الحرب الروسية الأوكرانية -عقدة الزعامة الفردية وملامح النظام العالمي الجديد

د. ماجد السامرائي

يبدو المشهد العالمي أكثر عتمة وكآبة بعد اجتياح بوتين المدمر لأوكرانيا في قرار لم تسعفه التبريرات غير المقنعة التي تستّر خلفها الحلم القيصري لبوتين لاستعادة مكانة الاتحاد السوفييتي الذي انهار من الداخل بسبب عقم نظرية ماركس من مسايرة التطورات العالمية إضافة الى السياسات الشوفينية الاستبدادية لأكبر حاكمين هما لينين الماركسي وستالين الدموي.

كشف هذا الاجتياح والغزو العسكري غير المبرر ليس من وجهة النظر الأوربية حسب إنما من وجهة نظرية سياسية عالمية عصرية أسدلت ستارا على الاستعانة غير العاقلة بإمكانيات القوة العسكرية لفرض المصالح , انه يعيد عصر الموت بقرارات فردية .

وجد فلاديمير بوتين بحوار باطني مع عقله الاستخباري المُغلق إن فرصته أصبحت سانحة بعد ثلاثة عقود من سقوط الاتحاد السوفييتي واكثر من عقدين من حكمه الفردي لروسيا الجديدة التي رحبّ بها الغرب كدولة جديدة أنهت الحرب الباردة بفعل داخلي تزعمه قائد شيوعي يدعى ميخائيل غورباتشوف تحت ما سميت سياسة ( البيريسترويكا ) في الانفتاح وحرية الرأي التي عززت نمو التحرر الداخلي النهائي من الشيوعية والاندماج الخارجي بالسوق الحرة بعد أن مهدت قرارات سقوط الاتحاد السوفييتي نهاية ديسمبر 1991 وعقد اتفاقية ( ألما آتا ) مع دول الاتحاد السابقة كدول مستقلة صديقة لهذه التوجهات الجديدة .

لا ينفصل قرار الغزو الروسي لأوكرانيا عن طموح بوتين باستعادة بعض ملامح القوة التاريخية في مرحلة انتهت من عمر العالم . ففي مناسبات كثيرة اعتبر ان انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 عكس نهاية “روسيا التاريخية”، في تعبير ذاتي خاص لا يمثل رأي الناس بأن ” تفكك الاتحاد السوفياتي قبل ثلاثة عقود لا يزال يشكل “مأساة” بالنسبة إلى “غالبية المواطنين”. وشعوره بمقاومة الواقع الذي حصل الذي لم يجعله يتردد بأن يشتغل سائق تاكسي بعد انهيار موسكو في محاولة لإضفاء صفة القائد التاريخي لشخصه , وإن ما حصل بعد سقوط الاتحاد السوفييتي بأنه “أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين”.

في قراءة سريعة لخطاب بوتين الآديولوجي عشية اجتياحه العسكري , نستكشف الدوافع الحقيقية لهذا الغزو التي لا تظلم بوتين في توصيفه بأنه الحالم بعودة القيصرية الروسية في القرن الواحد والعشرين . يرى بوتين إن أوكرانيا أسستها روسيا ليست بعد الحكم الشيوعي لكن قبل ذلك بسنوات . قدم بوتين نقداً جارحاً لفلاديمير لينين وصفه بالفجّ ضد مصالح روسيا من خلال فصل جزء من أراضيها التاريخية وتمزيقها إربًا دون استشارة أحد من ملايين الناس , ويسترسل في استعراضه التاريخي المؤدلج حين قال : ان ستالين  وحّد اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، ونقل ملكية بعض الأراضي التي كانت في السابق تابعة لبولندا ورومانيا والمجر إلى أوكرانيا. في ذات الوقت وكنوع من التعويض أعطى ستالين بولندا جزءًا من الأراضي الألمانية. وفي عام 1954 اقتطع خروتشوف لسبب ما شبه جزيرة القرم من روسيا ووهبها لأوكرانيا. في الواقع بهذه الطريقة تشكّلت أراضي أوكرانيا السوفيتية . يرفض بوتين اليوم فكرة الدولة القومية المستقلة  متسائلاً : لقد تم إعطاء الوحدات الإدارية صفة تأسيس دول قومية , أسأل نفسي مرة أخرى: لماذا كان من الضروري تقديم مثل هذه الهدايا السخية التي لم يحلم بها أكثر القوميين حماسة وحتى منح الجمهوريات الحق في الانفصال عن الدولة الموحدة دون أية شروط.

