الشاعر العراقي ماهر العزاوي والشعر تحقيق للحلم

ماهر العزاوي للحصاد:

“إنّ الكتابة هي الوسيلة الوحيدة لتهذيب الروح والشعور بالسكون والهدوء.”

” لوضع بلدي تأثيرات محزنة ومؤلمة في روحيّة كتاباتي.”

بيروت من ليندا نصار

 ترتبط الأغاني الشعبية بالبيئات التي ينتمي إليها البشر. وهي تعبير عن الحالات الاجتماعية والنفسية وعن كلّ ما قد يمرّ به الإنسان من فرح وحزن أو معاناة ومشاكل من أيّ نوع كانت، خصوصًا إذا ما كان يعيش في بلاد محكومة بالنزاعات والحروب … ولكل بيئة إيقاعاتها الخاصة تلك التي تتبدّى من خلال الحياة الشخصية للشعوب. وقد اختلفت الذائقة الفنية اختلافًا كبيرًا مقارنة بالعصور الماضية مع ذلك، ما زالت الألوان الشعبية تحاكي المجتمع بتنوّعه

الشاعر العراقي ماهر

واختلافه. وعلى الرغم من أنّ البعض بات يميل إلى الاستسهال، إلًا أنّه ما زالت هناك خامات ومواهب نراها تظهر وتتمدّد وهذا ما يبدو جليًّا في الدول العربية.

في العراق حقّقت أغنية “الكوكب” انتشارًا واسعًا. وهي من تأليف الشاعر العراقي الشعبي ماهر العزاوي وألحان الملحّن علي صابر وقد غنّتها الفنانة رحمة رياض عضو لجنة تحكيم “عراق أيدول” ونجمة ستار أكاديمي 7، وتسرّبت هذه الأغنية إلى الدول العربية كافة، وقد حقّقت عدة نجاحات ومشاهدات عبر اليوتيوب ومختلف قنوات التواصل الاجتماعيّ.

  أمّا عن ماهر العزاوي كاتب الأغنية، فهو شاعر يتميّز بالإصرار على تحقيق الحلم وعدم اليأس مهما كانت الظروف، والدليل على ذلك أنّه تابع مسيرته بالرغم من الحرب العراقية عام 2006، واستطاع هذا الشاعر أن يستلهم من الواقع الصعب خطوطًا جديدة للحياة وإثبات حضوره خلال فترة زمنية قصيرة.

يعتبر العزاوي أنّ الشعر يأتي بالفطرة ويولد مع الإنسان ليستمرّ معه طوال حياته، يهتمّ الشاعر الشعبي للمطالعة والقراءة التي، بالنسبة إليه، تنمّي الموهبة وتطوّرها مع مرور الوقت، فيصبح الشاعر محترفًا قادرًا على إبداع أجمل النصوص. كذلك يعتقد العزاوي بأهمية اللحن وقدرته على احتواء الكلمات، لتصبح الأغنية كاملة متكاملة ومميّزة.

الحصاد تواصلت مع الشاعر ماهر العزّاوي وكان لها معه الحوار الآتي:

“الحصاد” كيف كانت بدايات تجربتك الشعرية؟

“ماهر العزاوي” في البداية لكم التحية وخالص الحب والاحترامبالإضافة إلى الشكر والامتنان ولي الشرف أن أتحاور مع جنابكم الكريم.

يقال إنّ الحبّ إمّا أن يصنع منك شاعرًا أو مجنونًا ولحسن الحظّ أنّه جعل مني شاعرًا… والبداية كانت بسيطة جدًّا. كنت ما بين السابعة والثامنة عشر من العمر. هناك كانت انطلاقتي وكانت بداياتي. بالطبع لكل بداية صعوبات ولكن الاستمرار في الحلم وعدم اليأس مهما كانت الظروف لا بدّ من أن تحوّله إلى واقع.

