اي شروط، وتم الاتفاق في اللقاء مع الوزير المقداد على تشكيل لجنة تقنية فنية لبنانية – سورية تعقد اجتماعات تباعاً وربما في البلدين للبحث في كل التفاصيل التقنية والمالية. وفي هذا إحياء مباشر ورسمي  لعمل اللجان المشتركة بين البلدين المُشكّلة بموجب “معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق” في كل المجالات.ما يعطي لزيارة الوفد اللبناني التقنية “نكهة سياسية” خاصة مع وجود وزيري خارجية البلدين “غير التقنيين”، مع ان بعض اللجان المشتركة لا سيما للزراعة والصناعة والنقل والاقتصاد والامن كانت تجتمع بشكل شبه دوري وكلما دعت الحاجة لكن بعيدا من الاعلام للتنسيق في المجالات المشتركة.

الامين العام للمجلس الاعلى اللبناني – السوري نصري خوري الذي حضرالاجتماع، قال لـ “الحصاد” بعد انتهائه: انها خطوة اولى ستليها خطوات لن تقتصر على موضوع الكهرباء والغاز فقط، بل تفعيل العلاقات في كل المجالات المشتركة.وسوريا اعلنت انها جاهرة ولا إشكالات لديها لنقل الطاقة الى لبنان، ولكنها تنتظر الدول الاخرى.

وعن المعنى السياسي للزيارة اوضح خوري: انها المرة الاولى التي يحصل فيها اجتماع رسمي حكومي بين البلدين، نتيجة قرار رسمي من الدولتين، ونأمل ان تكون فاتحة خير لمصلحة البلدين.

وكان خوري قد قال لـ “الحصاد” قبل زيارة الوفد: ان المسعى الاميركي  لإستجرار الطاقة من الاردن، يحتاج اولاً الى مفاوضات بين لبنان وسوريا لتجديد اتفاق التبادل بينهما والذي جمّده لبنان من عام 2018 وقبل صدور “قانون قيصر” الاميركي، الذي فرض عقوبات على سوريا و من يتعامل معها، ويقضي هذا الاتفاق بتبادل كل الخدمات بين البلدين بما فيها الكهرباء وهو يتجدد تلقائيا ولا يحتاج سوى الى توقيع وزيري الطاقة والكهرباء المعنيين في البلدين.

اضاف: كما انه لا بد من تجديد البحث في اتفاق الربط الكهربائي الثلاثي القديم بين مصر والاردن وسوريا ليستفيد منه لبنان، خاصة ان خط نقل التوتر العالي للكهرباء بين الاردن وسوريا متضرر في منطقة درعا نتيجة الحرب في سوريا، وهو بحاجة الى اصلاحات، وقد جرت مفاوضات بين البلدين لإصلاحه وتحديد الكلفة وعلى عاتق من تقع، علماً ان اصلاحه يستغرق بين ستة اشهر وسنة، ولكن المفاوضات توقفت لأسباب لا نعرفها. ومن دون إصلاح هذا الخط لا يمكن نقل الكهرباء من الاردن الى سوريا، لتُنقل الى لبنان عبر الخط القائم (400 كيلواط) والذي كان يتم استخدامه من فترة لفترة.

واوضح خوري ان نقل الغاز من مصر الى الاردن ومنه الى سوريا والى معمل توليد اللكهرباء في دير عمار في شمال لبنان ،يحتاج ايضا الى مفاوضات مع الدولتين لتحديد الكلفة وقيمة اصلاح الخط المتضرر بشكل غير كبير.

وبعد دمشق، عقد إجتماع رباعي لبناني – سوري – مصري –  اردني في عمّان “لبحث سبل تعزيز التعاون لإيصال الغاز المصري إلى لبنان عبر الأردن”، ومثّل لبنان فيه وزير الطاقة ريمون غجر الى جانب وزراء الطاقة في الدول الثلاث، وجرى بحث الاتفاقية بتفاصيلها التقنية والفنية والمالية والآلية التنفيذية لها على ان يبدأ التنفيذ خلال 4 اسابيع. وتقرر في الاجتماع ان يتولى كل بلد تحمّل كلفة إصلاح شبكات نقل الكهرباء وخطوط جر الغاز التي تمر في اراضيه.وتم تشكيل لجان فنية للمتابعة.

تحذير اميركي- اسرائيلي: لا للنفط الايراني

لكن اللاعب الاميركي الاساسي في لبنان كان قد مهّد لمسعاه بإتصالات مع الاردن ومصر ونال موافقتهما على تزويد لبنان بالطاقة عبر سوريا، وقرر استثناء استجرار الكهرباء والغاز من عقوبات “قانون قيصر” المفروضة على سوريا، كما غضّ الطرف عن زيارة الوفد الوزاري اللبناني الى دمشق. بحيث يتم عملياً رفع الحصار الاقتصادي والخدماتي المفروض على لبنان لأسباب جوهرها سياسي.