بوتين يرفض حقائق التاريخ فيقول : فيما يتعلق بالمصير التاريخي لروسيا وشعوبها، اتضح أن المبادئ اللينينية لبناء الدولة لم تكن مجرد خطأ، بل كانت أسوأ بكثير من خطأ, لقد أصبح هذا جليًا تمامًا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991.

المبررات الجيوسياسية لحرب بوتين ضد أوكرانيا

يحاول بوتين صياغة مبررات استراتيجية وسياسية لغزوه لأوكرانيا كونها في نظره أصبحت تشكل خطراُ على الأمن الروسي , هو لا يهمه إقناع الآخرين لكنه أراد إقناع نفسه ومن حوله بهذه المغامرة . فيعرض في خطابه الاستراتيجي عشية الاجتياح  : اعتمدت أوكرانيا وثيقة استراتيجية عسكرية جديدة عام 2021 هذه الوثيقة خصص كامل أجزائها تقريباً للمواجهة مع روسيا، وتهدف إلى جر الدول الأجنبية للاشتباك مع بلدنا الاستراتيجية المذكورة تزعم أن هناك إرهاب تحت الأرض في القرم الروسية وفي أراضي دونباس. كما تكشف هذه الوثيقة من وجهة نظره  إطار الحرب المقترح وفقها “في الظروف المواتية لأوكرانيا وبدعم من المجتمع الدولي”. يعتقد مبالغاً في قدرات أوكرانيا ” هناك تصريحات حول اعتزام أوكرانيا تصنيع سلاحها النووي وهذا ليس هراء وكلاما فارغا , لأن أوكرانيا لا زالت تملك بالفعل التكنولوجيات النووية من عهد الاتحاد السوفييتي بما فيها وسائل نقل الأسلحة النووية وتقنيات الطيران.

بوتين أراد في خطابه الآديولوجي الاستراتيجي المهم وضع المبررات لغزوة أوكرانيا.

وجد إن عليه الكثير مما يفعله لبداية الطريق الصعب لإعادة الاعتبار للاتحاد السوفييتي لكن تحت عنوان روسيا الجديدة التي شكلت قلب ذلك الاتحاد , لم بكن مهتماً عن إن هذا الطموح سيصطدم بأحلام الشعوب الروسية أم لا , استثماره للبنية التحية الداخلية للاتحاد السوفييتي السابق , مؤسسات أمنية واستخبارية واقتصادية , وقدرات بشرية هائلة في العلم والتكنولوجيا, لا يمكن مقارنة العهد البوتيني الجديد الوريث لسقوط الحزب الشيوعي بمثال رث في العراق بعد نهاية نظام صدام حسين في العراق , حين أهانت الأحزاب اللقيطة العميلة  الدولة العراقية بحل جيشها الوطني , واهانة  شعب العراق بتسريح مئات الألوف من الكفاءات العلمية النادرة من مؤسساتهم وقتل أعداد كبيرة منهم عن طريق فرق الموت , وتشريع قانون لاجتثاث البعث لمنع مئات الألوف من المواطنين لمزاولة حياتهم وحقوقهم التقليدية , في حين إن عهد ما بعد الشيوعية في روسيا والبلدان التي تحررت من النظام الشيوعي وضعت الدساتير والقوانين الجديدة للأحزاب الشيوعية لممارسة حقها الانتخابي في الحياة السياسية دون قيود فاشية .

حلم الزعامة الفردية غالباً ما يقود الى مصير جهنمي , مثلما حصل لصدام حسين في غزوه للكويت عام 1990 قبيل سقوط الاتحاد السوفييتي بأربعة اشهر , حيث لم يسعفه الرئيس الروسي غورباتشوف الذي كان يحضّر نفسه للغياب النهائي عن مشهد القيادة السوفيتية وتسلميها للغرب دفعة واحدة, ردد صدام شعار عودة الفرع للأصل , كبوتين الذي يحاول إقناع نفسه قبل العالم بأن أوكرانيا وجود وهمي , وهي تابعة لروسيا . يقول بوتين ” أوكرانيا ليست مجرد دولة مجاورة لنا، فهي جزء لا يتجزأ من تاريخنا وثقافتنا وفضائنا المعنوي. هؤلاء ليسوا رفاقنا وأقاربنا وزملائنا وأصدقاءنا فحسب بل هم أيضًا أقاربنا تربطنا معهم صلة الدم والروابط العائلية” .