“الحصاد” من المعروف أنّ الموهبة تحتاج إلى صقل عبر  التجربة  المعاشة بالإضافة إلى عوامل أخرى.. كيف تنظر إلى الموهبة بوصفها أساسًا في انطلاقة الشاعر ؟

“ماهر العزاوي” من المعروف أنّ الشعر موهبة ربانية بالنسبة إليّ هذا الأمر حقيقة فنحن نولد شعراء ولا نكتسب الشعر كمهارة حياتية. لكني لا أخفي عليك أني أعتبر التجربة المستمرة والاحتكاك بأصحاب الاختصاص، يؤثّر في صقل الموهبة ليصل الشاعر إلى مرحلة من الاحتراف في الكتابة. كذلك الاستمرار في المطالعة أضاف إليّ الكثير، والاصرار على تحقيق ما بدأت به جعل من الموهبة أكثر حضورًا وتألّقًا، وشيئًا فشيئًا صارت واضحة المعالم وخرجت في قالب متألّق إلى العلن.

“الحصاد” كونك من الشعراء الحاضرين بقوّة في المشهد الثقافي للأغنية الشعبية العراقية اليوم، خصوصًا إذا ما تطرّقنا إلى ما حقّقته بعض الأغنيات من نجاح كأغنية “الكوكب” مثلًا.  كيف تنظر إلى تجارب كتابة الأغاني العراقية الحاضرة اليوم في الوسط الفني والثقافي؟

“ماهر العزاوي” بالنسبة إليّ إنّ كتابة الأغنية، وأعني هنا  النص الغنائي، ليست تجربة وإنما هي لون أو جزء من كتابة الشعر. وهناك من يختصّ بكتابته فقط. وعلى الصعيد الشخصي تعتبر هذه الاغنية مهمة بالنسبة إلى الشعراء الحاضرين اليوم في الوسط الفني والثقافي العراقي وقد أثبت الشعراء حضورهم من خلالها.

“الحصاد”  إنّ المطّلع على ما يكتبه ماهر العزاوي يدرك الإحساس المرهف والاحتراف الكتابي، والدليل على ذلك ما حقّقته في فترة قياسيّة. السؤال هنا، ما كانت نظرة النقاد أو الجمهور إلى هذا الأمر؟

“ماهر العزاوي” لكل شاعر أو إنسان أحاسيس ومشاعر تميّزه عن غيره والإنسان مختلف بطبعه وشخصيته، وكلّ واحد يختصّ بالتعبير عمّا يخالج نفسه بطريقته الخاصّة وبأدواته وذلك طبعًا بحسب ذكائه أو روحيته. أما عن نظرة النقاد فأنا لست متطلعًا جدًّا على هذا الأمر، ولكن عند طرح كلمات أغنية  “الكوكب” وهي من كلماتي، وقد غنّتها الفنانة “رحمة رياض”، والذي قام بتلحينها الأستاذ الملحن علي صابر، التمست من الاغلبية الإطراء والثناء، وقد كانت ردودهم إيجابية تمامًا.

“الحصاد”  برأيك إلى أيّ مدى يمكن للحن أن يؤثّر في جودة القصيدة المغناة وتقريبها من السامعين؟

“ماهر العزاوي” للّحن دور أساسيّ  في إنجاح العمل ويشكّل نسبة ليست بقليلة في إيصال المفردات للمتلقي، فثمّة توأمة بين الكلمة واللحن لتخرج الأغنية ناجحة، ويعدّ اللحن من العوامل الأساسيّة لنجاح القصيدة المغنّاة.

“الحصاد” ماذا تعني الكتابة بالنسبة إلى الشاعر ماهر العزاوي؟

“ماهر العزاوي” كيف أصف لك الكتابة، إنها متعة لامتناهية. الكتابة هي السبيل الوحيد الذي يترجم ما يخالج قلبي وروحي على الورق. تبعث الكتابة في داخلي شعورًا جميلاً مليئًا بالارتياح والسلام. في الوقت نفسه، أعتبر أنّ الكتابة هي الوسيلة الوحيدة لتهذيب الروح والشعور بالسكون والهدوء.