هذا التحرك الاميركي “التسووي المهادن” مع لبنان ومع سوريا في مجال نقل الكهرباء والغاز، قابله تشدد لفظي على الاقل وتحذير من مغية استيراد النفط الايراني، على لسان وفد من لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الاميركي زار لبنان الشهر الماضي، واكد في تصريحات علنية ان استيراد النفط من ايران خاضع للعقوبات.

وتضيف مصادر مطلعة “ان ما حصل خلال شهر آب اغسطس الماضي من غارات اسرائيلية على سوريا حمل مؤشرات توحي بأنها رسائل مباشرة من تل ابيب الى حزب الله في ما يتعلق بالنفط الايراني.

واعتبرت المصادر ان توقيت الغارات الاسرائيلية التي اتت بعد ساعات من اعلان السيد حسن نصرالله انطلاق ناقلة النفط الايرانية هو اول مؤشر، في حين ان المؤشر الثاني مرتبط بموقع الغارات.

وقالت المصادر ان الغارات استهدفت مناطق سورية حدودية مع لبنان نتيجة تقدير الكيان الإسرائيلي ان النفط الايراني المحمول عن طريق البر الى لبنان، سيسلك مسارات معينة عبر بلدة القصير او القلمون للوصول الى لبنان، ومن هنا اتى استهداف هذه النقاط كرسالة.

واوضحت المصادر ان الصورايخ المجنحة الاسرائيلية التي قصفت سوريا عبر الاراضي اللبنانية سلكت مساراً مختلفاً عن المرات السابقة، اذ اتجهت من فوق بيروت والضاحية الجنوبية وليس من فوق مناطق كسروان وجبيل وجبل لبنان، كما كان يحصل سابقاً،  وهذا له دلالة واضحة ايضاً، ما أرغم ان حزب الله على الرد بقصف صاروخي لمحيط قاعدة عسكرية اسرائيلية كبيرة في مزارع شبعا المحتلة فوراً.

ماذا في النتائج العملية

كل هذا الصخب والتهديد السياسي والعسكري لم يصل الى مرحلة منع النفط الايراني من عبور الخليج ودخول البحر الاحمر وقناة السويس في طريقه الى سوريا ولبنان، ولم يمنع زيارة الوفد الوزاري اللبناني الى دمشق.وبالتالي بات الطريق معبّداً على نحو افضل من السابق لحل جزئي لأزمة الكهرباء والمحروقات في لبنان بحيث يحصل على نحو 450 ميغا واط من الكهرباء اي بزيادة ساعات التغذية نحو اربع ساعات يومياً، وبالتالي يمكن ان تفتح “الزيارة التقنية” الباب لاحقاً امام زيارات سياسية رسمية قد يتوجّها رئيس الجمهورية ميشال عون بزيارة دمشق ولقاء الرئيس بشار الاسد، سواء في ظل حكومة جديدة.خاصة ان معلومات كثيرة ترددت سابقاً عن نية الرئيس عون زيارة دمشق، لكن مصادر رئاسة الجمهورية كانت تنفيها وتؤكد انه عندما يحين موعد الزيارة سيتم الاعلان عنها رسمياً وستتم بشكل علني وليس سرّياً.

وعلى هذا سيبقى لبنان معلّقاً على سقف المواجهة المفتوحة بين أميركا وخصومها في المنطقة، فهل تتحول الى مواجهة إيجابية لخدمة لبنان، ام تتطور الى مواجهة  سلبية بحيث تستخدم اميركا اساليب اخرى لمنع النفط من عبور سوريا؟

لقد بات حزب الله طرفاً أساسياً في هذه المواجهة بوجهيها الايجابي والسلبي. وسواء وصل النفط الإيراني أم لم يصل لأسباب متعدّدة، فإنّ مجرّد فتح حزب الله باب الإستعانة “بالصديق الإيراني” وتلبية هذا الصديق للدعوة، يعني أنّ كلّ ما هو مرتبط بتحسين الوضع اللبناني سيبقى معلّقاً على نتائج هذه المواجهة بوجهيها.لكن يمكن فهم المعادلة بمسارعة واشنطن لاطلاق عجلة استجرار الطاقة من الأردن والغاز المصري على انه تراجع اميركي خوفاً من تسارع الانهيار اكثر في لبنان بما يضر بمصالحها الاخرى الكبرى.بهذا المعنى جنى لبنان مكسباً مباشراً من هذه المواجهة بالحصل على الطاقة، وجنت سوريا استعادة العلاقات الرسمية مع لبنان من دون تنازلات سياسية، وربما تحصل ايضاً على قسم من الطاقة التي تحتاجها.

يبقى انتظار رد الفعل الاميركي تجاه لبنان اذا وصل النفط الإيراني وجرى توزيعه ولو على مناطق وفئات محددة.

العدد 121 / تشرين 2021