الفرق بين الحالتين الروسية والعراقية هي إن العالم المنافق خاصة أوربا ومعهم روسيا والصين اتخذوا قرارات لئيمة ضد شعب العراق في مجلس الأمن في أغسطس 1991 أسرع من شروق الشمس وغروبها فيما يفشل هذا المجلس عام 2022 حتى في اصدار قرار ادانة للغزو الروسي لأوكرانيا .

هل كانت تقديرات رجل المخابرات السابق دقيقة فيما سيواجه غزوته لبلد أصبح واحداً من بلدان أوربا الحرة حتى وإن لم ينظم الى اتحادها أو مؤسستها العسكرية ” الناتو ” ؟

لا شك إن تقارير مستشاري بوتين ساندت قراره الفردي ومغامرته بالغزو تحت معطيات جيوسياسية صحيحة فيما يتعلق بأمريكا جو بايدن وحدود ردود فعلها وتوابعها دول أوربا الغربية .أهمها معطيات هزيمة أمريكا في كل من العراق وأفغانستان والانسحاب المذل منهما , فيما ينبطح بايدن اليوم على غرار استاذه أوباما أمام نظام الملالي في طهران في الملف النووي .

الوقائع شهدت حملة عقوبات تجارية واقتصادية متعددة استهدفت النظام المالي الروسي الذي اعتمد منذ ثلاثة عقود على التعايش مع النظام العالمي الحر . صحيح إن العقوبات قاسية ليس بالقدر الذي كان يتوقعه بوتين , عزلة تامة في مجالات المال والصيرفة والطيران , حاول التخفيف منها باستعراضات ميدانية كاجتماعه مع مسؤولي شركة الطيران الروسي لمواجهة العقوبات التقنية ضد هذه المؤسسة الحيوية التي قررت اخيراً وقف رحلاتها الى العالم , بعد غلق المجالات الجوية لغالبية البلدان . الولايات المتحدة وأوربا التي ضاعفت في العقوبات كتعويض عن احجامها التحرش العسكري ببوتين سواء في إدخال أوكرانيا بحلف الناتو أو الحضر الجوي أو تقديم العون العسكري المباشر للحكومة الأوكرانية .  يبدو ان بوتين كان متوقعاً أضرار تلك العقوبات بحجم أقل , المهم لديه إنها  لن تُسقط نظام موسكو أولا ,ولا توقف ضم أوكرانيا لزعامته بالوكالة عن طريق ايجاد نظام موال له  في كييف ونزع سلاحها.

لنفترض إتمام بوتين لحملته العسكرية بنجاح في ظل عدم وجود توازن بين القوتين العسكريتين , موسكو الدولة العظمى وكييف الضعيفة الناشئة وريثة البلد النووي الذي سُلب منها بخديعة أمريكية وأوربية وارتياح روسي . لكن ماذا بعد . هل فعلاً الرئيس الروسي أراد الدخول في نظام دولي جديد بالتحالف مع الصين , وإرغام واشنطن المتقهقرة على قبول الوضع العالمي الجديد .

ردود الفعل العالمية كانت متباينة ما بين الدعم السياسي المُبطّن او المُعلن لموسكو تشفياً من واشنطن قاهرة الشعوب المظلومة , أو تلك الناقدة لجنون العظمة لدى بوتين في قتله للمدنيين الأبرياء في هذا البلد الآمن وتدمير البنية التحية لأكبر مُصدر للقمح في العالم . بوتين في نظر هؤلاء لم يختلف عن قادة أمريكا , فقد قاد وما زال حرباً مدمرة على الشعب السوري دعماً لنظام بشار الأسد .

هنا يمكن المرور السريع على أبرز المواقف العالمية غير المستقرّة وليست نهائية لدول كبرى وأخرى صغيرة من خارج الاتحاد الأوربي .

بايدن يرسم نهاية الدولة الأمريكية العظمى

منذ نهاية الحرب الباردة أقنع قادة الولايات المتحدة أنفسهم أنهم قادرون على خلق نظام ليبرالي عالمي وتحفيز الصين لتصبح شريكا مسؤولاً بشكل يدفعها لتبني القيم الغربية، بالإضافة لتحويل كل من العراق وأفغانستان ودول أخرى لديمقراطيات ليبرالية هشة سرعان ما عززت امبراطوريات الفساد والتطرف , وادعاء تخليص العالم من الشر ودفع كل من كوريا الشمالية وإيران التخلي عن برامجهما النووية وتوسيع الناتو لأكبر مدى ممكن بدون أي رد عدواني من روسيا أو التقريب بين موسكو وبكين. وانفقت واشنطن تريليونات الدولارات لمحاولة تحقيق هذه الأهداف وغيرها بدون أي  نتيجة.