“الحصاد” ما هي أكثر كلمات أغنية كتبتها وتشعر أنها الأقرب إلى قلبك ولماذا؟

“ماهر العزاوي” كل ما كتبته هو قريب إلى قلبي بل كل ما يخرج من الروح هو قريب من الروح إذا اصطلح التعبير. ولكن هناك أشياء كتبتها لها أفضلية تسكن في داخلي وأميّزها عن سواها، مثل كلمات أغنية “اشلونك بدوني” والتي سوف يتمّ طرحها قريبًا.

الحصاد”  إلى أي مدى أثّرت الأوضاع في بلادك في قصائدك وكيف عبّرت عن هذا الموضوع؟

“ماهر العزاوي” وضع بلدي العراق له تأثيرات محزنة ومؤلمة في كتاباتي لا بل في روحيّتها ، وكل أبناء بلدي مثلي تمامًا، وأنت تعلمين الأوضاع التي آلت إليها العراق. وبالتالي الإنسان هو ابن بيئته وهذا أكيد له دور كبير في النفس والروح والشخصية، بل وحتى في طريقة الطرح. وقد عبّرت عن ذلك وعن  الكثير من الحالات كمثل:

“وطن فهمني قصتك مني شتريد

جبتهة وياك من وجعة اعلى وجعة

حلمي وياك يوصل عتبة الباب

و لو بيدك تموتة لو اترجعة

واحبك لكن شما تمشي الايام

ثمن حبك ضعف لازم ادفعة

و لو ينهدر دمي من اليحكموك

لو انباع يم تجار سلعة….”

“الحصاد” ما المختلف بين الشعر الشعبي القديم لنقل في مرحلة السبعينيات وبين قصيدة اليوم؟

“ماهر العزاوي” هناك اختلاف كبير من حيث الطرح وأسلوب الكتابة بن مرحلة السبعينيّات وبين عصرنا اليوم. إذ أصبحت المفردة الآن أكثر بساطة وأكثر عمومية وذلك سبب سهولة إيصالها إلى أبعد مدى. من  الممكن القول إنّ القصيدة خرجت من رتابتها وأصبحت أكثر انتشارًا في الوقت الحالي، ولا ننسى أنّ معظم ألوان الشعر الشعبي حصرًا قد تمّت إعادة صياغتة فانتشر، بل لقد أصبح مقبولًا على مدى أوسع.

“الحصاد” هل تعتبر نفسك مطمئنًّا إلى ما تكتبه اليوم؟ وماذا يعني لك التجريب في الكتابة؟

“ماهر العزاوي” نعم إنّي مطمئن لأني أعي جيدًا ما أكتبه ولا أكترث لما هو متداول في الوسط. أنا أكتب الشيء الواقعي الملموس وأحاول دائمًا الابتعاد عما هو مبالغ فيه. الشاعر في حالة تجريب دائم، فأنا أعمل دائمًا على تجسيد حالات معينة عبر الكتابة وهذا الأمر هو ما ينمي ويطوّر تجربة الشعراء.

“الحصاد” كيف تنظر إلى مستقبل الشعر الذي تكتبه وما هي توقعاتك حول هذا الموضوع؟

“ماهر العزاوي” أحاول دائمًا أن أكتب ما يقدّم إليّ  مستقبلًا فيستمرّ ويعيش طويلًا. أخطّط دائمًا لهذا الأمر. أرى أنّ مستقبل ما أكتبه يعتمد على الذوق العام إن كان هناك ذوق عام، وأعي جيّدًا أنه سوف يتحقّق مستقبل مهمّ لكتاباتي وذلك إن بقي الحال على ما هو عليه. هنا ندع الأمر وننتظر.

“الحصاد” ما هو جديد ماهر العزاوي؟

“ماهر العزاوي” هناك الكثير من الأعمال الجديدة. سوف تطرح  في الأيام المقبلة إن شاء الله مع عدة ملحّنين منهم مع حفظ الألقاب: علي صابر، محمود الغياث، علي جاسم، سعدون البدري، ثائر حازم، احمد القيسي، كرار زايد، أحمد جوزي علي السلطان وهناك أسماء أخرى كثيرة.
العدد 123 / كانون الاول 2021