لقد تقهقرت أمريكا في أفغانستان أواخر 2021 بانسحابها المُذّل , كما انسحبت من العراق في جولتين مذلتين عامي 2011 و2021 .

رغم الفشل المذل، فقد أظهرت الأزمة الحالية في حرب روسيا على أوكرانيا أن هناك استجابة انعكاسية تفترض أن الولايات المتحدة لديها الحق والمسؤولية والأهم من كل هذا القدرة على فرض ترتيبات سياسية في كل أنحاء العالم وحتى في المناطق المهمة للآخرين أكثر منها للغرب. كان لدى الولايات المتحدة القوة الكبرى في العالم في عز القطبية الواحدة وبالتأكيد  لديها تلك القدرة اليوم, لكن امتلاك القوة شيء واستخدامها شيء آخر .

هذا لا يعني أن الولايات المتحدة أصبحت عملاقا عاجزا ومثيرا للحزن في نظر كثير من الكتاب الأمريكيين وليست قادرة على مواصلة سياسات تحقق لها الازدهار والاستقرار.

تحت عنوان “الغرب يسير مثل النائم في حرب أوكرانيا”، قال استاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد والكاتب في مجلة “فورين بوليسي” ستيفن وولت إنه ليس من السهل فهم الطريقة التي ترد فيها الولايات المتحدة وأوروبا على العدوان الروسي. وعبر الكاتب عن دهشته من العزيمة التي قدمتها الولايات المتحدة والناتو من جهة والموقف الدبلوماسي الذي تبناه التحالف، فقد كان الرئيس الأمريكي جو بايدن واضحا في أن أمريكا لن ترسل قوات إلى أوكرانيا ولم يعبر أي بلد أوروبي عن التزام مماثل. لا أحد في مؤسسة صناعة القرار الأمريكية يريد خوض حرب حقيقية من أجل أوكرانيا، وهو اعتراف تكتيكي بأن أوكرانيا لا تمثل في الحقيقة مصلحة قومية أمريكية حيوية.

الصين هذا العملاق الذي يشكل القوة العالمية الكبرى مقابل الولايات المتحدة , اعتقد بوتين إنه في غزوته الجنونية هذه سيكسب ودّ بكين الغاضبة من أمريكا والغرب في استلاب تايوان منها , لكن المؤشرات لا تعطي قراءات جازمة بتوافق صيني مع الخطوة الروسية , صحيح ان المنبع الآديولوجي واحد لكلا البلدين روسيا والصين التي انطلقت على مفهوم عالمي جديد مبني على التطور الهائل في الاقتصاد والتجارة , وهذا يعني التخلي عن الاصطفافات الآديولوجية , الصين لا تضحي بعلاقاتها واستثماراتها التجارية والمالية في الولايات المتحدة الأمريكية  .  محللون غربيون ينظرون الى الموقف  الصيني بعيون تختلف عما تنظره عيون العرب وحلفاء روسيا في المنطقة . هؤلاء الغربيون يعتقدون بأن الصين لا تنزعج كثيراً من تغيير اتجاهات الاهتمام الأمريكي من جنوب وشرق آسيا إلى أوروبا وروسيا. هذا سيضعها في موقع أكثر راحة، وهي قوة اقتصادية بشكل أساسي وتبني علاقاتها مع الغرب على مبدأ التبادل التجاري وليس على مستوى التحالفات الإيديولوجية. روسيا في هذا المجال الاقتصادي لا تُشكل وزناً راجحاً حتى تقوم الصين بالابتعاد عن أمريكا أو إزعاجها، فأمريكا أكبر مُستهلك في العالم لبضائعها. الميزان التجاري بينهما هو بشكل كبير لصالح الصين. الأزمة الحالية  بحرفها اهتمامات أمريكا والغرب بشكل عام، تُعطي الصين حرية أكبر بالتحكم في منطقتها الجغرافية خصوصاً مع تايوان وتطوير طرق الحرير مشروعها الاقتصادي الكبير.

أوربا التي تعاني من مشكلات جدّية أهمها آثار كوفيد 19 على اقتصاديات العالم الأمريكي والأوربي والعالمي كذلك , رغم الإعلانات المتواصلة لدول اوربا الغربية بأن العقوبات الاقتصادية على روسيا والضغط عليها في المقاطعة ستؤدي الى مشكلات جدّية داخل روسيا , إلا ان تلك العقوبات ستنسحب بصورة عكسية على بلدان أوربا أيضاً .

أما بلدان العرب خصوصاً السعودية والخليج فلها قصة أخرى أكثر تعقيداً .

بلدان عربيان مهمان ( العراق وسوريا ) وقعا تحت نيران الطرفين الغازين الأمريكي والروسي بوقتين متفاوتين . مع ذلك وجدنا نظام بشار الأسد ينحاز بقوة الى غزوة بوتين , أما العراق فآثرت حكومته التحفظ والصمت رغم انقسام النزعات الحزبية داخل البلد ما بين موال لروسيا تماشياً مع الموقف الإيراني , ورافض للاحتلال الروسي متمثلاً بموقف الزعيم الشيعي مقتدى الصدر.

بلدان من دول الخليج هما السعودية والامارات استثمرا هذه الفرصة الجيوسياسية ليردا على ادارة بايدن الحالية التي تمادت كثيراً في التحلل من الاتفاقات الاستراتيجية لدعم السعودية والامارات . قالا  له : هذه فرصتنا , قبيل الغزو ذهبا في عقد العديد من الاتفاقيات الاقتصادية مع موسكو إضافة الى بكين . جاء الموقف الاماراتي في التحفظ على قرار الإدانة لموسكو في مجلس الأمن الدولي وفق حسابات مُرتبة تتعلق بالخشية من استخدام موسكو لحق الفيتو ضد المشروع الخاص باعتبار الحوثيين في اليمن منظمة إرهابية في الأيام المقبلة .

صمت النظام الإيراني وتحفظه في دعم موسكو يأتي بسبب مفاجأته من حجم الرفض الدولي الرسمي والشعبي للغزوَ الروسي لأوكرانيا، مدركاً إن اندفاعه العالي في اعلان انحيازه بوتين في هذه المرحلة يعني خسارته الاتفاق مع أمريكا على الملف النووي .

يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لعب دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا منذ أشهر، وقد عبّر عن رغبته في ذلك مجدداً بعد بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا لأن لتركيا علاقات سياسية واقتصادية وثيقة مع كلٍّ من روسيا وأوكرانيا في آنٍ واحد وهو ما يدعوها للعب دور الوسيط بين موسكو وكييف . تجد انقرة في حرب أوكرانيا فرصتها لتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي “الناتو .

 بالنسبة لإسرائيل، بسبب وجود ملايين المواطنين من أصول روسية، فإن موقعها لن يكون مريحاً، هذا ما يفتح للفلسطينيين إن استغلوا الفرصة الإمكانية لتعميق الشرخ الأمريكي الإسرائيلي وقد امتنعت إسرائيل في الأمم المتحدة عن إدانة الهجوم الروسي وهو ما أثار حفيظة الأمريكيين. تخشى إسرائيل لوجستياً تقييد حركتها العسكرية الجوية على الأراضي السورية إذا ما أرادت تعطيل الاتفاق الروسي الإسرائيلي بالعودة الإسرائيلية الى موسكو قبل إطلاق قذيفة أو صاروخ نحو التجمعات الإيرانية على الاراضي السورية .

النظام السياسي في روسيا المبني على حكم الفرد ورجال الأعمال الفاسدين هو في الحقيقة أكبر خطر على روسيا حالياً ومستقبلاً وليس كما يدعي بوتين الخطر الغربي , ذلك إن المصالح الحيوية لتلك الطبقة الفاسدة لا يمكن أن تعيش بدون الغرب وأمريكا .

زعامة بوتين حتى وإن نجح في غزوه لهذا البلد المتواضع في القوة العسكرية , ليس انتصاراً استراتيجياً كما يتوقع , لم تندفع أمريكا في الرد العسكري على روسيا عبر الناتو , بذلك وضع بوتين نفسه في مأزق كبير , مأزق الغرور الفردي .

 حرب أوكرانيا وضعت متغيرات كبرى في الاستراتيجيات العالمية على الأرض , لا تتعلق بالمآسي الإنسانية لشعب مسالم هو الشعب الأوكراني حسب , لكن في كون هذه الحرب المفتوحة على أبواب كانت مغلقة منذ انتهاء الحرب الباردة على خيارات كبرى في النظام العالمي الجديد الذي لم تتضح معالمه لحد اللحظة , فأمريكا حوت كبير لا تلتهمه أحراش على ضفاف المحيطات .

العدد 127 / نيسان 2022